قوله: {أولئك يُسَارِعُونَ} : هذه الجملةُ خبرُ «إنَّ الذين» . وقرأ الأعمش «إنهم» بالكسرِ على الاستئنافِ فالوقفُ على «وَجِلة» تامٌّ أو كافٍ. وقرأ الحُرُّ «يُسْرِعُون» منْ أَسْرع. قال الزجاج: «يُسارِعُون أَبْلَغُ» يعني من حيث إنَّ المفاعَلة تَدُلُّ على قوةِ الفعلِ لأجلِ المغالبةِ.
قوله: {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} في الضمير في «لها» أوجهٌ، أظهرها: أنَّه يعودُ على «الخيرات» لتقدُّمِها في اللفظ. وقيل: يعودُ على الجنة. وقيل: على السعادة. وقيل: على الأمم. والظاهرُ أنَّ «سابقون» هو الخبرُ. و «لها» متعلقٌ به قُدِّمَ للفاصلةِ وللاختصاصِ. واللامُ قيل: بمعنى إلى. يقال: سَبَقْتُ له وإليه بمعنىً. ومفعولُ «سابقون» محذوفٌ تقديرُه: سابقون الناسَ إليها. وقيل: اللامُ للتعليل أي: سابِقُون الناسَ لأجلِها. وتكونُ هذه الجملةُ مؤكدةً للجملةِ قبلها، وهي «يُسارِعُون في الخيرات» ولأنها تفيدُ معنىً آخرَ وهو الثبوتُ والاستقرارُ بعدما دَلَّتِ الأولى على التجدد.
وقال الزمخشري: «أي فاعلون السَّبْقِ لأجلها أو سابقونَ الناسَ لأجلها» . قال الشيخ: «وهذان القولان عندي واحدٌ» . قلت: ليسا بواحدٍ إذ مرادُه بالتقدير الأول أَنْ لا يُقَدَّرَ للسَّبْقِ مفعولٌ البتةَ، وإنما الغرضُ الإِعلامُ بوقوعِ السَّبْقِ منهم غيرِ نَظَرٍ إلى مَنْ سَبقوه كقولِه: {يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258] {وَكُلُواْ واشربوا} [البقرة: 187] «يعطي ويمنع» وغرضُه في الثاني تقديرُ مفعولٍ حُذِف للدلالةِ، واللام للعلة في التقديرين.
وقال الزمخشري أيضاً: «أو إياها سابقون أي: ينالونها قبل الآخرة، حيث عُجِّلت لهم في الدنيا» . قلت: يعني أنَّ «لها» هو المفعولُ ب «سابقون» وتكون اللامُ قد زِيْدَتْ في المفعولِ. وحَسَّن زيادتَها شيئان، / كلٌّ منهما لو انفرد لاقتضى الجوازَ: كونُ العاملِ فرعاً، وكونُه مقدَّماً عليه معمولُه. قال الشيخ: «ولا يَدُل لفظُ» لها سابِقُون «على هذا التفسيرِ لأنَّ سَبْقَ الشيءِ الشيءَ يدلُّ على تقدُّمِ السابقِ على المسبوقِ فكيفَ يقول: وهم يَسْبقون الخيراتِ؟ وهذا لا يَصِحُّ» . قلت: ولا أَدْري: عدمُ الصحةِ من أيِّ جهةٍ؟ وكأنه تخيَّل أنَّ السابِقَ يتقدَّم على المسبوق فكيف يتلاقيان؟ لكنه كان ينبغي أن يقولَ: فكيف يقول: وهم ينالون الخيرات وهم لا يُجامِعُونها لتقدُّمهم عليها؟ إلاَّ أنْ يكونَ قد سبقه القلمُ فكَتَبَ بدل «وهم يَنالون» : «وهم يَسْبِقون» ، وعلى كلِّ تقديرٍ فأين عَدَمُ الصِّحة؟ .
وقال الزمخشري أيضاً: «ويجوز أَنْ يكونَ» وهم لها سابقون «خبراً بعد خبرٍ، ومعنى» وهم لها «كمعنى قوله:
3420 - أنت لها أحمدُ مِنْ بينِ البَشَرْ ... يعني أنَّ هذا الوصفَ الذي وَصَفَ به الصالحين غيرُ خارجٍ من حَدِّ الوُسْعِ والطاقةِ» . فتحصَّل في اللامِ ثلاثةُ أقوالٍ، أحدُها: أنَّها بمعنى «إلى» . الثاني: أنها للتعليلِ على بابِها. الثالث: أنَّها مزيدةٌ. وفي خبرِ المبتدأ قولان، أحدُهما: أنه «سابِقون» وهو الظاهرُ. والثاني: أنه الجارُّ كقولِه:
أنت لها أحمدُ مِنْ بينِ البَشَرْ ...
وقد رجَّحه الطبريُّ، وهو مرويٌّ عن ابنِ عباس.
{"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَـٰبِقُونَ"}