الباحث القرآني
قوله تعالى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ} : «ما» يجوزُ أَنْ تكونَ موصولةً اسمية، وعائدُها محذوفٌ لاستكمالِ الشروطِ أي: ينفقونه.
وقوله: {كَمَثَلِ رِيحٍ} خبرُ المبتدأ، وعلى هذا الظاهِر أعني تشبيهَ الشيء المنفَق بالريحِ استُشْكِل التشبيهُ لأنَّ المعنى على تشبيهه بالحَرْث أي الزرعِ لا بالريح. وقد أُجيب عن ذلك بأحد أوجه: الأول: أنه من باب التشبيه المركب، بمعنى أنه يقابِلُ الهيئة الاجتماعية بالهيئة الاجتماعية، ولا يقابلُ الأفراد بالأفراد، وهذا قد مر تحقيقه أول البقرة عند قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ} [الآية: 17] ، وهذا اختيار الزمخشري.
الثاني: أنه من باب التشبيه بين شيئين بشيئين، فذَكَر أحدَ المُشَبَّهين وتَرَك ذِكْر الآخر، وذَكَر أحد المشبهين به وترك ذكر الآخر، فقد حَذَف مِنْ كلِّ اثنين ما يَدُلُّ عليه نظيرُه، وقد مَرَّ نظيرُ هذا في البقرة عند قولِه تعالى: {وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ} [الآية: 171] .
واختار هذا ابن عطية، وقال «هذه غايةُ البلاغةِ والإِعجازِ» . الثالث: أنه على حَذْف مضاف: إمَّا من الأول تقديرُه: «مَثَلُ مَهْلِكِ ما ينفقونه» ، وإمَّا من الثاني تقديرُه: كمثل مَهْلِك ريح. وهذا الثاني أظهرُ؛ لأنه يؤدِّي في الأول إلى تشبيه الشيء المُنْفَقِ المُهْلَكِ بالريح، وليس المعنى عليه أيضاً، ففيه عَوْدٌ لِما فُرَّ منه.
وقد ذكر الشيخ التقديرَ المشارَ إليه، ولم ينبِّه عليه، اللهم إلا أن يريد ب «مَهْلِك» اسمَ مصدر أي: مثلَ إهلاك ما ينفقون، ولكن يُحتاج إلى تقديرِ مثل هذا المضاف أيضاً قبل «ريح» تقديره: مَثَلٌ إهلاك ما ينفقون كمثلِ إهلاك ريح. ويجوزُ أَنْ تكونَ «ما» مصدريةٌ، وحينئذ يكونُ قد شَبَّه إنفاقَهم في عدمِ نفعِه بالريحِ الموصوفةِ بهذه الصفة، وهو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس.
قوله: {فِيهَا صِرٌّ} في محل جر نعتاً ل «ريح» ، ويجوز أن يكونَ «فيها صِرٌّ» جملةً من مبتدأ وخبر، ويجوز أن يكون «فيها» وحدَه هو الصفةَ، و «صِرُّ» فاعلٌ به، وجاز ذلك لاعتماد الجار على الموصوف، وهذا أحسنُ؛ لأنَّ الأصلَ في الأوصافِ الإِفرادُ، وهذا قريبٌ منه.
