قوله: {فَكَانَ قَابَ} : ههنا مضافاتٌ محذوفاتٌ يُضْطَرُّ لتقديرِها أي: فكان مقدارُ مسافةِ قُرْبِه منه مثلَ مقدارِ مسافةِ قابٍ. وقد فَعَلَ أبو علي هذا في قولِ الشاعر:
4127 -. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وقد جَعَلَتْني مِنْ حَزِيْمَةَ إصبعا
أي: ذا مقدارِ مسافةِ إصبع. والقابُ: القَدْرُ. تقول: هذا قابُ هذا أي: قَدْرُه. ومثلُه: القِيبُ والقادُ والقِيس قال الزمخشري: «وقد جاء التقديرُ بالقوس والرُّمْح والسَّوْط والذِّراع والباعِ والخُطْوة والشُّبر والفِتْر والإِصبع، ومنه: لا صَلاةَ إلى أن ترتفعَ الشمسُ مِقدار رُمْحين. وفي الحديث:» لَقابُ قوس أحدِكم من الجنة وموضعُ قِدِّه خيرٌ من الدنيا وما فيها «، والقِدُّ السَّوْط. وألفُ» قاب «عن واوٍ. نصَّ عليه أبو البقاء. وأمَّا» قِيْبٌ «فلا دَلالة فيه على كونِها ياءً؛ لأنَّ الواوَ إذا انكسر ما قبلها قُلِبت ياءً كدِيْمة وقِيمة، وذكره الراغب أيضاً في مادة» قوب «إلاَّ أنه قال في تفسيره:» هو ما بين المَقْبَضَ والسِّيَةِ من القوس «فعلى هذا يكون مقدارَ نصفِ القوس؛ لأن المَقْبَضَ في نصفِه. والسِّيَةُ هي الفُرْضَة التي يُخَطُّ فيها الوَتَرُ. وفيما قاله نظرٌ لا يخفى. ويُرْوى عن مجاهد: أنه من الوَتَر إلى مَقْبَضِ القوس في وسَطه. وقيل: إنَّ القوسَ ذراعٌ يُقاس به، نُقل ذلك عن ابن عباس وأنه لغةٌ للحجازيين.
والقَوْسُ معروفةٌ، وهي مؤنثةٌ، وشَذُّوا في تصغيرِها فقالوا: قُوَيْس من غيرِ تأنيثٍ كعُرَيْبٍ وحُرَيْبٍ، ويُجْمع على قِسِيّ، وهو مَقْلوب مِنْ قُوُوْس، ولتصريفِه موضعٌ آخر. /
قوله: {أَوْ أدنى} هي كقوله: {أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] لأنَّ المعنى: فكان بأحدِ هذين المقدارَيْنِ في رَأْيِ الرائي، أي: لتقارُبِ ما بينهما يَشُكُّ الرائي في ذلك. وأَدْنى أفعلُ تفضيلٍ، والمفضَّلُ عليه محذوفٌ أي: أو أدنى مِن قاب قوسين.
{"ayah":"فَكَانَ قَابَ قَوۡسَیۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ"}