الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا قِيلَ لَهم تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ﴾ الآيَتَيْنِ. أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا نَزَلَ مَنزِلًا في السَّفَرِ لَمْ يَرْتَحِلْ مِنهُ حَتّى يُصَلِّيَ فِيهِ، فَلَمّا كانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ نَزَلَ مَنزِلًا، فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلَّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فارْتَحَلَ ولَمْ يُصَلِّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَذَكَرَ قِصَّةَ ابْنِ أُبَيٍّ، ونَزَلَ القُرْآنُ، قالَ: ﴿إذا جاءَكَ المُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ (p-٤٩٨)لَرَسُولُ اللَّهِ واللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ [المنافقون: ١] وجاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَجَعَلَ يَعْتَذِرُ ويَحْلِفُ ما قالَ، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لَهُ: «تُبْ» فَجَعَلَ يَلْوِي رَأْسَهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وإذا قِيلَ لَهم تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكم رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾ الآيَةَ» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ مُجاهِدٍ: ﴿وإذا قِيلَ لَهم تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكم رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾ قالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، قِيلَ لَهُ: تَعالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَوّى رَأْسَهُ، وقالَ: ماذا قُلْتَ؟! . وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإذا قِيلَ لَهم تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكم رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾ قالَ: حَرَّكُوها اسْتِهْزاءً. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ في الآيَةِ قالَ: «نَزَلَتْ في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وذَلِكَ أنَّ غُلامًا مِن قَرابَتِهِ انْطَلَقَ إلى النَّبِيِّ ﷺ بِحَدِيثٍ وتَكْذِيبٍ شَدِيدٍ، فَدَعاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَإذا هو يَحْلِفُ ويَتَبَرَّأُ مِن ذَلِكَ، وأقْبَلَتِ الأنْصارُ عَلى ذَلِكَ الغُلامِ فَلامُوهُ وعَذَلُوهُ، وقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ: لَوْ أتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فاسْتَغْفَرَ لَكَ، فَجَعَلَ يُلَوِّي رَأْسَهُ، ويَقُولُ: لَسْتُ فاعِلًا، وكَذَبَ عَلَيَّ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ما تَسْمَعُونَ» . (p-٤٩٩)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، مِن طَرِيقِ الحَكَمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ كانَ لَهُ ابْنٌ يُقالُ لَهُ: حُبابٌ، فَسَمّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَبْدَ اللَّهِ، فَقالَ يا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ والِدِي يُؤْذِي اللَّهَ ورَسُولَهُ، فَذَرْنِي حَتّى أقْتُلَهُ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا تَقْتُلْ أباكَ» ثُمَّ جاءَهُ أيْضًا فَقالَ لَهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ والِدِي يُؤْذِي اللَّهَ ورَسُولَهُ، فَذَرْنِي حَتّى أقْتُلَهُ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا تَقْتُلْ أباكَ» فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَرْنِي حَتّى أُسْقِيَهُ مِن وضُوئِكَ؛ لَعَلَّ قَلْبَهُ أنْ تَلِينَ، فَتَوَضَّأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ – وأعْطاهُ، فَذَهَبَ بِهِ إلى أبِيهِ، فَسَقاهُ، ثُمَّ قالَ لَهُ: هَلْ تَدْرِي ما سَقَيْتُكَ؟ قالَ لَهُ والِدُهُ: نَعَمْ، سَقَيْتَنِي بَوْلَ أُمِّكَ، فَقالَ لَهُ ابْنُهُ: لا واللَّهِ، ولَكِنْ سَقَيْتُكَ وضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . قالَ عِكْرِمَةُ: وكانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ عَظِيمَ الشَّأْنِ فِيهِمْ، وفِيهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في «المُنافِقِينَ»: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون: ٧] وهو الَّذِي قالَ: ﴿لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] قالَ الحَكَمُ: ثُمَّ حَدَّثَنِي بَشِيرُ بْنُ مُسْلِمٍ أنَّهُ قِيلَ لَهُ: يا أبا حُبابٍ، إنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ آيٌ شِدادٌ، فاذْهَبْ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَسْتَغْفِرْ لَكَ، فَلَوّى رَأْسَهُ، ثُمَّ قالَ: أمَرْتُمُونِي أنْ أُؤْمِن فَقَدْ آمَنتُ (p-٥٠٠)وأمَرْتُمُونِي أنْ أُعْطِيَ زَكاةَ مالِي، فَأعْطَيْتُ، فَما بَقِيَ إلّا أنْ أسْجُدَ لِمُحَمَّدٍ» . وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في «الدَّلائِلِ»، عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: «كانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مَقامٌ يَقُومُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ لا يَتْرُكُهُ؛ شَرَفًا لَهُ في نَفْسِهِ وفي قَوْمِهِ، فَكانَ إذا جَلَسَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الجُمُعَةِ يَخْطُبُ، قامَ فَقالَ: أيُّها النّاسُ هَذا رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أظْهُرِكُمْ، أكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِهِ، وأعَزَّكم بِهِ، فانْصُرُوهُ، وعَزِّرُوهُ، واسْمَعُوا لَهُ وأطِيعُوا، ثُمَّ يَجْلِسُ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن أُحُدٍ، وصَنَعَ المُنافِقُ ما صَنَعَ في أُحُدٍ، فَقامَ يَفْعَلُ كَما كانَ يَفْعَلُ، فَأخَذَ المُسْلِمُونَ بِثِيابِهِ مِن نَواحِيهِ وقالُوا: اجْلِسْ يا عَدُوَّ اللَّهِ، لَسْتَ لِهَذا المَقامِ بِأهْلٍ، قَدْ صَنَعْتَ ما صَنَعْتَ، فَخَرَجَ يَتَخَطّى رِقابَ النّاسِ وهو يَقُولُ: واللَّهِ لِكَأنِّي قُلْتُ هُجْرًا أنْ قُمْتُ أُشَدِّدُ أمْرَهُ! فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: ويْلَكَ! ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ المُنافِقُ: واللَّهِ ما أبْغِي أنْ يَسْتَغْفِرَ لِي» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ آيَةُ «بَراءَةَ»: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهم أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] [التَّوْبَةِ: ٨٠] قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أسْمَعُ رَبِّي قَدْ رَخَّصَ لِي (p-٥٠١)فِيهِمْ، فَواللَّهِ لَأسْتَغْفِرَنَّ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً؛ لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَغْفِرَ لَهُمْ» فَنَزَلَتْ: ﴿سَواءٌ عَلَيْهِمْ أسْتَغْفَرْتَ لَهم أمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهم لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [المنافقون»: ٦] . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عُرْوَةٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتِ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهم أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهم إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهم سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] [التَّوْبَةِ: ٨٠] قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَأزِيدَنَّ عَلى السَّبْعِينَ» فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿سَواءٌ عَلَيْهِمْ أسْتَغْفَرْتَ لَهم أمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ الآيَةَ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب