قوله تعالى: {مِن قَبْلِكُمْ} : يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب «خَلَتْ» ويجوزُ أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ على أنه حالٌ من «سنن» ؛ لأنه في الأصلِ يجوز أَنْ يكونَ وصفاً فلمَّا قُدِّم نُصِبَ حالاً.
والسُّنَنُ: جمع «سُنَّة» وهي الطريقةُ التي يكونُ عليها الإِنسانُ ويلازِمُها، ومنه «سنة الأنبياء» عليهم السلام. قال خالد الهذلي لخاله أبي ذؤيب:
1433 - فلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أنت سِرْتَها ... فَأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسيرُها
وقال أخر:
1434 - وإنَّ الأُلَى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ ... تَأَسَّوا فَسَنُّوا للكرامِ التآسِيا
وقال لبيد:
1435 - مِنْ أمةٍ سَنَّتْ لهم آباؤُهم ... ولكلِّ قومٍ سُنَّةٌ وإمامُها
وقال المفضل: «السُّنَّةُ الأُمَّة» ، وأنشد:
1436 - ما عايَنَ الناسُ مِنْ فضلٍ كفضلكمُ ... ولا رُئِيْ مثلُه في سائِرِ السُّنَنِ
ولا دليلَ فيه لاحتمالِه. وقال الخليل: «سَنَّ الشيءَ بمعنى صَوَّره» .
ومنه: {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر: 26] أي: مُصَوَّر. وقيل: سَنَّ الماءَ والدرع إذا صَبَّهما، وقوله: {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} يجوزُ أَنْ يكونَ منه، ولكنَّ نسبةَ الصبِّ إلى الطين بعيدةٌ. وقيل «مَسْنون» أي متغير. قال بعض أهل اللغة: «هي فُعْلَة من سَنَّ الماءَ يَسُنُّه إذا والى صَبَّه. والسَّنُّ: صَبُّ الماءِ والعرق ونحوهما، وأنشدَ لزهيرٍ:
1437 - نُعَوِّدها الطِّرادَ فكلَّ يومٍ ... تُسَنُّ على سنابِكها القُرونُ
أي: يُصَبُّ عليها العرقُ. وقيل: سُنَّة: فُعْلَة بمعنى مفعول كالغُرْفَة والأُكْلَة. وقيل: اشتقاقُها من سَنَنْتُ النَّصْلَ أَسُنُّه سَنَّاً إذا حَدَدْتَه، والمعنى أن الطريقة الحسنة معتنىً بها كما يُعْتنى بالنصل ونحوه. وقيل: مِنْ سَنَّ الإِبلَ: أذا أحسن رَعْيَها. والمعنى: أَنَّ صاحبَ السنة يقومُ على أصحابهِ كما يقومُ الراعي على إبلِه، وقد مَضَى مِنْ ذلك جملةٌ صالحةٌ في البقرة.
وقوله: {فَسِيرُواْ} جملةٌ معطوفةٌ على ما قبلَها. والتسبيبُ في هذه الألفاظِ ظاهرٌ أي: سَبَبُ الأمرِ بالسير لينظُروا نَظَرَ اعتبارٍ خُلُوُّ مَنْ قبلكم من الأمم وطرائقهم. وقال أَبو البقاء:» ودَخَلَتِ الفاء في «فسيروا» / لأنَّ المعنى على الشرطِ أي: إن شَكَكْتُم فسيروا.
قوله: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} «كيف» خبرٌ مقدم واجبُ التقديم؛ لتضمُّنِه معنى الاستفهامِ وهو مُعَلِّقٌ ل «انظروا» قبلَه، فالجملةُ في محل نصبٍ بعد إسقاطِ الخافضِ إذ الأصل: انظروا في كذا.
{"ayah":"قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنࣱ فَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِینَ"}