الباحث القرآني

(p-٤٥٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإلى ثَمُودَ﴾ الآياتِ. أخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُطَّلَبِ بْنِ زِيادَةَ قالَ: سَألْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أبِي لَيْلى، عَنِ اليَهُودِيِّ والنَّصْرانِيِّ، يُقالُ لَهُ: أخٌ ؟ قالَ: الأخُ في الدّارِ، ألا تَرى إلى قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وإلى ثَمُودَ أخاهم صالِحًا﴾ . وأخْرَجَ سُنَيْدٌ، وابْنُ جَرِيرٍ، والحاكِمُ، مِن طَرِيقِ حَجّاجٍ، عَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خارِجَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: «”كانَتْ ثَمُودُ قَوْمُ صالِحٍ أعْمَرَهُمُ اللَّهُ في الدُّنْيا، فَأطالَ أعْمارَهم حَتّى جَعَلَ أحَدَهم يَبْنِي المَسْكَنَ مِنَ المَدَرِ فَيَنْهَدِمُ، والرَّجُلَ مِنهم حَيٌّ، فَلَمّا رَأوْا ذَلِكَ اتَّخَذُوا مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا، فَنَحَتُوها وجابُوها وخَرَقُوها، وكانُوا في سَعَةٍ مِن مَعايِشِهِمْ، فَقالُوا: يا صالِحُ، ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا آيَةً نَعْلَمُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَدَعا صالِحٌ رَبَّهُ، فَأخْرَجَ لَهُمُ النّاقَةَ، فَكانَ شِرْبُها يَوْمًا، وشِرْبُهم يَوْمًا مَعْلُومًا، فَإذا كانَ يَوْمُ شِرْبُها خَلَّوْا عَنْها وعَنِ الماءِ وحَلَبُوها لَبَنًا، مَلَئُوا كُلَّ إناءٍ، ووِعاءٍ، وسِقاءٍ حَتّى إذا كانَ يَوْمُ شِرْبِهِمْ صَرَفُوها عَنِ الماءِ فَلَمْ تَشْرَبْ مِنهُ شَيْئًا فَمَلَئُوا كُلَّ إناءٍ ووِعاءٍ وسِقاءٍ، فَأوْحى اللَّهُ إلى صالِحٍ: إنَّ قَوْمَكَ سَيَعْقِرُونَ ناقَتَكَ، فَقالَ لَهم، فَقالُوا: ما كُنّا لِنَفْعَلَ، فَقالَ: إلّا تَعْقِرُوها أنْتُمْ يُوشِكُ أنْ يُولَدَ فِيكم مَوْلُودٌ يَعْقِرُها، قالُوا: فَما عَلامَةُ ذَلِكَ المَوْلُودِ، فَواللَّهِ لا نَجِدُهُ إلّا قَتَلْناهُ ؟ قالَ: فَإنَّهُ غُلامٌ أشْقَرُ أزْرَقُ أصْهَبُ أحْمَرُ، وكانَ في المَدِينَةِ شَيْخانِ عَزِيزانِ مَنِيعانِ، لِأحَدِهِما (p-٤٥٦)ابْنٌ يُرْغَبُ بِهِ عَنِ المَناكِحِ، ولِلْآخَرِ ابْنَةٌ لا يَجِدُ لَها كُفْئًا، فَجَمَعَ بَيْنَهُما مَجْلِسٌ، فَقالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ ما يَمْنَعُكَ أنْ تُزَوِّجَ ابْنَكَ ؟ قالَ: لا أجِدُ لَهُ كُفْئًا قالَ: فَإنَّ ابْنَتِي كُفْؤٌ لَهُ فَأنا أُزَوِّجُكَ، فَزَوَّجَهُ فَوُلِدَ بَيْنَهُما ذَلِكَ المَوْلُودُ، وكانَ في المَدِينَةِ ثَمانِيَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ في الأرْضِ ولا يُصْلِحُونَ، فَلَمّا قالَ لَهم صالِحٌ: إنَّما يَعْقِرُها مَوْلُودٌ فِيكُمُ، اخْتارُوا ثَمانِيَ نِسْوَةٍ قَوابِلَ مِنَ القَرْيَةِ، وجَعَلُوا مَعَهُنَّ شُرَطًا كانُوا يَطُوفُونَ في القَرْيَةِ، فَإذا وجَدُوا المَرْأةَ تَمَخَّضُ، نَظَرُوا ما ولَدُها؛ إنْ كانَ غُلامًا قَلَبْنَهُ فَنَظَرْنَ ما هو، وإنْ كانَتْ جارِيَةً أعْرَضْنَ عَنْها، فَلَمّا وجَدُوا ذَلِكَ المَوْلُودَ صَرَخَ النِّسْوَةُ وقُلْنَ: هَذا الَّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللِّهِ صالِحٌ، فَأرادَ الشُّرَطُ أنْ يَأْخُذُوهُ، فَحالَ جَدّاهُ بَيْنَهم وبَيْنَهُ وقالا: لَوْ أنَّ صالِحًا أرادَ هَذا قَتَلْناهُ، فَكانَ شَرَّ مَوْلُودٍ، وكانَ يَشِبُّ في اليَوْمِ شَبابَ غَيْرِهِ في الجُمُعَةِ، ويَشِبُّ في الجُمُعَةِ شَبابَ غَيْرِهِ في الشَّهْرِ، ويَشِبُّ في الشَّهْرِ شَبابَ غَيْرِهِ في السَّنَةِ، فاجْتَمَعَ الثَّمانِيَةُ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ في الأرْضِ ولا يُصْلِحُونَ، وفِيهِمُ الشَّيْخانِ، فَقالُوا: اسْتُعْمِلَ عَلَيْنا هَذا الغُلامُ لِمَنزِلَتِهِ وشَرَفِ جَدَّيْهِ، فَكانُوا تِسْعَةً، وكانَ صالِحٌ لا يَنامُ مَعَهم في القَرْيَةِ، كانَ يَبِيتُ في مَسْجِدِهِ، فَإذا أصْبَحَ أتاهم فَوَعَظَهم وذَكَّرَهم، وإذا أمْسى خَرَجَ إلى مَسْجِدِهِ فَباتَ فِيهِ“» . قالَ حَجّاجٌ: «وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمّا قالَ لَهم صالِحٌ: إنَّهُ سَيُولَدُ غُلامٌ يَكُونُ (p-٤٥٧)هَلاكُكم عَلى يَدَيْهِ. قالُوا: فَكَيْفَ تَأْمُرُنا؟ قالَ: آمُرُكم بِقَتْلِهِمْ. فَقَتَلُوهم إلّا واحِدًا قالَ: فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ المَوْلُودُ قالُوا: لَوْ كُنّا لَمْ نَقْتُلْ أوْلادَنا لَكانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنّا مِثْلُ هَذا، هَذا عَمَلُ صالِحٍ فائْتَمَرُوا بَيْنَهم بِقَتْلِهِ وقالُوا: نَخْرُجُ مُسافِرِينَ والنّاسُ يَرَوْنَنا عَلانِيَةً، ثُمَّ نَرْجِعُ مِن لَيْلَةِ كَذا مِن شَهْرِ كَذا وكَذا، فَنَرْصُدُهُ عِنْدَ مُصَلّاهُ فَنَقْتُلُهُ فَلا يَحْسَبُ النّاسُ إلّا أنّا مُسافِرُونَ كَما نَحْنُ، فَأقْبَلُوا حَتّى دَخَلُوا تَحْتَ صَخْرَةٍ يَرْصُدُونَهُ، فَأرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةَ فَرَضَخَتْهم، فَأصْبَحُوا رَضْخًا، فانْطَلَقَ رِجالٌ مِمَّنْ قَدِ اطَّلَعَ عَلى ذَلِكَ مِنهم، فَإذا هم رَضْخٌ فَرَجَعُوا يَصِيحُونَ في القَرْيَةِ: أيْ عِبادَ اللَّهِ، أما رَضِيَ صالِحٌ أنْ أمَرَهم أنْ يَقْتُلُوا أوْلادَهم حَتّى قَتَلَهم، فاجْتَمَعَ أهْلُ القَرْيَةِ عَلى قَتْلِ النّاقَةِ أجْمَعُونَ، وأحْجَمُوا عَنْها إلّا ذَلِكَ ابْنَ العاشِرِ. ثُمَّ رَجَعَ الحَدِيثُ إلى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: ”وأرادُوا أنْ يَمْكُرُوا بِصالِحٍ فَمَشَوْا حَتّى أتَوْا عَلى سَرَبٍ عَلى طَرِيقِ صالِحٍ، فاخْتَبَأ فِيهِ ثَمانِيَةٌ وقالُوا: إذا خَرَجَ عَلَيْنا قَتَلْناهُ وأتَيْنا أهْلَهُ فَبَيَّتْناهم، فَأمَرَ اللَّهُ الأرْضَ فاسْتَوَتْ (p-٤٥٨)عَلَيْهِمْ فاجْتَمَعُوا ومَشَوْا إلى النّاقَةِ، وهي عَلى حَوْضِها قائِمَةٌ، فَقالَ الشَّقِيُّ لِأحَدِهِمُ: ائْتِها فاعْقِرْها، فَأتاها فَتَعاظَمَهُ ذَلِكَ، فَأضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ، فَبَعَثَ آخَرَ، فَأعْظَمَهُ ذَلِكَ، فَجَعَلَ لا يَبْعَثُ رَجُلًا إلّا تَعاظَمَهُ أمْرُها حَتّى مَشى إلَيْها، وتَطاوَلَ فَضَرَبَ عُرْقُوبَيْها فَوَقَعَتْ تَرْكُضُ، وأتى رَجُلٌ مِنهم صالِحًا فَقالَ: أدْرِكِ النّاقَةَ فَقَدْ عُقِرَتْ، فَأقْبَلَ، وخَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ ويَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، إنَّما عَقَرَها فُلانٌ، إنَّهُ لا ذَنْبَ لَنا، قالَ: فانْظُرُوا هَلْ تُدْرِكُونَ فَصِيلَها؟ فَإنْ أدْرَكْتُمُوهُ فَعَسى اللَّهُ أنْ يَرْفَعَ عَنْكُمُ العَذابَ، فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ، فَلَمّا رَأى الفَصِيلُ أُمَّهُ تَضْطَرِبُ أتى جَبَلًا -يُقالُ لَهُ القارَةُ - قَصِيرًا، فَصَعِدَ، وذَهَبُوا لِيَأْخُذُوهُ فَأوْحى اللَّهُ إلى الجَبَلِ، فَطالَ في السَّماءِ حَتّى ما تَنالُهُ الطَّيْرُ، ودَخَلَ صالِحٌ القَرْيَةَ، فَلَمّا رَآهُ الفَصِيلُ بَكى حَتّى سالَتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ صالِحًا، فَرَغا رَغْوَةً، ثُمَّ رَغا أُخْرى، ثُمَّ رَغا أُخْرى، فَقالَ صالِحٌ لِقَوْمِهِ: لِكُلِّ رَغْوَةٍ أجَلُ يَوْمٍ فَتَمَتَّعُوا في دارِكم ثَلاثَةَ أيّامٍ، ﴿ذَلِكَ وعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: ٦٥] [هُودٍ: ٦٥ ] ألا إنَّ آيَةَ العَذابِ أنَّ اليَوْمَ الأوَّلَ تُصْبِحُ وُجُوهُكم مُصْفَرَّةً، واليَوْمَ الثّانِيَ مُحَمَّرَةً، واليَوْمَ الثّالِثَ مُسْوَدَّةً، فَلَمّا أصْبَحُوا إذا وُجُوهُهم كَأنَّها قَدْ طُلِيَتْ بِالخَلُوقِ؛ (p-٤٥٩)صَغِيرُهم وكَبِيرُهم، ذَكَرُهم وأُنْثاهم، فَلَمّا أمْسَوْا صاحُوا بِأجْمَعِهِمْ: ألا قَدْ مَضى يَوْمٌ مِنَ الأجَلِ وحَضَرَكُمُ العَذابُ، فَلَمّا أصْبَحُوا اليَوْمَ الثّانِيَ إذا وُجُوهُهم مُحَمَّرَةٌ كَأنَّها خُضِبَتْ بِالدِّماءِ، فَصاحُوا وضَجُّوا وبَكَوْا وعَرَفُوا أنَّهُ العَذابُ، فَلَمّا أمْسَوْا صاحُوا بِأجْمَعِهِمْ: ألا قَدْ مَضى يَوْمانِ مِنَ الأجَلِ وحَضَرَكُمُ العَذابُ، فَلَمّا أصْبَحُوا اليَوْمَ الثّالِثَ فَإذا وُجُوهُهم مُسْوَدَّةٌ كَأنَّها طُلِيَتْ بِالقارِ، فَصاحُوا جَمِيعًا: ألا قَدْ حَضَرَكُمُ العَذابُ، فَتَكَفَّنُوا وتَحَنَّطُوا، وكانَ حَنُوطَهُمُ الصَّبِرُ والمَغَرُ، وكانَتْ أكْفانَهُمُ الأنْطاعُ، ثُمَّ ألْقَوْا أنْفُسَهم بِالأرْضِ، فَجَعَلُوا يُقَلِّبُونَ أبْصارَهم فَيَنْظُرُونَ إلى السَّماءِ مَرَّةً، وإلى الأرْضِ مَرَّةً، فَلا يَدْرُونَ مِن أيْنَ يَأْتِيهِمُ العَذابُ؛ مِن فَوْقِهِمْ مِنَ السَّماءِ، أمْ مِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ مِنَ الأرْضِ، خَسْفًا أوْ قَذْفًا، فَلَمّا أصْبَحُوا اليَوْمَ الرّابِعَ أتَتْهم صَيْحَةٌ مِنَ السَّماءِ فِيها صَوْتُ كُلِّ صاعِقَةٍ، وصَوْتُ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ في الأرْضِ، فَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهم في صُدُورِهِمْ فَأصْبَحُوا في دِيارِهِمْ جاثِمِينَ“» . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، والفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي الطُّفَيْلِ قالَ: قالَ ثَمُودُ لِصالِحٍ: ائْتِنا بِآيَةٍ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ، قالَ: اخْرُجُوا، فَخَرَجُوا إلى هَضْبَةٍ مِنَ الأرْضِ، (p-٤٦٠)فَإذا هي تَمَخَّضُ كَما تَمَخَّضُ الحامِلُ، ثُمَّ إنَّها انْفَرَجَتْ، فَخَرَجَتِ النّاقَةُ مِن وسْطِها، فَقالَ لَهم صالِحٌ ﴿هَذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكم آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ في أرْضِ اللَّهِ ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكم عَذابٌ ألِيمٌ﴾، فَلَمّا مَلُّوها عَقَرُوها، فَقالَ ﴿تَمَتَّعُوا في دارِكم ثَلاثَةَ أيّامٍ﴾ [هود: ٦٥] [هُودٍ: ٦٥] . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ، أنَّ صالِحًا قالَ لَهم حِينَ عَقَرُوا النّاقَةَ: تَمَتَّعُوا ثَلاثَةَ أيّامٍ، ثُمَّ قالَ لَهم: آيَةُ هَلاكِكم أنْ تُصْبِحَ وُجُوهُكم غَدًا مُصْفَرَّةً، وتُصْبِحَ اليَوْمَ الثّانِيَ مُحَمَّرَةً ثُمَّ تُصْبِحَ الثّالِثَ مُسْوَدَّةً، فَأصْبَحَتْ كَذَلِكَ، فَلَمّا كانَ اليَوْمُ الثّالِثُ [١٦٩و] أيْقَنُوا بِالهَلاكِ، فَتَكَفَّنُوا وتَحَنَّطُوا، ثُمَّ أخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ فَأهْمَدَتْهم، وقالَ عاقِرُ النّاقَةِ: لا أقْتُلُها حَتّى تَرْضَوْا أجْمَعِينَ، فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلى المَرْأةِ في خِدْرِها فَيَقُولُونَ: أتَرْضَيْنَ ؟ فَتَقُولُ: نَعَمْ، والصَّبِيِّ، حَتّى رَضُوا أجْمَعِينَ فَعَقَرُوها. وأخْرَجَ أحْمَدُ، والبَزّارُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ في ”الأوْسَطِ“، وأبُو الشَّيْخِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ (p-٤٦١)جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا نَزَلَ الحِجْرَ قامَ فَخَطَبَ النّاسَ، فَقالَ: ”يا أيُّها النّاسُ، لا تَسْألُوا نَبِيَّكم عَنِ الآياتِ، فَإنَّ قَوْمَ صالِحٍ سَألُوا نَبِيَّهم أنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ آيَةً، فَبَعَثَ اللَّهُ إلَيْهِمُ النّاقَةَ، فَكانَتْ تَرِدُ مِن هَذا الفَجِّ، فَتَشَرَّبَ ماءَهم يَوْمَ وِرْدِها، ويَحْتَلِبُونَ مِن لَبَنِها مِثْلَ الَّذِي كانُوا يَأْخُذُونَ مِن مائِها يَوْمَ غِبِّها، وتَصْدُرُ مِن هَذا الفَجِّ، فَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوها، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ العَذابَ بَعْدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ، وكانَ وعَدًا مِنَ اللَّهِ غَيْرَ مَكْذُوبٍ، ثُمَّ جاءَتْهُمُ الصَّيْحَةُ فَأهْلَكَ اللَّهُ مَن كانَ مِنهم تَحْتَ مَشارِقِ الأرْضِ ومَغارِبِها إلّا رَجُلًا كانَ في حَرَمِ اللَّهِ، فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ مِن عَذابِ اللَّهِ“، فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، مَن هو ؟ قالَ: أبُو رِغالٍ، فَلَمّا خَرَجَ مِنَ الحَرَمِ أصابَهُ ما أصابَ قَوْمَهُ”» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن حَدِيثِ أبِي الطُّفَيْلِ مَرْفُوعًا، مِثْلَهُ. وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ المُنْذِرِ، «عَنْ أبِي كَبْشَةَ الأنْمارِيِّ قالَ: لَمّا كانَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ تَسارَعَ قَوْمٌ إلى أهْلِ الحِجْرِ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ، فَنُودِيَ في النّاسِ: إنَّ الصَّلاةَ جامِعَةٌ، فَأتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وهو يَقُولُ:“عَلامَ تَدْخُلُونَ عَلى قَوْمٍ (p-٤٦٢)غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ؟ ”، فَقالَ رَجُلٌ: نَعْجَبُ مِنهم يا رَسُولَ اللَّهِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:“ ألا أُنَبِّئُكم بِأعْجَبَ مِن ذَلِكَ؛ رَجُلٌ مِن أنْفُسِكم يُنَبِّئُكم بِما كانَ قَبْلَكم، وبِما هو كائِنٌ بَعْدَكُمُ اسْتَقِيمُوا وسَدِّدُوا، فَإنَّ اللَّهَ لا يَعْبَأُ بِعَذابِكم شَيْئًا، وسَيَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ لا يَدْفَعُونَ عَنْ أنْفُسِهِمْ شَيْئًا”» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ، أنَّ ثَمُودَ لَمّا عَقَرُوا النّاقَةَ تَغامَزُوا، وقالُوا: عَلَيْكُمُ الفَصِيلَ، فَصَعِدَ الفَصِيلُ القارَةَ –جَبَلًا- حَتّى إذا كانَ يَوْمًا اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وقالَ: يا رَبِّ، أُمِّي، يا رَبِّ، أُمِّي، يا رَبِّ، أُمِّي. فَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الصَّيْحَةُ عِنْدَ ذَلِكَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي الهُذَيْلِ قالَ: لَمّا عُقِرَتِ النّاقَةُ صَعِدَ بِكْرُها فَوْقَ جَبَلٍ فَرَغا، فَما سَمِعَهُ شَيْءٌ إلّا هَمَدَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عَطاءٍ قالَ: لَمّا قَتَلَ قَوْمُ صالِحٍ النّاقَةَ قالَ لَهم صالِحٌ: إنَّ العَذابَ آتِيكم، قالُوا لَهُ: وما عَلامَةُ ذَلِكَ ؟ قالَ: أنْ تُصْبِحَ وُجُوهُكم أوَّلَ يَوْمٍ مُحْمَّرَةً، وفي اليَوْمِ الثّانِي مُصْفَرَّةً، وفي اليَوْمِ الثّالِثِ مُسْوَدَّةً، فَلَمّا أصْبَحُوا أوَّلَ يَوْمٍ احْمَرَّتْ وُجُوهُهم، فَلَمّا كانَ اليَوْمُ الثّانِي اصْفَرَّتْ وُجُوهُهم، فَلَمّا (p-٤٦٣)كانَ اليَوْمُ الثّالِثُ أصْبَحَتْ وُجُوهُهم مُسْوَدَّةً، فَأيْقَنُوا بِالعَذابِ، فَتَحَنَّطُوا وتَكَفَّنُوا وأقامُوا في بُيُوتِهِمْ، فَصاحَ بِهِمْ جِبْرِيلُ صَيْحَةً فَذَهَبَتْ أرْواحُهم. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَ صالِحًا إلى ثَمُودَ فَدَعاهم، فَكَذَّبُوهُ، فَسَألُوا أنْ يَأْتِيَهم بِآيَةٍ، فَجاءَهم بِالنّاقَةِ لَها شِرْبٌ، ولَهم شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، فَأقَرُّوا بِها جَمِيعًا، فَكانَتِ النّاقَةُ لَها شِرْبٌ، فَيَوْمَ تَشْرَبُ فِيهِ الماءَ تَمُرُّ بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَيَزْحَمانِهِ، فَفِيهِما أثَرُها حَتّى السّاعَةِ، ثُمَّ تَأْتِي فَتَقِفُ لَهم حَتّى يَحْتَلِبُوا اللَّبَنَ فَتَرْوِيهِمْ، ويَوْمَ يَشْرَبُونَ الماءَ لا تَأْتِيهِمْ، وكانَ مَعَها فَصِيلٌ لَها، فَقالَ لَهم صالِحٌ: إنَّهُ يُولَدُ في شَهْرِكم هَذا مَوْلُودٌ يَكُونُ هَلاكُكم عَلى يَدَيْهِ، فَوُلِدَ لِتِسْعَةٍ مِنهم في ذَلِكَ الشَّهْرِ، فَذَبَحُوا أبْناءَهم، ثُمَّ وُلِدَ لِلْعاشِرِ، فَأبى أنْ يُذْبَحَ ابْنَهُ، وكانَ لَمْ يُوَلَدْ لَهُ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وكانَ أبُو العاشِرِ أزْرَقَ أحْمَرَ، فَنَبَتَ نَباتًا سَرِيعًا،، فَإذا مَرَّ بِالتِّسْعَةِ فَرَأوْهُ قالُوا: لَوْ كانَ أبْناؤُنا أحْياءً كانُوا مِثْلَ هَذا: فَغَضِبَ التِّسْعَةُ عَلى صالِحٍ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ﴾ قالَ: لا تَعْقِرُوها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿وتَنْحِتُونَ الجِبالَ بُيُوتًا﴾ . (p-٤٦٤)قالَ: كانُوا يَنْقُبُونَ في الجِبالِ البُيُوتَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبِّهِمْ﴾ قالَ: غَلَوْا في الباطِلِ، وفي قَوْلِهِ: ﴿فَأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾، قالَ: الصَّيْحَةُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي مالِكٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَأصْبَحُوا في دارِهِمْ﴾ يَعْنِي العَسْكَرَ كُلَّهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَأصْبَحُوا في دارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ قالَ: مَيِّتِينَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ قَتادَةَ: ﴿فَأصْبَحُوا في دارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ قالَ: مَيِّتِينَ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ الحَسَنِ قالَ: لَمّا عَقَرَتْ ثَمُودُ النّاقَةَ ذَهَبَ فَصِيلُها حَتّى صَعِدَ تَلًّا فَقالَ: يا رَبِّ، أيْنَ أُمِّي؟ ثُمَّ رَغا رَغْوَةً، فَنَزَلَتِ الصَّيْحَةُ فَأخَذْتُهم. (p-٤٦٥)وأخْرَجَ أحْمَدُ في“الزُّهْدِ"، عَنْ عَمّارٍ قالَ: إنَّ قَوْمَ صالِحٍ سَألُوا النّاقَةَ فَأُتُوها فَعَقَرُوها، وإنَّ بَنِي إسْرائِيلَ سَألُوا المائِدَةَ فَنَزَلَتْ فَكَفَرُوا بِها، وإنَّ فِتْنَتَكم في الدِّينارِ والدِّرْهَمِ. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ وهْبٍ قالَ: إنَّ صالِحًا لَمّا نَجا هو والَّذِينَ مَعَهُ قالَ: يا قَوْمِ، إنَّ هَذِهِ دارٌ قَدْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْها وعَلى أهْلِها فاظْعَنُوا والحَقُوا بِحَرَمِ اللَّهِ وأمْنِهِ، فَأهَلُّوا مِن ساعَتِهِمْ بِالحَجِّ، وانْطَلَقُوا حَتّى ورَدُوا مَكَّةَ، فَلَمْ يَزالُوا حَتّى ماتُوا، فَتِلْكَ قُبُورُهم في غَرْبِيِّ الكَعْبَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب