قوله: {وَمَا نَتَنَزَّلُ} : قال ابن عطية: «الواو عاطفةٌ جملةَ كلامٍ على أخرى، واصلةٌ بين القولين وإن لم يكن / معناهما واحداً» . وقد أغربَ النقاشُ في حكايتِه لقولٍ: وهو أنَّ قولَه {وَمَا نَتَنَزَّلُ} ، متصلٌ بقولِه {قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ} [مريم: 19] . وقال أبو البقاء: «وما نَتَنَزَّل، أي: وتقول الملائكةُ» فَجَعَلَه معمولاً لقولٍ مضمر. وقيل: هو من كلامِ أهل الجنة وهو أقربُ ممَّا قبله.
ونَتَنَزَّل مطاوعُ نَزَّل بالتشديدِ ويقتضي العملَ في مُهْلة وقد لا يقتضيها. قال الزمخشري: «التَنَزُّلُ على معنيين: معنى النزولِ على مَهْلٍ، ومعنى النزولِ على الإِطلاق كقوله:
324 - 4- فَلَسْتُ لإِنسيٍّ ولكنْ لِمَلأَكٍ ... تَنَزَّلَ مِنْ جوِّ السَّماءِ يصوبُ
لأنه مطاوع نَزَّل، ونزَّل يكون بمعنى أَنْزَلَ، ويكون بمعنى التدريج، واللائقُ بهذا الموضعِ هو النزولُ على مَهْلٍ، والمراد: أنَّ نزولَنا في الأحايين وقتاً غِبَّ وقتٍ» . قلت: وقد تقدم أنه يُفَرِّق بين نزَّل وأنزل في أول هذا الموضع.
وقرأ العامَّةُ «نَتَنَزَّل» بنون الجمع. وقرأ الأعرج «يَتَنزَّل» بياء الغيبة. وفي الفاعل حينئذ قولان، أحدهما: أنه ضميرُ جبريل. قال ابن عطية: «ويَرُدُّه قولُه» له لما بين أيدينا وما خَلْفَنَا «لأنه يَطَّرِدُ معه، وإنما يتجه أن يكون خبراً عن جبريل أنَّ القرآن لا يَتَنَزَّل إلا بأمر الله في الأوقات التي يُقَدَّرها» . وقد يُجاب عما قال ابن عطية: بأنَّه على إضمار القول: أي: قائلاً: «له ما بين أيديدنا» .
الثاني: أنه يعود على الوَحْي، وكذا قال الزمخشري على الحكاية عن جبريل، والضميرُ للوحي، ولا بد من إضمار هذا القولِ الذي ذكرتُه أيضاً.
قوله: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} استدلَّ بعضُ النحاة على أنَّ الأزمنةَ ثلاثةُ: ماضٍ وحاضرٌ ومستقبلٌ بهذه الآية، وهو كقولِ زهير:
324 - 5- وأعلمُ عِلْمَ اليومِ والأمسِ قبلَه ... ولكنني عن عِلْمِ ما في غَدٍ عَمِ
{"ayah":"وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَیۡنَ أَیۡدِینَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَیۡنَ ذَ ٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِیࣰّا"}