الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَزِرُ وازِرَةٌ﴾ الآيَةَ. أخْرَجَ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ الأحْوَصِ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ في حَجَّةِ الوَداعِ: ألا لا يَجْنِي جانٍ إلّا عَلى نَفْسِهِ، لا يَجْنِي والِدٌ عَلى ولَدِهِ، ولا مَوْلُودٌ عَلى والِدِهِ» . وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ مَرْدُويَهْ والبَيْهَقِيُّ في ”سُنَنِهِ“ عَنْ أبِي رِمْثَةَ قالَ: «انْطَلَقْتُ مَعَ أبِي نَحْوَ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمّا رَأيْتُهُ قالَ لِأبِي: ابْنُكَ هَذا؟ قالَ: إي ورَبِّ الكَعْبَةِ. قالَ: أما إنَّهُ لا يَجْنِي عَلَيْكَ ولا تَجْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ﴿ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [فاطر»: ١٨] . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنهُ شَيْءٌ﴾ قالَ: إنْ تَدْعُ نَفْسٌ مُثْقَلَةٌ مِنَ الخَطايا ذا قَرابَةٍ أوْ غَيْرَ (p-٢٧٢)ذِي قَرابَةٍ، لا يُحْمَلُ عَنْها مِن خَطاياها شَيْءٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنهُ شَيْءٌ﴾ . يَقُولُ: يَكُونُ عَلَيْهِ وِزْرٌ، لا يَجِدُ أحَدًا يَحْمِلُ عَنْهُ مِن وِزْرِهِ شَيْئًا. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ﴾: ذُنُوبًا ﴿إلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنهُ شَيْءٌ﴾ كَنَحْوِ: ﴿ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: إنَّ الجارَ يَتَعَلَّقُ بِجارِهِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَقُولُ: يا رَبِّ سَلْ هَذا لِمَ كانَ يُغْلِقُ بابَهُ دُونِي؟ وإنَّ الكافِرَ لَيَتَعَلَّقُ بِالمُؤْمِنِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَقُولُ لَهُ: يا مُؤْمِنُ إنَّ لِي عِنْدَكَ يَدًا، قَدْ عَرَفْتَ كَيْفَ كُنْتُ لَكَ في الدُّنْيا، وقَدِ احْتَجْتُ إلَيْكَ اليَوْمَ! فَلا يَزالُ المُؤْمِنُ يَشْفَعُ لَهُ إلى رَبِّهِ حَتّى يَرُدَّهُ إلى مَنزِلَةٍ دُونَ مَنزِلَةٍ، وهو في النّارِ، وإنَّ الوالِدَ يَتَعَلَّقُ بِوَلَدِهِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَقُولُ: يا بُنَيَّ، أيَّ والِدٍ كُنْتُ لَكَ؟ فَيُثْنِي خَيْرًا، فَيَقُولُ: يا بُنَيَّ، إنِّي احْتَجْتُ إلى مِثْقالِ ذَرَّةٍ مِن حَسَناتِكَ أنْجُو بِها مِمّا تَرى. فَيَقُولُ لَهُ ولَدُهُ: يا أبَتِ (p-٢٧٣)ما أيْسَرَ ما طَلَبْتَ، ولَكِنِّي أتَخَوَّفُ مِثْلَ ما تَخَوَّفْتَ، فَلا أسْتَطِيعُ أنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا، ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِزَوْجَتِهِ فَيَقُولُ: يا فُلانَةُ، أيَّ زَوْجٍ كُنْتُ لَكِ؟ فَتُثْنِي خَيْرًا فَيَقُولُ لَها: فَإنِّي أطْلُبُ إلَيْكِ حَسَنَةً واحِدَةً تَهَبِيها لِي لَعَلِّي أنْجُو مِمّا تَرَيْنَ، قالَتْ: ما أيْسَرَ ما طَلَبْتَ، ولَكِنِّي لا أُطِيقُ أنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا؛ أتَخَوَّفُ مِثْلَ الَّذِي تَخَوَّفْتَ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِها﴾ الآيَةَ، ويَقُولُ اللَّهُ: ﴿يَوْمًا لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ ولَدِهِ﴾ [لقمان: ٣٣] [لُقْمانَ: ٣٣ ] و: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِن أخِيهِ﴾ [عبس: ٣٤] ﴿وأُمِّهِ وأبِيهِ﴾ [عبس: ٣٥] الآيَةَ [عَبَسَ: ٣٤، ٣٥ ] . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِها﴾: أيْ: إلى ذُنُوبِها، ﴿لا يُحْمَلْ مِنهُ شَيْءٌ ولَوْ كانَ ذا قُرْبى﴾ . قالَ: قَرابَةٍ قَرِيبَةٍ، لا يَحْمِلْ مِن ذُنُوبِهِ شَيْئًا، ويُحْمَلْ عَلى غَيْرِها مِن ذُنُوبِها شَيْءٌ، ﴿إنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهم بِالغَيْبِ﴾ أيْ يَخْشَوْنَ النّارَ والحِسابَ، وفي قَوْلِهِ: ﴿ومَن تَزَكّى فَإنَّما يَتَزَكّى لِنَفْسِهِ﴾ أيْ: مَن يَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا فَإنَّما يَعْمَلُهُ لِنَفْسِهِ، وفي قَوْلِهِ: ﴿وما يَسْتَوِي﴾ الآيَةَ، قالَ: خَلْقٌ فُضِّلَ بَعْضُهُ عَلى بَعْضٍ، فَأمّا المُؤْمِنُ فَعَبْدٌ حَيٌّ؛ حَيُّ الأثَرِ حَيُّ البَصَرِ، حَيُّ النِّيَّةِ، حَيُّ العَمَلِ، والكافِرُ عَبْدٌ مَيِّتٌ؛ مَيِّتُ البَصَرِ، مَيِّتُ (p-٢٧٤)القَلْبِ مَيِّتُ العَمَلِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وما يَسْتَوِي الأعْمى والبَصِيرُ﴾ الآيَةَ، قالَ: هَذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكافِرِ والمُؤْمِنِ، يَقُولُ: كَما لا يَسْتَوِي هَذا وهَذا، كَذَلِكَ لا يَسْتَوِي الكافِرُ والمُؤْمِنُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿وما يَسْتَوِي الأعْمى والبَصِيرُ﴾ . قالَ: الكافِرُ والمُؤْمِنُ، ﴿ولا الظُّلُماتُ﴾ قالَ: الكُفْرُ، ﴿ولا النُّورُ﴾ قالَ: الإيمانُ، ﴿ولا الظِّلُّ﴾ قالَ: الجَنَّةُ، ﴿ولا الحَرُورُ﴾ قالَ: النّارُ، ﴿وما يَسْتَوِي الأحْياءُ ولا الأمْواتُ﴾ قالَ: المُؤْمِنُ والكافِرُ، ﴿إنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشاءُ﴾ قالَ: يَهْدِي مَن يَشاءُ. وأخْرَجَ أبُو سَهْلٍ السُّرِّيُّ بْنُ سَهْلٍ الجُنْدَيْسابُورِيُّ في الخامِسِ مِن حَدِيثِهِ، مِن طَرِيقِ عَبْدِ القُدُّوسِ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى﴾ [النمل: ٨٠] [النَّمْلِ: ٨٠ ]، ﴿وما أنْتَ بِمُسْمِعٍ مَن في القُبُورِ﴾ . قالَ: «كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقِفُ عَلى القَتْلى يَوْمَ بَدْرٍ ويَقُولُ: هَلْ وجَدْتُمْ ما وعَدَ رَبُّكم حَقًّا؟ يا فُلانُ يا فُلانُ، ألَمْ تَكْفُرْ بِرَبِّكَ؟ ألَمْ تُكَذِّبْ نَبِيَّكَ؟ ألَمْ تَقْطَعْ رَحِمَكَ؟ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، أيَسْمَعُونَ ما تَقُولُ؟ قالَ: ما أنْتُمْ بِأسْمَعَ مِنهم لِما أقُولُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى﴾ [النمل: ٨٠]، ﴿وما أنْتَ بِمُسْمِعٍ مَن في القُبُورِ﴾ . مَثَلٌ (p-٢٧٥)ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكافِرِ، أنَّهم لا يَسْمَعُونَ لِقَوْلِهِ» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وما أنْتَ بِمُسْمِعٍ مَن في القُبُورِ﴾ . يَقُولُ: كَما لا تُسْمِعُ مَن في القُبُورِ، فَكَذَلِكَ الكافِرُ لا يَسْمَعُ ولا يَنْتَفِعُ بِما يَسْمَعُ، وفي قَوْلِهِ: ﴿وإنْ مِن أُمَّةٍ إلا خَلا فِيها نَذِيرٌ﴾ يَقُولُ: كُلُّ أُمَّةٍ قَدْ كانَ لَها رَسُولٌ جاءَها مِنَ اللَّهِ، وفي قَوْلِهِ: ﴿وإنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ قالَ: يُعَزِّي نَبِيَّهُ، ﴿جاءَتْهم رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ وبِالزُّبُرِ﴾ أيِ: الكِتابِ ﴿ثُمَّ أخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾ قالَ: شَدِيدٌ –واللَّهِ- أنْ عَجَّلَ لَهم عُقُوبَةَ الدُّنْيا ثُمَّ صَيَّرَهم إلى النّارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب