الباحث القرآني
قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ} . . «يا» حرف نداء وهي أم الباب، وزعم بعضُهم أنها اسمُ فعلٍ، وقد تُحْذَفُ نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ} [يوسف: 29] وينادى بها المندوبُ والمستغاثُ، قال الشيخ: «وعلى كثرة وقوع النداءِ في القرآن لمَ يَقَعْ نداءٌ إلا بها» . قلت: زَعَمَ بعضُهم أنَّ قراءةَ {أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ} [الزمر: 9] بتخفيف الميم أنَّ الهمزةَ فيه للنداءِ وهو غريبٌ. وقد يُراد بها مجردُّ التنبيه فيليها الجملُ الاسمية والفعلية، قال تعالى: {أَلاَ يا اسْجُدوا} [النمل: 25] بتخفيف أَلا، وقال الشاعر:
256 - ألا يا اسْقِياني قبلَ غارةِ سِنْجالِ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقال الآخر:
257 - يا لعنةُ اللهِ والأقوامِ كُلِّهمِ ... والصالحينَ على سِمْعانَ من جارِ
و «أيّ» اسمُ منادى في محل نصب، ولكنه بُني على الضمِّ لأنه مفردٌ معرفةٌ. وزعم الأخفشُ أنَّها هنا موصولةٌ، وأنَّ المرفوعَ بعدها خبرُ مبتدأ مضمرٍ، والجملة صلةٌ، والتقديرُ: يا الذين هم الناسُ، والصحيح الأول، والمرفوع بعدها صفةٌ لها يلزم رَفْعُه، ولا يجوزُ نَصْبُه على المحلِّ، خلافاً للمازني، و «ها» زائدةٌ للتنبيه لازمةٌ لها، والمشهورُ فتحُ هائِها. ويجوزُ ضَمُّها إتباعاً للياء، وقد قرأ عامر بذلك في بعض المواضع نحو: {أيُّهُ المؤمنون} [النور: 31] ، والمرسُوم يساعده.
ولا يجوزُ وَصْفُ «أيّ» هذه إلا بما فيه الألفُ واللامُ، أو بموصولٍ هما فيه، أو باسم إشارة نحو: {ياأيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر} [الحجر: 6] ، وقال الشاعر:
258 - ألا أيُّهذا النابِحُ السِّيدَ إنني ... على نَأْيها مُسْتَبْسِلٌ مِنْ ورائِها
ول «أيّ» معانٍ أُخَرُ كالاستفهام والشرطِ وكونِها موصولةً ونكرةً موصوفةً وصفةً لنكرةٍ وحالاً لمعرفةٍ.
و «الناسُ» صفةٌ لأي، أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ حَسْبما تقدَّم من الخلاف. و «اعبدوا رَبَّكُمُ» جملةٌ أمرية لا محلَّ لها لأنها ابتدائيةٌ.
قولُه تعالى: {الذي خَلَقَكُمْ} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: نصبهُ على النعتِ لِرَّبكم. الثاني: نصبُه على القَطْع. الثالثُ: رَفْعُه على القطعِ أيضاً، وقد تقدَّم معناه.
قوله تعالى: {والذين مِن قَبْلِكُمْ} محلُّه النصبُ لعطفِه على المنصوبِ في «خَلَقَكم» ، و «مِنْ قبلكم» صِلةُ الذين، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ على ما تقرَّر، و «مِنْ» لابتداء الغاية. واستشكلَ بعضُهم وقوعَ «مِنْ قبلكم» صلةً من حيث إنَّ كلَّ ما جاز أن يُخْبَرَ به جاز أن يَقَعَ صلةً، و «مِنْ قبلكم» ناقصٌ ليس في الإِخبار به عن الأعيان فائدةٌ إلا بتأويل، فكذلك الصلةُ، قال: «وتأويلُه أنَّ ظرفَ الزمانِ إذا وُصِفَ صَحَّ الإِخبارُ والوصلُ به تقول: نحن في يومٍ طَيِّبٍ، فيكون التقديرُ هنا والله أعلم: والذين كانوا من زمان قبلَ زمانكم» . / وقال أبو البقاء: «التقدير: والذين خَلَقَهم من قبلِ خَلْقِكم، فَحَذَفَ الخَلْقَ وأقام الضميرَ مُقامَه» .
وقرأ زيدٌ بنُ علي: «والذين مَن قَبْلِكُمْ» بفتح الميم. قال الزمخشري: ووجهُها على إشكالِها أن يقالَ: أَقْحَمَ الموصولَ الثاني بين الأول وصلتِه تأكيداً، كما أقحم جرير في قوله:
259 - يَا تَيْمَ تَيْمَ عَدِيٍّ لا أبَالكُمُ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تَيْماً الثاني بين الأولِ وما أُضيفَ إليه، وكإقحامِهم لمَ الإِضافة بين المضافِ والمضاف إليه في نحو: لا أبالكَ، قيل: «هذا الذي قاله مذهبٌ لبعضِهم ومنه قولُه:
260 - من النَفَر اللاءِ الذين إذا هُمُ ... يَهابُ اللِّئامُ حَلْقَةَ البابِ قَعْقَعُوا فإذا وجوابُها صلةُ» اللاء «، ولا صلة للذين لأنه توكيدٌ للأول.
إلا أنَّ بعضَهم يَرُّدُّ هذا القولَ ويجعلُه فاسداً، مِنْ جهةِ أنه لا يُؤكَّدُ الحرفُ إلا بإعادةِ ما اتصل به فالوصولُ أَوْلَى بذلك، وخَرَّجَ الآية والبيتَ على أنَّ» مَنْ قبلكم «صلةٌ للموصولِ الثاني، والموصولُ الثاني وصلتُه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، والمبتدأُ وخبرُه صلةُ الأول، والتقديرُ: والذينَ هُمْ قبلكم، وكذا البيتُ، تَجْعَلُ» إذا «وجوابَها صلةً للذين، والذين خبرٌ لمبتدأ محذوف، وذلك المبتدأُ وخبرُه صلةٌ لِلاَّءِ، ولا يَخْفَى ما في هذا من التعسُّفِ.
والخَلْق يقال باعتبارين، وأحدهما: الإِبداع والاختراع، وهذه الصفةُ ينفردُ بها الباري تعالى. والثاني: التقديرُ: قال زهير:
261 - ولأَنْتَ تَفْري ما خَلَقْتَ وبَعْ ... ضُ القومِ يَخْلُقُ ثم لاَ يَفْري
وقال الحَّجاج:» ما خلقْتُ إلاَّ فَرَيْتُ ولا وَعَدْتُ إلا وَفَيْتُ «.
وهذه الصفةُ لا يختصُّ بها اللهُ تعالى، وقد غَلِط أبو عبد الله البصري في أنه لا يُطْلق اسمُ الخالقِ على الله تعالى، قال: لأنه مُحَالٌ، وذلك أن التقدير والتسويةَ في حق الله تعالى ممتنعان، لأنهما عبارةٌ عن التفكُّر والظنِّ، وكأنه لم يسمع قوله تعالى: {هُوَ الله الخالق البارىء} [الحشر: 24] {الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] . وكأنه لم يعلم أنَّ الخَلْقَ يكون عبارةً عن الإِنشاءِ والاختراع.
قولُه تعالى:» لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «لعلَّ واسمُها وخبرُها، وإذا وَرَدَ ذلك في كلام الله تعالى، فللناسِ فيه ثلاثةُ أقوالٍ، أحدُها: أنَّ» لَعَلَّ «على بابها من الترجِّي والإِطماع، ولكنْ بالنسبةِ إلى المخاطَبين، أي: لعلَّكم تتقون على رجائِِكم وطمعِكم، وكذا قال سيبويه في قوله تعالى: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} أي: اذهبا على رجائكما. والثاني: أنها للتعليل، أي اعبدوا ربَّكم لكي تتقوا، وبه قال قطرب والطبري وغيرُهما وأنشدوا:
26 - 2- وقُلْتُمْ لنا كُفُّوا الحروبَ لَعَلَّنا ... نَكُفُّ ووَثَّقْتُمْ لنا كلَّ مَوْثِقِ
فلمّا كَفَفْنَا الحربَ كانَتْ عهودُكُمْ ... كَلَمْعِ سَرابٍ في المَلاَ مُتَألِّقِ
أي: لكي نَكُفَّ الحربَ، ولو كانت» لعلَّ «للترجي لم يقلْ: وَوَثَّقْتُمْ لنا كلَّ مَوْثِقِ. والثالث: أنها للتعرُّض/ للشيء، كأنه قيل: افعلوا ذلك متعرِّضين لأَِنَّ تتَّقوا. وهذه الجملةُ على كلِّ قولٍ متعلقةٌ من جهةِ المعنى باعبُدوا، أي: اعبدوه على رجائِكم التقوى، أو لتتقوا، أو متعرِّضين للتقوى، وإليه مالَ المهدوي وأبو البقاء.
وقال ابن عطية: «يتَّجِهُ تعلًُّقُها ب» خَلَقَكم «، أنَّ كلَّ مولودٍ يُولد على الفطرةِ فهو بحيِثُ يُرْجى أَنْ يكونَ مُتَّقِياً، إلاَّ أنَّ المهدويَّ مَنَع من ذلك، قال:» لأنَّ مَنْ ذَرأَه الله لجهنَّم لم يَخْلُقْه ليتَّقِيَ «ولم يَذْكر الزمخشري غيرَ تعلُّقِها ب» خَلَقَكُمْ «، ثم رتَّب على ذلك سؤالين، أحدُهما: أنه كما خَلَقَ المخاطبين لعلهم يتقون كذلك خَلَقَ الذين مِنْ قبلهم لذلك، فلِمَ خَصَّ المخاطبينَ بذلك دونَ مَنْ قَبلهم؟ وأجابَ عنه بأنَّه لَم يَقْصُرْه عليهم بل غلَّبَ المخاطبين على الغائبين في اللفظِ، والمعنى على إرادةِ الجميع. السؤالُ الثانِي: هَلاَّ قيل» تعبدونَ «لأجلِ اعبدوا، أو اتقوا لمكانِ» تَتَّقُون «ليتجاوبَ طَرفا النَّظْم، وأجابَ بأنَّ التقوى ليست غيرَ العبادةِ، حتى يؤدِّيَ ذلك إلى تنافُرِ النظم، وإنما التقوى قُصارى أمرِ العابدِ وأقصى جُهْدِه. قال الشيخ:» وأمَّا قولُه: ليتجاوبَ طرفاً النَظْم فليس بشيء، لأنه لا يمكن هنا تجاوبُ طَرَفَي النظْمِ، إذ نَظْمُ اللفظ: اعبدوا ربَّكم لعلكم تعبدُون، أو اتقوا ربكم لعلكم تتقون، وهذا بعيدٌ في المعنى، إذ هو مثل: اضربْ زيداً لعلك تَضْربُه، واقصدْ خالداً لعلك تَقْصِدُه، ولا يَخْفَى ما في ذلك من غَثاثةِ اللفظِ وفسادِ المعنى «. والذي يظهرُ به صحتُه أن يكونَ» لعلكم تتقون «متعلقاً بقولِه:» اعبدوا «، فالذي نُودوا لأجلهِ هو الأمرُ بالعبادة، فناسَبَ أن يتعلَّقَ بها ذلك، وأتى بالموصولِ وصلتِه على سبيل التوضيحِ أو المدحِ الذي تعلَّقت به العبادةُ، فلم يُجَأ بالموصولِ لَيُحَدِّثَ عنه، بل جاءَ في ضمنِ المقصودِ بالعبادةِ، فلم يكُنْ يتعلَّقُ به دونَ المقصودِ. قلت: وهذا واضحٌ.
وفي» لعلَّ «لغاتٌ كثيرةٌ، وقد يُجَرُّ بها، قال: 263 - لَعلَّ اللهِ فَضَّلَكُمْ علينا ... بشيء أنَّ أمَّكُمُ شَرِيمُ
ولا تنصِبُ الاسمين على الصحيح، وقد تَدْخُلُ» أَنْ «في خبرها حَمْلاً على» عسى «، قال:
264 - لَعَلَّكَ يوماً أن تُلِمَّ مُلِمَّةٌ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقد تأتي للاستفهامِ والتعليلِ كما تقدَّم، ولكنَّ أصلَها أن تكونَ للترجِّي والطمعِ في المحبوباتِ والإِشفاق في المكروهات كعسى، وفيها كلامٌ أطولُ من هذا يأتي مفصَّلاً في غضونِ هذا الكتابِ إنْ شاء الله تعالى.
وأصلُ تَتَّقُون: تَوْتَقِيُون لأنه من الوقاية، فأُبْدِلَتْ الواوُ تاء قبل تاء الافتعالِ، وأُدْغِمَتْ فيها، وقد تقدَّم ذلك في {لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] ، ثم اسْتُثْقِلَت الضمةُ على الياء فَقُدِّرَتْ، فَسَكَنَتْ الياءُ والواوُ بعدَها، فحُذِفَتِ الياءُ لالتقاءِ الساكنين، وضُمَّت القافُ لتجانِسَها، فوزنُه الآن: تَفْتَعُونَ. وهذه الجملةُ أعني» لعلكم تتقونَ «لا يجوزُ أن تكونَ حَالاً لأنها طلبيةٌ، وإن كانَتْ عبارةُ بعضِهم تُوهم ذلك. ومفعولُ تَتَّقون محذوفٌ أي» تَتَّقون «الشِرْك أو النارَ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِی خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق