قوله: {وَمَا تَعْمَلُونَ} : في «ما» هذه أربعةُ أوجه، أجودُها: أنها بمعنى الذي أي: وخَلَق الذي تَصْنَعونه، فالعملُ هنا التصويرُ والنحتُ نحو: عَمِل الصائغُ السِّوارَ أي: صاغه. ويُرَجِّح كونَها بمعنى الذي تَقَدُّمُ ما قبلَها فإنَّها بمعنى الذي أي: أتعبُدُوْنَ الذي تَنْحِتُون، واللَّهُ خلقكم وخَلَقَ ذلك الذي تَعْملونه بالنَّحْتِ.
والثاني: أنها مصدريةٌ أي: خَلَقَكم وأعمالَكم. وجعلها الأشعريَّةُ دليلاً على خَلْقِ أفعال العباد لله تعالى، وهو الحقُّ. إلاَّ أَنَّ دليلَ ذلك مِنْ هنا غيرُ قويّ لِما تقدَّم مِنْ ظهورِ كَوْنِها بمعنى الذي. وقال مكي: «يجبُ أَنْ تكونَ» ما «والفعلُ مصدراً جيْءَ به لِيُفيدَ أنَّ اللَّهَ خالقُ الأشياءِ كلِّها» . وقال أيضاً: «وهذا أَلْيَقُ لقولِه تعالى: {مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 2] أجمع القراءُ على الإِضافةِ، فدَلَّ على أنه خالقُ الشَّرِّ. وقد فارق عمرو بن عبيد الناسَ فقرأ» مِنْ شرٍّ «بالتنوين ليُثْبِتَ مع الله تعالى خالقاً» . وقد استفرضَ الزمخشري هذه المقالةَ هنا بكونِها مصدريةً، وشَنَّع على قائلِها.
والثالث: أنها استفهاميةٌ، وهو استفهامُ توبيخٍ وتحقيرٍ لشأنِها أي: وأيَّ شيءٍ تَعْملونَ؟ والرابع: أنَّها نافيةٌ أي: إنَّ العملَ في الحقيقة ليس لكم فأنتم لا تعملون شيئاً. والجملةُ مِنْ قولِه: «والله خَلَقكم» حالٌ ومعناها حينئذٍ: أتعبدون الأصنام على حالةٍ تُنافي ذلك، وهي أنَّ اللَّهَ خالِقُكم وخالِقُهم جميعاً. ويجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً.
{"ayah":"وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ"}