الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَذا كِتابُنا﴾ الآيَةَ. أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿هَذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكم بِالحَقِّ﴾ قالَ: هو أُمُّ الكِتابِ فِيهِ أعْمالُ بَنِي آدَمَ، ﴿إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ قالَ: هُمُ المَلائِكَةُ يَسْتَنْسِخُونَ أعْمالَ بَنِي آدَمَ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: (p-٣٠٤)﴿إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فَقالَ: إنَّ أوَّلَ ما خَلَقَ اللَّهُ القَلَمَ، ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ وهي الدَّواةُ، ثُمَّ خَلَقَ الألْواحُ، فَكَتَبَ الدُّنْيا وما يَكُونُ فِيها حَتّى تَفْنى؛ مِن خَلْقٍ مَخْلُوقٍ وعَمَلٍ مَعْمُولٍ؛ مِن بِرٍّ أوْ فُجُورٍ، وما كانَ مَن رِزْقٍ؛ حَلالٍ أوْ حَرامٍ، وما كانَ مِن رَطْبٍ ويابِسٍ، ثُمَّ ألْزَمَ كُلَّ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ شَأْنَهُ؛ دُخُولُهُ في الدُّنْيا مَتى، وبَقاؤُهُ فِيها كَمْ، وإلى كَمْ يَفْنى، ثُمَّ وكَّلَ بِذَلِكَ الكِتابِ المَلائِكَةَ، ووَكَّلَ بِالخَلْقِ مَلائِكَةً، فَتَأْتِي مَلائِكَةُ الخَلْقِ إلى مَلائِكَةِ ذَلِكَ الكِتابِ فَيَنْسَخُونَ ما يَكُونُ في كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ فَيَقْسِمُونَهُ عَلى ما وُكِّلُوا بِهِ، ثُمَّ يَأْتُونَ إلى النّاسِ فَيَحْفَظُونَهم بِأمْرِ اللَّهِ، ويَسُوقُونَهم إلى ما في أيْدِيهِمْ مِن تِلْكَ النُّسَخِ. فَقامَ رَجُلٌ فَقالَ: يا ابْنَ عَبّاسٍ، ما كُنّا نَرى هَذا تَكْتُبُهُ المَلائِكَةُ في كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ. فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ألَسْتُمْ قَوْمًا عَرَبًا، ﴿إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ هَلْ يُسْتَنْسَخُ الشَّيْءُ إلّا مِن كِتابٍ؟ وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إنَّ اللَّهَ خَلَقَ النُّونَ، وهي الدَّواةُ، وخَلَقَ القَلَمَ فَقالَ: اكْتُبْ. قالَ: ما أكْتُبُ؟ قالَ: اكْتُبْ ما هو كائِنٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ؛ مِن عَمَلٍ مَعْمُولٍ؛ بِرٍّ أوْ فُجُورٍ، أوْ رِزْقٍ مَقْسُومٍ؛ (p-٣٠٥)حَلالٍ أوْ حَرامٍ، ثُمَّ ألْزَمَ كُلَّ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ شَأْنَهُ؛ دُخُولُهُ في الدُّنْيا ومَقامُهُ فِيها كَمْ، وخُرُوجُهُ مِنها كَيْفَ، ثُمَّ جَعَلَ عَلى العِبادِ حَفَظَةً، وعَلى الكِتابِ خُزّانًا، فالحَفَظَةُ يَنْسَخُونَ كُلَّ يَوْمٍ مِنَ الخُزّانِ عَمَلَ ذَلِكَ اليَوْمِ، فَإذا فَنِيَ ذَلِكَ الرِّزْقُ وانْقَطَعَ الأمْرُ وانْقَضى الأجَلُ أتَتِ الحَفَظَةُ الخَزَنَةَ يَطْلُبُونَ عَمَلَ ذَلِكَ اليَوْمِ، فَتَقُولُ لَهُمُ الخَزَنَةُ: ما نَجِدُ لِصاحِبِكم عِنْدَنا شَيْئًا. فَتَرْجِعُ الحَفَظَةُ فَيَجِدُونَهم قَدْ ماتُوا. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ألَسْتُمْ قَوْمًا عَرَبًا تَسْمَعُونَ الحَفَظَةَ يَقُولُونَ: ﴿إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وهَلْ يَكُونُ الِاسْتِنْساخُ إلّا مِن أصْلٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: إنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَنْزِلُونَ في كُلِّ يَوْمٍ بِشَيْءٍ يَكْتُبُونَ فِيهِ أعْمالَ بَنِي آدَمَ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «إنَّ أوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ القَلَمُ، فَأخَذَهُ بِيَمِينِهِ وكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ، فَكَتَبَ الدُّنْيا وما يَكُونُ فِيها مِن عَمَلٍ مَعْمُولٍ؛ بِرٍّ أوْ فُجُورٍ، رَطْبٍ أوْ يابِسٍ، فَأحْصاهُ عِنْدَهُ في الذِّكْرِ. وقالَ: اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ: ﴿هَذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكم بِالحَقِّ إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ . فَهَلْ تَكُونُ النُّسْخَةُ إلّا مِن شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنهُ» . (p-٣٠٦)وأخْرُجُ ابْنُ مَرْدُويَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في قَوْلِهِ: ﴿إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ قالَ: هي أعْمالُ أهْلِ الدُّنْيا؛ الحَسَناتُ والسَّيِّئاتُ تَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ كُلَّ غَداةٍ وعَشِيَّةٍ، ما يُصِيبُ الإنْسانَ في ذَلِكَ اليَوْمِ أوِ اللَّيْلَةِ، الَّذِي يُقْتَلُ والَّذِي يَغْرَقُ والَّذِي يَقَعُ مِن فَوْقِ بَيْتٍ والَّذِي يَتَرَدّى مِن فَوْقِ جَبَلٍ والَّذِي يَقَعُ في بِئْرٍ والَّذِي يُحْرَقُ بِالنّارِ فَيَحْفَظُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَإذا كانَ العَشِيُّ صَعِدُوا بِهِ إلى السَّماءِ فَيَجِدُونَهُ كَما في السَّماءِ مَكْتُوبًا في الذِّكْرِ الحَكِيمِ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: تَسْتَنْسِخُ الحَفَظَةُ مِن أُمِّ الكِتابِ ما يَعْمَلُ بَنُو آدَمَ فَإنَّما يَعْمَلُ الإنْسانُ عَلى ما اسْتَنْسَخَ المَلَكُ مِن أُمِّ الكِتابِ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ وأبُو نُعَيْمٍ في ”الحِلْيَةِ“ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كَتَبَ في الذِّكْرِ عِنْدَهُ كُلَّ شَيْءٍ هو كائِنٌ، ثُمَّ بَعَثَ الحَفَظَةَ عَلى آدَمَ وذُرِّيَّتِهِ فالحَفَظَةُ يَنْسَخُونَ مِنَ الذِّكْرِ ما يَعْمَلُ العِبادُ ثُمَّ قَرَأ: ﴿هَذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكم بِالحَقِّ إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (p-٣٠٧)وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ، واللّالكائِيُّ في ”السُّنَّةِ“، وابْنُ مَرْدُويَهْ، مِن طَرِيقِ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أوَّلُ ما خَلَقَ اللَّهُ القَلَمُ، فَتَصَوَّرَ قَلَمًا مِن نُورٍ، فَقِيلَ لَهُ: اجْرِ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ. قالَ: يا رَبِّ بِماذا؟ قالَ: بِما يَكُونُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. فَلَمّا خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ وكَّلَ بِالخَلْقِ حَفَظَةً يَحْفَظُونَ عَلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ، فَلَمّا قامَتِ القِيامَةُ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ أعْمالُهُمْ، وقِيلَ: هَذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكم بِالحَقِّ إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. عُرِضَ بِالكِتابَيْنِ فَكانا سَواءً. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ألَسْتُمْ عَرَبًا؛ هَلْ تَكُونُ النُّسْخَةُ إلّا مِن كِتابٍ؟ وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ قالَ: إنَّ اللَّهَ وكَّلَ مَلائِكَةً يَسْتَنْسِخُونَ مِن ذَلِكَ الكِتابِ كُلَّ العامِ في رَمَضانَ لَيْلَةَ القَدْرِ ما يَكُونُ في الأرْضِ مِن حَدَثٍ إلى مِثْلِها مِنَ السَّنَةِ المُقْبِلَةِ فَيُعارِضُونَ بِهِ حَفَظَةَ اللَّهِ عَلى العِبادِ عَشِيَّةَ كُلِّ خَمِيسٍ فَيَجِدُونَ ما رَفَعَ الحَفَظَةُ مُوافِقًا لِما في كِتابِهِمْ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ زِيادَةٌ ولا نُقْصانٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: (p-٣٠٨)﴿وقِيلَ اليَوْمَ نَنْساكُمْ﴾ [الجاثية: ٣٤] قالَ: نَتْرُكُكم. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الضَّحّاكِ في قَوْلِهِ: وقِيلَ اليَوْمَ نَنْساكم كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكم. قالَ: كَما تَرَكْتُمْ ذِكْرِي وطاعَتِي، كَذَلِكَ أتْرُكُكم في النّارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب