الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ . الآياتِ. أخْرَجَ مُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ حِبّانَ، والطَّبَرانِيُّ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ قالَ: «كُنْتُ عِنْدَ مِنبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في نَفَرٍ مِن أصْحابِهِ، فَقالَ رَجُلٌ مِنهم: ما أُبالِي ألّا أعْمَلَ لِلَّهِ عَمَلًا بَعْدَ الإسْلامِ إلّا أنْ أسْقِيَ الحاجَّ. وقالَ آخَرُ: بَلْ عِمارَةُ المَسْجِدِ الحَرامِ. وقالَ آخَرُ: بَلِ الجِهادُ في سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِمّا قُلْتُمْ. فَزَجَرَهم عُمَرُ وقالَ: لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم عِنْدَ مِنبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ - وذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ - ولَكِنْ إذا صَلَّيْتُ الجُمُعَةَ دَخَلْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فاسْتَفْتَيْتُهُ فِيما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ [التوبة»: ١٩] (p-٢٦٩)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ الآيَةَ: وذَلِكَ أنَّ المُشْرِكِينَ قالُوا: عِمارَةُ بَيْتِ اللَّهِ وقِيامٌ عَلى السِّقايَةِ خَيْرٌ مِمَّنْ آمَنَ وجاهَدَ. فَكانُوا يَفْخَرُونَ بِالحَرَمِ ويَسْتَكْبِرُونَ بِهِ، مِن أجْلِ أنَّهم أهْلُهُ وعُمّارُهُ، فَذَكَرَ اللَّهُ اسْتِكْبارَهم وإعْراضَهُمْ، فَقالَ لِأهْلِ الحَرَمِ مِنَ المُشْرِكِينَ: ﴿قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكم فَكُنْتُمْ عَلى أعْقابِكم تَنْكِصُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٦] ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٧]، يَعْنِي أنَّهم كانُوا يَسْتَكْبِرُونَ بِالحَرَمِ، وقالَ: ﴿بِهِ سامِرًا﴾ [المؤمنون: ٦٧] كانُوا بِهِ يَسْمُرُونَ، ويَهْجُرُونَ بِالقُرْآنِ والنَّبِيِّ ﷺ، فَخَيَّرَ الإيمانَ بِاللَّهِ والجِهادَ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ عَلى عُمْرانِ المُشْرِكِينَ البَيْتَ وقِيامِهِمْ عَلى السِّقايَةِ، ولَمْ يَكُنْ يَنْفَعُهم عِنْدَ اللَّهِ تَعالى مَعَ الشِّرْكَ بِهِ، وإنْ كانُوا يَعْمُرُونَ بَيْتَهُ ويَخْدِمُونَهُ؛ قالَ اللَّهُ: ﴿لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ يَعْنِي الَّذِينَ زَعَمُوا أنَّهم أهْلُ العِمارَةِ، فَسَمّاهُمُ اللَّهُ ظالِمِينَ بِشِرْكِهِمْ، فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمُ العِمارَةُ شَيْئًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ العَبّاسُ حِينَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ: إنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونا بِالإسْلامِ والهِجْرَةِ والجِهادِ، لَقَدْ كُنّا نَعْمُرُ المَسْجِدَ الحَرامَ، ونَسَقِي الحاجَّ، ونَفُكُّ العانِيَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ الآيَةَ. يَعْنِي أنَّ ذَلِكَ كانَ في الشِّرْكِ، فَلا أقْبَلُ ما كانَ في الشِّرْكِ.
(p-٢٧٠)وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ الآيَةَ. قالَ: نَزَلَتْ في عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ والعَبّاسِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: تَفاخَرَ عَلِيٌّ والعَبّاسُ وشَيْبَةُ في السِّقايَةِ والحِجابَةِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ . الآيَةَ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ في عَبّاسٍ وعَلِيٍّ، تَكَلَّما في ذَلِكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: كانَتْ بَيْنَ عَلِيٍّ والعَبّاسِ مُنازَعَةٌ، فَقالَ العَبّاسُ لِعَلِيٍّ: أنا عَمُّ النَّبِيِّ وأنْتَ ابْنُ عَمِّهِ، وإلَيَّ سِقايَةُ الحاجِّ وعِمارَةُ المَسْجِدِ الحَرامِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ الآيَةَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنِ الحَسَنِ قالَ: نَزَلَتْ في عَلِيٍّ وعَبّاسٍ وعُثْمانَ وشَيْبَةَ، تَكَلَّمُوا في ذَلِكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ (p-٢٧١)قالَ: قالَ عَلِيٌّ لِلْعَبّاسِ: لَوْ هاجَرْتَ إلى المَدِينَةِ؟ قالَ: أوَ لَسْتُ في أفْضَلَ مِنَ الهِجْرَةِ؟ ألَسْتُ أسْقِي الحاجَّ وأعْمُرُ المَسْجِدَ الحَرامَ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿أعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾ فَجَعَلَ اللَّهُ لِلْمَدِينَةِ فَضْلَ دَرَجَةٍ عَلى مَكَّةَ.
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ عَنِ ابْنِ سَيْرَيْنِ قالَ: قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ مَكَّةَ فَقالَ لِلْعَبّاسِ: أيْ عَمِّ، ألا تُهاجِرُ؟ ألا تَلْحَقُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقالَ: أعْمُرُ المَسْجِدَ الحَرامَ وأحْجُبُ البَيْتَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ الآيَةَ. وقالَ لِقَوْمٍ قَدْ سَمّاهم: ألا تُهاجِرُونَ؟ ألا تَلْحَقُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقالُوا: نُقِيمُ مَعَ إخْوانِنا وعَشائِرِنا ومَساكِنِنا. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿قُلْ إنْ كانَ آباؤُكُمْ﴾ [التوبة: ٢٤] الآيَةَ كُلَّها.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قالَ: افْتَخَرَ طَلْحَةُ بْنُ شَيْبَةَ والعَبّاسُ وعَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، فَقالَ طَلْحَةُ: أنا صاحِبُ البَيْتِ، مَعِي مِفْتاحُهُ. وقالَ العَبّاسُ: أنا صاحِبُ السِّقايَةِ والقائِمُ عَلَيْها. فَقالَ عَلِيٌّ: ما أدْرِي ما تَقُولُونَ، لَقَدْ صَلَّيْتُ إلى القِبْلَةِ قَبْلَ النّاسِ، وأنا صاحِبُ الجِهادِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ الآيَةَ كُلَّها.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ الضَّحّاكِ قالَ: أقْبَلَ المُسْلِمُونَ عَلى العَبّاسِ وأصْحابِهِ الَّذِينَ أُسِرُوا يَوْمَ بَدْرٍ يُعَيِّرُونَهم بِالشِّرْكِ، فَقالَ العَبّاسُ: أما واللَّهِ (p-٢٧٢)لَقَدْ كُنّا نَعْمُرُ المَسْجِدَ الحَرامَ، ونَفُكُّ العانِيَ، ونَحْجُبُ البَيْتَ ونَسَقِي الحاجَّ. فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ الآيَةَ.
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ في ”فَضائِلِ الصَّحابَةِ“، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ أنَسٍ قالَ:
«قَعَدَ العَبّاسُ وشَيْبَةُ صاحِبُ البَيْتِ يَفْتَخِرانِ، فَقالَ لَهُ العَبّاسُ: أنا أشْرَفُ مِنكَ؛ أنا عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ووَصِيُّ أبِيهِ، وساقَيِ الحَجِيجِ. فَقالَ شَيْبَةُ: أنا أشْرَفُ مِنكَ؛ أنا أمِينُ اللَّهِ عَلى بَيْتِهِ وخازِنُهُ، أفَلا ائْتَمَنَكَ كَما ائْتَمَنَنِي؟ فاطَّلَعَ عَلَيْهِما عَلِيٌّ فَأخْبَراهُ بِما قالا، فَقالَ عَلِيٌّ: أنا أشْرَفُ مِنكُما؛ أنا أوَّلُ مَن آمَنَ وهاجَرَ وجاهَدَ. فانْطَلَقُوا ثَلاثَتُهم إلى النَّبِيِّ ﷺ فَأخْبَرُوهُ، فَما أجابَهم بِشَيْءٍ، فانْصَرَفُوا، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ بَعْدَ أيّامٍ، فَأرْسَلَ إلَيْهِمْ فَقَرَأ عَلَيْهِمْ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ إلى آخِرِ العَشْرِ» .
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنْ أبِي وجْزَةَ السَّعْدِيِّ، أنَّهُ قَرَأ: (أجَعَلْتُمْ سِقاةَ الحاجِّ وعَمَرَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ) .
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ «عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ قالَ: (p-٢٧٣)أرادُوا أنْ يَدَعُوا السِّقايَةَ والحِجابَةَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا تَدَعُوها، فَإنَّ لَكم فِيها خَيْرًا» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السّائِبِ قالَ: «اشْرَبْ مِن سِقايَةِ العَبّاسِ فَإنَّها مِنَ السُّنَّةِ» . ولَفْظُ ابْنِ أبِي شَيْبَةَ: فَإنَّها مِن تَمامِ الحَجِّ.
وأخْرَجَ البُخارِيُّ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في ”سُنَنِهِ“، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جاءَ إلى السِّقايَةِ فاسْتَسْقى، فَقالَ العَبّاسُ: يا فَضْلُ، اذْهَبْ إلى أُمِّكَ فائْتِ رَسُولَ اللَّهِ بِشَرابٍ مِن عِنْدِها. فَقالَ: ”اسْقِنِي“ . فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهم يَجْعَلُونَ أيْدِيَهم فِيهِ. فَقالَ: ”اسْقِنِي“ . فَشَرِبَ مِنهُ، ثُمَّ أتى زَمْزَمَ وهم يَسْقُونَ ويَعْمَلُونَ فِيها، فَقالَ: اعْمَلُوا، فَإنَّكم عَلى عَمَلٍ صالِحٍ، لَوْلا أنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتّى أضَعَ الحَبْلَ عَلى هَذِهِ. وأشارَ إلى عاتِقِهِ» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ أبِي مَحْذُورَةَ قالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الأذانَ لَنا ولِمَوالِينا، والسِّقايَةَ لِبَنِي هاشِمٍ، والحِجابَةَ لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ «عَنْ عَلِيٍّ قالَ قُلْتُ لِلْعَبّاسِ: سَلْ لَنا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ (p-٢٧٤)الحِجابَةَ. فَسَألَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُعْطِيكم ما هو خَيْرٌ لَكم مِنها، السِّقايَةَ تَرْزَؤُكم ولا تُرْزَءُونَها» .
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، والأزْرَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «اسْتَأْذَنَ العَبّاسُ النَّبِيَّ ﷺ أنْ يَبِيتَ لَيالِيَ مِنًى بِمَكَّةَ مِن أجْلِ سِقايَتِهِ فَأذِنَ لَهُ» .
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: «طافَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلى ناقَتِهِ بِالبَيْتِ، مَعَهُ مِحْجَنٌ يَسْتَلِمُ بِهِ الحَجَرَ كُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ أتى السِّقايَةَ يَسْتَسْقِي فَقالَ العَبّاسُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ألا نَأْتِيكَ بِماءٍ لَمْ تَمَسَّهُ الأيْدِي؟ قالَ: بَلى فاسْقُونِي. فَسَقَوْهُ، ثُمَّ أتى زَمْزَمَ فَقالَ: اسْتَقُوا لِي مِنها دَلْوًا. فَأخْرَجُوا مِنها دَلْوًا فَمَضْمَضَ مِنهُ ثُمَّ مَجَّهُ فِيهِ ثُمَّ قالَ: أعِيدُوهُ. ثُمَّ قالَ: إنَّكم لَعَلى عَمَلٍ صالِحٍ. ثُمَّ قالَ: لَوْلا أنْ تُغْلَبُوا عَلَيْهِ لَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُ مَعَكم» .
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ تَمّامٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى ابْنِ عَبّاسٍ فَقالَ: أرَأيْتَ ما تَسْقُونَ النّاسَ مِن نَبِيذِ هَذا الزَّبِيبِ، أسُنَّةٌ تَتَّبِعُونَها أمْ تَجِدُونَ هَذا أهْوَنَ عَلَيْكم مِنَ اللَّبَنِ والعَسَلِ؟ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أتى العَبّاسَ وهو يَسْقِي النّاسَ فَقالَ: اسْقِنِي. فَدَعا العَبّاسُ بِعِساسٍ مِن نَبِيذٍ، فَتَناوَلَ (p-٢٧٥)رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُسًّا مِنها، فَشَرِبَ ثُمَّ قالَ: أحْسَنْتُمْ، هَكَذا فاصْنَعُوا. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَما يَسُرُّنِي أنَّ سِقايَتَها جَرَتْ عَلَيَّ لَبَنًا وعَسَلًا مَكانَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أحْسَنْتُمْ، هَكَذا فافْعَلُوا» .
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: اشْرَبْ مِن سِقايَةِ آلِ العَبّاسِ؛ فَإنَّها مِنَ السُّنَّةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ عَطاءٍ في قَوْلِهِ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ قالَ: زَمْزَمُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ في ”المُصَنَّفِ“، والأزْرَقِيُّ في ”تارِيخِ مَكَّةَ“، والبَيْهَقِيُّ في ”الدَّلائِلِ“ عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: أوَّلُ ما ذُكِرَ مِن عَبْدِ المُطَّلِبِ جَدِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّ قُرَيْشًا خَرَجَتْ مِنَ الحَرَمِ فارَّةً مِن أصْحابِ الفِيلِ وهو غُلامٌ شابٌّ، فَقالَ: واللَّهِ لا أخْرُجُ مِن حَرَمِ اللَّهِ أبْتَغِي العِزَّ في غَيْرِهِ. فَجَلَسَ عِنْدَ البَيْتِ، وأجْلَتْ عَنْهُ قُرَيْشٌ، فَقالَ: لاهُمَّ إنَّ المَرْءَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ فامْنَعْ رِحالَكْ لا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهم وضَلالُهم عَدْوًا مِحالَكْ فَلَمْ يَزَلْ ثابِتًا في الحَرَمِ حَتّى أهْلَكَ اللَّهُ الفِيلَ وأصْحابَهُ، فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وقَدْ (p-٢٧٦)عَظُمَ فِيها لِصَبْرِهِ وتَعْظِيمِهِ مَحارِمَ اللَّهِ، فَبَيْنَما هو في ذَلِكَ وقَدْ وُلِدَ لَهُ أكْبَرُ بَنِيهِ فَأدْرَكَ، وهو الحارِثُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَأُتِيَ عَبْدُ المُطَّلِبِ في المَنامِ فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمَ، خَبِيئَةَ الشَّيْخِ الأعْظَمِ. فاسْتَيْقَظَ فَقالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لِي. فَأُتِيَ في المَنامِ مَرَّةً أُخْرى، فَقِيلَ: احْفِرْ تُكْتَمَ بَيْنَ الفَرْثِ والدَّمِ، في مَبْحَثِ الغُرابِ، في قَرْيَةِ النَّمْلِ، مُسْتَقْبِلَ الأنْصابِ الحُمْرِ. فَقامَ عَبْدُ المُطَّلِبِ فَمَشى حَتّى جَلَسَ في المَسْجِدِ الحَرامِ يَنْتَظِرُ ما سُمِّيَ لَهُ مِنَ الآياتِ، فَنُحِرَتْ بَقَرَةٌ بِالحَزْوَرَةِ، فانْفَلَتَتْ مِن جازِرِها بِحُشاشَةِ نَفْسِها حَتّى غَلَبَها المَوْتُ في المَسْجِدِ في مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَجُزِرَتْ تِلْكَ البَقَرَةُ في مَكانِها حَتّى احْتُمِلَ لَحْمُها، فَأقْبَلَ غُرابٌ يَهْوِي حَتّى وقَعَ في الفَرْثِ، فَبَحَثَ عَنْ قَرْيَةِ النَّمْلِ، فَقامَ عَبْدُ المُطَّلِبِ فَحَفَرَ هُنالِكَ، فَجاءَتْهُ قُرَيْشٌ فَقالَتْ لِعَبْدِ المُطَّلِبِ: ما هَذا الصَّنِيعُ؟ إنّا لَمْ نَكُنْ نَزُنُّكَ بِالجَهْلٍ، لِمَ تَحْفِرُ في مَسْجِدِنا؟ فَقالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: إنِّي لَحافِرٌ هَذا البِئْرَ، ومُجاهِدٌ مَن صَدَّنِي عَنْها. فَطَفِقَ هو ووَلَدُهُ الحارِثُ، ولَيْسَ لَهُ ولَدٌ يَوْمَئِذٍ غَيْرُهُ، فَسَفِهَ عَلَيْهِما يَوْمَئِذٍ ناسٌ مِن قُرَيْشٍ فَنازَعُوهُما وقاتَلُوهُما وتَناهى عَنْهُ (p-٢٧٧)ناسٌ مِن قُرَيْشٍ؛ لِما يَعْلَمُونَ مِن عِتْقٍ نَسَبِهِ وصِدْقِهِ واجْتِهادِهِ في دِينِهِمْ، حَتّى إذا أمْكَنَ الحَفْرُ، واشْتَدَّ عَلَيْهِ الأذى، نَذَرَ إنْ وفى لَهُ عَشَرَةٌ مِنَ الوَلَدِ أنْ يَنْحَرَ أحَدَهُمْ، ثُمَّ حَفَرَ حَتّى أدْرَكَ سُيُوفًا دُفِنَتْ في زَمْزَمَ حِينَ دُفِنَتْ، فَلَمّا رَأتْ قُرَيْشٌ أنَّهُ قَدْ أدْرَكَ السُّيُوفَ قالُوا: يا عَبْدَ المُطَّلِبِ، أجْدِنا مِمّا وجَدْتَ. فَقالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: هَذِهِ السُّيُوفُ لِبَيْتِ اللَّهِ. فَحَفَرَ حَتّى أنْبَطَ الماءَ في التُّرابِ وبَحَرَها حَتّى لا تَنْزِفَ، وبَنى عَلَيْها حَوْضًا، فَطَفِقَ هو وابْنُهُ يَنْزِعانِ فَيَمْلَآنِ ذَلِكَ الحَوْضَ فَيَشْرَبُ مِنهُ الحاجُّ، فَيَكْسِرُهُ أُناسٌ حَسَدَةٌ مِن قُرَيْشٍ بِاللَّيْلِ فَيُصْلِحُهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ حِينَ يُصْبِحُ، فَلَمّا أكْثَرُوا فَسادَهُ دَعا عَبْدُ المُطَّلِبِ رَبَّهُ، فَأُرِيَ في المَنامِ فَقِيلَ لَهُ: قُلِ: اللَّهُمَّ لا أُحِلُّها لِمُغْتَسِلٍ، ولَكِنْ هي لِلشّارِبِينَ حِلٌّ وبِلٌّ. ثُمَّ كُفِيتَهم. فَقامَ عَبْدُ المُطَّلِبِ حِينَ اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ في المَسْجِدِ، فَنادى بِالَّذِي أُرِيَ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَكُنْ يُفْسِدُ حَوْضَهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أحَدٌ مِن قُرَيْشٍ إلّا رُمِيَ في جَسَدِهِ بِداءٍ، حَتّى تَرَكُوا حَوْضَهُ وسِقايَتَهُ. ثُمَّ تَزَوَّجَ عَبْدُ المُطَّلِبِ النِّساءَ فَوُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ رَهْطٍ، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ لَكَ نَحْرَ أحَدِهِمْ، وإنِّي أُقْرِعُ بَيْنَهُمْ، فَأصِبْ بِذَلِكَ مَن شِئْتَ. فَأقْرَعَ بَيْنَهم فَطارَتِ القُرْعَةُ عَلى عَبْدِ اللَّهِ، وكانَ أحَبَّ ولَدِهِ إلَيْهِ، فَقالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: اللَّهُمَّ أهُوَ أحَبُّ إلَيْكَ أمْ مِائَةٌ مِنَ الإبِلِ؟ ثُمَّ أقْرَعُ بَيْنَهُ وبَيْنَ المِائَةِ مِنَ الإبِلِ فَطارَتِ (p-٢٧٨)القُرْعَةُ عَلى المِائَةِ مِنَ الإبِلِ، فَنَحَرَها عَبْدُ المُطَّلِبِ.
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ، والبَيْهَقِيُّ في ”الدَّلائِلِ“ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: قالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: إنِّي لَنائِمٌ في الحِجْرِ إذْ أتانِي آتٍ فَقالَ: احْفِرْ طَيْبَةَ. قُلْتُ: وما طَيْبَةُ؟ فَذَهَبَ عَنِّي، فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ رَجَعْتُ إلى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ، فَجاءَنِي، فَقالَ: احْفِرْ بَرَّةَ. قُلْتُ: وما بَرَّةُ؟ فَذَهَبَ عَنِّي، فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ رَجَعْتُ إلى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ، فَجاءَنِي، فَقالَ: احْفِرْ زَمْزَمَ. فَقُلْتُ: وما زَمْزَمُ؟ قالَ: لا تَنْزِفُ ولا تُذَمُّ، تَسْقِي الحَجِيجَ الأعْظَمَ، عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ. قالَ: فَلَمّا أبانَ لَهُ شَأْنَها، ودُلَّ عَلى مَوْضِعِها، وعَرَفَ أنْ قَدْ صُدِقَ، غَدا بِمِعْوَلِهِ ومَعَهُ ابْنُهُ الحارِثُ، لَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ غَيْرُهُ، فَحَفَرَ، فَلَمّا بَدا لِعَبْدِ المُطَّلِبِ الطَّيُّ كَبَّرَ، فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أنَّهُ قَدْ أدْرَكَ حاجَتَهُ، فَقامُوا إلَيْهِ فَقالُوا: يا عَبْدَ المُطَّلِبِ، إنَّها بِئْرُ إسْماعِيلَ، وإنَّ لَنا فِيها حَقًّا، فَأشْرِكْنا مَعَكَ فِيها. فَقالَ: ما أنا بِفاعِلٍ، إنَّ هَذا الأمْرَ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ، وأُعْطِيتُهُ مِن بَيْنِكم. قالُوا: فَأنْصِفْنا فَإنّا غَيْرُ تارِكِيكَ حَتّى نُحاكِمَكَ. قالَ: فاجْعَلُوا بَيْنِي وبَيْنَكم مَن شِئْتُمْ أُحاكِمُكم إلَيْهِ. قالُوا: كاهِنَةَ بَنِي سَعْدِ هُذَيْمٍ؟ قالَ: نَعَمْ. وكانَتْ بِأشْرافِ الشّامِ، (p-٢٧٩)فَرَكِبَ عَبْدُ المُطَّلِبِ ومَعَهُ نَفَرٌ مِن بَنِي عَبْدِ مُنافٍ، ورَكِبَ مِن كُلِّ قَبِيلَةٍ مِن قُرَيْشٍ نَفَرٌ، والأرْضُ إذْ ذاكَ مَفاوِزُ، فَخَرَجُوا حَتّى إذا كانُوا بِبَعْضِ المَفاوِزِ بَيْنَ الحِجازِ والشّامِ فَنِيَ ماءُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وأصْحابِهِ فَظَمِئُوا حَتّى أيْقَنُوا بِالهَلَكَةِ فاسْتَسْقَوْا مِمَّنْ مَعَهم مِن قَبائِلِ قُرَيْشٍ فَأبَوْا عَلَيْهِمْ وقالُوا: إنّا في مَفازَةٍ نَخْشى فِيها عَلى أنْفُسِنا مِثْلَ ما أصابَكم. فَلَمّا رَأى عَبْدُ المُطَّلِبِ ما صَنَعَ القَوْمُ وما يَتَخَوَّفُ عَلى نَفْسِهِ وأصْحابِهِ قالَ: ماذا تَرَوْنَ؟ قالُوا: ما رَأْيُنا إلّا تَبَعٌ لِرَأْيِكَ، فَمُرْنا بِما شِئْتَ. قالَ: فَإنِّي أرى أنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنكم لِنَفْسِهِ؛ لِما بِكُمُ الآنَ مِنَ القُوَّةِ، كُلَّما ماتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أصْحابُهُ في حُفْرَتِهِ ثُمَّ وارَوْهُ، حَتّى يَكُونَ آخِرُكم رَجُلًا، فَضَيْعَةُ رَجُلٍ واحِدٍ أيْسَرُ مِن ضَيْعَةِ رَكْبٍ جَمِيعًا. قالُوا: سَمِعْنا ما أرَدْتَ. فَقامَ كُلُّ رَجُلٍ مِنهم يَحْفِرُ حُفْرَتَهُ، ثُمَّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ المَوْتَ عَطَشًا، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ المُطَّلِبِ قالَ لِأصْحابِهِ: واللَّهِ إنَّ إلْقاءَنا بِأيْدِينا لَعَجْزٌ، ما نَبْتَغِي لِأنْفُسِنا حِيلَةً؟ عَسى اللَّهُ أنْ يَرْزُقَنا ماءً بِبَعْضِ البِلادِ، ارْتَحِلُوا. فارْتَحَلُوا حَتّى فَرَغُوا ومِن مَعَهم مِن قُرَيْشٍ يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ وما هم فاعِلُونَ، فَقامَ عَبْدُ المُطَّلِبِ إلى راحِلَتِهِ فَرَكِبَها، فَلَمّا انْبَعَثَتِ انْفَجَرَتْ مِن تَحْتِ خُفِّها عَيْنٌ مِن ماءٍ عَذْبٍ فَكَبَّرَ عَبْدُ المُطَّلِبِ وكَبَّرَ أصْحابُهُ، ثُمَّ نَزَلَ فَشَرِبَ وشَرِبُوا، واسْتَقَوْا حَتّى مَلَأُوا أسْقِيَتَهُمْ، ثُمَّ دَعا القَبائِلَ الَّتِي مَعَهُ مِن قُرَيْشٍ فَقالَ: هَلُمَّ الماءَ، قَدْ سَقانا اللَّهُ تَعالى فاشْرَبُوا واسْتَقُوا. فَقالَتِ القَبائِلُ الَّتِي نازَعَتْهُ: قَدْ - واللَّهِ - قَضى اللَّهُ لَكَ يا عَبْدَ (p-٢٨٠)المُطَّلِبِ، واللَّهِ لا نُخاصِمُكَ في زَمْزَمَ أبَدًا؛ الَّذِي سَقاكَ هَذا الماءَ بِهَذِهِ الفَلاةِ هو الَّذِي سَقاكَ زَمْزَمَ، فارْجِعْ إلى سِقايَتِكَ راشِدًا. فَرَجَعَ ورَجَعُوا مَعَهُ ولَمْ يَمْضُوا إلى الكاهِنَةِ، وخَلُّوا بَيْنَهُ وبَيْنَ زَمْزَمَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، وابْنُ ماجَهْ، وعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، والفاكِهِيُّ في ”تارِيخِ مَكَّةَ“، والطَّبَرانِيُّ في ”الأوْسَطِ“، وابْنُ عَدِيٍّ، والبَيْهَقِيُّ في ”سُنَنِهِ“ مِن طَرِيقِ أبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «ماءُ زَمْزَمَ لِما شُرِبَ لَهُ» .
وأخْرَجَ المُسْتَغْفِرِيُّ في ”الطِّبِّ“، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ماءُ زَمْزَمَ لِما شُرِبَ لَهُ؛ مَن شَرِبَهُ لِمَرَضٍ شَفاهُ اللَّهُ، أوْ لِجُوعٍ أشْبَعَهُ اللَّهُ، أوْ لِحاجَةٍ قَضاها اللَّهُ» .
وأخْرَجَ الدِّينَوَرِيُّ في ”المُجالَسَةِ“ عَنِ الحُمَيْدِيِّ، وهو شَيْخُ البُخارِيِّ، قالَ: كُنّا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَحَدَّثَنا بِحَدِيثِ: ماءُ زَمْزَمَ لِما شُرِبَ لَهُ. فَقامَ رَجُلٌ مِنَ (p-٢٨١)المَجْلِسِ، ثُمَّ عادَ فَقالَ: يا أبا مُحَمَّدٍ، ألَيْسَ الحَدِيثُ الَّذِي قَدْ حَدَّثْتَنا في زَمْزَمَ صَحِيحًا؟ فَقالَ: بَلى. فَقالَ الرَّجُلُ: فَإنِّي شَرِبْتُ الآنَ دَلْوًا مِن زَمْزَمَ عَلى أنْ تُحَدِّثَنِي بِمِائَةِ حَدِيثٍ. فَقالَ لَهُ سُفْيانُ: اقْعُدْ. فَقَعَدَ فَحَدَّثَهُ بِمِائَةِ حَدِيثٍ.
وأخْرَجَ الفاكِهِيُّ في ”تارِيخِ مَكَّةَ“ عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: حَجَّ مُعاوِيَةُ وحَجَجْنا مَعَهُ، فَلَمّا طافَ بِالبَيْتِ صَلّى عِنْدَ المَقامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ مَرَّ بِزَمْزَمَ وهو خارِجٌ إلى الصَّفا، فَقالَ: يا غُلامُ، انْزِعْ لِي مِنها دَلْوًا. فَنَزَعَ لَهُ دَلْوًا، فَشَرِبَ وصَبَّ عَلى وجْهِهِ، وخَرَجَ وهو يَقُولُ: ماءُ زَمْزَمَ لِما شُرِبَ لَهُ.
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في ”شُعَبِ الإيمانِ“ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ماءُ زَمْزَمَ لِما شُرِبَ لَهُ» .
وأخْرَجَ الحافِظَ أبُو الوَلِيدِ بْنُ الدَّبّاغِ في ”فَوائِدِهِ“، والبَيْهَقِيُّ، والخَطِيبُ في ”تارِيخِهِ“، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ قالَ: رَأيْتُ ابْنَ المُبارَكِ أتى زَمْزَمَ فَمَلَأ إناءً ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الكَعْبَةَ فَقالَ: اللَّهُمَّ إنَّ ابْنَ أبِي المَوالِي حَدَّثَنا، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرٍ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «ماءُ زَمْزَمَ لِما شُرِبَ لَهُ» . وهو ذا، أشْرَبُ هَذا لِعَطَشِ يَوْمِ القِيامَةِ. ثُمَّ شَرِبَهُ.
(p-٢٨٢)وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ مِن طَرِيقِ أبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ماءُ زَمْزَمَ لِما شُرِبَتْ لَهُ» .
قالَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: وحَدَّثَنِي أبِي قالَ: دَخَلْتُ الطَّوافَ في لَيْلَةٍ ظَلْماءَ، فَأخَذَنِي مِنَ البَوْلِ ما شَغَلَنِي، فَجَعَلْتُ أعْتَصِرُ حَتّى آذانِي، وخِفْتُ إنَّ خَرَجْتُ مِنَ المَسْجِدِ أنْ أطَأ بَعْضَ تِلْكَ الأقْذارِ وذَلِكَ أيّامَ الحاجِّ، فَذَكَرْتُ هَذا الحَدِيثَ، فَدَخَلْتُ زَمْزَمَ فَتَضَلَّعْتُ مِنهُ، فَذَهَبَ عَنِّي إلى الصَّباحِ.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُ ماءٍ عَلى وجْهِ الأرْضِ زَمْزَمُ، فِيهِ طَعامٌ مِنَ الطُّعْمِ وشِفاءٌ مِنَ السُّقْمِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، والفاكِهِيُّ، والبَيْهَقِيُّ في ”شُعَبِ الإيمانِ“، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: زَمْزَمُ خَيْرُ ماءٍ يُعْلَمُ؛ طَعامُ طُعْمٍ، وشِفاءُ سُقْمٍ.
وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في ”الشُّعَبِ“، «عَنْ عائِشَةَ، أنَّها كانَتْ تَحْمِلُ ماءَ زَمْزَمَ في القَوارِيرِ، وتَذْكُرُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَعَلَ (p-٢٨٣)ذَلِكَ، وكانَ يَصُبُّ عَلى المَرْضى ويَسْقِيهِمْ» .
وأخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ في ”مُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ“ عَنْ صَفِيَّةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «ماءُ زَمْزَمَ شِفاءٌ مِن كُلِّ داءٍ» .
وأخْرَجَ الدّارَقُطْنِيُّ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، مِن طَرِيقِ مُجاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ماءُ زَمْزَمَ لِما شُرِبَ لَهُ؛ فَإنْ شَرِبْتَهُ تَشْتَفِي بِهِ شَفاكَ اللَّهُ، وإنْ شَرِبْتَهُ مُسْتَعِيذًا أعاذَكَ اللَّهُ، وإنْ شَرِبْتَهُ لِيَقْطَعَ ظَمَأكَ قَطَعَهُ اللَّهُ، وإنْ شَرِبْتَهُ لِشِبَعِكَ أشْبَعَكَ اللَّهُ، وهي هَزْمَةُ جِبْرِيلَ وسُقْيا إسْمَعِيلَ عَلَيْهِما السَّلامُ» . قالَ: وكانَ ابْنُ عَبّاسٍ إذا شَرِبَ ماءَ زَمْزَمَ قالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ عِلْمًا نافِعًا، ورِزْقًا واسِعًا، وشِفاءً مِن كُلِّ داءٍ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ ماجَهْ، والطَّبَرانِيُّ والدّارَقُطْنِيُّ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في ”سُنَنِهِ“، عَنْ عُثْمانَ بْنِ الأسْوَدِ قالَ: «جاءَ رَجُلٌ إلى ابْنِ عَبّاسٍ فَقالَ: مِن أيْنَ جِئْتَ؟ قالَ: شَرِبْتُ مِن زَمْزَمَ. فَقالَ: أشَرِبْتَ مِنها كَما (p-٢٨٤)يَنْبَغِي؟ قالَ: وكَيْفَ ذاكَ يا أبا عَبّاسٍ؟ قالَ: إذا شَرِبْتَ مِنها فاسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ، واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، واشْرَبْ وتَنَفَّسْ ثَلاثًا، وتَضَلَّعْ مِنها، فَإذا فَرَغْتَ فاحْمَدِ اللَّهَ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: آيَةُ ما بَيْنَنا وبَيْنَ المُنافِقِينَ أنَّهم لا يَتَضَلَّعُونَ مِن زَمْزَمَ» .
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ «كُنّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في صُفَّةِ زَمْزَمَ، فَأمَرَ بِدَلْوٍ فَنُزِعَ لَهُ مِنَ البِئْرِ، فَوَضَعَها عَلى شَفَةِ البِئْرِ، ثُمَّ وضَعَ يَدَهُ مِن تَحْتِ عَراقِيِّ الدَّلْوِ، ثُمَّ قالَ: بِاسْمِ اللَّهِ. ثُمَّ كَرَعَ فِيها فَأطالَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ. ثُمَّ دَعا فَقالَ: بِاسْمِ اللَّهِ. ثُمَّ كَرَعَ فِيها فَأطالَ، وهو دُونُ الأوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ. ثُمَّ دَعا فَقالَ: بِاسْمِ اللَّهِ. ثُمَّ كَرَعَ فِيها فَأطالَ، وهو دُونُ الثّانِي، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ. ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلامَةُ ما بَيْنَنا وبَيْنَ المُنافِقِينَ، لَمْ يَشْرَبُوا مِنها قَطُّ حَتّى يَتَضَلَّعُوا» .
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «التَّضَلُّعُ مِن ماءِ زَمْزَمَ بَراءَةٌ مِنَ النِّفاقِ» . (p-٢٨٥)وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «عَلامَةُ ما بَيْنَنا وبَيْنَ المُنافِقِينَ، أنْ يُدْلُوا دَلْوًا مِن ماءٍ زَمْزَمَ فَيَتَضَلَّعُوا مِنها، ما اسْتَطاعَ مُنافِقٌ قَطُّ أنْ يَتَضَلَّعَ مِنها» .
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنِ الضَّحّاكِ بْنِ مُزاحِمٍ قالَ: بَلَغَنِي أنَّ التَّضَلُّعَ مِن ماءِ زَمْزَمَ بَراءَةٌ مِنِ النِّفاقِ، وأنَّ ماءَها مُذْهِبٌ بِالصُّداعِ، وأنَّ الِاطِّلاعَ فِيها يَجْلُو البَصَرَ، وأنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْها زَمانٌ تَكُونُ أعْذَبَ مِنَ النِّيلِ والفُراتِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، والأزْرَقِيُّ والفاكِهِيُّ، عَنْ كَعْبٍ قالَ: إنِّي لَأجِدُ في كِتابِ اللَّهِ المُنَزَّلِ، أنَّ زَمْزَمَ طَعامُ طُعْمٍ وشِفاءُ سُقْمٍ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، والأزْرَقِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمانَ بْنِ خُثَيْمٍ قالَ: قَدِمَ عَلَيْنا وهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ مَكَّةَ، فاشْتَكى، فَجِئْنا نَعُودُهُ، فَإذا عِنْدَهُ مِن ماءِ زَمْزَمَ، فَقُلْنا: لَوِ اسْتَعْذَبْتَ فَإنَّ هَذا ماءٌ فِيهِ غِلَظٌ. قالَ: ما أُرِيدُ أنْ أشْرَبَ حَتّى أخْرُجَ مِنها غَيْرَهُ، والَّذِي نَفْسُ وهْبٍ بِيَدِهِ، إنَّها لَفي كِتابِ اللَّهِ زَمْزَمُ لا تُنْزَفُ ولا تُذَمُّ، وإنَّها لَفي كِتابِ اللَّهِ بَرَّةٌ، شَرابُ الأبْرارِ، وإنَّها لَفي كِتابِ اللَّهِ مَضْنُونَةٌ، وإنَّها لَفي كِتابِ اللَّهِ طَعامُ طُعْمٍ وشِفاءُ سُقْمٍ، والَّذِي نَفْسُ وهْبٍ بِيَدِهِ، لا يَعْمِدُ إلَيْها أحَدٌ فَيَشْرَبُ مِنها حَتّى يَتَضَلَّعَ، إلّا نَزَعَتْ (p-٢٨٦)مِنهُ داءً وأحْدَثَتْ لَهُ شِفاءً.
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنْ كَعْبٍ، أنَّهُ قالَ لِزَمْزَمَ: إنّا نَجِدُها مَضْنُونَةً ضُنَّ بِها لَكُمْ، وأوَّلُ مَن سُقِيَ ماءَها إسْماعِيلُ، طَعامُ طُعْمٍ وشِفاءُ سُقْمٍ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ في ”المُصَنَّفِ“، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، والأزْرَقِيُّ، والحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: ماءُ زَمْزَمَ لِما شُرِبَ لَهُ، إنْ شَرِبْتَهُ تُرِيدُ الشِّفاءَ شَفاكَ اللَّهُ وإنْ شَرِبْتَهُ لِظَمَأٍ أرْواكَ اللَّهُ، وإنْ شَرِبْتَهُ لِجُوعٍ أشْبَعَكَ اللَّهُ، وهي هَزْمَةُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِعَقِبِهِ، وسُقْيا اللَّهِ لِإسْماعِيلَ.
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: خَيْرُ وادِيَيْنِ في النّاسِ وادِي مَكَّةَ، ووادٍ بِالهِنْدِ الَّذِي هَبَطَ بِهِ آدَمُ، ومِنهُ يُؤْتى بِهَذا الطِّيبِ الَّذِي تَطَيَّبُونَ بِهِ، وشَرُّ وادِيَيْنِ في النّاسِ وادٍ بِالأحْقافِ، ووادٍ بِحَضْرَمَوْتَ يُقالُ لَهُ: بَرَهُوتُ. وخَيْرُ بِئْرٍ في النّاسِ بِئْرُ زَمْزَمَ، وشَرُّ بِئْرٍ في النّاسِ بِئْرُ بَرَهُوتُ، وإلَيْها تَجْتَمِعُ أرْواحُ الكُفّارِ.
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ، مِن طَرِيقِ عَطاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: صَلُّوا في مُصَلّى الأخْيارِ، واشْرَبُوا مِن شَرابِ الأبْرارِ. قِيلَ لِابْنِ عَبّاسٍ: ما مُصَلّى الأخْيارِ؟ قالَ: (p-٢٨٧)تَحْتَ المِيزابِ. قِيلَ: وما شَرابُ الأبْرارِ؟ قالَ: ماءُ زَمْزَمَ.
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: سَمِعْتُ أنَّهُ يُقالُ: خَيْرُ ماءٍ في الأرْضِ ماءُ زَمْزَمَ، وشَرُّ ماءٍ في الأرْضِ ماءُ بَرْهُوتُ؛ شِعْبٌ مِن شِعابِ حَضْرَمَوْتَ.
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنْ كَعْبِ الأحْبارِ قالَ: إنَّ إيلِيا وزَمْزَمَ لَيَتَعارَفانِ.
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خالِدٍ قالَ: بَيْنَما أنا لَيْلَةً في جَوْفِ اللَّيْلِ عِنْدَ زَمْزَمَ جالِسٌ، إذا نَفَرٌ يَطُوفُونَ، عَلَيْهِمْ ثِيابٌ بِيضٌ لَمْ أرَ بَياضَ ثِيابِهِمْ بِشَيْءٍ قَطُّ، فَلَمّا فَرَغُوا صَلَّوْا قَرِيبًا مِنِّي فالتَفَتَ بَعْضُهم فَقالَ لِأصْحابِهِ: اذْهَبُوا بِنا نَشْرَبْ مِن شَرابِ الأبْرارِ، فَقامُوا فَدَخَلُوا زَمْزَمَ، فَقُلْتُ: واللَّهِ لَوْ دَخَلْتُ عَلى القَوْمِ فَسَألْتُهم. فَقُمْتُ فَدَخَلْتُ فَإذا لَيْسَ فِيها أحَدٌ مِنَ البَشَرِ.
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنِ العَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ قالَ: تَنافَسَ النّاسُ في زَمْزَمَ في الجاهِلِيَّةِ، حَتّى إنْ كانَ أهْلُ العِيالِ يَغْدُونَ بِعِيالِهِمْ فَيَشْرَبُونَ، فَيَكُونُ صَبُوحًا لَهم وقَدْ كُنّا نَعُدُّها عَوْنًا عَلى العِيالِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، والأزْرَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَتْ زَمْزَمُ تُسَمّى (p-٢٨٨)فِي الجاهِلِيَّةِ شُباعَةَ، ويُزْعَمُ أنَّها نِعْمَ العَوْنُ عَلى العِيالِ.
وأخْرَجَ الطَّيالِسِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، ومُسْلِمٌ، والأزْرَقِيُّ، والبَزّارُ، وأبُو عَوانَةَ، والبَيْهَقِيُّ في ”سُنَنِهِ“، «عَنْ أبِي ذَرٍّ قالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَقالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَتّى كَنْتَ هَهُنا؟ قُلْتُ: أرْبَعَ عَشْرَةَ. وفي لَفْظٍ: قُلْتُ: ثَلاثِينَ، بَيْنِ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ. قالَ: مَن كانَ يُطْعِمُكَ؟ قُلْتُ: ما كانَ لِي طَعامٌ ولا شَرابٌ إلّا ماءَ زَمْزَمَ، فَما أجِدُ عَلى كَبِدِي سَخَقَةُ جُوعٍ، ولَقَدْ تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي. قالَ: إنَّها مُبارَكَةٌ، إنَّها طَعامُ طُعْمٍ. زادِ الطَّيالِسِيُّ: وشِفاءُ سُقْمٍ» .
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنْ رَباحِ بْنِ الأسْوَدِ قالَ: كُنْتُ مَعَ أهْلِي بِالبادِيَةِ، فابْتُعْتُ، بِمَكَّةَ فَأُعْتِقْتُ، فَمَكَثْتُ ثَلاثَةَ أيّامٍ لا أجِدُ شَيْئًا آكُلُهُ فَكُنْتُ أشْرَبُ مِن ماءِ زَمْزَمَ فَشَرِبْتُ يَوْمًا فَإذا أنا بِصَرِيفِ اللَّبَنِ مِن بَيْنِ ثَنايايَ، فَقُلْتُ: لَعَلِّي ناعِسٌ. فانْطَلَقْتُ وأنا أجِدُ قُوَّةَ اللَّبَنِ وشِبَعَهُ. (p-٢٨٩)وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أبِي رَوّادٍ، أنَّ راعِيًا كانَ يَرْعى وكانَ مِنَ العُبّادِ فَكانَ إذا ظَمِئَ وجَدَ فِيها لَبَنًا، وإذا أرادَ أنْ يَتَوَضَّأ وجَدَ فِيها ماءً.
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنِ الضَّحّاكِ بْنِ مُزاحِمٍ قالَ: إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ المِياهَ العَذْبَةَ قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ غَيْرَ زَمْزَمَ، فَتَغُورُ المِياهُ غَيْرَ زَمْزَمَ، وتُلْقِي الأرْضُ ما في بَطْنِها مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ، ويَجِيءُ الرَّجُلُ بِالجِرابِ فِيهِ الذَّهَبُ والفِضَّةُ فَيَقُولُ: مَن يَقْبَلُ هَذا مِنِّي؟ فَيَقُولُ: لَوْ أتَيْتَنِي بِهِ أمْسِ قَبِلْتُهُ.
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قالَ: رَأيْتُ عَبّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ في المَسْجِدِ الحَرامِ وهو يَطُوفُ حَوْلَ زَمْزَمَ، يَقُولُ: لا أُحِلُّها لِمُغْتَسِلٍ، وهي لِمُتَوَضِّئٍ وشارِبٍ حِلٍّ وبِلٌّ.
وأخْرَجَ الأزْرَقِيُّ عَنِ ابْنِ أبِي حُسَيْنٍ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ إلى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَسْتَهْدِيهِ مِن ماءِ زَمْزَمَ، فَبَعَثَ لَهُ بِراوِيَتَيْنِ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، والأزْرَقِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أبِي حُسَيْنٍ، واسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو: إنْ جاءَكَ كِتابِي لَيْلًا فَلا تُصْبِحَنَّ، وإنْ جاءَكَ نَهارًا فَلا (p-٢٩٠)تُمْسِيَنَّ حَتّى تَبْعَثَ إلَيَّ بِماءٍ مِن ماءِ زَمْزَمَ. فَمَلَأ لَهُ مَزادَتَيْنِ، وبَعَثَ بِهِما عَلى بَعِيرٍ» .
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ في ”الأوْسَطِ“ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَهْدى سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو مِن ماءِ زَمْزَمَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أُمِّ أيْمَنَ قالَتْ: «ما رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَكا صَغِيرًا ولا كَبِيرًا، جُوعًا ولا عَطَشًا، كانَ يَغْدُو فَيَشْرَبُ مِن ماءِ زَمْزَمَ، فَأعْرِضُ عَلَيْهِ الغَداءَ فَيَقُولُ: لا أُرِيدُهُ، أنا شَبْعانُ» .
وأخْرَجَ الدّارَقُطْنِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «خَمْسٌ مِنَ العِبادَةِ؛ النَّظَرُ إلى المُصْحَفِ، والنَّظَرُ إلى الكَعْبَةِ، والنَّظَرُ إلى الوالِدَيْنِ، والنَّظَرُ في زَمْزَمَ، وهي تَحُطُّ الخَطايا، والنَّظَرُ في وجْهِ العالِمِ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْ مُجاهِدٍ، أنَّهُ كانَ إذا شَرِبَ مِن زَمْزَمَ قالَ: هي لِما شُرِبَتْ لَهُ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: ما مِن رَجُلٍ يَشْرَبُ مِن (p-٢٩١)ماءِ زَمْزَمَ حَتّى يَتَضَلَّعَ، إلّا حَطَّ اللَّهُ بِهِ داءً مِن جَوْفِهِ، ومَن شَرِبَهُ لِعَطَشٍ رَوِيَ، ومَن شَرِبَهُ لِجُوعٍ شَبِعَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ طاوُسٍ قالَ: ماءُ زَمْزَمَ طَعامُ طُعْمٍ وشِفاءُ سُقْمٍ.
وأخْرَجَ الفاكِهِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي هِلالٍ قالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَيْنًا لَهُ إلى مَكَّةَ، فَأقامَ بِها لَيالِيَ يَشْرَبُ مِن ماءِ زَمْزَمَ، فَلَمّا رَجَعَ قالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما كانَ عَيْشُكَ؟ فَأخْبَرَهُ أنَّهُ كانَ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِن مائِها، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّها شِفاءٌ مِن سُقْمٍ وطَعامٌ مِن طُعْمٍ» .
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ: كانَ إذا أرادَ أنْ يُتْحِفَ الرَّجُلَ بِتُحْفَةٍ سَقاهُ مِن ماءِ زَمْزَمَ» .
وأخْرَجَ الفاكِهِيُّ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: كانَ ابْنُ عَبّاسٍ إذا نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ أتْحَفَهُ مِن ماءِ زَمْزَمَ، ولا أطْعَمَ قَوْمًا طَعامًا إلّا سَقاهم مِن ماءِ زَمْزَمَ.
وأخْرَجَ أبُو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَ أهْلُ مَكَّةَ لا يُسابِقُهم أحَدٌ إلّا سَبَقُوهُ، ولا يُصارِعُهم أحَدٌ إلّا صَرَعُوهُ، حَتّى رَغِبُوا عَنْ ماءِ زَمْزَمَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في ”المُصَنَّفِ“ عَنْ مُجاهِدٍ: كانُوا يَسْتَحِبُّونَ إذا ودَّعُوا (p-٢٩٢)البَيْتَ أنْ يَأْتُوا زَمْزَمَ فَيَشْرَبُوا مِنها.
وأخْرَجَ السَّلَفِيُّ في ”الطُّيُورِيّاتِ“ عَنِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ قالَ: زَمْزَمُ شَرابُ الأبْرارِ، والحِجْرُ مُصَلّى الأخْيارِ.
{"ayahs_start":19,"ayahs":["۞ أَجَعَلۡتُمۡ سِقَایَةَ ٱلۡحَاۤجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَجَـٰهَدَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ لَا یَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ","ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَاۤىِٕزُونَ"],"ayah":"۞ أَجَعَلۡتُمۡ سِقَایَةَ ٱلۡحَاۤجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَجَـٰهَدَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ لَا یَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق