الباحث القرآني
قوله تعالى: {يهدي إِلَى الحق} : قد تقدم في أول هذا الموضوع أنَّ «هدى» يتعدى إلى اثنين ثانيهما: إمَّا باللام أو بإلى، وقد يُحْذَفُ الحرفُ تخفيفاً. وقد جُمع بين التعديتين هنا بحرف الجر فَعَدَّى الأول والثالث ب «إلى» والثاني باللام، وحُذِف المفعولُ الأول من الأفعال الثلاثة، والتقدير: هل مِنْ شركائكم مَنْ يَهْدي غيره إلى الحق قل اللَّهُ يَهْدي مَنْ يشاء للحق، أفَمَنْ يهدي غيرَه إلى الحق. وزعم الكسائي والفراء وتبعهما الزمخشري أنَّ «يهدي» الأولَ قاصرٌ، وأنه بمعنى اهتدى. وفيه نظر، لأن مُقابلَه وهو {قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقِّ} متعدٍّ. وقد أنكر المبرد أيضاً مقالة الكسائي والفراء وقال: «لا نَعْرِفُ هَدَى بمعنى اهتدى» قلت: الكسائي والفراء أَثْبتاه بما نقلاه، ولكن إنما ضَعُف ذلك هنا لِما ذَكَرْت لك من مقابلته بالمتعدي، وقد تقدَّم أن التعديةَ ب «إلى» أو اللام من باب التفنُّن في البلاغة، ولذلك قال الزمخشري: «يقال: هَدَاه للحق وإلى الحق، فجمع بين اللغتين» . وقال غيره: «إنما عدى المسندَ إلى الله باللام/ لأنها أَدَلُّ في بابها على المعنى المرادِ من» إلى «؛ إذ أصلُها لإِفادةِ المُلْك، فكأن الهداية مملوكة لله تعالى» وفيه نظر، لأن المراد بقوله: {أَفَمَن يهدي إِلَى الحق} هو الله تعالى مع تَعدِّي الفعلِ المسند إليه ب «إلى» .
قوله: {أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ} خبرٌ لقوله: «أَفَمَنْ يَهْدي» و «أَنْ» في موضعِ نصبٍ أو جرٍّ بعد حذف الخافض، والمفضَّلُ عليه محذوفٌ، وتقديرُ هذا كله: «أَفَمَنْ يهْدي إلى الحقّ أَحَقُّ بأن يُتَّبَع ممَّن لا يَهْدي» . ذكر ذلك مكي ابن أبي طالب، فجعل «أحقّ» هنا على بابها من كونها للتفضيل. وقد منع الشيخ كونَها هنا للتفضيل فقال: «وأحق» ليست للتفضيل، بل المعنى: حقيقٌ بأن يُتَّبع «. وجوَّز مكي أيضاً في المسألة وجهين آخرين أحدهما: أن تكون» مَنْ «مبتدأ أيضاً، و» أنْ «في محلِّ رفع بدلاً منها بدلَ اشتمال، و» أحقُّ «خبرٌ على ما كان. والثاني: أن يكون» أن يُتَّبع «في محلِّ رفعٍ بالابتداء، و» أحقُّ «خبرُه مقدَّم عليه. وهذه الجملةُ خبر ل» مَنْ يَهْدي «، فَتَحَصَّل في المسألة ثلاثة أوجه.
قوله: {أَمَّن لاَّ يهدي} نسقٌ على» أفمن «، وجاء هنا على الأفصحِ مِنْ حيث إنَّه قد فُصِل بين» أم «وما عُطِفَتْ عليه بالخبر كقولك:» زيدٌ قائم أم عمرو «ومثله:
{أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد} [الفرقان: 15] . وهذا بخلاف قوله تعالى: {أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 109] وسيأتي هذا في موضعه.
وقرأ أبو بكر عن عاصم بكسر ياء «يهدي» وهائه. وحفص بكسر الهاء دون الياء. فأمَّا كسر الهاء فلالتقاء الساكنين، وذلك أن أصلَه يَهْتدي، فلما قُصِد إدغامُه سكنَتْ التاء، والهاءُ قبلَها ساكنة فكُسِرَتْ الهاءُ لالتقاء الساكنين. وأبو بكر أتبع الياء للهاء في الكسر. وقال أبو حاتم في قراءة حفص «هي لغة سُفْلَى مُضَر» ، ونَقَل عن سيبويه أنه لا يُجيز «يِهْدي» ويجيز «تِهْدي ونِهْدي وإهدي» ، قال: «لأن الكسرةَ تَثْقُل في الياء» ، قلت: يعني أنه يُجيز كَسْرَ حرفِ المضارعة من هذا النحو نحو: تِهْدي ونِهدي وإهدي إذ لا ثِقَلَ في ذلك، ولم يُجِزْهُ في الياء لثقل الحركةِ المجانسةِ لها عليها. وهذا فيه غَضٌّ من قراءة أبي بكر، ولكنه قد تواتَرَ قراءةً فهو مقبول.
وقرأ أبو عمرو وقالون عن نافع بفتح الياء واختلاس فتحة الهاء وتَشْديد الدال، وذلك أنهما لَمَّا ثقَّلا الفتحة لإِدغام اختلسا الفتحة تنبيهاً على أن الهاءَ ليس أصلُها الحركةَ بل السكون. وقرأ ابن كثير وابن عامر وورش بإكمال فتحة الهاء على أصل النقل. وقد رُوي عن أبي عمرو وقالون اختلاسُ كسرةِ الهاءِ على أصل التقاء الساكين، والاختلاس للتنبيه على أنَّ أصلَ الهاءِ السكون كما تقدم.
وقرأ أهلُ المدينة خلاورشاً بفتح الياء وسكون الهاء وتشديدِ الدال. وهذه القراءةُ استشكلها جماعةٌ من حيث الجمعُ بين الساكنين. قال المبرد: «مَنْ رام هذا لا بد أن يُحَرِّكَ حركةً خفيَّة» . وقال أبو جعفر النحاس: « لا يقدر أحدٌ أن يَنْطِقَ به» ، قلت: وقد قال في «التيسير» : «والنصُّ عن قالون بالإِسكان» ، قلت: ولا بُعْدَ في ذلك فقد تقدَّم أن بعضَ القُرَّاء يَقْرأ {نِعِمَّا} [النساء: 58] و {لاَ تَعْدُواْ} [النساء: 154] بالجمع بين الساكنين، وتقدَّمت لك قراءاتٌ كثيرة في قوله: {يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} [البقرة: 20] ، وسيأتي لك مثلُ هذا في {يَخِصِّمُونَ} [يس: 49] .
وقرأ الأخَوان «يَهْدي» بفتح الياء وسكون الهاء وتخفيفِ الدال مِنْ هدى يَهْدي وفيه قولان، أحدهما: أنَّ «هدى» بمعنى اهتدى. والثاني: أنه متعدٍّ، ومفعولُه محذوف كما تقدَّم تحريره. وقد تقدم قول الكسائي والفراء في ذلك ورَدَّ المبرد عليهما. وقال ابن عطية: «والذي أقوال: قراءةُ حمزة والكسائي تحتمل أن يكون المعنى: أَمْ مَنْ لا يهدي أحداً إلا أن يهدى ذلك الأحدُ بهداية الله، وأمَّا على غيرِها مِنَ القراءات التي مقتضاها» أم لا يَهْتدي إلا أن يهدى «فيتجه المعنى على ما تقدَّم» ثم قال: «وقيل: تمَّ الكلامُ عند قوله:» أم مَنْ لا يَهِدِّي، أي: لا يَهِدِّي غيره «.
ثم قال: {إِلاَّ أَن يهدى} استثناءٌ منقطع، أي: لكنه يحتاج إلى أن يهدى كما تقول: فلان لا يسمع غيره إلا أَنْ يُسْمع، أي: لكنه يحتاج إلى أن يَسمع «. انتهى. ويجوز أن يكونَ استثناءً متصلاً، لأنه إذ ذاك يكون فيهم قابليةُ الهدايةِ بخلافِ الأصنام. ويجوز أن يكونَ استثناء من تمامِ المفعول له، أي: لا يهدي لشيءٍ من الأشياءِ إلا لأَجْل أن يهدى بغيره.
وقوله: {فَمَا لَكُمْ} مبتدأ وخبر. ومعنى الاستفهام هنا الإِنكارُ والتعجبُ، أي: أيُّ شيءٍ لكم في اتخاذ هؤلاء إذ كانوا عاجزين عن هدايةِ أنفسهم فكيف يمكن أن يَهْدُوا غيرَهم؟ وقد تقدَّم أن بعضَ النحويين نصَّ على أن مثل هذا التركيبِ لا يتمُّ إلا بحالٍ بعده، نحو: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ} [المائدة: 84] إلى غير ذلك، وهنا لا يمكن أن تُقَدَّر الجملةُ بعد هذا التركيب حالاً لأنها استفهامية، والاستفهامية لا تقع حالاً. وقوله:» كيف تحكمون «استفهامٌ آخرُ، أي: كيف تحكمون بالباطل وتجعلون لله أنداداً وشركاء؟ .
{"ayah":"قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَاۤىِٕكُم مَّن یَهۡدِیۤ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ یَهۡدِی لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن یَهۡدِیۤ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن یُتَّبَعَ أَمَّن لَّا یَهِدِّیۤ إِلَّاۤ أَن یُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











