قوله: {أَن تَسْجُدَ} : قد يَسْتَدِلُّ به مَنْ يَرَى أنَّ «لا» في {أَلاَّ تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] في السورةِ الأخرى زائدةٌ؛ حيث سقطَتْ هنا والقصةُ واحدةٌ. وقوله: «لما خَلَقْتُ» قد يَسْتَدِلُّ به مَنْ يرى جوازَ وقوع «ما» على العاقل؛ لأنَّ المرادَ به آدمُ. وقيل: لا دليلَ فيه؛ لأنه كان فَخَّاراً غيرَ جسمٍ حَسَّاسٍ فأشير إليه في تلك الحال. وقيل: «ما» مصدريةٌ والمصدرُ غيرُ مُرادٍ، فيكون واقعاً موقعَ المفعولِ به أي: لمخلوقي.
وقرأ الجحدري «لَمَّا» بتشديدِ الميمِ وفتحِ اللامِ، وهي «لَمَّا» الظرفيةُ عند الفارِسيِّ، وحرفُ وجوبٍ لوجوبٍ عند سيبويه. والمسجود له على هذا غيرُ مذكورٍ أي: ما مَنَعَك من السجود لَمَّا خلقْتُ أي: حين خَلَقْتُ لِمَنْ أَمَرْتُك بالسجود له. وقُرِئ «بيَدَيِّ» بكسرِ الياءِ كقراءةِ حمزةَ «بِمُصْرِخِيِّ» وقد تقدَّم ما فيها. وقُرِئ «بيدي» بالإِفرادِ.
قوله: «أسْتَكْبَرْت» قرأ العامَّةُ بهمزةِ الاستفهام وهو استفهامُ توبيخٍ وإنكارٍ. و «أم» متصلةٌ هنا. هذا قولُ جمهورِ النحويين. ونقل ابنُ عطيةَ عن بعضِ النحويين أنها لا تكونُ معادِلَةً للألفِ مع اختلافِ الفعلَيْن، وإنما تكونُ معادِلةً إذا دَخَلَتا على فِعْلٍ واحد كقولِك: أقامَ زيدٌ أم عمروٌ، وأزيدٌ قام أم عمروٌ؟ وإذا اختلف الفعلان كهذه الآيةِ فليسَتْ معادِلةً. وهذا الذي حكاه عن بعض النحويين مَذْهَبٌ فاسِدٌ، بل جمهورُ النحاةِ على خلافِه قال سيبويه: «وتقول:» أضرَبْتَ زيداً أمْ قَتَلْتَه؟ «فالبَدْءُ هنا بالفعل أحسنُ؛ لأنك إنما تَسْأل عن أحدِهما لا تدري أيهما كان؟ ولا تَسْأَلُ عن موضعِ أحدِهما كأنك قلت: أيُّ ذلك كان» انتهى. فعادل بها الألفَ مع اختلافِ الفعلين.
وقرأ جماعةٌ - منهم ابنُ كثير، وليسَتْ مشهورةً عنه - «استكبَرْتَ» بألف الوصلِ، فاحتملَتْ وجهين، أحدهما: أنْ يكونَ الاستفهامُ مُراداً يَدُلُّ عليه «أم» كقولِه:
3879 -. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... بسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أم بثمانِ
وقول الآخر:
3880 - ترُوْحُ من الحَيِّ أم تَبْتَكِرْ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فتتفق القراءتان في المعنى، واحتمل أَنْ يكونَ خبراً مَحْضاً، وعلى هذا فأم منقطعةٌ لعدمِ شَرْطِها.
{"ayah":"قَالَ یَـٰۤإِبۡلِیسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِیَدَیَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِینَ"}