الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذْ نَتَقْنا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ﴾ - الآيَةَ. أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقٍ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ (p-٦٤٦)عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإذْ نَتَقْنا الجَبَلَ فَوْقَهم كَأنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ يَقُولُ: رَفَعْناهُ، وهو قَوْلُهُ: ﴿ورَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٤] [النِّساءِ الآيَةَ: ١٥٤] . فَقالَ: ﴿خُذُوا ما آتَيْناكم بِقُوَّةٍ﴾ . وإلّا أرْسَلْتُهُ عَلَيْكم. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإذْ نَتَقْنا الجَبَلَ﴾ . قالَ: رَفَعَتْهُ المَلائِكَةُ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ، فَقِيلَ لَهم ﴿خُذُوا ما آتَيْناكم بِقُوَّةٍ﴾ . فَكانُوا إذا نَظَرُوا إلى الجَبَلِ قالُوا: سَمِعْنا وأطَعْنا. وإذا نَظَرُوا إلى الكِتابِ قالُوا: سَمِعْنا وعَصَيْنا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إنِّي لَأعْلَمُ لِمَ تَسْجُدُ اليَهُودُ عَلى حَرْفٍ، قالَ اللَّهُ: ﴿وإذْ نَتَقْنا الجَبَلَ فَوْقَهم كَأنَّهُ ظُلَّةٌ وظَنُّوا أنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ﴾ . قالَ: لَتَأْخُذُنَّ أمْرِي أوْ لَأرْمِيَنَّكم بِهِ. فَسَجَدُوا وهم يَنْظُرُونَ إلَيْهِ؛ مَخافَةَ أنْ يَسْقُطَ عَلَيْهِمْ، فَكانَتْ سَجْدَةً رَضِيَها اللَّهُ تَعالى، فاتَّخَذُوها سُنَّةً. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: أتى ابْنَ عَبّاسٍ يَهُودِيٌّ ونَصْرانِيٌّ، فَقالَ لِلْيَهُودِيِّ: ما دَعاكم أنْ تَسْجُدُوا بِجِباهِكم ؟ فَلَمْ يَدْرِ ما يُجِيبُهُ، فَقالَ: سَجَدْتُمْ بِجِباهِكم لِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿وإذْ نَتَقْنا الجَبَلَ فَوْقَهم كَأنَّهُ ظُلَّةٌ﴾، فَخَرَرْتُمْ لِجِباهِكم تَنْظُرُونَ إلَيْهِ. وقالَ لِلنَّصْرانِيِّ: سَجَدْتُمْ إلى الشَّرْقِ لِقَوْلِ اللَّهِ: (p-٦٤٧)﴿إذِ انْتَبَذَتْ مِن أهْلِها مَكانًا شَرْقِيًّا﴾ [مريم: ١٦] [مَرْيَمَ: ١٦] . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عَطاءٍ قالَ: إنَّ هَذا الجَبَلَ جَبَلُ الطُّورِ هو الَّذِي رُفِعَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإذْ نَتَقْنا الجَبَلَ﴾ قالَ: كَما تُنْتَقُ الزُّبْدَةُ أخْرَجْنا الجَبَلَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ ثابِتِ بْنِ الحَجّاجِ قالَ: جاءَتْهُمُ التَّوْراةُ جُمْلَةً واحِدَةً فَكَبُرَ عَلَيْهِمْ، فَأبَوْا أنْ يَأْخُذُوهُ حَتّى ظَلَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الجَبَلَ فَأخَذُوهُ عِنْدَ ذَلِكَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ ﴿وإذْ نَتَقْنا الجَبَلَ﴾ قالَ: انْتَزَعَهُ اللَّهُ مِن أصْلِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ، ثُمَّ قالَ: لَتَأْخُذُنَّ أمْرِي أوْ لَأرْمِيَنَّكم بِهِ. وأخْرَجَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ في ”المُوَفَّقِيّاتِ“، عَنِ الكَلْبِيِّ قالَ: كَتَبَ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ إلى مُعاوِيَةَ يَسْألُهُ عَنِ الشَّيْءِ، وعَنْ لا شَيْءَ وعَنْ دِينٍ لا يَقْبَلُ اللَّهُ غَيْرَهُ، (p-٦٤٨)وعَنْ مِفْتاحِ الصَّلاةِ، وعَنْ غَرْسِ الجَنَّةِ، وعَنْ صِلاةِ كُلِّ شَيْءٍ، وعَنْ أرْبَعَةٍ فِيهِمُ الرُّوحُ ولَمْ يَرْكُضُوا في أصْلابِ الرِّجالِ ولا أرْحامِ النِّساءِ، وعَنْ رَجُلٍ لا أبَ لَهُ، وعَنْ رَجُلٍ لا قَوْمَ لَهُ، وعَنْ قَبْرٍ جَرى بِصاحِبِهِ، وعَنْ قَوْسِ قُزَحَ، وعَنْ بُقْعَةٍ طَلَعَتْ عَلَيْها الشَّمْسُ مَرَّةً لَمْ تَطْلُعْ عَلَيْها قَبْلَها ولا