الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ﴾ الآياتِ. أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ قالَ: الشَّمْسُ والقَمَرُ والنُّجُومُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ قالَ: كُشِفَ ما بَيْنَ السَّماواتِ والأرْضِ حَتّى نَظَرَ إلَيْهِنَّ عَلى صَخْرَةٍ، والصَّخْرَةُ عَلى حُوتٍ وهو الحُوتُ الَّذِي مِنهُ طَعامُ النّاسِ، والحُوتُ في سِلْسِلَةٍ، والسِّلْسِلَةُ في خاتَمِ العِزَّةِ. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ قالَ: (p-١٠٤)مُلْكَ السَّماواتِ والأرْضِ، وهي بِالنَّبَطِيَّةِ مَلَكُوثا. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ قالَ: إنَّما هو مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ، ولَكِنَّهُ بِكَلامِ النَّبَطِيَّةِ مَلَكُوثا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ قالَ: سُلْطانُهُما. وأخْرَجَ آدَمُ بْنُ أبِي إياسٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ قالَ: آياتٍ، فُرِجَتْ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ فَنَظَرَ إلى ما فِيهِنَّ حَتّى انْتَهى بَصَرُهُ إلى العَرْشِ، وفُرِجَتْ لَهُ الأرَضُونَ السَّبْعُ فَنَظَرَ إلى ما فِيهِنَّ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ في (p-١٠٥)قَوْلِهِ: ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ قالَ: قامَ عَلى صَخْرَةٍ فَفُرِجَتْ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ حَتّى نَظَرَ إلى العَرْشِ وإلى مَنزِلِهِ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ فُرِجَتْ لَهُ الأرْضُونَ السَّبْعُ حَتّى نَظَرَ إلى الصَّخْرَةِ الَّتِي عَلَيْها الأرْضُونَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وآتَيْناهُ أجْرَهُ في الدُّنْيا﴾ [العنكبوت: ٢٧] [العَنْكَبُوتِ: ٢٧] . وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عائِشٍ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ بَعْضِ أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «رَأيْتُ رَبِّي في أحْسَنِ صُورَةٍ فَقالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأعْلى يا مُحَمَّدُ ؟ قالَ: قُلْتُ: أنْتَ أعْلَمُ أيْ رَبِّ، قالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، فَوَجَدْتُ بَرْدَها بَيْنَ ثَدْيَيَّ، قالَ: فَعَلِمْتُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأعْلى ؟ قالَ: قُلْتُ: في الكَفّاراتِ والدَّرَجاتِ، قالَ: وما الكَفّاراتُ ؟ قُلْتُ: نَقْلُ الأقْدامِ إلى الجُمُعاتِ، والمَجالِسُ في المَساجِدِ خِلافَ الصَّلَواتِ، وإبْلاغُ الوُضُوءِ أماكِنَهُ في المَكْرُوهِ، فَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَعِشْ بِخَيْرٍ، ويَمُتْ بِخَيْرٍ، ويَكُنْ مِن خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ ولَدَتْهُ أُمُّهُ، وأمّا الدَّرَجاتُ فَبَذْلُ السَّلامِ، وإطْعامُ الطَّعامِ، والصَّلاةُ بِاللَّيْلِ والنّاسُ نِيامٌ، قالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الطَّيِّباتِ، وتَرْكَ المُنْكَراتِ، وحُبَّ المَساكِينِ، وأنْ تَغْفِرَ لِي وتَرْحَمَنِي، وإذا أرَدْتَ فِتْنَةً في قَوْمٍ (p-١٠٦)فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَعَلَّمُوهُنَّ فَإنَّهُنَّ حَقَّ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمّا رَأى إبْراهِيمُ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ أشْرَفَ عَلى رَجُلٍ عَلى مَعْصِيَةٍ مِن مَعاصِي اللَّهِ، فَدَعا عَلَيْهِ فَهَلَكَ، ثُمَّ أشْرَفَ عَلى آخَرَ عَلى مَعْصِيَةٍ مِن مَعاصِي اللَّهِ، فَدَعا فَهَلَكَ، ثُمَّ أشْرَفَ عَلى آخَرَ فَذَهَبَ يَدْعُو عَلَيْهِ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: أنْ يا إبْراهِيمُ إنَّكَ رَجُلٌ مُسْتَجابُ الدَّعْوَةِ، فَلا تَدْعُ عَلى عِبادِي فَإنَّهم مِنِّي عَلى ثَلاثٍ، إمّا أنْ يَتُوبَ فَأتُوبَ عَلَيْهِ، وإمّا أنْ أُخْرِجَ مِن صُلْبِهِ نَسَمَةً تَمْلَأُ الأرْضَ بِالتَّسْبِيحِ، وإمّا أنْ أقْبِضَهُ إلَيَّ، فَإنْ شِئْتُ عَفَوْتُ، وإنْ شِئْتُ عاقَبْتُ» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ عَطاءٍ قالَ: لَمّا رُفِعَ إبْراهِيمُ إلى مَلَكُوتِ السَّماواتِ أشْرَفَ عَلى عَبْدٍ يَزْنِي فَدَعا عَلَيْهِ فَأُهْلِكَ، ثُمَّ رُفِعَ أيْضًا فَأشْرَفَ عَلى عَبْدٍ يَزْنِي فَدَعا عَلَيْهِ فَأُهْلِكَ، ثُمَّ رُفِعَ أيْضًا فَأشْرَفَ عَلى عَبْدٍ يَزْنِي، فَأرادَ أنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ، فَقالَ لَهُ رَبُّهُ: عَلى رِسْلِكَ يا إبْراهِيمُ فَإنَّكَ عَبْدٌ مُسْتَجابٌ لَكَ، وإنِّي مِن عَبْدِي عَلى إحْدى ثَلاثِ خِلالٍ، إمّا أنْ يَتُوبَ إلَيَّ فَأتُوبَ عَلَيْهِ، وإمّا أنْ أُخْرِجَ مِنهُ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً، وإمّا أنْ يَتَمادى فِيما هو فِيهِ، فَأنا مِن ورائِهِ. (p-١٠٧)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ في قَوْلِهِ: ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ قالَ: رُفِعَ إبْراهِيمُ إلى السَّماءِ، فَنَظَرَ أسْفَلَ مِنهُ، فَرَأى رَجُلًا عَلى فاحِشَةٍ، فَدَعا فَخُسِفَ بِهِ، حَتّى دَعا عَلى سَبْعَةٍ، كُلُّهم يُخْسَفُ بِهِ، فَنُودِيَ: يا إبْراهِيمُ رَفِّهْ عَنْ عِبادِي - ثَلاثَ مِرارٍ - إنِّي مِن عَبْدِي بَيْنَ ثَلاثٍ، إمّا أنْ يَتُوبَ فَأتُوبَ عَلَيْهِ، وإمّا أنْ أسْتَخْرِجَ مِن صُلْبِهِ ذُرِّيَّةً مُؤْمِنَةً، وإمّا أنْ يَكْفُرَ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ مِن طَرِيقٍ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لَمّا رَأى إبْراهِيمُ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ أبْصَرَ عَبْدًا عَلى خَطِيئَةٍ فَدَعا عَلَيْهِ، ثُمَّ أبْصَرَ عَبْدًا عَلى خَطِيئَةٍ فَدَعا عَلَيْهِ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: يا إبْراهِيمُ إنَّكَ عَبْدٌ مُسْتَجابُ الدَّعْوَةِ، فَلا تَدْعُ عَلى أحَدٍ، فَإنِّي مِن عَبْدِي عَلى ثَلاثٍ؛ إمّا أنْ أُخْرِجَ مِن صُلْبِهِ ذُرِّيَّةً يَعْبُدُونِي، وإمّا أنْ يَتُوبَ في آخِرِ عُمُرِهِ فَأتُوبَ عَلَيْهِ، وإمّا أنْ يَتَوَلّى فَإنَّ جَهَنَّمَ مِن ورائِهِ» . وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ سَلْمانَ الفارِسِيِّ قالَ: لَمّا رَأى إبْراهِيمُ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ، رَأى رَجُلًا (p-١٠٨)عَلى فاحِشَةٍ فَدَعا عَلَيْهِ فَهَلَكَ، ثُمَّ رَأى آخَرَ عَلى فاحِشَةٍ فَدَعا عَلَيْهِ فَهَلَكَ، ثُمَّ رَأى آخَرَ عَلى فاحِشَةٍ فَدَعا عَلَيْهِ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: أنْ يا إبْراهِيمُ مَهْلًا، فَإنَّكَ رَجُلٌ مُسْتَجابٌ لَكَ، وإنِّي مِن عَبْدِي عَلى ثَلاثِ خِصالٍ، إمّا أنْ يَتُوبَ قَبْلَ المَوْتِ فَأتُوبَ عَلَيْهِ، وإمّا أنْ أُخْرِجَ مِن صُلْبِهِ ذُرِّيَّةً يَذْكُرُونِي، وإمّا أنْ يَتَوَلّى فَجَهَنَّمُ مِن ورائِهِ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ، عَنْ عَطاءٍ قالَ: لَمّا رُفِعَ إبْراهِيمُ في مَلَكُوتِ السَّماواتِ رَأى رَجُلًا يَزْنِي فَدَعا عَلَيْهِ فَهَلَكَ، ثُمَّ رُفِعَ فَرَأى رَجُلًا يَزْنِي فَدَعا عَلَيْهِ فَهَلَكَ، ثُمَّ رُفِعَ فَرَأى رَجُلًا يَزْنِي فَدَعا عَلَيْهِ فَهَلَكَ، ثُمَّ رَأى رَجُلًا يَزْنِي فَدَعا عَلَيْهِ فَهَلَكَ، فَقِيلَ: عَلى رِسْلِكَ يا إبْراهِيمُ إنَّكَ عَبْدٌ يُسْتَجابُ لَكَ، وإنِّي مِن عَبْدِي عَلى ثَلاثٍ؛ إمّا أنْ يَتُوبَ إلَيَّ فَأتُوبَ عَلَيْهِ، وإمّا أنْ أُخْرِجَ مِنهُ ذُرِّيَّةً [١٥٥و] طَيِّبَةً تَعْبُدُنِي، وإمّا أنْ يَتَمادى فِيما هو فِيهِ فَإنَّ جَهَنَّمَ مِن ورائِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ قالَ: يَعْنِي خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ، ﴿ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ فَإنَّهُ جَلّى لَهُ الأمْرَ سِرَّهُ وعَلانِيَتَهُ، فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ (p-١٠٩)شَيْءٌ مِن أعْمالِ الخَلائِقِ، فَلَمّا جَعَلَ يَلْعَنُ أصْحابَ الذُّنُوبِ، قالَ اللَّهُ: إنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ هَذا، فَرَدَّهُ اللَّهُ كَما كانَ قَبْلَ ذَلِكَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ في الآيَةِ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ فُرَّ بِهِ مِن جَبّارٍ مُتْرَفٍ، فَجُعِلَ في سَرَبٍ، وجُعِلَ رِزْقُهُ في أطْرافِهِ، فَجَعَلَ لا يَمُصُّ إصْبَعًا مِن أصابِعِهِ إلّا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ فِيها رِزْقًا، فَلَمّا خَرَجَ مِن ذَلِكَ السَّرَبِ أراهُ اللَّهُ مَلَكُوتَ السَّماواتِ، وأراهُ شَمْسًا وقَمَرًا ونُجُومًا وسَحابًا وخَلْقًا عَظِيمًا، وأراهُ مَلَكُوتَ الأرْضِ، فَرَأى جِبالًا وبُحُورًا وأنْهارًا وشَجَرًا ومِن كُلِّ الدَّوابِّ وخَلْقًا عَظِيمًا، ﴿فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا﴾ ذُكِرَ لَنا أنَّ الكَوْكَبَ الَّذِي رَآهُ الزُّهَرَةُ، طَلَعَتْ عِشاءً، ﴿قالَ هَذا رَبِّي فَلَمّا أفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ عَلِمَ أنَّ رَبَّهُ دائِمٌ لا يَزُولُ ﴿فَلَمّا رَأى القَمَرَ بازِغًا قالَ هَذا رَبِّي﴾ رَأى خَلْقًا هو أكْبَرُ مِنَ الخَلْقِ الأوَّلِ ﴿فَلَمّا أفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضّالِّينَ﴾ ﴿فَلَمّا رَأى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هَذا رَبِّي هَذا أكْبَرُ﴾ أيْ: أكْبَرُ خَلْقًا مِنَ الخَلْقَيْنِ الأوَّلَيْنِ، وأبْهى وأنْوَرُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: كانَ مِن شَأْنِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ (p-١١٠)أوَّلَ مَلِكِ مَلَكَ في الأرْضِ شَرْقَها وغَرْبَها نُمْرُودُ بْنُ كَنْعانَ بْنِ كُوشِ بْنِ سامِ بْنِ نُوحٍ، وكانَتِ المُلُوكُ الَّذِينَ مَلَكُوا الأرْضَ كُلَّها أرْبَعَةٌ، نُمْرُودُ، وسُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ، وذُو القَرْنَيْنِ، وبُخْتُنَصَّرَ، مُسْلِمَيْنِ وكافِرَيْنِ، وإنَّهُ اطَلَعَ كَوْكَبٌ عَلى نُمْرُودَ ذَهَبَ بِضَوْءِ الشَّمْسِ والقَمَرِ، فَفَزِعَ مِن ذَلِكَ فَدَعا السَّحَرَةَ والكَهَنَةَ والقافَةَ والحازَةَ، فَسَألَهم عَنْ ذَلِكَ فَقالُوا: يَخْرُجُ مِن مُلْكِكَ رَجُلٌ يَكُونُ عَلى وجْهِهِ هَلاكُكَ وهَلاكُ مُلْكِكَ - وكانَ مَسْكَنُهُ بِبابِلِ الكُوفَةِ - فَخَرَجَ مِن قَرْيَتِهِ إلى قَرْيَةٍ أُخْرى، وأخْرَجَ الرِّجالَ، وتَرَكَ النِّساءَ، وأمَرَ ألّا يُولَدَ مَوْلُودٌ ذَكَرٌ إلّا ذَبَحَهُ، فَذَبَحَ أوْلادَهم، ثُمَّ إنَّهُ بَدَتْ لَهُ حاجَةٌ في المَدِينَةِ لَمْ يَأْمَن عَلَيْها إلّا آزَرَ أبا إبْراهِيمَ، فَدَعاهُ فَأرْسَلَهُ فَقالَ لَهُ: انْظُرْ لا تُواقِعْ أهْلَكَ، فَقالَ لَهُ آزَرُ: أنا أضَنُّ بِدِينِي مِن ذَلِكَ، فَلَمّا دَخَلَ القَرْيَةَ نَظَرَ إلى أهْلِهِ فَلَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ أنْ وقَعَ عَلَيْها، فَفَرَّ بِها إلى