الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأقْبَلَ بَعْضُهُمْ﴾ الآياتِ. أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿فَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾ . قالَ: أهْلُ الجَنَّةِ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ (p-٤٠٦)أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنِّي كانَ لِي قَرِينٌ﴾ قالَ: شَيْطانٌ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ قالَ: كانَ رَجُلانِ شَرِيكَيْنِ، وكانَ لَهُما ثَمانِيَةُ آلافِ دِينارٍ فاقْتَسَماها، فَعَمَدَ أحَدُهُما فاشْتَرى بِألْفِ دِينارٍ أرْضًا، فَقالَ صاحِبُهُ: اللَّهُمَّ إنَّ فُلانًا اشْتَرى بِألْفِ دِينارٍ أرْضًا، وإنِّي أشْتَرِي مِنكَ بِألْفِ دِينارٍ أرْضًا في الجَنَّةِ، فَتَصَدَّقَ بِألْفِ دِينارٍ، ثُمَّ ابْتَنى صاحِبُهُ دارًا بِألْفِ دِينارٍ، فَقالَ هَذا: اللَّهُمَّ إنَّ فُلانًا قَدِ ابْتَنى دارًا بِألْفِ دِينارٍ، وإنِّي أشْتَرِي مِنكَ في الجَنَّةِ دارًا بِألْفِ دِينارٍ، فَتَصَدَّقَ بِألْفِ دِينارٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأةً، فَأنْفَقَ عَلَيْها ألْفَ دِينارٍ، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنَّ فُلانًا تَزَوَّجَ امْرَأةً فَأنْفَقَ عَلَيْها ألْفَ دِينارٍ، وإنِّي أخْطُبُ إلَيْكَ مِن نِساءِ الجَنَّةِ بِألْفِ دِينارٍ، فَتَصَدَّقَ بِألْفِ دِينارٍ، ثُمَّ اشْتَرى خَدَمًا ومَتاعًا بِألْفِ دِينارٍ، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنَّ فُلانًا اشْتَرى خَدَمًا ومَتاعًا بِألْفِ دِينارٍ، وإنِّي أشْتَرِي مِنكَ خَدَمًا ومَتاعًا في الجَنَّةِ بِألْفِ دِينارٍ، فَتَصَدَّقَ بِألْفِ دِينارٍ. ثُمَّ أصابَتْهُ حاجَةٌ شَدِيدَةٌ، فَقالَ: لَوْ أتَيْتُ صاحِبِي هَذا لَعَلَّهُ يَنالُنِي مِنهُ مَعْرُوفٌ. فَجَلَسَ عَلى طَرِيقِهِ حَتّى مَرَّ بِهِ في حَشَمِهِ وأهْلِهِ، فَقامَ إلَيْهِ فَنَظَرَ الآخَرُ فَعَرَفَهُ، فَقالَ فُلانٌ؟ فَقالَ: نَعَمْ، فَقالَ: ما شَأْنُكَ؟ فَقالَ: أصابَتْنِي بَعْدَكَ (p-٤٠٧)حاجَةٌ، فَأتَيْتُكَ لِتُصِيبَنِي بِخَيْرٍ. قالَ: فَما فَعَلَ مالُكَ فَقَدِ اقْتَسَمْنا مالًا واحِدًا، فَأخَذْتَ شَطْرَهُ وأنا شَطْرَهُ، فَقالَ: اشْتَرَيْتَ دارًا بِألْفِ دِينارٍ فَفَعَلْتُ أنا كَذَلِكَ، وفَعَلْتَ أنَتَ كَذا، وفَعَلْتُ أنا كَذا، فَقَصَّ عَلَيْهِ القِصَّةَ، فَقالَ: إنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ بِهَذا؟ اذْهَبْ فَواللَّهِ لا أُعْطِيكَ شَيْئًا. فَرَدَّهُ فَقُضِيَ لَهُما أنْ تُوُفِّيا، فَنَزَلَتْ فِيهِما: ﴿فَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾ حَتّى بَلَغَ: ﴿أإنّا لَمَدِينُونَ﴾ قالَ: لَمُحاسَبُونَ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ فُراتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ البَهْرانِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿إنِّي كانَ لِي قَرِينٌ﴾ قالَ: ذُكِرَ لِي أنَّ رَجُلَيْنِ كانا شَرِيكَيْنِ، فاجْتَمَعَ لَهُما ثَمانِيَةُ آلافِ دِينارٍ، فَكانَ أحَدُهُما لَيْسَ لَهُ حِرْفَةٌ، والآخَرُ لَهُ حِرْفَةٌ، فَقالَ: إنَّهُ لَيْسَ لَكَ حِرْفَةٌ، فَما أُرانِي إلّا مُفارِقَكَ ومُقاسِمَكَ. فَقاسَمَهُ ثُمَّ فارَقَهُ، ثُمَّ إنَّ أحَدَ الرَّجُلَيْنِ اشْتَرى دارًا كانَتْ لِمَلِكٍ بِألْفِ دِينارٍ فَدَعا صاحِبَهُ فَقالَ: كَيْفَ تَرى هَذِهِ الدّارَ؟ ابْتَعْتُها بِألْفِ دِينارٍ. فَقالَ: ما أحْسَنَها، فَلَمّا خَرَجَ قالَ: اللَّهُمَّ إنَّ صاحِبِي قَدِ ابْتاعَ هَذِهِ الدّارَ، وإنِّي أسْألُكَ دارًا مِنَ الجَنَّةِ، فَتَصَدَّقَ بِألْفِ دِينارٍ. (p-٤٠٨)ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأةً بِألْفِ دِينارٍ فَدَعاهُ وصَنَعَ لَهُ طَعامًا، فَلَمّا أتاهُ قالَ: إنِّي تَزَوَّجْتُ هَذِهِ المَرْأةَ بِألْفِ دِينارٍ، قالَ: ما أحْسَنَ هَذا! فَلَمّا خَرَجَ قالَ: اللَّهُمَّ إنَّ صاحِبِي تَزَوَّجَ امْرَأةً بِألْفِ دِينارٍ وإنِّي أسْألُكَ امْرَأةً مِنَ الحُورِ العِينِ، فَتَصَدَّقَ بِألْفِ دِينارٍ. ثُمَّ إنَّهُ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ اشْتَرى بُسْتانَيْنِ بِألْفَيْ دِينارٍ، ثُمَّ دَعاهُ فَأراهُ وقالَ: إنِّي ابْتَعْتُ هَذَيْنِ البُسْتانَيْنِ بِألْفَيْ دِينارٍ. فَقالَ: ما أحْسَنَ هَذا! فَلَمّا خَرَجَ قالَ: يا رَبِّ إنَّ صاحِبِي قَدِ اشْتَرى بُسْتانَيْنِ بِألْفَيْ دِينارٍ، وإنِّي أسْألُكَ بُسْتانَيْنِ مِنَ الجَنَّةِ. فَتَصَدَّقَ بِألْفَيْ دِينارٍ. ثُمَّ إنَّ المَلَكَ أتاهُما فَتَوَفّاهُما، فانْطَلَقَ بِهَذا المُتَصَدِّقِ فَأدْخَلَهُ دارًا تُعْجِبُهُ، فَإذا امْرَأةٌ يُضِيءُ ما تَحْتَها مِن حُسْنِها، ثُمَّ أدْخَلَهُ البُسْتانَيْنِ وشَيْئًا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، فَقالَ عِنْدَ ذَلِكَ: ما أشْبَهَ هَذا بِرَجُلٍ كانَ مِن أمْرِهِ كَذا وكَذا، قالَ: فَإنَّهُ ذَلِكَ، ولَكَ هَذا المَنزِلُ والبُسْتانانِ والمَرْأةُ. فَقالَ: إنَّهُ كانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ: ﴿أإنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ﴾ . قِيلَ لَهُ: فَإنَّهُ في الجَحِيمِ. قالَ: ﴿هَلْ أنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ ﴿فاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَواءِ الجَحِيمِ﴾ فَقالَ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿تاللَّهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ . (p-٤٠٩)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ في الآيَةِ قالَ: كانَ شَرِيكانِ في بَنِي إسْرائِيلَ؛ أحَدُهُما مُؤْمِنٌ، والآخَرُ كافِرٌ فافْتَرَقا عَلى سِتَّةِ آلافِ دِينارٍ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما ثَلاثَةُ آلافِ دِينارٍ، ثُمَّ افْتَرَقا فَمَكَثا ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَمْكُثا، ثُمَّ التَقَيا فَقالَ الكافِرُ لِلْمُؤْمِنِ ما صَنَعْتَ في مالِكَ أضَرَبْتَ بِهِ شَيْئًا، أتَّجَرْتَ بِهِ في شَيْءٍ؟ قالَ لَهُ المُؤْمِنُ: لا، فَما صَنَعْتَ أنْتَ؟ قالَ: اشْتَرَيْتُ بِهِ أرْضًا ونَخْلًا وثِمارًا وأنْهارًا بِألْفِ دِينارٍ، فَقالَ لَهُ المُؤْمِنُ: أوَ فَعَلْتَ؟ قالَ: نَعَمْ، فَرَجَعَ المُؤْمِنُ حَتّى إذا كانَ اللَّيْلُ صَلّى ما شاءَ اللَّهُ أنْ يُصَلِّيَ، فَلَمّا انْصَرَفَ أخَذَ ألْفَ دِينارٍ فَوَضَعَها بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ إنَّ فُلانًا -يَعْنِي شَرِيكَهُ الكافِرَ- اشْتَرى أرْضًا ونَخْلًا وثِمارًا وأنْهارًا بِألْفِ دِينارٍ، ثُمَّ يَمُوتُ ويَتْرُكُها، اللَّهُمَّ إنِّي أشْتَرِي مِنكَ بِهَذِهِ الألْفِ دِينارٍ أرْضًا ونَخْلًا وثِمارًا وأنْهارًا في الجَنَّةِ، ثُمَّ أصْبَحَ فَقَسَمَها في المَساكِينِ، ثُمَّ مَكَثا ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَمْكُثا، ثُمَّ التَقَيا فَقالَ الكافِرُ لِلْمُؤْمِنِ: ما صَنَعْتَ أضَرَبْتَ بِهِ في شَيْءٍ أتَّجَرْتَ بِهِ في شَيْءٍ قالَ: لا، فَما صَنَعْتَ أنْتَ؟ قالَ: كانَتْ ضَيْعَتِي قَدِ اشْتَدَّ عَلَيَّ مُؤْنَتُها فاشْتَرَيْتُ رَقِيقًا (p-٤١٠)بِألْفِ دِينارٍ يَقُومُونَ لِي فِيها ويَعْمَلُونَ لِي فِيها، فَقالَ المُؤْمِنُ: أوَ فَعَلْتَ؟ قالَ: نَعَمْ، فَرَجَعَ المُؤْمِنُ حَتّى إذا كانَ اللَّيْلُ صَلّى ما شاءَ اللَّهُ أنْ يُصَلِّيَ، فَلَمّا انْصَرَفَ أخَذَ ألْفَ دِينارٍ فَوَضَعا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ إنَّ فُلانًا اشْتَرى رَقِيقًا مِن رَقِيقِ الدُّنْيا بِألْفِ دِينارٍ، يَمُوتُ غَدًا فَيَتْرُكُهم أوْ يَمُوتُونَ فَيَتْرُكُونَهُ، اللَّهُمَّ وإنِّي أشْتَرِي مِنكَ بِهَذِهِ الألْفِ دِينارٍ رَقِيقًا في الجَنَّةِ، ثُمَّ أصْبَحَ فَقَسَمَها في المَساكِينِ. ثُمَّ مَكَثا ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَمْكُثا، ثُمَّ التَقَيا فَقالَ الكافِرُ لِلْمُؤْمِنِ: ما صَنَعْتَ في مالِكَ، أضَرَبْتَ بِهِ في شَيْءٍ، أتَّجَرْتَ بِهِ في شَيْءٍ؟ قالَ: لا، فَما صَنَعْتَ أنْتَ؟ قالَ: كانَ أمْرِي كُلُّهُ قَدْ تَمَّ إلّا شَيْئًا واحِدًا؛ فُلانَةُ ماتَ عَنْها زَوْجُها فَأصْدَقْتُها ألْفَ دِينارٍ، فَجاءَتْنِي بِها ومِثْلِها مَعَها، فَقالَ لَهُ المُؤْمِنُ: أوَ فَعَلْتَ؟ قالَ: نَعَمْ، فَرَجَعَ المُؤْمِنُ حَتّى إذا كانَ اللَّيْلُ صَلّى ما شاءَ اللَّهُ أنْ يُصَلِّيَ فَلَمّا انْصَرَفَ أخَذَ الألْفَ دِينارٍ الباقِيَةَ فَوَضَعَها بَيْنَ يَدَيْهِ، وقالَ: اللَّهُمَّ إنَّ فُلانًا تَزَوَّجَ زَوْجَةً مِن أزْواجِ الدُّنْيا بِألْفِ دِينارٍ ويَمُوتُ غَدًا فَيَتْرُكُها أوْ تَمُوتُ فَتَتْرُكُهُ، اللَّهُمَّ وإنِّي أخْطُبُ إلَيْكَ بِهَذِهِ الألْفِ دِينارٍ حَوْراءَ عَيْناءَ في الجَنَّةِ، ثُمَّ أصْبَحَ فَقَسَمَها بَيْنَ المَساكِينِ فَبَقِيَ المُؤْمِنُ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ. فَلَبِسَ قَمِيصًا مِن قُطْنٍ وكِساءً مِن صُوفٍ، ثُمَّ جَعَلَ يَعْمَلُ ويَحْفِرُ (p-٤١١)بِقُوَّتِهِ، فَجاءَ رَجُلٌ فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ أتُؤاجِرُنِي نَفْسَكَ مُشاهَرَةً، شَهْرًا بِشَهْرٍ، تَقُومُ عَلى دَوابَّ لِي؟ قالَ: نَعَمْ، فَكانَ صاحِبُ الدَّوابِّ يَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ يَنْظُرُ إلى دَوابِّهِ، فَإذا رَأى مِنها دابَّةً ضامِرَةً أخَذَ بِرَأْسِهِ فَوَجَأ عُنُقَهُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: سَرَقْتَ شَعِيرَ هَذِهِ البارِحَةَ، فَلَمّا رَأى المُؤْمِنُ الشِّدَّةَ قالَ: لَآتِيَنَّ شَرِيكِي الكافِرَ، فَلَأعْمَلَنَّ في أرْضِهِ، يُطْعِمُنِي هَذِهِ الكِسْرَةَ يَوْمًا بِيَوْمٍ ويَكْسِينِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ إذا بَلِيا. فانْطَلَقَ يُرِيدُهُ فانْتَهى إلى بابِهِ، وهم مُمْسٍ فَإذا قَصْرٌ مَشِيدٌ في السَّماءِ، وإذا حَوْلَهُ البَوّابُونَ، فَقالَ لَهُمُ: اسْتَأْذِنُوا لِي صاحِبَ هَذا القَصْرِ؛ فَإنَّكم إنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ سَرَّهُ فَقالُوا لَهُ: انْطَلِقْ فَإنْ كُنْتَ صادِقًا فَنَمْ في ناحِيَةٍ، فَإذا أصْبَحْتَ فَتَعَرَّضْ لَهُ، فانْطَلَقَ المُؤْمِنُ فَألْقى نِصْفَ كِسائِهِ تَحْتَهُ ونِصْفَهُ فَوْقَهُ ثُمَّ نامَ، فَلَمّا أصْبَحَ أتى شَرِيكَهُ فَتَعَرَّضَ لَهُ، فَخَرَجَ شَرِيكُهُ وهو راكِبٌ، فَلَمّا رَآهُ عَرَفَهُ، فَوَقَفَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وصافَحَهُ، ثُمَّ قالَ لَهُ: ألَمْ تَأْخُذْ مِنَ المالِ مِثْلَ ما أخَذْتُ؟ فَأيْنَ مالُكَ؟ قالَ: لا تَسْألْنِي عَنْهُ. قالَ: فَما جاءَ بِكَ؟ قالَ: جِئْتُ أعْمَلُ في أرْضِكَ هَذِهِ تُطْعِمُنِي هَذِهِ الكِسْرَةَ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وتَكْسُونِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ إذا بَلِيا. قالَ: لا تَرى مِنِّي خَيْرًا حَتّى تُخْبِرَنِي ما صَنَعْتَ في مالِكَ. قالَ: أقْرَضْتُهُ. قالَ: مَن؟ قالَ: المَلِيءَ الوَفِيَّ. قالَ: مَن؟ قالَ: اللَّهُ رَبِّي. وهو مُصافِحُهُ (p-٤١٢)فانْتَزَعَ يَدَهُ ثُمَّ قالَ: ﴿أإنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ﴾ ﴿أإذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا وعِظامًا أإنّا لَمَدِينُونَ﴾ وتَرَكَهُ، فَلَمّا رَآهُ المُؤْمِنُ لا يَلْوِي عَلَيْهِ رَجَعَ وتَرَكَهُ، يَعِيشُ المُؤْمِنُ في شِدَّةٍ مِنَ الزَّمانِ، ويَعِيشُ الكافِرُ في رَخاءٍ مِنَ الزَّمانِ. فَإذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ وأدْخَلَ اللَّهُ المُؤْمِنَ الجَنَّةَ يَمُرُّ، فَإذا هو بِأرْضٍ ونَخْلٍ وثِمارٍ وأنْهارٍ فَيَقُولُ: لِمَن هَذا؟ فَيُقالُ: هَذا لَكَ. فَيَقُولُ: أوَ بَلَغَ مِن فَضْلِ عَمَلِي أنْ أُثابَ بِمِثْلِ هَذا؟ ثُمَّ يَمُرُّ فَإذا هو بِرَقِيقٍ لا تُحْصى عِدَّتُهم فَيَقُولُ: لِمَن هَذا؟ فَيُقالُ: هَؤُلاءِ لَكَ. فَيَقُولُ: أوَ بَلَغَ مِن فَضْلِ عَمَلِي أنْ أُثابَ بِمِثْلِ هَذا؟ ثُمَّ يَمُرُّ فَإذا هو بِقُبَّةٍ مِن ياقُوتَةٍ حَمْراءَ مُجَوَّفَةٍ، فِيها حَوْراءُ عَيْناءُ، فَيَقُولُ: لِمَن هَذِهِ؟ فَيُقالُ: هَذِهِ لَكَ. فَيَقُولُ: أوَ بَلَغَ مِن فَضْلِ عَمَلِي أنْ أُثابَ بِمِثْلِ هَذا؟ ثُمَّ يَذْكُرُ شَرِيكَهُ الكافِرَ فَيَقُولُ: ﴿إنِّي كانَ لِي قَرِينٌ﴾ ﴿يَقُولُ أإنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ﴾ قالَ: فالجَنَّةُ عالِيَةٌ، والنّارُ هاوِيَةٌ فَيُرِيهِ اللَّهُ شَرِيكَهُ في وسَطِ الجَحِيمِ مِن بَيْنِ أهْلِ النّارِ، فَإذا رَآهُ عَرَفَهُ المُؤْمِنُ فَيَقُولُ: ﴿قالَ تاللَّهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ ﴿ولَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرِينَ﴾ ﴿أفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ﴾ ﴿إلا مَوْتَتَنا الأُولى وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ ﴿إنَّ هَذا لَهو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ ﴿لِمِثْلِ هَذا فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ﴾ بِمِثْلِ ما قَدْ مُنَّ عَلَيْهِ. قالَ: فَيَتَذَكَّرُ المُؤْمِنُ ما مَرَّ عَلَيْهِ في الدُّنْيا مِنَ الشِّدَّةِ فَلا يَذْكُرُ أشَدَّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ. (p-٤١٣)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿أإنّا لَمَدِينُونَ﴾ قالَ: لَمُحاسَبُونَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ، مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿هَلْ أنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ يَقُولُ: مُطَّلِعُونَ إلَيْهِ حَتّى أنْظُرَ إلَيْهِ في النّارِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿سَواءِ الجَحِيمِ﴾ قالَ: في وسَطِ الجَحِيمِ. وأخْرَجَ الطَّسْتِيُّ في ”مَسائِلِهِ“ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقِ سَألَهُ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فِي سَواءِ الجَحِيمِ﴾ قالَ: وسَطِ الجَحِيمِ. قالَ: وهَلْ تَعْرِفُ العَرَبُ ذَلِكَ؟ قالَ: نَعَمْ، أما سَمِعْتَ قَوْلَ الشّاعِرِ: ؎رَماها بِسَهْمٍ فاسْتَوى في سَوائِها وكانَ قَبُولًا لِلْهَوادِي والطَّوارِقِ وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وهَنّادٌ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: (p-٤١٤)﴿فاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَواءِ الجَحِيمِ﴾ قالَ: اطَّلَعَ ثُمَّ التَفَتَ إلى أصْحابِهِ، فَقالَ: لَقَدْ رَأيْتُ جَماجِمَ القَوْمِ تَغْلِي. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّ كَعْبَ الأحْبارِ قالَ: في الجَنَّةِ كُوًى، فَإذا أرادَ أحَدٌ مِن أهْلِها أنْ يَنْظُرَ إلى عَدُوِّهِ في النّارِ اطَّلَعَ فازْدادَ شُكْرًا. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿هَلْ أنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ قالَ: سَألَ رَبَّهُ أنْ يُطْلِعَهُ، ﴿فاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَواءِ الجَحِيمِ﴾ يَقُولُ: في وسَطِها، فَرَأى جَماجِمَهم تَغْلِي فَقالَ: فُلانٌ، ولَوْلا أنَّ اللَّهَ عَرَّفَهُ إيّاهُ لَما عَرَفَهُ، لَقَدْ تَغَيَّرَ حِبْرُهُ وسِبْرُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قالَ: ﴿تاللَّهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ يَقُولُ: لَتُهْلِكُنِي لَوْ أطَعْتُكَ ﴿ولَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرِينَ﴾ قالَ: في النّارِ ﴿أفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ قالَ: هَذا قَوْلُ أهْلِ الجَنَّةِ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿لِمِثْلِ هَذا فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الحَسَنِ في الآيَةِ قالَ: عَلِمُوا أنَّ كُلَّ نَعِيمٍ بَعْدَهُ (p-٤١٥)المَوْتُ يَقْطَعُهُ فَقالُوا: ﴿أفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ﴾ ﴿إلا مَوْتَتَنا الأُولى وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ قِيلَ: لا، قالُوا: ﴿إنَّ هَذا لَهو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قَوْلُ اللَّهُ لِأهْلِ الجَنَّةِ: ﴿كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [المرسلات: ٤٣] [المُرْسَلاتِ: ٤٣ ] قالَ: قَوْلُ اللَّهِ: ﴿هَنِيئًا﴾ [المرسلات: ٤٣] أيْ: لا تَمُوتُونَ فِيها، فَعِنْدَها قالُوا: ﴿أفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ﴾ ﴿إلا مَوْتَتَنا الأُولى وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ ﴿إنَّ هَذا لَهو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ قالَ: هَذا قَوْلُ أهْلِ الجَنَّةِ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿لِمِثْلِ هَذا فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: «كُنْتُ أمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَدُهُ في يَدِي، فَرَأى جِنازَةً، فَأسْرَعَ المَشْيَ حَتّى أتى القَبْرَ، ثُمَّ جَثا عَلى رُكْبَتَيْهِ فَجَعَلَ يَبْكِي حَتّى بَلَّ الثَّرى، ثُمَّ قالَ: ﴿لِمِثْلِ هَذا فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ﴾ [الصافات»: ٦١] وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ أنَسٍ قالَ: «دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ عَلى مَرِيضٍ وهو يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقالَ: ﴿لِمِثْلِ هَذا فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ﴾ [الصافات»: ٦١]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب