قوله تعالى: {مُخْلِفَ وَعْدِهِ} : العامَّةُ على إضافة «مُخْلِف» إلى «وعدِه» وفيها وجهان، أظهرهما: أن «مُخْلف» يَتَعَدَّى لاثنين كفعلِه، فقدَّم المفعولَ الثاني، وأُضيف إليه اسمُ الفاعل تخفيفاً نحو: «هذا كاسِيْ جُبَّةٍ زيداً» قال الفراء وقطرب: «لمَّا تعدَّى/ إليهما جميعاً لم يُبَالَ بالتقديمِ والتأخير» . وقال الزمخشري: «فإن قلت: هلا قيل: مُخْلِفَ رسلِه وعدَه، ولِمَ قَدَّم المفعولَ الثاني على الأول؟ قلت: قَدَّمَ الوعدَ ليُعْلِمَ أنه لا يُخْلِفُ الوعدَ ثم قال» رسله «ليُؤْذِنَ أنه إذا لم يُخْلِفْ وعدَه أحداً - وليس من شأنِه إخلافُ المواعيد - كيف يُخْلِفُه رُسلَهُ» .
وقال أبو البقاء: «هو قريب من قولهم:
291 - 2- يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدارِ ... وأنشد بعضُهم نظيرَ الآيةِ الكريمة قولَ الشاعر:
291 - 3- ترى الثورَ فيها مُدخِلَ الظلِ رأسَهُ ... وسائرُه بادٍ إلى الشمسِ أجمعُ
والحُسبان هنا: الأمر المنتفي، كقوله:
291 - 4- فلا تَحسَبَنْ أني أَضِلُّ مَنِيَّتي ... فكلُّ امرِئٍ كأسَ الحِمام يذوقُ الثاني: أنه متعدٍّ لواحدٍ، وهو» وعدِه «، وأمَّا» رُسُلَه «فمنصوبٌ بالمصدر، فإنه يَنْحَلُّ لحرفٍ مصدريٍّ وفعلٍ تقديرُه: مُخْلِفُ ما وعدَ رُسَلَه، ف» ما «مصدريةٌ لا بمعنى الذي.
وقرأت جماعةٌ {مُخْلِفَ وَعْدَ رُسَلَهُ} بنصبِ» وعدَه «وجرِّ» رسلِه «فَصْلاً بالمفعولِ بين المتضايفين، وهي كقراءةِ ابن عامرٍ {قَتْلُ أَوْلاَدَهمْ شُرَكَآئِهِمْ} قال الزمخشري جرأةً منه:» وهذه في الضَّعْفِ كمَنْ قرأ {قَتْلُ أَوْلاَدَهمْ شُرَكَآئِهِمْ} .
{"ayah":"فَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخۡلِفَ وَعۡدِهِۦ رُسُلَهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزࣱ ذُو ٱنتِقَامࣲ"}