والصِرُّ «قيل: البردُ الشديد المحرق، قال: 1392 - لا يَعْدِلَنَّ أتاوِيُّونَ تضرِبُهم ... نكباءُ صِرٌّ بأصحابِ المُحِلاَّتِ
وقيل:» الصِرُّ «بمعنى الصَّرْصَر، وهو الشيء البارد، قالت ليلى الأخيلية:
1393 - ولم يَغْلِبِ الخَصْمَ الأَلَدَّ ويَمْلأ ال ... جِفانَ سَدِيفاً يومَ نكباءَ صرصرِ
وأصلُهُ مأخوذٌ من الشَّدَّ والتعقيد، ومنه: الصُرَّة للعُقْدة، وأَصَرَّ على كذا: لَزِمه. وقال بعضُهم:» الصِرُّ «صوتُ لهيبِ النار، يكون في الريح مِنْ: صَرَّ الشيءُ يَصِرُّ صريراً أي: صَوَّت بهذا الحِسِّ المعروفِ، ومنه: صرير الباب. قال الزجاج:» والصِرُّ: صوت النار التي في الريح «وإذا عُرِف هذا فإنْ قلنا: الصِرُّ: البردُ الشديد أو هو صوتُ النار أو صوتُ الريح، فظرفية الريحِ له واضحةٌ، وإنْ كان الصِرُّ صفةَ الريح كالصرصر فالمعنى: / فيها قِرَّةٌ صِرٌّ، كما تقول: برد بارد، وحُذِف الموصوفُ وقامت الصفةُ مَقَامَه، أو تكونُ الظرفيةُ مجازاً جُعِل الموصوفُ ظرفاً للصفة كما قال:
1394 -. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وفي الرحمنِ للضُّعفاء كافِي ومنه قولُهم: «إنْ ضَيَّعني فلانٌ ففي اللهِ كافٍ» المعنى: الرحمن كافٍ، واللهُ كافٍ. وهذا فيه بُعْدٌ.
قوله: «أصابَتْ» هذه الجملة في محل جر أيضاً صفةً ل «ريح» ، ولا يجوز أن تكونَ صفةً ل «صِرّ» لأنه مذكر. وبدأ أولاً بالوصف بالجار لأنه قريب من المفرد ثم بالجملة. هذا إنْ أعربنا «فيها» وحده صفةً، ورَفَعْنا به «صِر» أمَّا إذا أعربناه خبراً مقدماً و «صِرٌّ» مبتدأ فهما جملة أيضاً.
قوله: «ظلموا» صفة ل «قوم» ، والضمير في «ظلمهم» يعود على القوم ذوي الحرث، أي: ما ظلمهم الله بإهلاك حرثهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم بارتكابهم المعاصيَ التي كانت سبباً في إهلاكه. وجَوَّز الزمخشري وغيره أن يعودَ على المنفقين، وإليه نحا ابنُ عطية، ورجَّحه بأنَّ أصحاب الحرث لم يُذْكَروا للردِّ عليهم ولا للتبيين ظلمهِم، بل لمجردِ التشبيه بهم.
قوله: {ولكن أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} العامةُ على تخفيف «لكن» وهي استدراكيةٌ، و «أنفسَهم» مفعولٌ مقدم، قُدِّم للاختصاص أي: لم يقع وبالُ ظلمهم إلا بأنفسهم خاصةً لا يتخطَّاهم، ولأجلِ الفواصل أيضاً. وقرأها بعضهم مشددة، ووَجْهُها أن يكونَ «أنفسَهم» اسمها، و «يظلمون» الخبرُ، والعائدُ من الجملة الخبرية على الاسم محذوفٌ تقديرُه: ولكنَّ ِأنفسَهم يظلمونها، فحُذِف، وحَسَّن حذفَه كونُ الفعلِ فاصلة، فلو ذُكِرَ مفعولُه لفات هذا الغرضُ. وقد خَرَّجه بعضُهم على أن يكون اسمُها ضميرَ الأمر والقصة حُذِف للعلم به، و «أنفسَهم» مفعولٌ مقدَّمٌ ليظلمون كما تقدَّم، والجملةُ خبرٌ لها، وقد رُدَّ هذا بأنَّ حَذْفَ اسمِ هذه الحروف لا يجوز إلا ضرورة كقوله:
1395 - إنَّ مَنْ يدخلِ الكنيسةَ يوماً ... يَلْقَ فيها جآذراً وظباءَ
على أن بعضَهم لا يَقْصُره على الضرورة، مستشهداً بقوله عليه السلام: «إنَّ من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المُصَوِّرون» ، قال: «تقديره إنه» ، ويُعْزى هذا للسكائي، وقد ردَّه بعضهم، وخَرَّج الحديث على زيادة «مِنْ» والتقدير: إنَّ أشدَّ الناس. والبصريون لا يُجيزون زيادة «من» في مثل هذا التركيبِ لِما عُرِفَ غيرَ مرة إلا الأخفش.
{"ayah":"مَثَلُ مَا یُنفِقُونَ فِی هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَثَلِ رِیحࣲ فِیهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡمࣲ ظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَأَهۡلَكَتۡهُۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق