قوله: {إِذْ جَآءُوكُمْ} : بدلٌ من «إذ» الأولى. وقرأ الحسنُ «الجَنود» بفتح الجيم. والعامَّةُ بضمِّها. و «جنوداً» عطفٌ على «ريحاً» . و «لم تَرَوْها» صفةٌ لهم. ورُوِي عن أبي عمرو وأبي بكرة «لم يَرَوْها» بياءِ الغَيْبة.
قوله: «الحَناجرَ» جمع حَنْجَرة وهي رأسُ الغَلْصَمَة، والغَلْصَمَةُ مُنتهى الحُلْقوم، والحُلْقُوْمُ مَجْرى الطعامِ والشرابِ. وقيل: الحُلْقُوم مَجْرى النَّفَس، والمَرِي: مَجْرى الطعام والشراب وهو تحت الحُلْقوم. وقال الراغب: «رأسُ الغَلْصَمَة من خارج» .
وقوله: «الظنونا» قرأ نافع وابنُ عامر وأبو بكر بإثبات ألفٍ بعد نون «الظُّنونا» ولامِ «الرسول» في قوله: {وَأَطَعْنَا الرسولا} [الأحزاب: 66] ولام «السَّبيل» في قوله: {فَأَضَلُّونَا السبيلا} [الأحزاب: 67] وَصْلاً ووَقْفاً موافقةً للرسمِ؛ لأنهنَّ رُسِمْنَ في المصحف كذلك. وأيضاً فإنَّ هذه الألفَ تُشْبه هاءَ السكتِ لبيانِ الحركة، وهاءُ السكتِ تَثْبُتُ وقفاً، للحاجة إليها. وقد ثَبَتَتْ وصلاً إجراءً للوصل مُجْرى الوقف كما تقدَّم في البقرة والأنعام. فكذلك هذه الألفُ. وقرأ أبو عمروٍ وحمزةُ بحَذْفِها في الحالَيْن؛ لأنها لا أصلَ لها. وقولُهم: «أُجْرِيَتْ الفواصلُ مُجْرى القوافي» غيرُ مُعْتَدٍّ به؛ لأنَّ القوافي يَلزَمُ الوقفُ عليها غالباً، والفواصلُ لا يَلْزَمُ ذلك فيها فلا تُشَبَّهُ بها. والباقون بإثباتِها وَقْفاً وحَذْفِها وَصْلاً إجراءً للفواصلُ مُجْرى القوافي في ثبوتِ ألفِ الإِطلاق كقولِه:
3676 - اسْتأثَرَ اللَّهُ بالوفاءِ وبال ... عَدْلِ ووَلَّى المَلامَةَ الرَّجُلا
وقوله:
3677 - أقِلِّي اللومَ عاذلَ والعِتابا ... وقُولي إن أَصَبْتُ لقد أصابا
ولأنها كهاءِ السكت، وهي تَثْبُتُ وقفاً وتُخَفَّفُ وصلاً. قلت: كذا يقولون تشبيهاً للفواصلِ بالقوافي، وأنا لا أحب هذه العبارةَ فإنها مُنْكَرَة لفظاً ولا خلافَ في قوله: {وَهُوَ يَهْدِي السبيل} [الأحزاب: 4] أنه بغيرِ ألفٍ في الحالين.
قوله: «هنالك» منصوبٌ ب «ابْتُلِيَ» وقيل: ب «تَظُنُّون» . واسْتَضْعَفَه ابنُ عطية. وفيه وجهان، أظهرهما: أنه ظرفُ مكانٍ/ بعيدٍ أي: في ذلك المكان الدَّحْضِ وهو الخندقُ. الثاني: أنه ظرفُ زمانٍ، وأنشد بعضُهُم على ذلك:
3678 - وإذا الأمورُ تَعاظَمَتْ وتشاكَلَتْ ... فهناك يَعْتَرفون أين المَفْزَعُ
قوله: «وزُلْزِلُوا» قرأ العامَّةُ بضمِّ الزاي الأولى وكسرِ الثانية على أصل ما لم يُسَمَّ فاعلُه. ورَوَى غيرُ واحدٍ عن أبي عمروٍ كَسْرَ الأولى. وروى الزمخشريُّ عنه إشمامَها كسراً. ووجهُ هذه القراءةِ أَنْ يكونَ أتبعَ الزايَ الأولى للثانيةِ في الكسرِ، ولم يَعْتَدَّ بالساكنِ لكونِه غيرَ حصينٍ، كقولهم: «مِنْتِن» بكسرِ الميم، والأصل ضمُّها.
قوله: «زِلْزالاً» مصدر مُبَيِّنٌ للنوعِ بالوصف. والعامَّةُ على كسر الزاي.
وعيسى والجحدري فتحاها. وهما لغتان في مصدرِ الفعل المضعَّفِ إذا جاء على فِعْلال نحو: زِلْزال وقِلْقال وصِلْصال. وقد يُراد بالمفتوح اسمُ الفاعل نحو: صَلْصال بمعنى مُصَلْصِل، وزَلزال بمعنى مُزَلْزِل.
{"ayah":"إِذۡ جَاۤءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠"}