قوله تعالى: {فِي غَيَابَةِ} : قرأ نافع «غَيابات بالجمع في الحرفين مِنْ هذه السورة، جُعِل ذلك المكانُ أجزاءً، وسُمِّي كلُّ جزء غَيَابَة، والباقون بالإِفراد وهو واضحٌ. وابن هرمز. كنافع إلا أنه شَدَّد الياءَ. والأظهرُ في هذه القراءة أن يكون سُمِّي باسم الفاعل الذي للمبالغة فهو وصفٌ في الأصل. وألحقه الفارسيُّ بالاسم الجائي على فَعَّال نحو ما ذكر سيبويه من» الفَيَّاد «. قال ابن جني:» ووجَدْت من ذلك «الفَخَّار» : الخَزَف «. وقال صاحب» اللوامح: «يجوز أن يكون على فَعَّالات كحَمَّامات، ويجوز أن يكونَ على فَيْعالات كشيطانات جمع شَيْطانة، وكلٌّ للمبالغة» .
وقرأ الحسن: «غَيَبَة» بفتح الياء، وفيها احتمالان، أحدهما: أَنْ تكونَ في الأصل مصدراً كالغَلَبة. والثاني: أن يكونَ جمع غائب نحو: صانع وصَنَعَة. قال الشيخ: «وفي حرف أُبَيّ» غَيْبة «بسكون الياء، وهي ظلمة الرَّكِيَّة» . قلت: والضبطُ أمرٌ حادثٌ فكيف يُعرف ذلك في المصحف؟ وقد تقدَّم نحوٌ من ذلك فيما تقدم.
والغَيَابة: قال الهرويٌّ: «شِبْهُ لَجَفٍ أو طاقٍ في البئر فُوَيْق الماء يغيب ما فيه عن العيون. وقال الكلبي:» الغَيَابة تكون في قَعْر الجُبِّ؛ لانَّ أسفله واسعٌ ورأسَه ضيق فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه «. وقال الزمخشري:» هي غَوْرُه وما غابَ منه عن عَيْن الناظر وأظلمُ مِنْ أسفلِه، قال المنخل: /
2743 - فإنْ أنا يَوْماً غَيَّبَتْني غَيابتي ... فسِيْروا بسَيْري في العَشيرة والأهلِ
أراد: غَيابةَ حُفْرته التي يُدْفن فيها. والجُبُّ: البئر التي لم تُطْوَ، وتَسْمِيتُه بذلك: إمَّا لكونه محفوراً في جَبُوب الأرض أي: ما غَلُظ منها، وإمَّا لأنه قُطِعُ في الأرض، ومنه الجَبُّ في الذَّكَر.
وقال الأعشى:
2744 - لَئِنْ كنت في جُبٍّ ثمانين قامَةً ... ورُمِّيْتَ أَسْبابَ السماء بسُلَّمِ
ويُجْمع على جِبَبَة وجِباب وأَجْباب.
قوله: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ [السيارة] } قرأ العامَّة «يَلْتَقِطُه» بالياء من تحت وهو الأصل. وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة بالتاء مِنْ فوق لتأنيث المعنى، ولإِضافته إلى مؤنث، وقالوا: «قُطِعت بعض أصابعه» ، وقال الشاعر:
2745 - إذا بعضُ السنينَ تَعَرَّقَتْنا ... كفى الأيتامَ فَقْدَ أبي اليتيمِ
وقد تقدَّمَ الكلامُ بأوسعَ مِنْ هذا في الأنعام والأعراف. ومفعول «فاعلين» محذوفٌ أي: فاعلين ما يُحَصِّل غَرَضَكم.
والسَّيَّارة، جمع «سَيَّار» ، وهو مثالُ مبالغة.
والالتقاط: تَنَاوُلُ الشيءِ المطروحِ، ومنه: «اللُّقَطة» واللَّقِيط. وقال الشاعر:
2746 - ومَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ التِقاطا ...
{"ayah":"قَالَ قَاۤىِٕلࣱ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُوا۟ یُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِی غَیَـٰبَتِ ٱلۡجُبِّ یَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّیَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَـٰعِلِینَ"}