الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكُمْ﴾ الآيَتَيْنِ. أخْرَجَ البُخارِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، والطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ قالَ: «كادَ الخَيِّرانِ أنْ يَهْلِكا أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ رَفَعا أصْواتَهُما عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ (p-٥٣٠)رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأشارَ أحَدُهُما بِالأقْرَعِ بْنِ حابِسٍ، وأشارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: ما أرَدْتَ إلّا خِلافِي قالَ: ما أرَدْتُ خِلافَكَ فارْتَفَعَتْ أصْواتُهُما في ذَلِكَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ الآيَةَ، قالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَما كانَ عُمَرُ يَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتّى يَسْتَفْهِمَهُ» . وأخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِن طَرِيقِ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ والطَّبَرانِيُّ مِن طَرِيقِ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أنَّ الأقْرَعَ بْنَ حابِسٍ قَدِمَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ أبُو بَكْرٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَعْمِلْهُ عَلى قَوْمِهِ فَقالَ عُمَرُ: لا تَسْتَعْمِلْهُ يا رَسُولَ اللَّهِ، فَتَكَلَّما عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ حَتّى ارْتَفَعَتْ أصْواتُهُما فَقالَ أبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: ما أرَدْتَ إلّا خِلافِي قالَ: ما أرَدْتُ خِلافَكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ فَكانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إذا تَكَلَّمَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ يَسْمَعْ كَلامَهُ حَتّى يَسْتَفْهِمَهُ» . وأخْرَجَ البَزّارُ، وابْنُ عَدِيٍّ والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ (p-٥٣١)قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ: واللَّهِ لا أُكَلِّمُكَ إلّا كَأخِي السِّرارِ» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ مِن طَرِيقِ أبِي سَلَمَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصْواتَهم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ قالَ أبُو بَكْرٍ: والَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ يا رَسُولَ اللَّهِ لا أُكَلِّمُكَ إلّا كَأخِي السِّرارِ حَتّى ألْقى اللَّهَ» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ «قالَ: كانُوا يَجْهَرُونَ لَهُ بِالكَلامِ ويَرْفَعُونَ أصْواتَهم فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات»: ٢] . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ﴾ الآيَةَ. قالَ: لا تُنادُوهُ نِداءً ولَكِنْ قُولُوا قَوْلًا لَيِّنًا: يا رَسُولَ اللَّهِ. (p-٥٣٢)وأخْرَجَ أحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والبُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وأبُو يَعْلى والبَغَوِيُّ في مُعْجَمِ الصَّحابَةِ، وابْنُ المُنْذِرِ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، والبَيْهَقِيُّ في ”الدَّلائِلِ“ عَنْ أنَسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ وكانَ ثابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ رَفِيعَ الصَّوْتِ فَقالَ: أنا الَّذِي كُنْتُ أرْفَعُ صَوْتِي عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَبِطَ عَمَلِي، أنا مِن أهْلِ النّارِ. وجَلَسَ في بَيْتِهِ حَزِينًا فَفَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فانْطَلَقَ بَعْضُ القَوْمِ إلَيْهِ فَقالُوا لَهُ: فَقَدَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ما لَكَ؟ قالَ: أنا الَّذِي أرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وأجْهَرُ لَهُ بِالقَوْلِ، حَبِطَ عَمَلِي أنا مِن أهْلِ النّارِ فَأتَوُا النَّبِيَّ ﷺ فَأخْبَرُوهُ بِذَلِكَ فَقالَ: لا بَلْ هو مِن أهْلِ الجَنَّةِ. فَلَمّا كانَ يَوْمُ اليَمامَةَ قُتِلَ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ﴾ قَعَدَ ثابِتٌ في الطَّرِيقِ يَبْكِي فَمَرَّ بِهِ عاصِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ العَجْلانِ فَقالَ: ما يُبْكِيكَ يا ثابِتُ قالَ: هَذِهِ الآيَةُ أتَخَوَّفُ أنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِيَّ وأنا صَيِّتٌ رَفِيعُ الصَّوْتِ فَمَضى عاصِمُ بْنُ عَدِيِّ (p-٥٣٣)إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأخْبَرَهُ خَبَرَهُ فَقالَ: اذْهَبْ فادْعُهُ لِي فَجاءَ فَقالَ: ما يُبْكِيكَ يا ثابِتُ؟ فَقالَ: أنا صَيِّتٌ وأتَخَوَّفُ أنَّ تَكُونَ هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ فِيَّ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أما تَرْضى أنْ تَعِيشَ حَمِيدًا وتُقْتَلَ شَهِيدًا وتَدْخُلَ الجَنَّةَ قالَ: رَضِيتُ بِبُشْرى اللَّهِ ورَسُولِهِ ولا أرْفَعُ صَوْتِي أبَدًا عَلى صَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قالَ: فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصْواتَهم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ» . وأخْرَجَ ابْنُ حِبّانَ والطَّبَرانِيُّ وأبُو نُعَيْمٍ في المَعْرِفَةِ عَنْ إسْماعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ الأنْصارِيِّ «أنَّ ثابِتَ بْنَ قَيْسٍ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ: لَقَدْ خَشِيتُ أنْ أكُونَ قَدْ هَلَكْتُ، قالَ: لِمَ؟ قالَ: يَمْنَعُ اللَّهُ المَرْءَ أنْ يُحْمَدَ بِما لَمْ يَفْعَلْ وأجِدُنِي أُحِبُّ الحَمْدَ ويَنْهى عَنِ الخُيَلاءِ وأجِدُنِي أُحِبُّ الجَمالَ ويَنْهى أنْ نَرْفَعَ أصْواتَنا فَوْقَ صَوْتِكَ وأنا جَهِيرُ الصَّوْتِ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يا ثابِتُ أما تَرْضى أنْ تَعِيشَ حَمِيدًا وتُقْتَلَ شَهِيدًا وتَدْخُلَ الجَنَّةَ»؟ قالَ الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ في الأطْرافِ: هَكَذا أخْرَجَهُ ابْنُ حِبّانَ بِهَذا السِّياقِ ولَيْسَ فِيهِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ إسْماعِيلَ سَمِعَهُ مِن ثابِتٍ فَهو مُنْقَطِعٌ. (p-٥٣٤)ورَواهُ مالِكٌ في المُوَطَّأِ عَنِ ابْنِ شِهابٍ عَنْ إسْماعِيلَ عَنْ ثابِتٍ أنَّهُ قالَ: فَذَكَرَهُ ولَمْ يَذْكُرْهُ مِن رُواةِ المُوَطَّأِ أحَدٌ إلّا سَعِيدُ بْنُ عَفِيرٍ وحْدَهُ وقالَ: قالَ مالِكٌ: قُتِلَ ثابِتُ بْنُ قَيْسٍ يَوْمَ اليَمامَةِ، قالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَلَمْ يُدْرِكْهُ إسْماعِيلُ فَهو مُنْقَطِعٌ قَطْعًا انْتَهى. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ قالَ: «جاءَ ثابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ إلى النَّبِيِّ ﷺ وهو مَحْزُونٌ فَقالَ: يا ثابِتُ ما الَّذِي أرى بِكَ؟ قالَ: آيَةٌ قَرَأْتُها اللَّيْلَةَ فَأخْشى أنْ يَكُونَ قَدْ حَبِطَ عَمَلِي ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ وكانَ في أُذُنِهِ صَمَمٌ فَقالَ: أخْشى أنْ أكُونَ قَدْ رَفَعْتُ صَوْتِي وجَهَرْتُ لَكَ بِالقَوْلِ وأنْ أكُونَ قَدْ حَبِطَ عَمَلِي وأنا لا أشْعُرُ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: امْشِ عَلى الأرْضِ نَشِيطًا فَإنَّكَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ» . وأخْرَجَ البَغَوِيُّ، وابْنُ قانِعٍ في مُعْجَمِ الصَّحابَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ عَنْ ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ عَلى النَّبِيِّ ﷺ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ قَعَدْتُ في بَيْتِي فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: تَعِيشُ حَمِيدًا وتُقْتَلُ شَهِيدًا فَقُتِلَ يَوْمَ اليَمامَةِ» . وأخْرَجَ البَغَوِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، (p-٥٣٥)والخَطِيبُ في المُتَّفِقِ والمُفْتَرِقِ عَنْ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ قالَ: «قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي حَدِيثَ ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ، قالَ: قُمْ مَعِي، فانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتّى دَخَلْنا عَلى امْرَأةٍ، فَقالَ الرَّجُلُ: هَذِهِ ابْنَةُ ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَسَلْها عَمّا بَدا لَكَ، فَقُلْتُ: حَدِّثِينِي، فَقالَتْ: سَمِعْتُ أبِي يَقُولُ: لَمّا أنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ الآيَةَ. دَخَلَ بَيْتَهُ وأغْلَقَ عَلَيْهِ بابَهُ وطَفِقَ يَبْكِي فافْتَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: ما شَأْنُ ثابِتٍ؟ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ما نَدْرِي ما شَأْنُهُ غَيْرَ أنَّهُ قَدْ أغْلَقَ عَلَيْهِ بابَ بَيْتِهِ فَهو يَبْكِي فِيهِ، فَأرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَألَهُ: ما شَأْنُكَ؟ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ: أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةَ وأنا شَدِيدُ الصَّوْتِ فَأخافُ أنْ أكُونَ قَدْ حَبِطَ عَمَلِي، فَقالَ: لَسْتَ مِنهُمْ، بَلْ تَعِيشُ بِخَيْرٍ وتَمُوتُ بِخَيْرٍ، قالَتْ: ثُمَّ أنْزَلَ اللَّهُ عَلى نَبِيِّهِ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: ١٨] [لُقْمانَ: ١٨] فَأغْلَقَ عَلَيْهِ بابَهُ وطَفِقَ يَبْكِي فِيهِ فافْتَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقالَ: ثابِتٌ ما شَأْنُهُ؟ قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ واللَّهِ ما نَدْرِي ما شَأْنُهُ غَيْرَ أنَّهُ قَدْ أغْلَقَ عَلَيْهِ بابَ بَيْتِهِ، وطَفِقَ يَبْكِي، فَأرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: ما شَأْنُكَ؟ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ: أنْزَلَ اللَّهُ (p-٥٣٦)عَلَيْكَ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: ١٨] واللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّ الجَمالَ وأُحِبُّ أنْ أسُودَ قَوْمِي، قالَ: لَسْتَ مِنهم بَلْ تَعِيشُ حَمِيدًا وتُقْتَلُ شَهِيدًا ويُدْخِلُكَ اللَّهُ الجَنَّةَ بِسَلامٍ، قالَتْ: فَلَمّا كانَ يَوْمُ اليَمامَةِ خَرَجَ مَعَ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ إلى مُسَيْلِمَةَ الكَذّابِ فَلَمّا لَقِيَ أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَدِ انْكَشَفُوا فَقالَ ثابِتٌ لِسالِمٍ مَوْلى أبِي حُذَيْفَةَ: ما هَكَذا كُنّا نُقاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . ثُمَّ حَفَرَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما لِنَفْسِهِ حُفْرَةً وحَمَلَ عَلَيْهِمُ القَوْمُ فَثَبَتا حَتّى قُتِلا، وكانَتْ عَلى ثابِتٍ يَوْمَئِذٍ دِرْعٌ لَهُ نَفِيسَةٌ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ فَأخَذَها فَبَيْنا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ نائِمٌ إذْ أتاهُ ثابِتُ بْنُ قَيْسٍ في مَنامِهِ فَقالَ لَهُ: إنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ إيّاكَ أنْ تَقُولَ: هَذا حُلْمٌ فَتُضَيِّعَهُ: إنِّي لَمّا قُتِلْتُ أمْسِ مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ فَأخَذَ دِرْعِي ومَنزِلُهُ في أقْصى العَسْكَرِ، وعِنْدَ خِبائِهِ فَرَسٌ يَسْتَنُّ في طِوَلِهِ وقَدْ كَفَأ عَلى الدِّرْعِ بُرْمَةً وجَعَلَ فَوْقَ البُرْمَةِ رَحْلًا، فَأْتِ خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ فَمُرْهُ أنْ يَبْعَثَ إلى دِرْعِي فَيَأْخُذَها وإذا قَدِمْتُ عَلى خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ فَأخْبِرْهُ أنَّ عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ كَذا وكَذا ولِي مِنَ الدَّيْنِ كَذا وكَذا، وفُلانٌ مِن رَقِيقِي عَتِيقٌ وفُلانٌ، فَإيّاكَ أنْ تَقُولَ هَذا حُلْمٌ فَتُضَيِّعَهُ، فَأتى الرَّجُلُ خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ فَأخْبَرَهُ فَبَعَثَ إلى الدِّرْعِ فَنَظَرَ إلى خِباءٍ في أقْصى (p-٥٣٧)العَسْكَرِ، فَإذا عِنْدَهُ فَرَسٌ يَسْتَنُّ في طِوَلِهِ فَنَظَرُوا في الخِباءِ فَإذا لَيْسَ فِيهِ أحَدٌ فَدَخَلُوا فَرَفَعُوا الرَّحْلَ فَإذا تَحْتَهُ بُرْمَةٌ، ثُمَّ رَفَعُوا البُرْمَةَ فَإذا الدِّرْعُ تَحْتَها فَأتَوْا بِهِ خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ، فَلَمّا قَدِمُوا المَدِينَةَ حَدَّثَ الرَّجُلُ أبا بَكْرٍ بِرُؤْياهُ فَأجازَ وصِيَّتَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ولَمْ نَعْلَمْ أحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ جُوِّزَ وصِيَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ غَيْرَ ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ الآيَةَ قالَ: نَزَلَتْ في ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ. وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ حِبّانَ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ عَسّالٍ «أنَّ رَجُلًا مِن أهْلِ البادِيَةِ أتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلَ يُنادِيهِ بِصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٌّ: يا مُحَمَّدُ يا مُحَمَّدُ فَقُلْنا لَهُ: ويْحَكَ اخْفِضْ مِن صَوْتِكَ فَإنَّكَ قَدْ نُهِيتَ عَنْ هَذا قالَ: لا واللَّهِ حَتّى أُسْمِعَهُ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: هاؤُمُ قالَ: أرَأيْتَ رَجُلًا يُحِبُّ قَوْمًا ولَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قالَ: المَرْءُ مَعَ مَن أحَبَّ» . (p-٥٣٨)وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «لَمّا أنْزَلَ اللَّهُ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهم لِلتَّقْوى﴾ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مِنهم ثابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ» . وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿امْتَحَنَ﴾ قالَ: أخْلَصَ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ في الآيَةِ قالَ: أخْلَصَ اللَّهُ قُلُوبَهم فِيما أحَبَّ. وأخْرَجَ أحْمَدُ، في الزُّهْدِ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: كُتِبَ إلى عُمَرَ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ رَجُلٌ لا يَشْتَهِي المَعْصِيَةَ ولا يَعْمَلُ بِها أفْضَلُ أمْ رَجُلٌ يَشْتَهِي المَعْصِيَةَ ولا يَعْمَلُ بِها؟ فَكَتَبَ عُمَرُ: إنَّ الَّذِينَ يَشْتَهُونَ المَعْصِيَةَ ولا يَعْمَلُونَ بِها ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهم لِلتَّقْوى لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ﴾ . وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَفْسُ ابْنِ آدَمَ شابَّةٌ ولَوِ التَقَتْ تَرْقُوَتاهُ مِنَ الكِبْرِ إلّا مَنِ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلتَّقْوى وقَلِيلٌ ما هم» . (p-٥٣٩)وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ في الزُّهْدِ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ قالَ: لا تَزالُ نَفْسُ أحَدِكم شابَّةً في حُبِّ الشَّيْءِ ولَوِ التَقَتْ تَرْقُوَتاهُ مِنَ الكِبْرِ إلّا الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهم وقَلِيلٌ ما هم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب