الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا﴾ الآيَةَ.
أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدُويَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أُنْزِلَتْ: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ الآيَةَ، في مُشْرِكِي أهْلِ مَكَّةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدُويَهْ والبَيْهَقِيُّ في ”الدَّلائِلِ“ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: كُنّا نَقُولُ: ما لِمُفْتَتِنٍ تَوْبَةٌ، وما اللَّهُ بِقابِلٍ مِنهُ شَيْئًا عَرَفُوا ذَلِكَ وآمَنُوا بِهِ وصَدَّقُوا رَسُولَهُ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ لِبَلاءٍ أصابَهم وكانُوا يَقُولُونَهُ لِأنْفُسِهِمْ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ الآياتِ» . قالَ ابْنُ عُمَرَ: فَكَتَبْتُها بِيَدِي، ثُمَّ بَعَثْتُ بِها إلى هِشامِ بْنِ العاصِ.
(p-٦٧٢)وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدُويَهْ والبَيْهَقِيُّ في ”شُعَبِ الإيمانِ“ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى وحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ قاتِلِ حَمْزَةَ يَدْعُوهُ إلى الإسْلامِ فَأرْسَلَ إلَيْهِ: يا مُحَمَّدُ، كَيْفَ تَدْعُونِي وأنْتَ تَزْعُمُ أنَّ مَن قَتَلَ أوْ أشْرَكَ أوْ زَنى يَلْقَ أثامًا؛ يُضاعَفْ لَهُ العَذابُ يَوْمَ القِيامَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ مُهانًا، وأنا صَنَعْتُ ذَلِكَ، فَهَلْ تَجِدُ لِي مِن رُخْصَةٍ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إلا مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلا صالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: ٧٠] [الفُرْقانِ: ٧٠ ] فَقالَ وحْشِيٌّ: هَذا شَرْطٌ شَدِيدٌ؛ ﴿إلا مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلا صالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠] فَلَعَلِّي لا أقْدِرُ عَلى هَذا، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] [النِّساءِ: ٤٨، ١١٦ ] فَقالَ وحْشِيٌّ: هَذا أرى بَعْدَ مَشِيئَةٍ، فَلا أدْرِي يَغْفِرُ لِي أمْ لا، فَهَلْ غَيْرُ هَذا؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ الآيَةَ. قالَ وحْشِيٌّ: هَذا نَعَمْ، فَأسْلَمَ، فَقالَ النّاسُ: يا رَسُولَ اللَّهِ: إنّا أصَبْنا ما أصابَ وحْشِيٌّ. قالَ: هي لِلْمُسْلِمِينَ عامَّةً» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ أبِي سَعِيدٍ قالَ: «لَمّا أسْلَمَ وحْشِيٌّ أنْزَلَ اللَّهُ: ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالحَقِّ﴾ [الفرقان: ٦٨] [الفُرْقانِ: ٦٨ ] قالَ وحْشِيٌّ وأصْحابُهُ: فَنَحْنُ قَدِ ارْتَكَبْنا هَذا كُلَّهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ الآيَةَ» .
(p-٦٧٣)وأخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ في كِتابِ ”الصَّلاةِ“ عَنْ وحْشِيٍّ قالَ: «لَمّا كانَ في أمْرِ حَمْزَةَ ما كانَ، ألْقى اللَّهُ خَوْفَ مُحَمَّدٍ ﷺ في قَلْبِي فَخَرَجْتُ هارِبًا أكْمُنُ النَّهارَ وأسِيرُ اللَّيْلَ حَتّى صِرْتُ إلى أقاوِيلَ حِمْيَرٍ فَنَزَلْتُ فِيهِمْ فَأقَمْتُ حَتّى أتانِي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَدْعُونِي إلى الإسْلامِ قُلْتُ: وما الإسْلامُ؟ قالَ: تُؤْمِنُ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتَتْرُكُ الشِّرْكَ بِاللَّهِ، وقَتْلَ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وشُرْبَ الخَمْرِ والزِّنا والفَواحِشُ كُلُّها وتَسْتَحِمُّ مِنَ الجَنابَةِ وتُصَلِّي الخَمْسَ، وقالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ فَقُلْتُ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ. ثُمَّ قَدِمْتُ مَعَهم إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَصافَحَنِي وكَنّانِي بِأبِي حَرْبٍ» .
وأخْرَجَ البُخارِيُّ في ”الأدَبِ المُفْرَدِ“ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ عَلى رَهْطٍ مِن أصْحابِهِ يَضْحَكُونَ ويَتَحَدَّثُونَ فَقالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، ثُمَّ انْصَرَفَ وأبْكى القَوْمَ، وأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: يا مُحَمَّدُ، لِمَ تُقَنِّطُ عِبادِي؟ فَرَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ فَقالَ: أبْشِرُوا وسَدِّدُوا وقارِبُوا» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ والبَيْهَقِيُّ في ”سُنَنِهِ“ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: اتَّعَدْتُ أنا وعَيّاشُ بْنُ أبِي رَبِيعَةَ وهِشامُ بْنُ العاصِ بْنِ وائِلٍ أنْ نُهاجِرَ إلى (p-٦٧٤)المَدِينَةِ، فَخَرَجْتِ أنا وعِياشٌ وفُتِنَ هِشامٌ فافْتُتِنَ فَقَدِمَ عَلى عِياشٍ أخَواهُ أبُو جَهْلٍ والحارِثُ ابْنا هِشامٍ، فَقالا لَهُ: إنَّ أُمَّكَ قَدْ نَذَرَتْ أنْ لا يُظِلَّها ظِلٌّ ولا يَمَسَّ رَأْسَها غُسْلٌ حَتّى تَراكَ، فَقُلْتُ: واللَّهِ إنْ يُرِيداكَ إلّا أنْ يَفْتِناكَ عَنْ دِينِكَ، وخَرَجا بِهِ، وفَتَنُوهُ فافْتُتِنَ قالَ: فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ قالَ عُمَرُ: فَكَتَبْتُها إلى هِشامٍ فَقَدِمَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ يَقُولُ: لا تَيْأسُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ؛ وذَلِكَ أنَّ أهْلَ مَكَّةَ قالُوا: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أنَّ مَن عَبَدَ الأوْثانَ ودَعا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ، وقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَكَيْفَ نُهاجِرُ ونُسْلِمُ وقَدْ عَبَدْنا الآلِهَةَ، وقَتَلْنا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ونَحْنُ أهْلُ الشِّرْكِ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾، وقالَ: ﴿وأنِيبُوا إلى رَبِّكم وأسْلِمُوا لَهُ﴾ [الزمر: ٥٤] وإنَّما يُعاتِبُ اللَّهُ أُولِي الألْبابِ، وإنَّما الحَلالُ والحَرامُ لِأهْلِ الإيمانِ فَإيّاهم عاتَبَ، وإيّاهم أمَرَ إذا أسْرَفَ أحَدُهم عَلى نَفْسِهِ ألّا يَقْنَطَ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ، وأنْ يَتُوبَ، ولا يُنْظِرَ بِالتَّوْبَةِ مِن ذَلِكَ الإسْرافِ والذَّنْبِ الَّذِي عَمِلَ، وقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ في سُورَةِ ”آلِ عِمْرانَ“ المُؤْمِنِينَ حِينَ سَألُوا المَغْفِرَةَ فَقالُوا: ﴿رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وإسْرافَنا في أمْرِنا﴾ [آل عمران: ١٤٧] (p-٦٧٥)[آلِ عِمْرانَ: ١٤٧ ] فَيَنْبَغِي أنْ يُعْلَمَ أنَّهم كانُوا يُصِيبُونَ الإسْرافَ، فَأمَرَهم بِالتَّوْبَةِ مِن إسْرافِهِمْ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآياتُ الثَّلاثُ بِالمَدِينَةِ في وحْشِيٍّ وأصْحابِهِ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الزمر: ٥٥] .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: إنَّما نَزَلَتْ هَذِهِ الآياتُ في عِياشِ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ، والوَلِيدِ بْنِ الوَلِيدِ ونَفَرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ كانُوا أسْلَمُوا ثُمَّ فُتِنُوا وعُذِّبُوا، فافْتُتِنُوا فَكُنّا نَقُولُ: لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِن هَؤُلاءِ صَرْفًا ولا عَدْلًا أبَدًا، قَوْمٌ أسْلَمُوا ثُمَّ تَرَكُوا دِينَهم بِعَذابٍ عُذِّبُوهُ؟ فَنَزَلَتْ هَؤُلاءِ الآياتُ وكانَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ كاتِبًا، فَكَتَبَها بِيَدِهِ ثُمَّ بَعَثَ بِها إلى عِياشٍ والوَلِيدِ وإلى أُولَئِكَ النَّفَرِ، فَأسْلَمُوا وهاجَرُوا.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ والبَيْهَقِيُّ في ”شُعَبِ الإيمانِ“ عَنْ ثَوْبانَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «ما أُحِبُّ أنَّ لِي الدُّنْيا وما فِيها بِهَذِهِ الآيَةِ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ، فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ فَمَن أشْرَكَ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ ﷺ ثُمَّ قالَ: ألا ومَن أشْرَكَ. ثَلاثَ مَرّاتٍ» .
(p-٦٧٦)وأخْرَجَ أحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ الأنْبارِيِّ في ”المَصاحِفِ“ والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ أسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ: (يا عِبادِي الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ولا يُبالِي إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ») .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا في ”حُسْنِ الظَّنِّ“، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ والبَيْهَقِيُّ في ”شُعَبِ الإيمانِ“ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أنَّهُ مَرَّ عَلى قاصٍّ يُذَكِّرُ النّارَ فَقالَ: يا مُذَكِّرَ النّارِ لا تُقَنِّطِ النّاسَ، ثُمَّ قَرَأ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قالَ: قالَ عَلِيٌّ: أيُّ آيَةٍ أوْسَعُ؟ فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ آياتٍ مِنَ القُرْآنِ ﴿ومَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ [النساء: ١١٠] [النِّساءِ: ١١٠ ] .
(p-٦٧٧)ونَحْوَها، فَقالَ عَلِيٌّ: ما في القُرْآنِ آيَةٌ أوْسَعُ مِن: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا﴾ الآيَةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ الآيَةَ، قالَ: قَدْ دَعا اللَّهُ إلى مَغْفِرَتِهِ؛ مَن زَعَمَ أنَّ المَسِيحَ هو اللَّهُ، ومَن زَعَمَ أنَّ المَسِيحَ ابْنُ اللَّهِ، ومَن زَعَمَ أنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللَّهِ ومَن زَعَمَ أنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ، ومَن زَعَمَ أنَّ يَدَ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، ومَن زَعَمَ أنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ، يَقُولُ اللَّهُ لِهَؤُلاءِ: ﴿أفَلا يَتُوبُونَ إلى اللَّهِ ويَسْتَغْفِرُونَهُ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٧٤] [المائِدَةِ: ٧٤ ] ثُمَّ دَعا إلى تَوْبَتِهِ مَن هو أعْظَمُ قَوْلًا مِن هَؤُلاءِ؛ مَن قالَ: ﴿أنا رَبُّكُمُ الأعْلى﴾ [النازعات: ٢٤] [النّازِعاتِ: ٢٤ ] وقالَ: ﴿ما عَلِمْتُ لَكم مِن إلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨] [القَصَصِ: ٣٨ ] قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ومَن آيَسَ العِبادَ مِنَ التَّوْبَةِ بَعْدَ هَذا فَقَدَ جَحَدَ كِتابَ اللَّهِ، ولَكِنْ لا يَقْدِرُ العَبْدُ أنْ يَتُوبَ حَتّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قالَ: إنَّ إبْلِيسَ قالَ: يا رَبِّ إنَّكَ أخْرَجْتَنِي مِنَ الجَنَّةِ مِن أجْلِ آدَمَ، وإنِّي لا أسْتَطِيعُهُ إلّا بِسُلْطانِكَ قالَ: فَأنْتَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ. قالَ: يا رَبِّ زِدْنِي، قالَ: لا يُولَدُ لَهُ ولَدٌ إلّا وُلِدَ لَكَ مِثْلُهُ قالَ: يا رَبِّ زِدْنِي. قالَ: صُدُورُهم مَساكِنُ لَكم وتَجْرُونَ مِنهم مَجارِيَ الدَّمِ. قالَ: يا رَبِّ زِدْنِي، قالَ: أجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ورَجِلِكَ وشارِكْهم في الأمْوالِ والأوْلادِ وعِدْهُمْ، فَقالَ آدَمُ: يا رَبِّ، قَدْ سَلَّطْتَهُ عَلَيَّ، (p-٦٧٨)وإنِّي لا أمْتَنِعُ مِنهُ إلّا بِكَ. فَقالَ: لا يُولَدُ لَكَ ولَدٌ إلّا وكَّلْتُ بِهِ مَن يَحْفَظُهُ مِن قُرَناءِ السُّوءِ، قالَ: يا رَبِّ زِدْنِي، قالَ: الحَسَنَةُ عَشْرٌ أوْ أزِيدُ، والسَّيِّئَةُ واحِدَةٌ أوْ أمْحُوها. قالَ: يا رَبِّ، زِدْنِي. قالَ: بابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ ما كانَ الرُّوحُ في الجَسَدِ، قالَ: يا رَبِّ زِدْنِي. قالَ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ .
وأخْرَجَ أحْمَدُ وأبُو يَعْلى، والضِّياءُ عَنْ أنَسٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أخْطَأْتُمْ حَتّى تَمْلَأ خَطاياكم ما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمُ اللَّهَ لَغَفَرَ لَكُمْ، والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُخْطِئُوا لَجاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُخْطِئُونَ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهم» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ ومُسْلِمٌ عَنْ أبِي أيُّوبَ الأنْصارِيِّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَوْلا أنَّكم تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهم» .
وأخْرَجَ الخَطِيبُ في ”رُواةِ مالِكٍ“ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «أوْحى اللَّهُ إلى داوُدَ: يا داوُدُ إنَّ العَبْدَ مِن عَبِيدِي لَيَأْتِينِي بِالحَسَنَةِ فَأحْكُمُهُ في جَنَّتِي. قالَ داوُدُ: وما تِلْكَ الحَسَنَةُ؟ قالَ: كُرْبَةٌ فَرَّجَها عَنْ (p-٦٧٩)مُؤْمِنٍ قالَ داوُدُ: اللَّهُمَّ حَقِيقٌ عَلى مَن عَرَفَكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ ألّا يَقْنَطَ مِنكَ» .
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ: يا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ يُخاطِبُنِي يَوْمَ القِيامَةِ فَيَقُولُ: يا جِبْرِيلُ ما لِي أرى فُلانَ بْنَ فُلانٍ في صُفُوفِ أهْلِ النّارِ؟ فَأقُولُ: يا رَبِّ، إنّا لَمْ نَجِدْ لَهُ حَسَنَةً يَعُودُ عَلَيْهِ خَيْرُها اليَوْمَ. فَيَقُولُ اللَّهُ: إنِّي سَمِعْتُهُ في دارِ الدُّنْيا يَقُولُ: يا حَنّانُ يا مَنّانٌ فَأْتِهِ فاسْألْهُ ماذا عَنى بِقَوْلِهِ: يا حَنّانُ يا مَنّانُ. فَآتِيهِ فَأسْألُهُ، فَيَقُولُ: وهَلْ مِن حَنّانٍ ومَنّانٍ غَيْرُ اللَّهِ فَآخُذُ بِيَدِهِ مِن صُفُوفِ أهْلِ النّارِ فَأُدْخِلُهُ في صُفُوفِ أهْلِ الجَنَّةِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وأبُو القاسِمِ بْنُ بِشْرانَ في ”أمالِيهِ“ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: إنَّ الفَقِيهَ كُلَّ الفَقِيهِ مَن لَمْ يُقَنِّطِ النّاسَ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ ولَمْ يُرَخِّصْ لَهم في مَعاصِي اللَّهِ ولَمْ يُؤَمِّنْهم عَذابَ اللَّهِ، ولَمْ يَدَعِ القُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إلى غَيْرِهِ، إنَّهُ لا خَيْرَ في عِبادَةٍ لا عِلْمَ فِيها، ولا عِلْمَ لا فَهْمَ فِيهِ، ولا قِراءَةَ لا تَدَبُّرَ فِيها.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ قالَ: إنَّ لِلْمُقَنِّطِينَ جِسْرًا يَطَأُ (p-٦٨٠)النّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى أعْناقِهِمْ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عائِشَةَ أنَّها قالَتْ: ألَمْ أُحَدَّثْ أنَّكَ تَجْلِسُ ويُجْلَسَ إلَيْكَ؟ قالَ: بَلى، قالَتْ: فَإيّاكَ وإهْلاكَ النّاسِ وتَقْنِيطَهم.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ أنَّ رَجُلًا كانَ في الأُمَمِ الماضِيَةِ يَجْتَهِدُ في العِبادَةِ ويُشَدِّدُ عَلى نَفْسِهِ، ويُقَنِّطُ النّاسَ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ، ثُمَّ ماتَ، فَقالَ: أيْ رَبِّ ما لِي عِنْدَكَ؟ قالَ: النّارُ، قالَ: فَأيْنَ عِبادَتِي واجْتِهادِي؟ فَقِيلَ لَهُ: كُنْتَ تُقَنِّطُ النّاسَ مِن رَحْمَتِي، وأنا أُقَنِّطُكَ اليَوْمَ مِن رَحْمَتِي.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّ ناسًا أصابُوا في الشِّرْكِ ذُنُوبًا عِظامًا فَكانُوا يَخافُونَ ألّا يُغْفَرَ لَهم فَدَعاهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الآيَةِ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا﴾ الآيَةَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أبِي مِجْلَزٍ لاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ السَّدُوسِيِّ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ عَلى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ، قامَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فَخَطَبَ (p-٦٨١)النّاسَ وتَلا عَلَيْهِمْ، فَقامَ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ والشِّرْكُ بِاللَّهِ؟ فَسَكَتَ فَأعادَ ذَلِكَ ما شاءَ اللَّهُ فَأنْزَلَ اللَّهُ:﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] الآيَةَ [النِّساءِ»: ٤٨، ١١٦ ] .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وأنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ﴾ [الزمر: ٥٤] قالَ عِكْرِمَةُ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ فِيها عُلْقَةٌ، ﴿وأنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ﴾ [الزمر: ٥٤] .
{"ayah":"۞ قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