قَرْيَةٍ بَيْنَ الكُوفَةِ والبَصْرَةِ يُقالُ لَها: أُورٌ. فَجَعَلَها في سَرَبٍ، فَكانَ يَتَعَهَّدُها بِالطَّعامِ وما يُصْلِحُها، وإنَّ المَلِكَ لَمّا طالَ عَلَيْهِ الأمْرُ قالَ: قَوْلُ سَحَرَةٍ كَذّابِينَ، ارْجِعُوا إلى بَلَدِكُمْ، فَرَجَعُوا ووُلِدَ إبْراهِيمُ، فَكانَ في كُلِّ يَوْمٍ يَمُرُّ بِهِ كَأنَّهُ جُمُعَةٌ، والجُمُعَةُ كالشَّهْرِ مِن سُرْعَةِ شَبابِهِ، ونَسِيَ المَلِكُ ذَلِكَ، وكَبِرَ إبْراهِيمُ ولا يَرى أنَّ أحَدًا مِنَ الخَلْقِ غَيْرُهُ وغَيْرُ أبِيهِ وأُمِّهِ، فَقالَ أبُو إبْراهِيمَ (p-١١١)لِأصْحابِهِ: إنَّ لِيَ ابْنًا وقَدْ خَبَّأْتُهُ فَتَخافُونَ عَلَيْهِ المَلِكَ إنْ أنا جِئْتُ بِهِ؟ قالُوا: لا، فَأْتِ بِهِ، فانْطَلَقَ فَأخْرَجَهُ، فَلَمّا خَرَجَ الغُلامُ مِنَ السَّرَبِ نَظَرَ إلى الدَّوابِّ والبَهائِمِ والخَلْقِ، فَجَعَلَ يَسْألُ أباهُ فَيَقُولُ: ما هَذا؟ فَيُخْبِرُهُ عَنِ البَعِيرِ أنَّهُ بَعِيرٌ، وعَنِ البَقَرَةِ أنَّها بَقَرَةٌ، وعَنِ الفَرَسِ أنَّها فَرَسٌ، وعَنِ الشّاةِ أنَّها شاةٌ، فَقالَ: ما لِهَؤُلاءِ الخَلْقِ بُدٌّ مِن أنْ يَكُونَ لَهم رَبٌّ، وكانَ خُرُوجُهُ حِينَ خَرَجَ مِنَ السَّرَبِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ، فَإذا هو بِالكَوْكَبِ وهو المُشْتَرِي، فَقالَ: هَذا رَبِّي، فَلَمْ يَلْبَثْ أنْ غابَ، قالَ: لا أُحِبُّ رَبًّا يَغِيبُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وخَرَجَ في آخِرِ الشَّهْرِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَرَ القَمَرَ قَبْلَ الكَوْكَبِ، فَلَمّا كانَ آخِرُ اللَّيْلِ رَأى القَمَرَ، ﴿فَلَمّا رَأى القَمَرَ بازِغًا﴾ قَدِ اطَّلَعَ، قالَ: ﴿هَذا رَبِّي﴾، ﴿فَلَمّا أفَلَ﴾ - يَقُولُ: غابَ ﴿قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضّالِّينَ﴾ . فَلَمّا أصْبَحَ رَأى الشَّمْسَ بازِغَةً ﴿قالَ هَذا رَبِّي هَذا أكْبَرُ فَلَمّا أفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ﴾ قالَ اللَّهُ لَهُ: ﴿أسْلِمْ قالَ أسْلَمْتُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [البقرة: ١٣١] [البَقَرَةِ: ١٣١]، قالَ: فَجَعَلَ إبْراهِيمُ يَدْعُو قَوْمَهُ ويُنْذِرُهم، وكانَ أبُوهُ يَصْنَعُ الأصْنامَ فَيُعْطِيها ولَدَهُ فَيَبِيعُونَها، وكانَ يُعْطِيهِ فَيُنادِي: مَن يَشْتَرِي ما يَضُرُّهُ ولا يَنْفَعُهُ ؟ فَيَرْجِعُ إخْوَتُهُ وقَدْ باعُوا أصْنامَهم، ويَرْجِعُ إبْراهِيمُ بِأصْنامِهِ كَما هي، ثُمَّ دَعا أباهُ فَقالَ: ﴿يا أبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٤٢] [مَرْيَمَ: ٤٢] ثُمَّ رَجَعَ إبْراهِيمُ إلى بَيْتِ الآلِهَةِ فَإذا هُنَّ في بَهْوٍ عَظِيمٍ، مُسْتَقْبِلٌ بابَ البَهْوِ صَنَمٌ عَظِيمٌ، إلى جَنْبِهِ أصْغَرُ مِنهُ، بَعْضُها إلى جَنْبِ بَعْضٍ، كُلُّ صَنَمٍ يَلِيهِ أصْغَرُ مِنهُ، حَتّى بَلَغُوا بابَ البَهْوِ، وإذا هم قَدْ (p-١١٢)جَعَلُوا طَعامًا بَيْنَ يَدَيِ الآلِهَةِ، وقالُوا: إذا كانَ حِينُ نَرْجِعُ رَجَعْنا، وقَدْ بَرِحَتِ الآلِهَةُ مِن طَعامِنا فَأكَلْنا، فَلَمّا نَظَرَ إلَيْهِمْ إبْراهِيمُ وإلى ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ مِنَ الطَّعامِ قالَ: ألا تَأْكُلُونَ ! فَلَمّا لَمْ تُجِبْهُ قالَ: ﴿ما لَكم لا تَنْطِقُونَ﴾ [الصافات: ٩٢] [الصّافّاتِ: ٩٢] ثُمَّ إنَّ إبْراهِيمَ أتى قَوْمَهُ فَدَعاهُمْ، فَجَعَلَ يَدْعُو قَوْمَهُ ويُنْذِرُهُمْ، فَحَبَسُوهُ في بَيْتٍ، وجَمَعُوا لَهُ الحَطَبَ، حَتّى إنَّ المَرْأةَ لَتَمْرَضُ فَتَقُولُ: لَئِنْ عافانِيَ اللَّهُ لَأجْمَعَنَّ لِإبْراهِيمَ حَطَبًا، فَلَمّا جَمَعُوا لَهُ وأكْثَرُوا مِنَ الحَطَبِ؛ حَتّى إنَّ الطَّيْرَ لَيَمُرُّ بِها فَيَحْتَرِقُ مِن شِدَّةِ وهَجِها وحَرِّها، فَعَمَدُوا إلَيْهِ فَرَفَعُوهُ إلى رَأْسِ البُنْيانِ، فَرَفَعَ إبْراهِيمُ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ، فَقالَتِ السَّماءُ والأرْضُ والجِبالُ والمَلائِكَةُ: رَبَّنا، إبْراهِيمُ يُحْرَقُ فِيكَ ؟ قالَ: أنا أعْلَمُ بِهِ فَإنْ دَعاكم فَأغِيثُوهُ، وقالَ إبْراهِيمُ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ: اللَّهُمَّ أنْتَ الواحِدُ في السَّماءِ وأنا الواحِدُ في الأرْضِ، لَيْسَ أحَدٌ يَعْبُدُكَ غَيْرِي، حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، فَقَذَفُوهُ في النّارِ فَناداها فَقالَ: ﴿يا نارُ كُونِي بَرْدًا وسَلامًا عَلى إبْراهِيمَ﴾ [الأنبياء: ٦٩] [الأنْبِياءِ: ٦٩] وكانَ جِبْرِيلُ هو الَّذِي ناداها، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَوْ لَمْ يُتْبِعْ بَرْدَها سَلامًا لَماتَ إبْراهِيمُ مِن بَرْدِها، ولَمْ يَبْقَ يَوْمَئِذٍ في الأرْضِ نارٌ إلّا طُفِئَتْ، ظَنَّتْ أنَّها هي تُعْنى، فَلَمّا طُفِئَتِ النّارُ نَظَرُوا إلى إبْراهِيمَ، فَإذا هو ورَجُلٌ آخَرُ مَعَهُ، ورَأْسُ إبْراهِيمَ في حِجْرِهِ يَمْسَحُ عَنْ وجْهِهِ العَرَقَ، وذُكِرَ أنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ مَلَكُ الظِّلِّ، فَأنْزَلَ اللَّهُ نارًا فانْتَفَعَ بِها بَنُو آدَمَ، وأخْرَجُوا إبْراهِيمَ فَأدْخَلُوهُ عَلى المَلِكِ، ولَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ، عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿رَأى كَوْكَبًا﴾ (p-١١٣)قالَ: هو المُشْتَرِي، وهو الَّذِي يَطْلُعُ نَحْوَ القِبْلَةِ عِنْدَ المَغْرِبِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ في قَوْلِهِ: ﴿رَأى كَوْكَبًا﴾ قالَ: الزُّهَرَةُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا أفَلَ﴾ أيْ ذَهَبَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ قالَ: الزّائِلِينَ. وأخْرَجَ الطَّسْتِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقِ قالَ لَهُ: أخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا أفَلَتْ﴾ قالَ: فَلَمّا زالَتِ الشَّمْسُ عَنْ كَبِدِ السَّماءِ، قالَ: وهَلْ تَعْرِفُ العَرَبُ ذَلِكَ ؟ قالَ: نَعَمْ، أما سَمِعْتَ كَعْبَ بْنَ مالِكٍ الأنْصارِيَّ وهو يَرْثِي النَّبِيَّ ﷺ ويَقُولُ: ؎فَتَغَيَّرَ القَمَرُ المُنِيرُ لِفَقْدِهِ والشَّمْسُ قَدْ كَسَفَتْ وكادَتْ تَأْفُلُ قالَ: أخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿حَنِيفًا﴾ قالَ: دِينًا مُخْلِصًا، قالَ: وهَلْ تَعْرِفُ العَرَبُ ذَلِكَ ؟ قالَ: نَعَمْ، أما سَمِعْتَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ وهو يَقُولُ: (p-١١٤) ؎حَمِدْتُ اللَّهَ حِينَ هَدى فُؤادِي ∗∗∗ إلى الإسْلامِ والدِّينِ الحَنِيفِ وقالَ أيْضًا رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ يَذْكُرُ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ وفَضْلَهم: ؎أقِيمُوا لِنا دِينًا حَنِيفًا فَأنْتُمُ ∗∗∗ لَنا غايَةٌ قَدْ يُهْتَدى بِالذَّوائِبِ وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ عَطاءٍ في قَوْلِهِ: ﴿حَنِيفًا﴾ قالَ: مُخْلِصًا. وأخْرَجَ مُسْلِمٌ والنَّسائِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، «عَنْ عِياضِ بْنِ حِمارٍ المُجاشِعِيِّ أنَّهُ شَهِدَ خُطْبَةَ النَّبِيِّ ﷺ فَسَمِعَهُ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ أمَرَنِي أنْ أُعَلِّمَكم ما جَهِلْتُمْ مِن دِينِكم مِمّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذا، إنَّ كُلَّ مالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا فَهو لَهُ حَلالٌ، وإنِّي خَلَقْتُ عِبادِي حُنَفاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُ أتَتْهُمُ الشَّياطِينُ فاجْتالَتْهم عَنْ دِينِهِمْ، وحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ ما أحْلَلْتُ لَهُمْ، وأمَرَتْهم أنْ يُشْرِكُوا بِي ما لَمْ أنُزِّلْ بِهِ سُلْطانًا» . وأخْرَجَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في ”سُنَنِهِ“، عَنْ عَلِيٍّ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ إذا اسْتَفْتَحَ الصَّلاةَ كَبَّرَ ثُمَّ قالَ: وجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ والأرْضَ حَنِيفًا وما أنا مِنَ المُشْرِكِينَ، إنَّ صِلاتِي ونُسُكِي ومَحْيايَ ومَماتِي لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنا أوَّلُ المُسْلِمِينَ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب