الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ الآيَةَ. أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ قالَ: أبَدًا، وفي قَوْلِهِ: ﴿يَتِيهُونَ في الأرْضِ﴾ قالَ: أرْبَعِينَ سَنَةً. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّهم بَعَثُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، مِن كُلِّ سِبْطٍ رَجُلًا، عُيُونًا، لِيَأْتُوهم بِأمْرِ القَوْمِ، فَأمّا عَشَرَةٌ فَجَبَّنُوا قَوْمَهُمْ، وكَرَّهُوا إلَيْهِمُ الدُّخُولَ، وأمّا يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وصاحِبُهُ فَأمَرا بِالدُّخُولِ، واسْتَقاما عَلى أمْرِ اللَّهِ ورَغَّبا قَوْمَهم في ذَلِكَ، وأخْبَراهم في ذَلِكَ أنَّهم غالِبُونَ حَتّى بَلَغَ: ﴿ها هُنا قاعِدُونَ﴾ [المائدة: ٢٤]، قالَ: لَمّا جَبُنَ القَوْمُ عَنْ عَدُوِّهِمْ، وتَرَكُوا أمْرَ رَبِّهِمْ، قالَ اللَّهُ: ﴿فَإنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أرْبَعِينَ (p-٢٥٣)سَنَةً يَتِيهُونَ في الأرْضِ﴾ قالَ: كانُوا يَتِيهُونَ في الأرْضِ أرْبَعِينَ سَنَةً إنَّما يَشْرَبُونَ ماءَ الأطْواءِ، لا يَهْبِطُونَ قَرْيَةً ولا مِصْرًا، ولا يَهْتَدُونَ لَها، ولا يَقْدِرُونَ عَلى ذَلِكَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ القُرى، فَكانُوا لا يَهْبِطُونَ قَرْيَةً ولا يَقْدِرُونَ عَلى ذَلِكَ، إنَّما يَتَّبِعُونَ الأطْواءَ أرْبَعِينَ سَنَةً، والأطْواءُ الرَّكايا، وذُكِرَ لَنا أنَّ مُوسى تُوُفِّيَ في الأرْبَعِينَ سَنَةً، وأنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَ المَقْدِسِ مِنهم إلّا أبْناؤُهم والرَّجُلانِ اللَّذانِ قالا ما قالا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: تاهُوا أرْبَعِينَ سَنَةً، فَهَلَكَ مُوسى وهارُونُ في التِّيهِ، وكُلُّ مَن جاوَزَ الأرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمّا مَضَتِ الأرْبَعُونَ سَنَةً ناهَضَهم يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وهو الَّذِي قامَ بِالأمْرِ بَعْدَ مُوسى، وهو الَّذِي افْتَتَحَها، وهو الَّذِي قِيلَ لَهُ: اليَوْمَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فَهَمُّوا بِافْتِتاحِها، فَدَنَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ، فَخَشِيَ إنْ دَخَلَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ أنْ يَسْبِتُوا فَنادى الشَّمْسَ: إنِّي مَأْمُورٌ، وإنَّكِ مَأْمُورَةٌ، فَوَقَفَتْ حَتّى افْتَتَحَها، فَوَجَدَ فِيها مِنَ الأمْوالِ ما لَمْ يَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، فَقَرَّبُوهُ إلى النّارِ، فَلَمْ تَأْتِ، فَقالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَدَعا رُؤُوسَ الأسْباطِ، وهُمُ اثْنا عَشَرَ رَجُلًا، فَبايَعَهم والتَصَقَتْ يَدُ رَجُلٍ مِنهم بِيَدِهِ، فَقالَ: الغُلُولُ عِنْدَكَ، فَأخْرِجْهُ، فَأخْرَجَ رَأْسَ بَقَرَةٍ مِن ذَهَبٍ، لَها عَيْنانِ مِن (p-٢٥٤)ياقُوتٍ، وأسْنانٌ مِن لُؤْلُؤٍ، فَوَضَعَهُ مَعَ القُرْبانِ، فَأتَتِ النّارُ فَأكَلَتْها. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: تاهَتْ بَنُو إسْرائِيلَ أرْبَعِينَ سَنَةً، يُصْبِحُونَ حَيْثُ أمْسَوْا، ويُمْسُونَ حَيْثُ أصْبَحُوا في تِيهِهِمْ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وأبُو الشَّيْخِ في (العَظَمَةِ)، عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: إنَّ بَنِي إسْرائِيلَ لَمّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أنْ يَدْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ أرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ في الأرْضِ، شَكَوْا إلى مُوسى فَقالُوا: ما نَأْكُلُ؟ فَقالَ: إنَّ اللَّهَ سَيَأْتِيكم بِما تَأْكُلُونَ، قالُوا: مِن أيْنَ؟ قالَ: إنَّ اللَّهَ سَيُنْزِلُ عَلَيْكم خُبْزًا مَخْبُوزًا، فَكانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ المَنُّ، وهو خُبْزُ الرُّقاقِ، مِثْلُ الذُّرَةِ، قالُوا: وما نَأْتَدِمُ، وهَلْ بُدٌّ لَنا مِن لَحْمٍ؟ قالَ: فَإنَّ اللَّهَ يَأْتِيكم بِهِ، قالُوا: مِن أيْنَ؟ فَكانَتِ الرِّيحُ تَأْتِيهِمْ بِالسَّلْوى، وهو طَيْرٌ سَمِينٌ مِثْلُ الحَمامِ، قالُوا: فَما نَلْبَسُ؟ قالَ: لا يَخْلَقُ لِأحَدِكم ثَوْبٌ أرْبَعِينَ سَنَةً، قالُوا: فَما نَحْتَذِي؟ قالَ: لا يَنْقَطِعُ لِأحَدِكم شِسْعٌ أرْبَعِينَ سَنَةً، قالُوا: فَإنَّهُ يُولَدُ فِينا أوْلادٌ صِغارٌ فَما نَكْسُوهُمْ؟ قالَ: الثَّوْبُ الصَّغِيرُ يَشِبُّ مَعَهُ، قالُوا: فَمِن أيْنَ لَنا الماءُ؟ قالَ: يَأْتِيكم بِهِ اللَّهُ، فَأمَرَ اللَّهُ مُوسى أنْ يَضْرِبَ بِعَصاهُ الحَجَرَ، قالُوا: فَبِمَ نُبْصِرُ تَغْشانا الظُّلْمَةُ؟ فَضَرَبَ لَهم عَمُودًا مِن نُورٍ في وسَطِ عَسْكَرِهِمْ أضاءَ عَسْكَرَهم كُلَّهُ، قالُوا: فَبِمَ نَسْتَظِلُّ؟ (p-٢٥٥)الشَّمْسُ عَلَيْنا شَدِيدَةٌ، قالَ: يُظِلُّكُمُ اللَّهُ بِالغَمامِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ قالَ: ظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الغَمامَ في التِّيهِ قَدْرَ خَمْسَةِ فَراسِخَ أوْ سِتَّةٍ، كُلَّما أصْبَحُوا سارُوا غادِينَ، فَإذا أمْسَوْا إذا هم في مَكانِهِمُ الَّذِي ارْتَحَلُوا مِنهُ، فَكانُوا كَذَلِكَ أرْبَعِينَ سَنَةً، وهم في ذَلِكَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ المَنُّ والسَّلْوى، ولا تَبْلى ثِيابُهُمْ، ومَعَهم حَجَرٌ مِن حِجارَةِ الطُّورِ يَحْمِلُونَهُ مَعَهُمْ، فَإذا نَزَلُوا ضَرَبَهُ مُوسى بِعَصاهُ، فانْفَجَرَتْ مِنهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنًا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: خُلِقَ لَهم في التِّيهِ ثِيابٌ لا تَخْلَقُ ولا تَدْرَنُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ طاوُسٍ قالَ: كانَتْ بَنُو إسْرائِيلَ إذَ كانُوا في تِيهِهِمْ، تَشِبُّ مَعَهم ثِيابُهم إذا شَبُّوا. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ قالَ: لَمّا اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ، أوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الحَجَرَ، فانْفَجَرَتْ مِنهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنًا، فَقالَ لَهم مُوسى: رُدُّوا مَعْشَرَ الحَمِيرِ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: قُلْتَ لِعِبادِي: مَعْشَرَ الحَمِيرِ، وإنِّي قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْكُمُ الأرْضَ المُقَدَّسَةَ، قالَ: يا رَبِّ، فاجْعَلْ قَبْرِي مِنها قَذْفَةَ حَجَرٍ. (p-٢٥٦)فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «(لَوْ رَأيْتُمْ قَبْرَ مُوسى لَرَأيْتُمُوهُ مِنَ الأرْضِ المُقَدَّسَةِ قَذْفَةً بِحَجَرٍ») . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: لَمّا اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَسُقُوا قالَ: اشْرَبُوا يا حَمِيرُ، فَنَهاهُ عَنْ ذَلِكَ، وقالَ: لا تَدْعُ عِبادِي حَمِيرًا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَلا تَأْسَ﴾ قالَ: فَلا تَحْزَنْ. وأخْرَجَ الطَّسْتِيُّ في (مَسائِلِهِ)، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقِ قالَ لَهُ: أخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَلا تَأْسَ﴾ قالَ: لا تَحْزَنْ، قالَ: وهَلْ تَعْرِفُ العَرَبُ ذَلِكَ؟ قالَ: نَعَمْ، أما سَمِعْتَ امْرَأ القَيْسِ وهو يَقُولُ: ؎وُقُوفًا بِها صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيُّهم يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أسًى وتَحَمَّلِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ في (المُصَنَّفِ)، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «(إنَّ نَبِيًّا مِنَ الأنْبِياءِ قاتَلَ أهْلَ مَدِينَةٍ، حَتّى إذا كادَ أنْ يَفْتَحَها خَشِيَ أنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقالَ: (أيَّتُها الشَّمْسُ، إنَّكِ مَأْمُورَةٌ وأنا مَأْمُورٌ، بِحُرْمَتِي عَلَيْكِ إلّا رَكَدْتِ ساعَةً مِنَ النَّهارِ)، قالَ: (فَحَبَسَها اللَّهُ (p-٢٥٧)حَتّى افْتَتَحَ المَدِينَةَ، وكانُوا إذا أصابُوا الغَنائِمَ قَرَّبُوها في القُرْبانِ، فَجاءَتِ النّارُ فَأكَلَتْها، فَلَمّا أصابُوا وضَعُوا القُرْبانَ، فَلَمْ تَجِئِ النّارُ تَأْكُلُهُ، فَقالُوا: يا نَبِيَّ اللَّهِ، ما لَنا لا تَقْبَلُ قُرْبانَنا؟ قالَ: فِيكم غُلُولٌ، قالُوا: وكَيْفَ لَنا أنْ نَعْلَمَ مَن عِنْدَهُ الغُلُولُ؟ قالَ: وهُمُ اثْنا عَشَرَ سِبْطًا قالَ: يُبايِعُنِي رَأْسُ كُلِّ سِبْطٍ مِنكُمْ، فَبايَعَهُ رَأْسُ كُلِّ سِبْطٍ، فَلَزِقَتْ كَفُّهُ بِكَفِّ رَجُلٍ مِنهُمْ، فَقالُوا لَهُ: عِنْدَكَ الغُلُولُ، فَقالَ: كَيْفَ لِي أنْ أعْلَمَ؟ قالَ: تَدْعُو سِبْطَكَ، فَتُبايِعُهم رَجُلًا رَجُلًا، فَفَعَلَ، فَلَزِقَتْ كَفُّهُ بِكَفِّ رَجُلٍ مِنهُمْ، قالَ: عِنْدَكَ الغُلُولُ، قالَ: نَعَمْ، عِنْدِي الغُلُولُ، قالَ: وما هُوَ؟ قالَ: رَأْسُ ثَوْرٍ مِن ذَهَبٍ، أعْجَبَنِي فَغَلَلْتُهُ، فَجاءَ بِهِ فَوَضَعَهُ في الغَنائِمِ، فَجاءَتِ النّارُ فَأكَلَتْهُ»)، فَقالَ كَعْبٌ: صَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ، هَكَذا واللَّهِ في كِتابِ اللَّهِ، يَعْنِي في التَّوْراةِ، ثُمَّ قالَ: يا أبا هُرَيْرَةَ، أحَدَّثَكُمُ النَّبِيُّ ﷺ أيُّ نَبِيٍّ كانَ؟ قالَ: لا، قالَ: هو يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، قالَ: فَحَدَّثَكم أيُّ قَرْيَةٍ هِيَ؟ قالَ: لا، قالَ: هي مَدِينَةُ أرِيحاءَ، وفي رِوايَةِ عَبْدِ الرَّزّاقِ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «(لَمْ تَحِلَّ الغَنِيمَةُ لِأحَدٍ قَبْلَنا، وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ رَأى ضَعْفَنا فَطَيَّبَها لَنا»)، وزَعَمُوا أنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ لِأحَدٍ قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب