وقوله تعالى: {هذا} إشارةٌ إلى ما تقدَّم مِن قوله: {فَلاَ تَحْسَبَنَّ} [إبراهيم: 47] إلى هنا، أو إلى كلِّ القرآن نُزِّل مَنْزِلةَ الحاضر.
قوله: «وَلِيُنْذَروا» فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ، أي: وليُنْذِرُوا به أَنْزَلْنا عليك.
الثاني: أنه معطوفٌ على محذوفٍ، ذلك المحذوفُ متعلقٌ ب «بلاغ» ، تقديره: ليُنْصَحوا ولِيُنْذَروا. الثالث: أن الواوَ مزيدةٌ و «لِيُنْذَروا» متعلقٌ ب «بلاغ» ، وهو رأيُ الأخفش، نقله الماوردي. الرابع: أنه محمولٌ على المعنى، أي: ليُبَلَّغُوا ولِيُنْذَرُوا. الخامس: أن اللامَ لامُ الأمر. قال بعضُهم: وهو حسنٌ لولا قولُه «ولِيَذَّكَّر» فإنه منصوبٌ فقط. قلت: لا محذورَ في ذلك فإنَّ قولَه «ولِيَذَّكَّرَ» ليس معطوفاً على ما تقدَّمه، بل متعلِّقٌ بفعلٍ مقدر، أي: ولِيَذَّكَّر أَنْزَلْناه وأَوْحيناه. السادس: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ. التقدير: هذا بلاغٌ وهو ليذَّكَّر، قاله ابن عطية. السابع: أنه عطفُ مفردٍ على مفردٍ، أي: هذا بلاغٌ وإنذار، قاله المبرد، وهو تفسيرُ معنى لا إعرابٍ.
الثامن: أنه معطوفٌ على قوله {لِتُخْرِجَ الناس} [إبراهيم: 1] في أولِ السورة. وهذا غريبٌ جداً. التاسع: قاله أبو البقاء: «المعنى: هذا بلاغٌ للناسِ وللإِنذار، فتعلَّق بالبلاغ أو بمحذوف إذا جَعَلْتَ» الناس «صفةً، ويجوز أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ تقديره: ولِيُنْذَروا به أُنْزِل وتُلِي» . قلت: فيؤدي التقدير إلى أَنْ يَبْقى التركيبُ: هذا بلاغٌ للإِنذار، والإِنذارُ لا يتأتَّى فيه ذلك.
وقرأ العامَّة: «لِيُنْذَرُوا» مبنياً للمفعول، وقرأ مجاهد وحميد بن قيس: «ولِتُنْذِرُوا» بتاءٍ مضمومة وكسرِ الذال، كأنَّ البلاغَ للعموم والإِنذار للمخاطبين.
وقرأ يحيى بن عُمارة الذارع عن أبيه، وأحمد بن يزيد بن أسيد السلمي. «ولِيُنْذَرُوا» بفتح الياء والذال مِنْ نَذَر بالشيء، أي: عَلِم به فاستعدَّ له، قالوا: ولم يُعرف له مصدرٌ فهو كَعَسَى وغيرِها من الأفعالِ التي لا مصادرَ لها.
{"ayah":"هَـٰذَا بَلَـٰغࣱ لِّلنَّاسِ وَلِیُنذَرُوا۟ بِهِۦ وَلِیَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱ وَلِیَذَّكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"}