قوله: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} : إنْ قيل: ما الفائدةُ بالإِتيان ب «ثم» ، وحُكْمُ مَنْ طُلِّقَتْ على الفورِ بعد العَقْد كذلك؟ / فالجوابُ: أنه جَرَى على الغالب. وقال الزمخشري: «نَفْيُ التوهُّم عَمَّن عسى يَتَوَهَّمُ تفاوُتَ الحُكْمِ بين أَنْ يُطَلِّقَها قريبة العهدِ بالنكاح، وبين أن يَبْعَدَ عهدُها بالنكاح وتتراخى بها المدةُ في حيالةِ الزوجِ ثم يُطَلِّقها» . قال الشيخ «واستعمل عَسَى صلةً ل» مَنْ «وهو لا يجوز» . قلتُ: يُخَرَّجُ قولُه على ما خُرِّجَ عليه قولُ الشاعر:
3706 - وإني لَرامٍ نَظْرَةً قِبَلَ التي ... لَعَلِّي وإنْ شَطَّتْ نَواها أَزورها
وهو إضمارُ القول.
قوله: «تَعْتَدُّوْنَها» صفةٌ ل «عِدَّة» و «تَعْتَدُّونها» تَفْتَعِلُونها: إمَّا مِن العَدَدِ، وإمَّا مِن الاعتدادِ أي: تَحْتَسِبُونها أو تَسْتَوْفون عَدَدَها مِنْ قولِك: عَدَّ الدراهمَ فاعتدَّها. أي: استوفى عَدَدها نحو: كِلْتُه فاكتاله، ووَزَنْتُه فاتَّزَنَه. وقرأ ابن كثير في روايةٍ وأهلُ مكةَ بتخفيف الدال. وفيها وجهان، أحدهما: أنها من الاعتدادِ، وإنما كَرِهوا تضعيفَه فَخَفَّفوه. قاله الرازي قال: «ولو كانَ من الاعتداءِ الذي هو الظلمُ لَضَعُفَ؛ لأنَّ الاعتداءَ يتعدَّى ب على» . قيل: ويجوز أَنْ يكونَ من الاعتداء وحَذَفَ حرفَ الجرِّ أي: تَعتَدُون عليها أي: على العِدَّة مجازاً ثم تَعْتَدُوْنها كقوله:
3707 - تَحِنُّ فَتُبْدِيْ ما بها مِنْ صَبابةٍ ... وأُخْفي الذي لولا الأسى لقَضاني
أي: لقضى عليَّ. قال الزمخشري: «وقُرِئ» تَعْتَدُونها «مخففاً أي: تعتدون فيها. كقوله:
3708 - ويومٍ شَهِدْناه. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
البيت. والمرادُ بالاعتداءِ ما في قولِه: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ} [البقرة: 231] يعني: أنه حَذَفَ الحرفَ كما حَذَفَ في قولِه:
ويومٍ شَهِدْناه سُلَيْمى وعامِراً ... قليلٍ سوى الطَّعْنِ النِّهالِ نوافِلُهْ
وقيل: معنى تَعْتَدُونها أي: تَعْتَدُوْن عليهنَّ فيها. وقد أنكر ابنُ عطية القراءةَ عن ابن كثير وقال:» غَلِطَ ابنُ ابي بَزَّة عنه «وليس كما قال. والثاني: أنها من العُدْوان والاعتداء، وقد تقدَّم شَرْحُه، واعتراضُ أبي الفضل عليه: بأنه كان ينبغي أَنْ يتعَدَّى ب» على «، وتقدَّم جوابُه. وقرأ الحسن» تَعْدُّونها «بسكون العين وتشديدِ الدالِ، وهو جمعٌ بين ساكنَيْن على غيرِ حَدَّيْهما.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَیۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةࣲ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحࣰا جَمِیلࣰا"}