وأولئك مفعولٌ مقدم ل {هَدَى الله} ، ويَضْعُفُ جَعْلُه مبتدأً على حذف العائد أي: هداهم الله كقوله: {أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ} [المائدة: 50] برفع «حكم» . قوله: «اقتدِهْ» قرأ الأخوان بحذف هذه الهاء في الوصل، والباقون أثبتوها وصلاً ووقفاً، إلا ابنَ عامر بكَسْرها، ونَقَل ابنُ ذكوان عنه وجهين، أحدهما: الكسر من غير وصل بمدَّة. والثاني وصلُه بمدَّة، والباقون يسكنونها، أمَّا في الوقف فإن القراء اتفقوا على إثباتها ساكنة، وقد اختلفوا أيضاً في {مَالِيَهْ} [الحاقة: 28] و {سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 29] في الحاقة، وفي {مَاهِيَهْ} [القارعة: 10] في القارعة بالنسبة إلى الحذف والإِثبات، واتفقوا على إثباتها في {كِتَابيَهْ} [الحاقة: 19] و {حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 20]
فأمَّا قراءةُ الأخوين فالهاءُ عندهما للسكتِ فلذلك حَذَفاها وَصْلاً إذ مَحَلُّها الوقفُ، وأَثْبتاها وقفاً إتباعاً لرسم المصحف، وأمَّا مَنْ أثبتها ساكنةً فتحتمل عنده وجهين أحدهما: هي هاء سكت، ولكنها ثبتت وصلاً إجراءً للوصل مجرى الوقف كقوله: {لَمْ يَتَسَنَّهْ وانظر} [البقرة: 259] في أحد الأقوال كما تقدم.
والثاني: أنها ضمير المصدر سُكِّنَتْ وصلاً إجراءً للوصل أيضاً مجرى الوقف نحو: {نُؤْتِهِ} [آل عمران: 145] و {فَأَلْقَهِ} [النمل: 28] و {أَرْجِهْ} [الأعراف: 111] {نُوَلِّهِ} [النساء: 115] {وَنُصْلِهِ} [النساء: 115] .
واختُلِفَ في المصدر الذي تعود عليه هذه الهاء فقيل: الهدى أي: اقتد الهدى، والمعنى: اقتد اقتداءَ الهدى، ويجوز أن يكون «الهدى» مفعولاً من أجله أي: فبهداهم اقتد لأجل الهدى، وقيل: الاقتداء أي: اقتدِ الاقتداء. ومن إضمار المصدر قوله:
1978 - هذا سُراقةُ للقرآنِ يدرسُه ... والمرءُ عند الرُّشا إن يَلْقَها ذيبُ
أي: يَدْرُسُ الدَّرْسَ، ولا يجوز أن تكون الهاء ضمير القرآن، لأن الفعل قد تعدَّى له، وإنما زِيْدت اللام تقويةً له حيث تقدَّم معموله ولذلك جعل النحاة نصب «زيداً» مِنْ «زيداً ضربته» بفعل مقدر خلافاً للفراء. وقال ابن الأنباري: «إنها ضمير المصدر المؤكد النائب عن الفعل، وإن الأصل: اقتد اقتد، ثم جعل المصدر بدلاً من الفعل الثاني ثم أضمر فاتصل بالأول.
وأمَّا قراءة ابن عامر فالظاهر فيها أنها ضمير وحُرِّكَتْ بالكسر مِنْ غير وصل، وهو الذي يُسَمِّيه القرَّاء الاختلاس تارةً، وبالصلة وهو المسمَّى إشباعاً أخرى كما قرئ:» أَرْجِهِ «ونحوه، وإذا تقرَّر هذا فقول ابن مجاهد عن ابن عامر» يُشِمُّ الهاء [الكسر] من غير بلوغ ياء، وهذا غلط؛ لأن هذه الهاءَ هاءُ وقف لا تُعْرَبُ في حال من الأحوال أي لا تُحَرَّك وإنما تدخل لِتَبِيْنَ بها حركة ما قبلها «ليس بجيدٍ لِما قَرَّرت لك من أنها ضمير المصدر. وقد رَدَّ الفارسي قول ابن مجاهد بما تقدم. والوجه الثاني: أنها هاء سكت أُجْرِيَتْ مجرى هاء الضمير، كما أجريت هاء الضمير مجراها في السكون، وهذا ليس بجيد، ويُرْوى قول المتنبي:
1979 - واحرَّ قلباه ممَّن قلبُه شَبِمُ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بضم الهاء وكسرها على أنها هاءُ السكت شُبِّهَتْ بهاء الضمير فحركت والأحسن أن تجعل الكسر لالتقاء الساكنين لا لشبهها بالضمير، لأن هاء الضمير لا تكسر بعد الألف فكيف بما يشبهها؟
والاقتداء في الأصل: طلبُ الموافقةِ، قاله الليث. ويقال: قُدْوَة [وقِدْوٌ، وأصله من القِدْو] وهو أصل البناء الذي يتشعَّبُ منه تصريف الاقتداء. و «بهداهم» متعلق ب «اقتد» . وجعل الزمخشري تقديمَه مفيداً للاختصاص على قاعدته. والهاءُ في «عليه» تعود على القرآن أو التبليغ، أُضْمرا وإن لم يَجْرِ لهما ذِكْرٌ لدلالة السياق عليهما. و «إنْ» نافية ولا عملَ لها على المشهور، ولو كانت عاملةً لبَطَلَ عملها ب «إلاَّ» . و «للعالمين» متعلق ب «ذكرى» واللام مُعَدِّية، أي: إنْ القرآن إلا تذكير العالمين. ويجوز أن تكون متعلقةً بمحذوف على أنها صفة ل «ذكرى» /.
{"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ قُل لَّاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡعَـٰلَمِینَ"}