قوله تعالى: {مِن بني إِسْرَائِيلَ} : في محلِّ نصبٍ على الحال، وصاحبُها: إمَّا «الذين» وإمَّا «واو» كفروا «وهم بمعنًى واحدٍ. وقوله: {على لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى} المرادُ باللسانِ الجارحةُ لا اللغةُ، كذا قال الشيخ يعني أنَّ الناطقَ بِلَعْنِ هؤلاء لسانُ هذين النبيين، وجاء قولُه {على لِسَانِ} بالإِفراد دون التثنيةِ والجمعِ فلم يَقُلْ:» على لسانَيْ «ولا» على ألسنةِ «لقاعدةٍ كليةٍ، وهي: أن كلَّ جزأين مفردين من صاحبيهما إذا أُضيفا إلى كليهما من غيرِ تفريقٍ جازَ فيهما ثلاثةُ أوجهٍ، لفظُ الجمعِ - وهو المختارُ - ويليه التثنيةُ عند بعضِهم، وعند بعضِهم الإِفرادُ مقدمٌ علة التثنيةِ، فيقال:» قَطَعْتُ رؤوسَ الكبشين «وإنْ شئت: رأسَي الكبشين، وإن شئت: رأسَ الكبشين، ومنه: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ، فقولي» جزأين «تحرُّزٌ من شيئين ليسا بجزأين نحو:» درهميكما «وقد جاء:» من بيوتِكما وعمائمكما وأسيافمكا «لأَمْنِ اللَّبْسِ، وبقولي:» مفردين «من نحو:» العينين واليدين «فأمَّا قولُه تعالى: {فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ففُهِم بالإِجماع وبقولي:» من غيرِ تفريق «تحرُّزٌ من نحو: قَطَعْتُ رأسي الكبشين: السمينِ والكبشِ الهزيل» ، ومنه هذه الآية فلا يجوزُ إلا الإِفرادُ وقال بعضهم: «وهو مختارٌ» أي: فيجوز غيرُه. وقد مضى تحقيقُ هذه القاعدةِ في سورة المائدة بكلامٍ طويٍ فعليك بالالتفاتِ إليه.
وفي النفسِ من كونِ المرادِ باللسان الجارحةَ شيءٌ، ويؤيد ذلك ما قاله الزمخشري فإنه قال: «نَزَّل اللهُ لَعْنَهم في الزبور على لسانِ داود، وفي الإِنجيل على لسانِ عيسى وقوةُ هذا تَأْبى كونَه الجارحةَ، ثم أني رأيتُ الواحدي ذكرَ عن المفسرين قولين، ورجَّح ما قلته قال - رحمه الله -:» وقال ابن عباس: يريد في الزبور وفي الإِنجيلِ، ومعنى هذا أنَّ اللَهَ تعالى لَعَنَ في الزبور مَنْ يكفر من بني إسرائيل وكذلك في الإِنجيل، وقيل: على لسان داود وعيسى؛ لأنَّ الزبورَ لسانُ داود والإِنجيلَ لسانُ عيسى «فهذا نصٌّ في أن المراد باللسانِ غيرُ الجارحة، ثم قال:» وقال الزجاج: «وجائزٌ أن يكون داود وعيسى عَلِما أنَّ محمداً نبيٌّ مبعوثٌ، وأنهما لَعَنا مَنْ يكفر به» والقول هو الأول، فتجويزُ الزجاجِ لذلك ظاهرٌ أنه يُراد باللسانِ الجارحةُ ولكن ليس قولاً للمفسرين. و «على لسانِ» متعلِّقٌ ب «لعن» قال أبو البقاء: «كما يُقال: جاء زيدٌ على فرس» . وفيه نظرٌ إذ الظاهر أنه حالٌ. وقولُه: «ذلك بما عَصَوْا» قد تقدَّم نظيره قوله: {وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} في هذه الجملة الناقصةِ وجهان، أظهرهما: أن تكونَ عطفاً على صلةِ «ما» وهو «عَصَوْا» أي: ذلك بسب عصيانِهم وكونِهم معتدين. والثاني: أنها استئنافيةٌ أي: أخبر الله تعالى عنهم بذلك. قال الشيخ: «ويُقَوِّي هذا ما جاءَ بعده كالشرحِ له، وهو قولُه: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ} .
{"ayah":"لُعِنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۢ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَۚ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ"}