قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} : العامَّةُ على تشديد الراء، وفي مفعول «صَرَّفْنا» وجهان، أحدُهما: أنه مذكورٌ، و «في» مزيدةٌ فيه، أي: ولقد صَرَّفْنا هذا القرآنَ، كقولِه: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} [الفرقان: 50] ، ومثله:
306 - 8-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . يَجْرَحْ في عَراقيبِها نَصْلِيْ
وقوله تعالى: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذريتي} [الأحقاف: 15] ، أي: يَجْرَحْ عراقيبَها، وأَصْلح لي ذريتي. ورُدَّ هذا بأنَّ «في» لا تُزاد، وما ذُكِرَ متأول، وسيأتي إنْ شاءَ الله تعالى في الأحقاف.
الثاني: أنَّه محذوفٌ تقديرُه: ولقد صَرَّفْنا أمثالَه ومواعظَه وقصصَه وأخبارَه وأوامره.
وقال الزمخشري في تقدير ذلك: «ويجوز أن يُراد ب» هذا القرآن «إبطالُ إضافتِهم إلى الله البناتِ؛ لأنه ممَّا صرَّفه وكرَّر ذِكْرَه، والمعنى: ولقد صَرَّفْنا القولَ في هذا المعنى، وأوقَعْنا التصريفَ فيه، وجَعَلْناه مكاناً للتكرير، ويجوز أن يريد ب {هذا القرآن} التنزيلَ، ويريد: ولقد صَرَّفناه، يعني هذا المعنى في مواضعَ من التنزيل، فترك الضميرَ لنه معلومٌ» . قلت: وهذا التقديرُ الذي قدَّره الزمخشريُّ أحسنُ؛ لأنه مناسِبٌ لما دَلَّتْ عليه الآيةُ وسِيْقَتْ لأجلِه، فقدَّرَ المفعولَ خاصَّاً، وهو: إمَّا القولُ، وإمَّا المعنى، وهو الضميرُ الذي قدَّره في «صَرَّفْناه» بخلافِ تقديرِ غيرِه، فإنَّ جَعَلَه عامَّاً.
وقيل: المعنى: لم نُنَزِّلْه مرةً واحدة بل نجوماً، والمعنى: أَكْثَرْنا صَرْفَ جبريلَ إليك، فالمفعولُ جبريل عليه السلام.
وقرأ الحسن بتخفيفِ الراء فقيل: هي بمعنى القراءةِ الأولى، وفَعَل وفَعَّل قد يَشْتركان. وقال ابنُ عطية: «أي: صَرَفْنا الناسَ فيه إلى الهدى» .
قوله: «لِيَتَذَّكَّروا» متعلقٌ ب «صَرَّفْنا» . وقرأ الأخَوان هنا وفي الفرقان بسكون الذال وضمِّ الكاف مخففةً مضارع «ذكر» من الذِّكر أو الذُّكر، والباقون بفتح الذال والكافُ مشددةٌ، والأصلُ: يتذكَّروا، فأدغم التاءَ في الذال، وهو من الاعتبار والتدبُّر.
قوله: {وَمَا يَزِيدُهُمْ} ، أي: التصريفُ، و «نُفوراً» مفعولٌ ثانٍ.
{"ayah":"وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِی هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِیَذَّكَّرُوا۟ وَمَا یَزِیدُهُمۡ إِلَّا نُفُورࣰا"}