الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ﴾ . الآيَتَيْنِ.
أخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنِ ابْنِ شِهابٍ ومُوسى بْنِ عُقْبَةَ قالا: «مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ قَتْلِ ابْنِ الحَضْرَمِيِّ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أقْبَلَ أبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ في عِيرٍ لِقُرَيْشٍ مِنَ الشّامِ ومَعَهُ سَبْعُونَ راكِبًا مِن بُطُونِ قُرَيْشٍ كُلِّها، وفِيهِمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وعَمْرُو بْنُ العاصِي، وكانُوا تُجّارًا بِالشّامِ، ومَعَهم خَزائِنُ أهْلِ مَكَّةَ، ويُقالُ: كانَتْ عِيرُهم ألْفَ بَعِيرٍ، ولَمْ يَكُنْ لِأحَدٍ مِن قُرَيْشٍ أُوقِيَّةٌ فَما فَوْقَها إلّا بَعَثَ بِها مَعَ أبِي سُفْيانَ إلّا حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ العُزّى، فَلِذَلِكَ كانَ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهُ فَذُكِرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأصْحابِهِ وقَدْ كانَتِ الحَرْبُ بَيْنَهم (p-٣٠)قَبْلَ ذَلِكَ وقَتْلُ ابْنِ الحَضْرَمِيِّ وأسْرُ الرَّجُلَيْنِ عُثْمانَ والحَكَمِ، فَلَمّا ذُكِرَتْ عِيرُ أبِي سُفْيانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَدِيَّ بْنَ أبِي الزَّغْباءِ الأنْصارِيَّ مِن بَنِي غَنْمٍ، وأصْلُهُ مِن جُهَيْنَةَ وبَسْبَسًا، يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو إلى العِيرِ عَيْنًا لَهُ، فَسارا حَتّى أتَيا حَيًّا مِن جُهَيْنَةَ قَرِيبًا مِن ساحِلِ البَحْرِ، فَسَألُوهم عَنِ العِيرِ وعَنْ تُجّارِ قُرَيْشٍ، فَأخْبَرُوهُما بِخَبَرِ القَوْمِ، فَرَجَعا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأخْبَراهُ فاسْتَنْفَرَ المُسْلِمِينَ لِلْعِيرِ وذَلِكَ في رَمَضانَ.
وقَدِمَ أبُو سُفْيانَ عَلى الجُهَنِيِّينَ وهو مُتَخَوِّفٌ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأصْحابِهِ فَقالَ: أحِسُّوا مِن مُحَمَّدٍ فَأخْبَرُوهُ خَبَرَ الرّاكِبَيْنِ عَدِيِّ بْنِ أبِي الزَّغْباءِ وبَسْبَسٍ وأشارُوا لَهُ إلى مُناخِهِما، فَقالَ أبُو سُفْيانَ: خُذُوا مِن بَعْرِ بَعِيرِهِما فَفَتَّهُ فَوَجَدَ فِيهِ النَّوى، فَقالَ: هَذِهِ عَلائِفُ أهْلِ يَثْرِبَ وهَذِهِ عُيُونُ مُحَمَّدٍ وأصْحابِهِ، فَسارُوا سِراعًا خائِفِينَ لِلطَّلَبِ، وبَعَثَ أبُو سُفْيانَ رَجُلًا مِن بَنِي غِفارٍ يُقالُ لَهُ: ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو إلى قُرَيْشٍ أنِ انْفَرُوا فاحْمُوا عِيرَكم مِن مُحَمَّدٍ وأصْحابِهِ فَإنَّهُ قَدِ اسْتَنْفَرَ أصْحابَهُ لِيَعْرِضُوا لَنا.
وكانَتْ عاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ ساكِنَةً بِمَكَّةَ، وهي عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكانَتْ مَعَ أخِيها العَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَرَأتْ رُؤْيا قَبْلَ بَدْرٍ وقَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ عَلَيْهِمْ، فَفَزِعَتْ مِنها، فَأرْسَلَتْ إلى أخِيها العَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ مِن لَيْلَتِها فَجاءَها العَبّاسُ فَقالَتْ: رَأيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيا قَدْ أشْفَقْتُ مِنها، وخَشِيتُ عَلى قَوْمِكَ مِنها الهَلَكَةَ، قالَ: وماذا رَأيْتِ؟ قالَتْ: لَنْ أُحَدِّثَكَ (p-٣١)حَتّى تُعاهِدَنِي أنَّكَ لا تَذْكُرُها؛ فَإنَّهم إنْ سَمِعُوها آذَوْنا وأسْمَعُونا ما لا نُحِبُّ. فَعاهَدَها العَبّاسُ، فَقالَتْ: رَأيْتُ راكِبًا أقْبَلَ مِن أعْلى مَكَّةَ عَلى راحِلَتِهِ، يَصِيحُ بِأعْلى صَوْتِهِ: يا لَغُدُرُ اخْرُجُوا في لَيْلَتَيْنِ أوْ ثَلاثٍ. فَأقْبَلَ يَصِيحُ حَتّى دَخَلَ المَسْجِدَ عَلى راحِلَتِهِ، فَصاحَ ثَلاثَ صَيْحاتٍ، ومالَ عَلَيْهِ الرِّجالُ والنِّساءُ والصِّبْيانُ وفَزِعَ لَهُ النّاسُ أشَدَّ الفَزَعِ قالَتْ: ثُمَّ أُراهُ مَثَلَ عَلى ظَهْرِ الكَعْبَةِ عَلى راحِلَتِهِ، فَصاحَ ثَلاثَ صَيْحاتٍ فَقالَ: يا لَغُدُرُ ويا لَفُجُرُ اخْرُجُوا في لَيْلَتَيْنِ أوْ ثَلاثٍ ثُمَّ أراهُ مَثَلَ عَلى ظَهْرِ أبِي قُبَيْسٍ كَذَلِكَ يَقُولُ: يالَ غُدَرُ ويالَ فُجَرُ حَتّى أسْمَعَ مَن بَيْنَ الأخْشَبَيْنِ مِن أهْلِ مَكَّةَ ثُمَّ عَمَدَ إلى صَخْرَةٍ فَنَزَعَها مِن أصْلِها ثُمَّ أرْسَلَها عَلى أهْلِ مَكَّةَ فَأقْبَلَتِ الصَّخْرَةُ لَها حِسٌّ شَدِيدٌ، حَتّى إذا كانَتْ عِنْدَ أصْلِ الجَبَلِ ارْفَضَّتْ، فَلا أعْلَمُ بِمَكَّةَ دارًا ولا بَيْتًا إلّا وقَدْ دَخَلَتْها فِلْقَةٌ مِن تِلْكَ الصَّخْرَةِ، فَقَدْ خَشِيتُ عَلى قَوْمِكَ، فَفَزِعَ العَبّاسُ مِن رُؤْياها، ثُمَّ خَرَجَ مِن عِنْدِها فَلَقِيَ الوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ مِن آخِرِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وكانَ الوَلِيدُ خَلِيلًا لِلْعَبّاسِ فَقَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيا عاتِكَةَ، وأمَرَهُ ألّا يَذْكُرَها لِأحَدٍ، (p-٣٢)فَذَكَرَها الوَلِيدُ لِأبِيهِ عُتْبَةَ، وذَكَرَها عُتْبَةُ لِأخِيهِ شَيْبَةَ، فارْتَفَعَ الحَدِيثُ حَتّى بَلَغَ أبا جَهْلِ بْنَ هِشامٍ واسْتَفاضَ في أهْلِ مَكَّةَ.
فَلَمّا أصْبَحُوا غَدا العَبّاسُ يَطُوفُ بِالبَيْتِ فَوَجَدَ في المَسْجِدِ أبا جَهْلٍ وعُتْبَةَ وشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وأُمَيَّةَ وأُبَيًّا ابْنَيْ خَلَفٍ وزَمْعَةَ بْنَ الأسْوَدِ وأبا البَخْتَرِيِّ في نَفَرٍ مِن قُرَيْشٍ يَتَحَدَّثُونَ، فَلَمّا نَظَرُوا إلى العَبّاسِ ناداهُ أبُو جَهْلٍ: يا أبا الفَضْلِ إذا قَضَيْتَ طَوافَكَ فَهَلُمَّ إلَيْنا، فَلَمّا قَضى طَوافَهُ جاءَ فَجَلَسَ إلَيْهِمْ فَقالَ لَهُ أبُو جَهْلٍ: ما رُؤْيا رَأتْها عاتِكَةُ؟ فَقالَ: ما رَأتْ مِن شَيْءٍ، فَقالَ أبُو جَهْلٍ: أما رَضِيتُمْ يا بَنِي هاشِمٍ بِكَذِبِ الرِّجالِ حَتّى جِئْتُمُونا بِكَذِبِ النِّساءِ؟ إنّا وإيّاكم كَفَرَسَيْ رِهانٍ فاسْتَبَقْنا المَجْدَ مُنْذُ حِينٍ، فَلَمّا تَحاكَّتِ الرُّكَبُ قُلْتُمْ مِنّا نَبِيٌّ فَما بَقِيَ إلّا أنْ تَقُولُوا مِنّا نَبِيَّةٌ فَما أعْلَمُ في قُرَيْشٍ أهْلَ بَيْتٍ أكْذَبَ امْرَأةً ولا رَجُلًا مِنكُمْ، وآذاهُ أشَدَّ الأذى، وقالَ أبُو جَهْلٍ: زَعَمَتْ عاتِكَةُ أنَّ الرّاكِبَ قالَ: اخْرُجُوا في لَيْلَتَيْنِ أوْ ثَلاثٍ. فَلَوْ قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الثَّلاثُ تَبَيَّنَتْ قُرَيْشٌ كَذِبَكُمْ، وكَتَبْنا سِجِلًّا أنَّكم أكْذَبُ أهْلِ بَيْتٍ في العَرَبِ رَجُلًا وامْرَأةً، أما رَضِيتُمْ يا بَنِي قُصِيٍّ أنْ ذَهَبْتُمْ بِالحِجابَةِ، والنَّدْوَةِ، والسِّقايَةِ، واللِّواءِ، والوِفادَةِ حَتّى جِئْتُمُونا بِنَبِيٍّ مِنكُمْ؟! فَقالَ العَبّاسُ: هَلْ أنْتَ مُنْتَهٍ؟ فَإنَّ (p-٣٣)الكَذِبَ فِيكَ وفي أهْلِ بَيْتِكَ. فَقالَ مَن حَضَرَهُما: ما كُنْتَ يا أبا الفَضْلِ جَهُولًا ولا خَرِقًا، ولَقِيَ العَبّاسُ مِن عاتِكَةَ فِيما أفْشى عَلَيْها مِن رُؤْياها أذًى شَدِيدًا.
فَلَمّا كانَ مَساءُ اللَّيْلَةِ الثّالِثَةِ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي رَأتْ عاتِكَةُ فِيها الرُّؤْيا، جاءَهُمُ الرّاكِبُ الَّذِي بَعَثَ أبُو سُفْيانَ، وهو ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو الغِفارِيُّ، فَصاحَ وقالَ: يا آلَ غالِبِ بْنِ فِهْرٍ انْفَرُوا فَقَدْ خَرَجَ مُحَمَّدٌ وأهْلُ يَثْرِبَ يَعْتَرِضُونَ لِأبِي سُفْيانَ، فَأحْرِزُوا عِيرَكم. فَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ أشَدَّ الفَزَعِ، وأشْفَقُوا مِن رُؤْيا عاتِكَةَ. وقالَ العَبّاسُ: هَذا زَعَمْتُمْ كَذا وكَذَّبَ عاتِكَةَ. فَنَفَرُوا عَلى كُلِّ صَعْبٍ وذَلُولٍ. وقالَ أبُو جَهْلٍ: أيَظُنُّ مُحَمَّدٌ أنْ يُصِيبَ مِثْلَ ما أصابَ بِنَخْلَةَ؟! سَيَعْلَمُ أنَمْنَعُ عِيرَنا أمْ لا، فَخَرَجُوا بِخَمْسِينَ وتِسْعِمِائَةِ مُقاتِلٍ، وساقُوا مِائَةَ فَرَسٍ، ولَمْ يَتْرُكُوا كارِهًا لِلْخُرُوجِ يَظُنُّونَ أنَّهُ في صَغْوِ مُحَمَّدٍ وأصْحابِهِ، ولا مُسْلِمًا يَعْلَمُونَ إسْلامَهُ، ولا أحَدًا مِن بَنِي هاشِمٍ إلّا مَن لا يَتَّهِمُونَ إلّا أشْخَصُوهُ مَعَهُمْ، فَكانَ مِمَّنْ أشْخَصُوا العَبّاسُ (p-٣٤)ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ» ونَوْفَلُ بْنُ الحارِثِ، وطالِبُ بْنُ أبِي طالِبٍ، وعَقِيلُ بْنُ أبِي طالِبٍ في آخَرِينَ. فَهُنالِكَ يَقُولُ طالِبُ بْنُ أبِي طالِبٍ:
إمّا يَخْرُجَنَّ طالِبْ بِمِقْنَبٍ مِن هَذِهِ المَقانِبْ في نَفَرٍ مُقاتِلٍ يُحارِبْ ولْيَكُنِ المَسْلُوبَ غَيْرَ السّالِبْ والرّاجِعَ المَغْلُوبَ غَيْرَ الغالِبْ فَسارُوا حَتّى نَزَلُوا الجُحْفَةَ، نَزَلُوها عِشاءً يَتَزَوَّدُونَ مِنَ الماءِ، وفِيهِمْ رَجُلٌ مِن بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنافٍ يُقالُ لَهُ: جُهَيْمُ بْنُ الصَّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فَوَضَعَ جُهَيْمٌ رَأْسَهُ فَأغْفى، ثُمَّ فَزِعَ فَقالَ لِأصْحابِهِ: هَلْ رَأيْتُمُ الفارِسَ الَّذِي وقَفَ عَلَيَّ آنِفًا؟ فَقالُوا: لا إنَّكَ مَجْنُونٌ، فَقالَ: قَدْ وقَفَ عَلِيَّ فارِسٌ آنِفًا فَقالَ: قُتِلَ أبُو جَهْلٍ وعُتْبَةُ وشَيْبَةُ وزَمْعَةُ، وأبُو البَخْتَرِيِّ وأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فَعَدَّ أشْرافًا مِن كُفّارِ قُرَيْشٍ، فَقالَ لَهُ أصْحابُهُ: إنَّما لَعِبَ بِكَ الشَّيْطانُ. ورُفِعَ حَدِيثُ جُهَيْمٍ (p-٣٥)إلى أبِي جَهْلٍ فَقالَ: قَدْ جِئْتُمْ بِكَذِبِ بَنِي المُطَّلِبِ مَعَ كَذِبِ بَنِي هاشِمٍ سَتَرَوْنَ غَدًا مَن يُقْتَلُ.
ثُمَّ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ عِيرُ قُرَيْشٍ جاءَتْ مِنَ الشّامِ وفِيها أبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ، ومَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وعَمْرُو بْنُ العاصِي، وجَماعَةٌ مِن قُرَيْشٍ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَلَكَ حِينَ خَرَجَ إلى بَدْرٍ عَلى نَقْبِ بَنِي دِينارٍ، ورَجَعَ حِينَ رَجَعَ مِن ثَنِيَّةِ الوَداعِ، فَنَفَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ نَفَرَ ومَعَهُ ثَلاثُمِائَةٍ وسِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا وفي رِوايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ: ثَلاثُمِائَةٍ وثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وأبْطَأ عَنْهُ كَثِيرٌ مِن أصْحابِهِ وتَرَبَّصُوا، وكانَتْ أوَّلَ وقْعَةٍ أعَزَّ اللَّهُ فِيها الإسْلامَ.
فَخَرَجَ في رَمَضانَ عَلى رَأْسِ ثَمانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِن مَقْدَمِهِ المَدِينَةَ، ومَعَهُ المُسْلِمُونَ لا يُرِيدُونَ إلّا العِيرَ فَسَلَكَ عَلى نَقْبِ بَنِي دِينارٍ، والمُسْلِمُونَ غَيْرُ مُقْوِينَ مِنَ الظَّهْرِ، إنَّما خَرَجُوا عَلى النَّواضِحِ، يَعْتَقِبُ النَّفَرُ مِنهم عَلى البَعِيرِ الواحِدِ، وكانَ زَمِيلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ، ومَرْثَدَ بْنَ أبِي (p-٣٦)مَرْثَدٍ الغَنَوِيَّ حَلِيفَ حَمْزَةَ، فَهم مَعَهُ لَيْسَ مَعَهم إلّا بَعِيرٌ واحِدٌ، فَسارُوا حَتّى إذا كانُوا بِعِرْقِ الظُّبْيَةِ لَقِيَهم راكِبٌ مِن قِبَلِ تِهامَةَ، والمُسْلِمُونَ يَسِيرُونَ، فَوافَقَهُ نَفَرٌ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَسَألُوهُ عَنْ أبِي سُفْيانَ، فَقالَ: لا عِلْمَ لِي بِهِ. فَلَمّا يَئِسُوا مِن خَبَرِهِ قالُوا لَهُ: سَلِّمْ عَلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: وفِيكم رَسُولُ اللَّهِ؟! قالُوا: نَعَمْ، قالَ: أيُّكم هُوَ؟ فَأشارُوا لَهُ إلَيْهِ، فَقالَ الأعْرابِيُّ: أنْتَ رَسُولُ اللَّهِ كَما تَقُولُ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ كَما تَزْعُمُ فَحَدِّثْنِي بِما في بَطْنِ ناقَتِي هَذِهِ؟ فَغَضِبَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ ثُمَّ مِن بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ يُقالُ لَهُ: سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وقْشٍ فَقالَ لِلْأعْرابِيِّ: وقَعْتَ عَلى ناقَتِكَ فَحَمَلَتْ مِنكَ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ما قالَ سَلَمَةُ حِينَ سَمِعَهُ أفْحَشَ، فَأعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لا يَلْقاهُ خَبَرٌ، ولا يَعْلَمُ بِنَفْرَةِ قُرَيْشٍ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أشِيرُوا عَلَيْنا في أمْرِنا ومَسِيرِنا فَقالَ أبُو بَكْرٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ أنا أعْلَمُ النّاسِ بِمَسافَةِ الأرْضِ، أخْبَرْنا عَدِيُّ بْنُ أبِي الزَّغْباءِ أنَّ العِيرَ كانَتْ بِوادِي كَذا وكَذا، فَكَأنّا وإيّاهم فَرَسا رِهانٍ إلى بَدْرٍ، ثُمَّ قالَ: أشِيرُوا عَلَيَّ، فَقالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّها قُرَيْشٌ وعِزُّها، واللَّهِ ما ذَلَّتْ مُنْذُ عَزَّتْ، ولا آمَنَتْ مُنْذُ كَفَرَتْ، واللَّهِ لَتُقاتِلَنَّكَ فَتَأهَّبْ لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ وأعْدِدْ لَهُ عُدَّتَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أشِيرُوا عَلَيَّ فَقالَ المِقْدادُ بْنُ عَمْرٍو: إنّا لا نَقُولُ لَكَ كَما قالَ أصْحابُ مُوسى: اذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ (p-٣٧)ولَكِنِ اذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا إنّا مَعَكم مُتَّبِعُونَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أشِيرُوا عَلَيَّ. فَلَمّا رَأى سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ كَثْرَةَ اسْتِشارَةِ النَّبِيِّ ﷺ أصْحابَهُ فَيُشِيرُونَ فَيَرْجِعُ إلى المَشُورَةِ، ظَنَّ سَعْدٌ أنَّهُ يَسْتَنْطِقُ الأنْصارَ شَفَقًا ألّا يُسْتَحْوَذُوا مَعَهُ عَلى ما يُرِيدُ مِن أمْرِهِ، فَقالَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ: لَعَلَّكَ يا رَسُولَ اللَّهِ تَخْشى ألّا تَكُونَ الأنْصارُ يُرِيدُونَ مُواساتَكَ، ولا يَرَوْنَها حَقًّا عَلَيْهِمْ إلّا بِأنْ يَرَوْا عَدُوًّا في بُيُوتِهِمْ وأوْلادِهِمْ ونِسائِهِمْ، وإنِّي أقُولُ عَنِ الأنْصارِ وأُجِيبُ عَنْهم: يا رَسُولَ اللَّهِ فاظْعَنْ حَيْثُ شِئْتَ، وخُذْ مِن أمْوالِنا ما شِئْتَ، ثُمَّ أعْطِنا ما شِئْتَ، وما أخَذْتَهُ مِنّا أحَبُّ إلَيْنا مِمّا تَرَكْتَ، وما ائْتَمَرْتَ مِن أمْرٍ فَأمْرُنا بِأمْرِكَ فِيهِ تَبَعٌ، فَواللَّهِ لَوْ سِرْتَ حَتّى تَبْلُغَ البَرْكَ مِن غِمْدِ ذِي يَمَنٍ لَسِرْنا مَعَكَ، فَلَمّا قالَ ذَلِكَ سَعْدٌ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سِيرُوا عَلى اسْمِ اللَّهِ، فَإنِّي قَدْ رَأيْتُ مَصارِعَ القَوْمِ. فَعَمَدَ لِبَدْرٍ.
وخَفَضَ أبُو سُفْيانَ فَلَصِقَ بِساحِلِ البَحْرِ، وكَتَبَ إلى قُرَيْشٍ حِينَ خالَفَ مَسِيرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ورَأى أنْ قَدْ أحْرَزَ ما مَعَهُ، وأمَرَهم أنْ يَرْجِعُوا فَإنَّما خَرَجْتُمْ لِتُحْرِزُوا رَكْبَكم فَقَدْ أُحْرِزَ لَكُمْ، فَلَقِيَهم هَذا الخَبَرُ بِالجُحْفَةِ، فَقالَ أبُو جَهْلٍ: واللَّهِ لا نَرْجِعُ حَتّى نَقْدَمَ بَدْرًا، فَنُقِيمَ فِيها ونُطْعِمَ مَن حَضَرَنا مِنَ العَرَبِ، فَإنَّهُ لَنْ يَرانا أحَدٌ فَيُقاتِلَنا، فَكَرِهَ ذَلِكَ الأخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، فَأحَبَّ أنْ يَرْجِعُوا وأشارَ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْعَةِ فَأبَوْا وعَصَوْا، وأخَذَتْهم حَمِيَّةُ الجاهِلِيَّةِ، فَلَمّا يَئِسَ الأخْنَسُ مِن رُجُوعِ قُرَيْشٍ أكَبَّ عَلى بَنِي زُهْرَةَ فَأطاعُوهُ فَرَجَعُوا، فَلَمْ يَشْهَدْ (p-٣٨)أحَدٌ مِنهم بَدْرًا واغْتَبَطُوا بِرَأْيِ الأخْنَسِ وتَبَرَّكُوا بِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مُطاعًا حَتّى ماتَ، وأرادَتْ بَنُو هاشِمٍ الرُّجُوعَ فِيمَن رَجَعَ، فاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ أبُو جَهْلٍ وقالَ: واللَّهِ لا تُفارِقُنا هَذِهِ العِصابَةُ حَتّى نَرْجِعَ.
وسارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتّى نَزَلَ أدْنى شَيْءٍ مِن بَدْرٍ، ثُمَّ بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ والزُّبَيْرَ بْنَ العَوّامِ وبَسْبَسًا الأنْصارِيَّ في عِصابَةٍ مِن أصْحابِهِ فَقالَ لَهُمُ: انْدَفِعُوا إلى هَذِهِ الظِّرابِ. وهي في ناحِيَةِ بَدْرٍ فَإنِّي أرْجُو أنْ تَجِدُوا الخَبَرَ عِنْدَ القَلِيبِ الَّذِي يَلِي الظِّرابَ. فانْطَلَقُوا مُتَوَشِّحِي السُّيُوفِ، فَوَجَدُوا وارِدَ قُرَيْشٍ عِنْدَ القَلِيبِ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأخَذُوا غُلامَيْنِ أحَدُهُما لِبَنِي الحَجّاجِ أسْوَدُ والآخَرُ لِأبِي العاصِي يُقالُ لَهُ: أسْلَمُ وأفْلَتَ أصْحابُهُما قِبَلَ قُرَيْشٍ، فَأقْبَلُوا بِهِما حَتّى أتَوْا بِهِما رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وهو في مَعْرِشِهِ دُونَ الماءِ، فَجَعَلُوا يَسْألُونَ العَبْدَيْنِ عَنْ أبِي سُفْيانَ وأصْحابِهِ لا يَرَوْنَ إلّا أنَّهُما لَهُمْ، فَطَفِقا يُحَدِّثانِهِمْ عَنْ قُرَيْشٍ ومَن خَرَجَ مِنهم وعَنْ رُؤُوسِهِمْ فَيُكَذِّبُونَهُما، وهم أكْرَهُ شَيْءٍ لِلَّذِي يُخْبِرانِهِمْ، وكانُوا يَطْمَعُونَ بِأبِي سُفْيانَ وأصْحابِهِ ويَكْرَهُونَ قُرَيْشًا، وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قائِمًا يُصَلِّي يَسْمَعُ ويَرى الَّذِي يَصْنَعُونَ بِالعَبْدَيْنِ، فَجَعَلَ العَبْدانِ إذا أذْلَقُوهُما بِالضَّرْبِ يَقُولانِ: نَعَمْ هَذا أبُو سُفْيانَ: والرَّكْبُ كَما قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿أسْفَلَ مِنكُمْ﴾ [الأنفال: ٤٢] قالَ اللَّهُ: (p-٣٩)﴿إذْ أنْتُمْ بِالعُدْوَةِ الدُّنْيا وهم بِالعُدْوَةِ القُصْوى والرَّكْبُ أسْفَلَ مِنكم ولَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ في المِيعادِ ولَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أمْرًا كانَ مَفْعُولا﴾ [الأنفال: ٤٢] [الأنْفالِ: ٤٢] قالَ: فَطَفِقُوا إذا قالَ العَبْدانِ: هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جاءَتْكم كَذَّبُوهُما، وإذا قالا: هَذا أبُو سُفْيانَ تَرَكُوهُما، فَلَمّا رَأى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَنِيعَهم بِهِما سَلَّمَ مِن صِلاتِهِ وقالَ: ماذا أخْبَراكُمْ؟ قالُوا: أخْبَرانا أنَّ قُرَيْشًا قَدْ جاءَتْ، قالَ: فَإنَّهُما قَدْ صَدَقا، واللَّهِ إنَّكم لَتَضْرِبُونَهُما إذا صَدَقا، وتَتْرُكُونَهُما إذا كَذَبا، خَرَجَتْ قُرَيْشٌ لِتُحْرِزَ رَكْبَها وخافُوكم عَلَيْهِمْ. ثُمَّ دَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ العَبْدَيْنِ فَسَألَهُما. فَأخْبَراهُ بِقُرَيْشٍ وقالا: لا عِلْمَ لَنا بِأبِي سُفْيانَ. فَسَألَهُما رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَمِ القَوْمُ؟ قالا: لا نَدْرِي واللَّهِ هم كَثِيرٌ، فَزَعَمُوا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: مَن أطْعَمَهم أمْسِ؟ فَسَمَّيا رَجُلًا مِنَ القَوْمِ، قالَ: كَمْ نَحَرَ لَهُمْ؟ قالا: عَشْرَ جَزائِرَ، قالَ: فَمَن أطْعَمَهم أوَّلَ أمْسِ؟ فَسَمَّيا رَجُلًا آخَرَ مِنَ القَوْمِ، قالَ: كَمْ نَحَرَ لَهُمْ؟ قالا: تِسْعًا، فَزَعَمُوا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: القَوْمُ ما بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ والألْفِ. يَعْتَبِرُ ذَلِكَ بِتِسْعِ جَزائِرَ يَنْحَرُونَها يَوْمًا، وعَشْرٍ يَنْحَرُونَها يَوْمًا، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: أشِيرُوا عَلَيَّ في المَنزِلِ. فَقامَ الحُبابُ بْنُ المُنْذِرِ أحَدُ بَنِي سَلِمَةَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أنا عالِمٌ بِها وبِقُلُبِها إنْ رَأيْتَ أنْ تَسِيرَ إلى قَلِيبٍ مِنها قَدْ عَرَفْتُها كَثِيرَةَ الماءِ عَذْبَةً، فَتَنْزِلَ إلَيْها وتَسْبِقَ القَوْمَ إلَيْها ونُغَوِّرَ ما سِواها، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سِيرُوا، فَإنَّ اللَّهَ قَدْ وعَدَكم إحْدى الطّائِفَتَيْنِ أنَّها لَكم فَوَقَعَ (p-٤٠)فِي قُلُوبِ ناسٍ كَثِيرٍ الخَوْفُ، وكانَ فِيهِمْ شَيْءٌ مِن تَخاذُلٍ مِن تَخْوِيفِ الشَّيْطانِ.
فَسارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ والمُسْلِمُونَ مُسابِقِينَ إلى الماءِ، وسارَ المُشْرِكُونَ سِراعًا يُرِيدُونَ الماءَ فَأنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ في تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَطَرًا واحِدًا، فَكانَ عَلى المُشْرِكِينَ بَلاءً شَدِيدًا مَنَعَهم أنْ يَسِيرُوا، وكانَ عَلى المُسْلِمِينَ دِيمَةً خَفِيفَةً لَبَّدَ لَهُمُ المَسِيرَ والمَنزِلَ وكانَتْ بَطْحاءَ، فَسَبَقَ المُسْلِمُونَ إلى الماءِ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ شَطْرَ اللَّيْلِ، فاقْتَحَمَ القَوْمُ في القَلِيبِ فَماحُوها حَتّى كَثُرَ ماؤُها، وصَنَعُوا حَوْضًا عَظِيمًا ثُمَّ غَوَّرُوا ما سِواهُ مِنَ المِياهِ، وقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَذِهِ مَصارِعُهم إنْ شاءَ اللَّهُ بِالغَداةِ، وأنْزَلَ اللَّهُ: (إذْ يَغْشاكُمُ النُّعاسُ أمَنَةً مِنهُ ويُنَزِّلُ عَلَيْكم مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكم بِهِ ويُذْهِبَ عَنْكم رِجْزَ الشَّيْطانِ ولْيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكم ويُثَبِّتَ بِهِ الأقْدامَ) . ثُمَّ صَفَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلى الحِياضِ، فَلَمّا طَلَعَ المُشْرِكُونَ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جاءَتْ بِخُيَلائِها وفَخْرِها تُحادُّكَ وتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ ما وعَدْتَنِي. ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُمْسِكٌ بِعَضُدِ أبِي بَكْرٍ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ ما وعَدْتَنِي. فَقالَ أبُو بَكْرٍ: أبْشِرْ، فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُنْجِزَنَّ اللَّهُ لَكَ ما وعَدَكَ، فاسْتَنْصَرَ المُسْلِمُونَ اللَّهَ واسْتَغاثُوهُ، فاسْتَجابَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ولِلْمُسْلِمِينَ.
وأقْبَلَ المُشْرِكُونَ ومَعَهم إبْلِيسُ في صُورَةِ سُراقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ المُدْلِجِيِّ (p-٤١)يُحَدِّثُهم أنَّ بَنِي كِنانَةَ وراءَهم قَدْ أقْبَلُوا لِنَصْرِهِمْ، وأنَّهُ لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ، وإنِّي جارٌ لَكُمْ، لِما أخْبَرَهم مِن مَسِيرِ بَنِي كِنانَةَ، وأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيارِهِمْ بَطَرًا ورِئاءَ النّاسِ﴾ [الأنفال: ٤٧] . هَذِهِ الآيَةَ والَّتِي بَعْدَها [الأنْفالِ: ٤٧، ٤٨]، وقالَ رِجالٌ مِنَ المُشْرِكِينَ لَمّا رَأوْا قِلَّةَ مَن مَعَ مُحَمَّدٍ ﷺ: غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ومَن يَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ فَإنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤٩] [الأنْفالِ: ٤٩]، وأقْبَلَ المُشْرِكُونَ حَتّى نَزَلُوا وتَعَبُّوا لِلْقِتالِ والشَّيْطانُ مَعَهم لا يُفارِقُهُمْ، فَسَعى حَكِيمُ بْنُ حِزامٍ إلى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، فَقالَ لَهُ: هَلْ لَكَ أنْ تَكُونَ سَيِّدَ قُرَيْشٍ ما عِشْتَ؟ قالَ عُتْبَةُ: فَأفْعَلُ ماذا؟ قالَ: تُجِيرُ بَيْنَ النّاسِ، وتَحْمِلُ دَمَ ابْنِ الحَضْرَمِيِّ وبِما أصابَ مُحَمَّدٌ مِن تِلْكَ العِيرِ، فَإنَّهم لا يَطْلُبُونَ مِن مُحَمَّدٍ غَيْرَ هَذِهِ العِيرِ ودَمِ هَذا الرَّجُلِ، قالَ عُتْبَةُ: نَعَمْ قَدْ فَعَلْتُ، ونِعِمّا قُلْتَ ونِعِمّا دَعَوْتَ إلَيْهِ، فاسْعَ في عَشِيرَتِكَ فَأنا أتَحَمَّلُ بِها، فَسَعى حَكِيمٌ في أشْرافِ قُرَيْشٍ بِذَلِكَ يَدْعُوهم إلَيْهِ، ورَكِبَ عُتْبَةُ جَمَلًا لَهُ، فَسارَ عَلَيْهِ في صُفُوفِ المُشْرِكِينَ في أصْحابِهِ فَقالَ: يا قَوْمِ أطِيعُونِي فَإنَّكم لا تَطْلُبُونَ عِنْدَهم غَيْرَ دَمِ ابْنِ الحَضْرَمِيِّ وما أصابُوا مِن عِيرِكم تِلْكَ، وأنا أتَحَمَّلُ بِوَفاءِ ذَلِكَ، ودَعُوا هَذا الرَّجُلَ فَإنْ كانَ كاذِبًا ولِيَ قَتْلَهُ غَيْرُكم مِنَ العَرَبِ، فَإنَّ فِيهِمْ رِجالًا لَكم فِيهِمْ قَرابَةٌ قَرِيبَةٌ، وإنَّكم إنْ تَقْتُلُوهم لا يَزالُ الرَّجُلُ مِنكم يَنْظُرُ إلى قاتِلِ أخِيهِ أوِ ابْنِهِ أوِ ابْنِ أخِيهِ أوِ ابْنِ عَمِّهِ فَيُورِّثُ ذَلِكَ فِيهِمْ إحَنًا وضَغائِنَ، وإنْ كانَ هَذا الرَّجُلُ مَلِكًا كُنْتُمْ في مُلْكِ أخِيكُمْ، وإنْ كانَ نَبِيًّا لِمَ تَقْتُلُونَ النَّبِيَّ فَتُسَبُّوا بِهِ؟! (p-٤٢)ولَنْ تَخْلُصُوا إلَيْهِمْ حَتّى يُصِيبُوا أعْدادَهُمْ، ولا آمَنُ أنْ تَكُونَ لَكُمُ الدَّبْرَةُ عَلَيْكم. فَحَسَدَهُ أبُو جَهْلٍ عَلى مَقالَتِهِ، وأبى اللَّهُ إلّا أنْ يُنْفِذَ أمْرَهُ، وعَمَدَ أبُو جَهْلٍ إلى ابْنِ الحَضْرَمِيِّ - وهو أخُو المَقْتُولِ - فَقالَ: هَذا عُتْبَةُ يُخَذِّلُ بَيْنَ النّاسِ، وقَدْ تَحَمَّلَ بِدِيَةِ أخِيكَ يَزْعُمُ أنَّكَ قابِلُها، أفَلا تَسْتَحْيُونَ مِن ذَلِكَ أنْ تَقْبَلُوا الدِّيَةَ؟! فَزَعَمُوا أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ وهو يَنْظُرُ إلى عُتْبَةَ: إنْ يَكُنْ عِنْدَ أحَدٍ مِنَ القَوْمِ خَيْرٌ فَهو عِنْدَ صاحِبِ الجَمَلِ الأحْمَرِ، وإنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا، فَلَمّا حَرَّضَ أبُو جَهْلٍ قُرَيْشًا عَلى القِتالِ أمَرَ النِّساءَ يُعَوِّلْنَ عَمْرًا، فَقُمْنَ يَصِحْنَ: واعَمْراهُ، واعَمْراهُ، تَحْرِيضًا عَلى القِتالِ، فاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عَلى القِتالِ، فَقالَ عُتْبَةُ لِأبِي جَهْلٍ: سَتَعْلَمُ اليَوْمَ أيُّ الأمْرَيْنِ أرْشَدُ، وأخَذَتْ قُرَيْشٌ مَصافَّ هَذا القِتالِ، وقالُوا لِعُمَيْرِ بْنِ وهْبٍ: ارْكَبْ فاحْزُرْ لَنا مُحَمَّدًا وأصْحابَهُ، فَقَعَدَ عُمَيْرٌ عَلى فَرَسِهِ، فَأطافَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأصْحابِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلى المُشْرِكِينَ فَقالَ: حَزَرْتُهم بِثَلاثِمِائَةِ مُقاتِلٍ، زادُوا شَيْئًا أوْ نَقَصُوا شَيْئًا، وحَزَرْتُ سَبْعِينَ بَعِيرًا أوْ نَحْوَ ذَلِكَ، ولَكِنْ أنَظِرُونِي حَتّى أنْظُرَ هَلْ لَهم مَدَدٌ أوْ كَمِينٌ؟ فَأطافَ حَوْلَهم وبَعَثُوا خَيْلَهم مَعَهُ فَأطافُوا حَوْلَهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا فَقالُوا: لا مَدَدَ لَهم ولا كَمِينَ، وإنَّما هم أكَلَةُ جَزُورٍ. وقالُوا لِعُمَيْرٍ: حَرِّشْ بَيْنَ القَوْمِ فَحَمَلَ عُمَيْرٌ عَلى الصَّفِّ بِمِائَةِ فارِسٍ، واضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقالَ لِأصْحابِهِ: لا تُقاتِلُوا حَتّى أُؤْذِنَكم. وغَشِيَهُ نَوْمٌ فَغَلَبَهُ، فَلَمّا نَظَرَ بَعْضُ القَوْمِ إلى بَعْضٍ، جَعَلَ أبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ دَنا (p-٤٣)القَوْمُ ونالُوا مِنّا، فاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وقَدْ أراهُ اللَّهُ إيّاهم في مَنامِهِ قَلِيلًا، وقَلَّلَ المُسْلِمِينَ في أعْيُنِ المُشْرِكِينَ، حَتّى طَمِعَ بَعْضُ القَوْمِ في بَعْضٍ، ولَوْ أراهُ عَدَدًا كَثِيرًا لَفَشِلُوا وتَنازَعُوا في الأمْرِ كَما قالَ اللَّهُ. وقامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في النّاسِ فَوَعَظَهم وأخْبَرَهم أنَّ اللَّهَ قَدْ أوْجَبَ الجَنَّةَ لِمَنِ اسْتُشْهِدَ اليَوْمَ، فَقامَ عُمَيْرُ بْنُ الحُمامِ عَنْ عَجِينٍ كانَ يَعْجِنُهُ لِأصْحابِهِ حِينَ سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ لِي الجَنَّةَ إنْ قُتِلْتُ؟ قالَ: نَعَمْ، فَشَدَّ عَلى أعْداءِ اللَّهِ مَكانَهُ فاسْتُشْهِدَ، وكانَ أوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ.
ثُمَّ أقْبَلَ الأسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الأسَدِ المَخْزُومِيُّ يَحْلِفُ بِآلِهَتِهِ لَيَشْرَبَنَّ مِنَ الحَوْضِ الَّذِي صَنَعَ مُحَمَّدٌ ولَيَهْدِمَنَّهُ، فَلَمّا دَنا مِنَ الحَوْضِ لَقِيَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَضَرَبَ رِجْلَهُ فَقَطَعَها، فَأقْبَلَ يَحْبُو حَتّى وقَعَ في جَوْفِ الحَوْضِ، وأتْبَعَهُ حَمْزَةُ حَتّى قَتَلَهُ، ثُمَّ نَزَلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ جَمَلِهِ ونادى: هَلْ مِن مُبارِزٍ؟ ولَحِقَهُ أخُوهُ شَيْبَةُ والوَلِيدُ ابْنُهُ، فَنادَيا يَسْألانِ المُبارَزَةَ، فَقامَ إلَيْهِمْ ثَلاثَةٌ مِنَ الأنْصارِ فاسْتَحْيا النَّبِيُّ ﷺ مِن ذَلِكَ فَناداهم أنِ ارْجِعُوا إلى مَصافِّكُمْ، ولْيَقُمْ إلَيْهِمْ بَنُو عَمِّهِمْ، فَقامَ حَمْزَةُ وعَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ وعُبَيْدَةُ بْنُ الحارِثِ بْنِ المُطَّلِبِ فَقَتَلَ حَمْزَةُ عُتْبَةَ، وقَتَلَ عُبَيْدَةُ شَيْبَةَ، وقَتَلَ عَلَيٌّ الوَلِيدَ، وضَرَبَ شَيْبَةُ رِجْلَ عُبَيْدَةَ فَقَطَعَها، فاسْتَنْقَذَهُ حَمْزَةُ وعَلِيٌّ فَحُمِلَ حَتّى تُوُفِّيَ بِالصَّفْراءِ وعِنْدَ ذَلِكَ (p-٤٤)نَذَرَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ لَتَأْكُلَنَّ مِن كَبِدِ حَمْزَةَ إنْ قَدَرَتْ عَلَيْها، فَكانَ قَتْلُ هَؤُلاءِ النَّفَرِ قَبْلَ التِقاءِ الجَمْعَيْنِ، وعَجَّ المُسْلِمُونَ إلى اللَّهِ يَسْألُونَهُ النَّصْرَ حِينَ رَأوُا القِتالَ قَدْ نَشِبَ، ورَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَيْهِ إلى اللَّهِ يَسْألُهُ ما وعَدَهُ، ويَسْألُهُ النَّصْرَ ويَقُولُ: اللَّهُمَّ إنْ ظُهِرَ عَلى هَذِهِ العِصابَةِ ظَهَرَ الشِّرْكُ ولَمْ يَقُمْ لَكَ دِينٌ. وأبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَنْصُرَنَّكَ اللَّهُ ولَيُبَيِّضَنَّ وجْهَكَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ مِنَ المَلائِكَةِ جُنْدًا في أكْنافِ العَدُوِّ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَدْ أنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ: ونَزَلَتِ المَلائِكَةُ، أبْشِرْ يا أبا بَكْرٍ فَإنِّي قَدْ رَأيْتُ جِبْرِيلَ مُعْتَجِرًا يَقُودُ فَرَسًا بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، فَلَمّا هَبَطَ إلى الأرْضِ جَلَسَ عَلَيْها فَتَغَيَّبُ عَنِّي ساعَةً، ثُمَّ رَأيْتُ عَلى شَفَتِهِ غُبارًا، وقالَ أبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ انْصُرْ خَيْرَ الدِّينَيْنِ، اللَّهُمَّ دِينُنا القَدِيمُ ودِينُ مُحَمَّدٍ الحَدِيثُ. ونَكَصَ الشَّيْطانُ عَلى عَقِبَيْهِ حِينَ رَأى المَلائِكَةَ، وتَبَرَّأ مِن نُصْرَةِ أصْحابِهِ وأخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِلْءَ كَفِّهِ مِنَ الحَصْباءِ فَرَمى بِها وُجُوهَ المُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ اللَّهُ تِلْكَ الحَصْباءَ عَظِيمًا شَأْنُها لَمْ تَتْرُكْ مِنَ المُشْرِكِينَ رَجُلًا إلّا مَلَأتْ عَيْنَيْهِ، والمَلائِكَةُ يَقْتُلُونَهم ويَأْسِرُونَهُمْ، ويَجِدُونَ النَّفَرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنهم مُنْكَبًّا عَلى وجْهِهِ لا يَدْرِي أيْنْ يَتَوَجَّهَ، يُعالِجُ (p-٤٥)التُّرابَ يَنْزِعُهُ مِن عَيْنَيْهِ.
ورَجَعَتْ قُرَيْشٌ إلى مَكَّةَ مُنْهَزِمِينَ مَغْلُوبِينَ وأذَلَّ اللَّهُ بِوَقْعَةِ بَدْرٍ رِقابَ المُشْرِكِينَ والمُنافِقِينَ فَلَمْ يَبْقَ بِالمَدِينَةِ مُنافِقٌ ولا يَهُودِيٌّ إلّا وهو خاضِعٌ عُنُقُهُ لِوَقْعَةِ بَدْرٍ، وكانَ ذَلِكَ يَوْمَ الفَرْقانِ يَوْمَ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الشِّرْكِ والإيمانِ، وقالَتِ اليَهُودُ تَيَقُّنًا: إنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي نَجِدُ نَعْتَهُ في التَّوْراةِ واللَّهِ لا يَرْفَعُ رايَةً بَعْدَ اليَوْمِ إلّا ظَهَرَتْ.
ورَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى المَدِينَةِ، فَدَخَلَ مِن ثَنِيَّةِ الوَداعِ ونَزَلَ القُرْآنُ يُعَرِّفُهُمُ اللَّهُ نِعْمَتَهُ فِيما كَرِهُوا مِن خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلى بَدْرٍ فَقالَ: ﴿كَما أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالحَقِّ وإنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ﴾ [الأنفال: ٥] هَذِهِ الآيَةَ وثَلاثَ آياتٍ مَعَها، وقالَ فِيما اسْتَجابَ لِلرَّسُولِ ولِلْمُؤْمِنِينَ: ﴿إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكم فاسْتَجابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٩] الآيَةَ، وأُخْرى مَعَها، وأنْزَلَ فِيما غَشِيَهم مِنَ النُّعاسِ: ”إذْ يَغْشاكُمُ النُّعاسُ“ الآيَةَ، ثُمَّ أخْبَرَهم بِما أوْحى إلى المَلائِكَةِ مِن نَصْرِهِمْ فَقالَ: ﴿إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى المَلائِكَةِ أنِّي مَعَكُمْ﴾ [الأنفال: ١٢] الآيَةَ والَّتِي بَعْدَها، وأنْزَلَ في قَتْلِ المُشْرِكِينَ والقَبْضَةِ الَّتِي رَمى بِها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهم ولَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾ [الأنفال: ١٧] الآيَةَ والَّتِي بَعْدَها [الأنْفالِ: ١٧، ١٨]، وأنْزَلَ في اسْتِفْتاحِهِمْ: ﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] [الأنْفالِ: ١٩] ثُمَّ أنْزَلَ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ [الأنفال: ٢٠] في سَبْعِ آياتٍ مِنها [الأنْفالِ: ٢٠ - ٢٦] وأنْزَلَ في مَنازِلِهِمْ: ﴿إذْ أنْتُمْ بِالعُدْوَةِ الدُّنْيا وهم بِالعُدْوَةِ القُصْوى﴾ [الأنفال: ٤٢] الآيَةَ والَّتِي بَعْدَها. [الأنْفالِ: ٤٢، ٤٣] وأنْزَلَ فِيما يَعِظُهم بِهِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا﴾ [الأنفال: ٤٥] الآيَةَ وثَلاثَ آياتٍ مَعَها [الأنْفالِ: ٤٥ - ٤٨] وأنَزْلَ فِيما (p-٤٦)تَكَلَّمَ بِهِ مَن رَأى قِلَّةَ المُسْلِمِينَ: ﴿غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ﴾ [الأنفال: ٤٩] الآيَةَ [الأنْفالِ: ٤٩] وأنْزَلَ في قَتْلى المُشْرِكِينَ ومَنِ اتَّبَعَهم: ﴿ولَوْ تَرى إذْ يَتَوَفّى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنفال: ٥٠] الآيَةَ وثَمانِ آياتٍ مَعَها [الأنْفالِ: ٥٠ - ٥٨] .
وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأبِي سُفْيانَ مُقْبِلًا مِنَ الشّامِ نَدَبَ المُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ وقالَ هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيها أمْوالُهُمْ، فاخْرُجُوا إلَيْها لَعَلَّ اللَّهَ يُنَفِّلُكُمُوها، فانْتَدَبَ النّاسَ فَخَفَّ بَعْضُهم وثَقُلَ بَعْضُهُمْ، وذَلِكَ أنَّهم لَمْ يَظُنُّوا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَلْقى حَرْبًا، وكانَأبُو سُفْيانَ حِينَ دَنا مِنَ الحِجازِ يَتَحَسَّسُ الأخْبارَ، ويَسْألُ مَن لَقِيَ مِنَ الرُّكْبانِ تَخَوَّفًا عَنْ أمْرِ النّاسِ، حَتّى أصابَ خَبَرًا مِن بَعْضِ الرُّكْبانِ أنَّ مُحَمَّدًا قَدِ اسْتَنْفَرَ لَكَ أصْحابَهُ فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ فاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الغِفارِيَّ، فَبَعَثَهُ إلى مَكَّةَ وأمْرَهُ أنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهم إلى أمْوالِهِمْ، ويُخْبِرَهم أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ عَرَضَ لَها في أصْحابِهِ فَخَرَجَ سَرِيعًا إلى مَكَّةَ، وخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتّى بَلَغَ وادِيًا يُقالُ لَهُ: ذَفِرانُ فَأتاهُ الخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عَنْ عِيرِهِمْ، فاسْتَشارَ النَّبِيُّ ﷺ النّاسَ، فَقامَ أبُو بَكْرٍ فَقالَ فَأحْسَنَ، ثُمَّ قامَ عُمَرُ فَقالَ فَأحْسَنَ، ثُمَّ المِقْدادُ بْنُ عَمْرٍو فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ امْضِ لِما أمَرَكَ اللَّهُ، فَنَحْنُ مَعَكَ واللَّهِ لا نَقُولُ لَكَ كَما قالَتْ بَنُو إسْرائِيلَ لِمُوسى: اذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقاتَلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ ولَكِنِ اذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ (p-٤٧)فَقاتِلا إنّا مَعَكم مُقاتِلُونَ، فَوالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَئِنْ سِرْتَ بِنا إلى بَرْكِ الغِمادِ لَجالَدْنا مَعَكَ مَن دُونَهُ حَتّى تَبْلُغَهُ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْرًا ودَعا لَهُ، وقالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ: لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنا هَذا البَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْناهُ مَعَكَ ما تَخَلَّفَ مِنّا رَجُلٌ واحِدٌ، وما نَكْرَهُ أنْ تَلْقى بِنا عَدُوَّنا غَدًا، إنّا لَصُبُرٌ في الحَرْبِ صُدُقٌ في اللِّقاءِ، لَعَلَّ اللَّهَ يُرِيكَ مِنّا ما تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنا عَلى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعالى، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَوْلِ سَعْدٍ ونَشَّطَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قالَ: سِيرُوا وأبْشِرُوا فَإنَّ اللَّهَ قَدْ وعَدَنِي إحْدى الطّائِفَتَيْنِ، واللَّهِ لَكَأنِّي أنْظُرُ إلى مَصارِعِ القَوْمِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «فِي قَوْلِهِ: ﴿وإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ﴾ قالَ: أقْبَلَتْ عِيرُ أهْلِ مَكَّةَ مِنَ الشّامِ، فَبَلَغَ أهْلَ المَدِينَةِ ذَلِكَ فَخَرَجُوا ومَعَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُرِيدُ العِيرَ، فَبَلَغَ أهْلَ مَكَّةَ ذَلِكَ فَأسْرَعُوا السَّيْرَ إلَيْها؛ لِكَيْ لا يَغْلِبَ عَلَيْها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأصْحابُهُ، فَسَبَقَتِ العِيرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وكانَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ وعَدَهم إحْدى الطّائِفَتَيْنِ، وكانُوا أنْ يَلْقَوُا العِيرَ أحَبَّ إلَيْهِمْ وأيْسَرَ شَوْكَةً وأخْصَرَ نَفَرًا، فَلَمّا سَبَقَتِ (p-٤٨)العِيرُ وفاتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالمُسْلِمِينَ يُرِيدُ القَوْمَ، فَكَرِهَ القَوْمُ مَسِيرَهُمْ؛ لِشَوْكَةِ القَوْمِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ والمُسْلِمُونَ بَيْنَهم وبَيْنَ الماءِ رَمْلَةٌ دَعْصَةٌ فَأصابَ المُسْلِمِينَ ضَعْفٌ شَدِيدٌ، وألْقى الشَّيْطانُ في قُلُوبِهِمُ الغَيْظَ، فَوَسْوَسَ بَيْنَهم يُوَسْوِسُهم: تَزْعُمُونَ أنَّكم أوْلِياءُ اللَّهِ وفِيكم رَسُولُهُ وقَدْ غَلَبَكُمُ المُشْرِكُونَ عَلى الماءِ وأنْتُمْ تُصَلُّونَ مُجْنِبِينَ فَأمْطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَطَرًا شَدِيدًا، فَشَرِبَ المُسْلِمُونَ وتَطَهَّرُوا، فَأذْهَبَ اللَّهُ عَنْهم رِجْزَ الشَّيْطانِ وأشَفَّ الرَّمْلُ مِن إصابَةِ المَطَرِ، ومَشى النّاسُ عَلَيْهِ والدَّوابُّ، فَسارُوا إلى القَوْمِ، وأمَدَّ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ والمُؤْمِنِينَ بِألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ، فَكانَ جِبْرِيلُ في خَمْسِمِائَةٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُجَنِّبَةً ومِيكائِيلُ في خَمْسِمِائَةٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُجَنِّبَةً، وجاءَ إبْلِيسُ في جُنْدٍ مِنَ الشَّياطِينِ مَعَهُ رايَتُهُ في صُورَةِ رِجالٍ مِن بَنِي مُدْلَجٍ، والشَّيْطانُ في صُورَةِ سُراقَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقالَ الشَّيْطانُ لِلْمُشْرِكِينَ: ﴿لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ وإنِّي جارٌ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٤٨] [الأنْفالِ: ٤٨] فَلَمّا اصْطَفَّ القَوْمُ قالَ أبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ أوْلانا بِالحَقِّ فانْصُرْهُ، ورَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَيْهِ فَقالَ: يا رَبِّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصابَةُ فَلَنْ تُعْبَدَ (p-٤٩)فِي الأرْضِ أبَدًا، فَقالَ لَهُ جِبْرِيلُ: خُذْ قَبْضَةً مِنَ التُّرابِ فارْمِ بِها في وُجُوهِهِمْ. فَما مِنَ المُشْرِكِينَ مِن أحَدٍ إلّا أصابَ عَيْنَيْهِ ومَنخَرَيْهِ وفَمَهُ مِن تِلْكَ القَبْضَةِ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وأقْبَلَ جِبْرِيلُ إلى إبْلِيسَ، فَلَمّا رَآهُ وكانَتْ يَدُهُ في يَدِ رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، انْتَزَعَ إبْلِيسُ يَدَهُ ثُمَّ ولّى مُدْبِرًا وشِيعَتُهُ، فَقالَ الرَّجُلُ: يا سُراقَةُ أتَزْعُمُ أنَّكَ لَنا جارٌ؟! فَقالَ: ﴿إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ إنِّي أخافُ اللَّهَ واللَّهُ شَدِيدُ العِقابِ﴾ [الأنفال: ٤٨] [الأنْفالِ: ٤٨] فَذَلِكَ حِينَ رَأى المَلائِكَةَ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ أنَّها لَكُمْ﴾ قالَ: الطّائِفَتانِ إحْداهُما أبُو سُفْيانَ أقْبَلَ بِالعِيرِ مِنَ الشّامِ، والطّائِفَةُ الأُخْرى أبُو جَهْلِ بْنُ هِشامٍ مَعَهُ نَفَرٌ مِن قُرَيْشٍ، فَكَرِهَ المُسْلِمُونَ الشَّوْكَةَ والقِتالَ، وأحَبُّوا أنْ يَلْتَقُوا العِيرَ، وأرادَ اللَّهُ ما أرادَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ الضَّحّاكِ في قَوْلِهِ: (p-٥٠)﴿وتَوَدُّونَ أنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ قالَ: هي عِيرُ أبِي سُفْيانَ، ودَّ أصْحابُ مُحَمَّدٍ ﷺ أنَّ العِيرَ كانَتْ لَهم وأنَّ القِتالَ صُرِفَ عَنْهم.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتادَةَ: ﴿ويَقْطَعَ دابِرَ الكافِرِينَ﴾ أيْ: شَأْفَتَهم.
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، وأبُو يَعْلى، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ فَرَغَ مِن بَدْرٍ: عَلَيْكَ العِيرَ لَيْسَ دُونَها شَيْءٌ. فَناداهُ العَبّاسُ وهو أسِيرٌ في وثاقِهِ: إنَّهُ لا يَصْلُحُ لَكَ، قالَ: ولِمَ؟ قالَ: لِأنَّ اللَّهَ إنَّما وعَدَكَ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ وقَدْ أعْطاكَ ما وعَدَكَ، قالَ: صَدَقْتَ» .
{"ayah":"وَإِذۡ یَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطَّاۤىِٕفَتَیۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَیۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَیُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَیَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











