قوله تعالى: {الذين آتَيْنَاهُمُ} : فيه ستةُ أوجهٍ أظهرُها: أنَّه مرفوع بالابتداءِ، والخبرُ وقوله «يَعْرفونه» . الثاني: أنه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أي: هم الذين آتيناهم. الثالث: النصبُ بإضمار أعني. الرابعُ: الجرُّ على البدلِ من «الظالمين» . الخامس: على الصفةِ للظالمين. السادس: النصبُ على البدلِ من {الذين أُوتُواْ الكتاب} في الآيةِ قبلَها.
قوله: «يَعْرفونه» فيه وجهان، أحدُهما: أنه خبرٌ للذين آتيناهم كما تقدَّم في أحدِ الأوجهِ المذكورةِ في «الذين آتيناهم» . الثاني: أنه نصبٌ على الحالِ على باقيةِ الأقوالِ المذكورةِ، وفي صاحبِ الحالِ وجهان، أحدُهما: المفعولُ الأولُ لآتيناهم، والثاني: المفعولُ الثاني وهو الكتاب، لأنَّ في «يَعْرفُونه» ضميرين يعودان عليهما. والضمير في «يَعْرفونه» فيه أقوالٌ، أحدُهما: أنه يعودُ على الحقِّ الذين هو التحوُّل. الثاني: على القرآن. الثالث: على العِلْم، الرابع: على البيتِ الحرام، الخامس: على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبه بدأ الزمخشري، واختاره الزجاج وغيرُه، قالوا: وأُضْمِرَ وإنْ لم يَسْبِقْ له ذِكْرٌ لدلالة الكلامِ عليه وعَدِمِ الَّلبْسِ، ومثلُ هذا الإِضمارِ فيه تفخيمٌ له كأنَّه لشُهْرَتِه وكونِه علماً معلوماً مستغنىً عن ذِكْرِهِ بلفظِه. قال الشيخ: «بل هذا من بابِ الالتفات من الخطابِ في قوله:» قولِّ وجهَك «إلى الغيبة» .
قوله: {كَمَا يَعْرِفُونَ} الكافُ في محلِّ نَصْبٍ. إمَّا على كونِها نَعْتاً لمصدرٍ محذوفٍ أي: مَعرفةً كائنةً مثلَ معرفتِهم أبناءَهم أو في موضعِ نصبٍ على الحالِ من ضمير ذلك المصدرِ المعرفةِ المحذوفِ، التقديرُ: يعرفونه المعرفةَ مماثلة لعرفانهم، وهذا مذهبُ سيبويه، وتقدَّم تحقيقُ هذا. و «ما» مصدريةٌ لأنه يَنْسَبِكُ منها ومِمَّا بعدَها مصدرٌ كما تقدَّم تحقيقُه.
قوله: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} جملةٌ اسميةٌ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من فاعلِ يكتُمون، والأقربُ فيها أَنْ تكونَ حالاً لأنَّ لفظَ «يكتمُون الحق» يَدُلُّ على عِلْمه إذ الكتمُ إخفاءُ ما يُعْلَمُ، وقيل: متعلَّقُ العلم هو ما على الكاتمِ من العقابِ، أي: وهم يعلمونَ العقابَ المُرَتَّبَ على كاتم الحق، فتكونُ إذ ذاكَ حالاً مبيِّنةً.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا یَعۡرِفُونَ أَبۡنَاۤءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِیقࣰا مِّنۡهُمۡ لَیَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ"}