بَعْدَها، وعَنْ ظاعِنٍ ظَعَنَ مَرَّةً لَمْ يَظْعَنْ قَبْلَها ولا بَعْدَها، وعَنْ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ بِغَيْرِ ماءٍ، وعَنْ شَيْءٍ يَتَنَفَّسُ لا رُوحَ لَهُ، وعَنِ اليَوْمِ، وأمْسِ، وغَدٍ، وبَعْدَ غَدٍ، ما أجْزاؤُها في الكَلامِ، وعَنِ البَرْقِ والرَّعْدِ وصَوْتِهِ، وعَنِ المَجَرَّةِ، وعَنِ المَحْوِ الَّذِي في القَمَرِ. فَقِيلَ لِمُعاوِيَةَ: لَسْتَ هُناكَ، وإنَّكَ مَتى تُخْطِئْ شَيْئًا في كِتابِكَ إلَيْهِ يَغْتَمِزْ فِيكَ، فاكْتُبْ إلى ابْنِ عَبّاسٍ، فَكَتَبَ إلَيْهِ فَأجابَهُ ابْنُ عَبّاسٍ: أمّا الشَّيْءُ: فالماءُ؛ قالَ اللَّهُ: ﴿وجَعَلْنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠]، وأمّا لا شَيْءَ: فالدُّنْيا تَبِيدُ وتَفْنى، وأمّا الدِّينُ الَّذِي لا يَقْبَلُ اللَّهُ غَيْرَهُ فَلا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وأمّا مِفْتاحُ الصَّلاةِ فاللَّهُ أكْبَرُ، وأمّا غَرْسُ الجَنَّةِ فَلا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ، وأمّا صَلاةُ كُلِّ شَيْءٍ: فَسُبْحانُ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، وأمّا الأرْبَعَةُ الَّتِي فِيها الرُّوحُ ولَمْ يَرْكُضُوا في أصْلابِ الرِّجالِ ولا أرْحامِ النِّساءِ؛ فَآدَمُ، وحَوّاءُ، وعَصا مُوسى، والكَبْشُ الَّذِي فَدى اللَّهُ بِهِ إسْحاقَ، وأمّا الرَّجُلُ الَّذِي لا أبَ لَهُ: فَعِيسى ابْنُ مَرْيَمَ، وأمّا الرَّجُلُ الَّذِي لا قَوْمَ لَهُ فَآدَمُ، وأمّا القَبْرُ الَّذِي جَرى بِصاحِبِهِ فالحُوتُ حَيْثُ سارَ بِيُونُسَ في البَحْرِ، وأمّا قَوْسُ قُزَحَ فَأمانُ اللَّهِ لِعِبادِهِ مِنَ الغَرَقِ، وأمّا البُقْعَةُ الَّتِي طَلَعَتْ عَلَيْها الشَّمْسُ ولَمْ تَطْلُعْ عَلَيْها قَبْلَها ولا (p-٦٤٩)بَعْدَها، فالبَحْرُ حَيْثُ انْفَلَقَ لِبَنِي إسْرائِيلَ، وأمّا الظّاعِنُ الَّذِي ظَعَنَ مَرَّةً لَمْ يَظْعَنْ قَبْلَها ولا بَعْدَها فَجَبَلُ طُورِ سَيْناءَ، كانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الأرْضِ المُقَدَّسَةِ أرْبَعُ لَيالٍ، فَلَمّا عَصَتْ بَنُو إسْرائِيلَ أطارَهُ اللَّهُ بِجَناحَيْنِ مِن نُورٍ فِيهِ ألْوانُ العَذابِ، فَأظَلَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وناداهم مُنادٍ: إنْ قَبِلْتُمُ التَّوْراةَ كَشَفْتُهُ عَنْكم، وإلّا ألْقَيْتُهُ عَلَيْكم فَأخَذُوا التَّوْراةَ مُعَذِّرِينَ، فَرَدَّهُ اللَّهُ إلى مَوْضِعِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وإذْ نَتَقْنا الجَبَلَ فَوْقَهم كَأنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ. وأمّا الشَّجَرَةُ الَّتِي نَبَتَتْ مِن غَيْرِ ماءٍ: فاليَقْطِينَةُ الَّتِي أُنْبِتَتْ عَلى يُونُسَ، وأمّا الَّذِي يَتَنَفَّسُ بِلا رُوحٍ فالصُّبْحُ؛ قالَ اللَّهُ: ﴿والصُّبْحِ إذا تَنَفَّسَ﴾ [التكوير: ١٨] [التَّكْوِيرِ: ١٨] وأمّا اليَوْمُ فَعَمَلٌ، وأمّا أمْسِ فَمَثَلٌ وأمّا غَدٌ فَأجَلٌ: وبَعْدَ غَدٍ فَأمَلٌ، وأمّا البَرْقُ فَمَخارِيقُ بِأيْدِي المَلائِكَةِ تَضْرِبُ بِها السَّحابَ، وأمّا الرَّعْدُ فاسْمُ المَلِكِ الَّذِي يَسُوقُ السَّحابَ، وصَوْتُهُ زَجْرُهُ، وأمّا المَجَرَّةُ فَأبْوابُ السَّماءِ، ومِنها تُفْتَحُ الأبْوابُ، وأمّا المَحْوُ الَّذِي في القَمَرِ فَقَوْلُ اللَّهِ: ﴿وجَعَلْنا اللَّيْلَ والنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ١٢] [الإسْراءِ: ١٢] . ولَوْلا ذَلِكَ المَحْوُ لَمْ يُعْرَفِ اللَّيْلُ مِنَ النَّهارِ، ولا النَّهارُ مِنَ اللَّيْلِ، فَبَعَثَ بِها مُعاوِيَةُ إلى قَيْصَرَ، وكَتَبَ إلَيْهِ جَوابَ مَسائِلِهِ، فَقالَ قَيْصَرُ: ما يَعْلَمُ هَذا إلّا نَبِيٌّ أوْ رَجُلٌ مِن أهْلِ بَيْتِ نَبِيٍّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب