الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وحِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ﴿وحِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ قالَ: حِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ الإيمانِ. (p-٢٤٢)وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وحِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ . قالَ: مِن مالٍ أوْ ولَدٍ أوْ زَهْرَةٍ أوْ أهْلٍ، ﴿كَما فُعِلَ بِأشْياعِهِمْ مِن قَبْلُ﴾ . قالَ: كَما فُعِلَ بِالكُفّارِ مِن قَبْلِهِمْ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في ”شُعَبِ الإيمانِ“ عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿وحِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ قالَ: التَّوْبَةُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وحِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ . قالَ: كانَ رَجُلٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ فاتِحًا –أيْ: فَتَحَ اللَّهُ لَهُ مالًا- فَماتَ فَوَرِثَهُ ابْنٌ لَهُ تافِهٌ –أيْ: فاسِدٌ- فَكانَ يَعْمَلُ في مالِ أبِيهِ بِمَعاصِي اللَّهِ، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ إخْوانُ أبِيهِ أتَوُا الفَتى فَعَذَلُوهُ ولامُوهُ، فَضَجِرَ الفَتى فَباعَ عَقارَهُ بِصامِتٍ ثُمَّ رَحَلَ، فَأتى عَيْنًا ثَجّاجَةً فَسَرَّحَ فِيها مالَهُ وابْتَنى قَصْرًا، فَبَيْنَما هو ذاتَ يَوْمٍ جالِسٌ إذْ شَمَلَتْ عَلَيْهِ رِيحٌ بِامْرَأةٍ مِن أحْسَنِ النّاسِ وجْهًا وأطْيَبِهِمْ رِيحًا، فَقالَتْ: مَن أنْتَ يا عَبْدَ اللَّهِ؟ قالَ: أنا امْرُؤٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ. قالَتْ: فَلَكَ هَذا القَصْرُ وهَذا المالُ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَتْ: فَهَلْ لَكَ مِن زَوْجَةٍ؟ قالَ: لا، قالَتْ: فَكَيْفَ يَهْنِيكَ العَيْشُ ولا زَوْجَةَ لَكَ؟ قالَ: قَدْ كانَ ذَلِكَ، فَهَلْ لَكِ مِن (p-٢٤٣)بَعْلٍ؟ قالَتْ: لا، قالَ: فَهَلْ لَكِ أنْ أتَزَوَّجَكِ؟ قالَتْ: إنِّي امْرَأةٌ مِنكَ عَلى مَسِيرَةِ مِيلٍ، فَإذا كانَ غَدٌ فَتَزَوَّدْ زادَ يَوْمٍ وأْتِنِي، وإنْ رَأيْتَ في طَرِيقِكَ هَوْلًا فَلا يَهُولَنَّكَ. فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ تَزَوَّدَ زادَ يَوْمٍ وانْطَلَقَ فانْتَهى إلى قَصْرٍ، فَقَرَعَ رِتاجَهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ شابٌّ مِن أحْسَنِ النّاسِ وجْهًا، وأطْيَبِهِمْ أرَجًا فَقالَ: مَن أنْتَ يا عَبْدَ اللَّهِ؟ قالَ: أنا الإسْرائِيلِيُّ. قالَ: فَما حاجَتُكَ؟ قالَ: دَعَتْنِي صاحِبَةُ هَذا القَصْرِ إلى نَفْسِها. قالَ: صَدَقْتَ، فَهَلْ رَأيْتَ في طَرِيقِكَ هَوْلًا؟ قالَ: نَعَمْ، ولَوْلا أنَّها أخْبَرَتْنِي أنْ لا بَأْسَ عَلَيَّ لَهالَنِي الَّذِي رَأيْتُ أقْبَلْتُ حَتّى إذا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إذا أنا بِكَلْبَةٍ فاتِحَةٍ فاها، فَفَزِعْتُ فَوَثَبْتُ فَإذا أنا مِن ورائِها، وإذا جِراؤُها يَنْبَحْنَ عَلى صَدْرِها. قالَ: لَسْتَ تُدْرِكُ هَذا، هَذا يَكُونُ في آخِرِ الزَّمانِ؛ يُقاعِدُ الغُلامُ المَشْيَخَةَ فَيَغْلِبُهم عَلى مَجْلِسِهِمْ ويَبُزُّهم حَدِيثَهُمْ، قالَ: ثُمَّ أقْبَلْتُ حَتّى إذا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إذا أنا بِمِائَةِ أعْنُزٍ حُفَّلٍ، وإذا فِيها جَدْيٌ يَمُصُّها، فَإذا أتى عَلَيْها فَظَنَّ أنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَتَحَ فاهُ يَلْتَمِسُ (p-٢٤٤)الزِّيادَةَ قالَ: لَسْتَ تُدْرِكُ هَذا، هَذا يَكُونُ في آخِرِ الزَّمانِ؛ مَلِكٌ يَجْمَعُ صامِتَ النّاسِ كُلِّهِمْ حَتّى إذا ظَنَّ أنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَتَحَ فاهُ يَلْتَمِسُ الزِّيادَةَ. قالَ: ثُمَّ أقْبَلْتُ حَتّى إذا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إذا أنا بِشَجَرٍ، فَأعْجَبَنِي غُصْنٌ مِن شَجَرَةٍ مِنها ناضِرٌ، فَأرَدْتُ قَطْعَهُ فَنادَتْنِي شَجَرَةٌ أُخْرى: يا عَبْدَ اللَّهِ مِنِّي فَخُذْ، حَتّى نادانِي الشَّجَرُ أجْمَعُ: يا عَبْدَ اللَّهِ، مِنّا فَخُذْ، قالَ: لَسْتَ تُدْرِكُ هَذا، هَذا يَكُونُ في آخِرِ الزَّمانِ؛ يَقِلُّ الرِّجالُ ويَكْثُرُ النِّساءُ حَتّى إنَّ الرَّجُلَ لَيَخْطُبُ المَرْأةَ فَتَدْعُوهُ العَشْرُ والعِشْرُونَ إلى أنْفُسِهِنَّ. قالَ: ثُمَّ أقْبَلْتُ حَتّى إذا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ، فَإذا أنا بِرَجُلٍ قائِمٍ عَلى عَيْنٍ يَغْرِفُ لِكُلِّ إنْسانٍ مِنَ الماءِ، فَإذا تَصَدَّعُوا عَنْهُ صَبَّ في جَرَّتِهِ، فَلَمْ تَعْلَقْ جَرَّتُهُ مِنَ الماءِ بِشَيْءٍ. قالَ: لَسْتَ تُدْرِكُ هَذا، هَذا يَكُونُ في آخِرِ الزَّمانِ، القاضِي يُعَلِّمُ النّاسَ العِلْمَ، ثُمَّ يُخالِفُهم إلى مَعاصِي اللَّهِ، ثُمَّ أقْبَلْتُ حَتّى إذا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إذا أنا بِعَنْزٍ، وإذا قَوْمٌ قَدْ أخَذُوا بِقَوائِمِها، وإذا رَجُلٌ آخِذٌ بِقَرْنَيْها، وإذا رَجُلٌ آخِذٌ بِذَنَبِها، وإذا رَجُلٌ قَدْ رَكِبَها، وإذا رَجُلٌ يَحْلُبُها. فَقالَ: أمّا العَنْزُ فَهي الدُّنْيا، والَّذِينَ أخَذُوا بِقَوائِمِها فَهم يَتَساقَطُونَ مِن عَيْشِها وأمّا الَّذِي قَدْ أخَذَ بِقَرْنَيْها فَهو يُعالِجُ مِن عَيْشِها ضَيِّقًا، وأمّا الَّذِي قَدْ أخَذَ بِذَنَبِها فَقَدْ أدْبَرَتْ عَنْهُ، وأمّا الَّذِي رَكِبَها فَقَدْ تَرَكَها، وأمّا الَّذِي يَحْلُبُها، فَبَخٍ، بَخٍ ذَهَبَ ذاكَ بِها. (p-٢٤٥)قالَ: ثُمَّ أقْبَلْتُ حَتّى إذا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إذا أنا بِرَجُلٍ يَمْتَحُ عَلى قَلِيبٍ، كُلَّما أخْرَجَ دَلْوَهُ صَبَّهُ في الحَوْضِ، فانْسابَ الماءُ راجِعًا إلى القَلِيبِ. قالَ: هَذا رَجُلٌ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ صالِحَ عَمَلِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، قالَ: ثُمَّ أقْبَلْتُ حَتّى إذا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إذا أنا بِرَجُلٍ يَبْذُرُ بَذْرًا فَيَسْتَحْصِدُ فَإذا حِنْطَةٌ طَيِّبَةٌ قالَ: هَذا رَجُلٌ قَبِلَ اللَّهُ صالِحَ عَمَلِهِ وأزْكاهُ لَهُ، قالَ: ثُمَّ أقْبَلْتُ حَتّى إذا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إذا أنا بِرَجُلٍ مُسْتَلْقٍ عَلى قَفاهُ فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ اُدْنُ مِنِّي فَخُذْ بِيَدِي وأقْعِدْنِي؛ فَواللَّهِ ما قَعَدْتُ مُنْذُ خَلَقَنِي اللَّهُ. فَأخَذْتُ بِيَدِهِ، فَقامَ يَسْعى حَتّى ما أراهُ. فَقالَ لَهُ الفَتى: هَذا عُمُرُكَ نَفَدَ، وأنا مَلَكُ المَوْتِ، وأنا المَرْأةُ الَّتِي أتَيْتُكَ أمَرَنِي اللَّهُ بِقَبْضِ رُوحِكَ في هَذا المَكانِ، ثُمَّ أُصَيِّرُكَ إلى نارِ جَهَنَّمَ، قالَ فَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿وحِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ . وأخْرَجَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ في ”المُوفَقِيّاتِ“ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مِن طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لا تَهْتِكُوا سِتْرًا؛ فَإنَّهُ كانَ رَجُلٌ في بَنِي إسْرائِيلَ، وكانَتْ لَهُ امْرَأةٌ، وكانَتْ إذا قَدَّمَتْ إلَيْهِ الطَّعامَ قامَتْ عَلى رَأْسِهِ ثُمَّ تَقُولُ: هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَ امْرَأةٍ تَخُونُ زَوْجَها بِالغَيْبِ، فَبَعَثَ إلَيْها يَوْمًا بِسَمَكَةٍ ثُمَّ قامَتْ عَلى رَأْسِهِ فَقالَتْ: هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَ امْرَأةٍ تَخُونُ زَوْجَها بِالغَيْبِ. فَقَهْقَهَتِ السَّمَكَةُ حَتّى (p-٢٤٦)سَقَطَتْ مِنَ القَصْعَةِ، ثُمَّ قالَ لَها: أعِيدِي مَقالَتَكِ. فَعادَتْ فَقَهْقَهَتِ السَّمَكَةُ حَتّى سَقَطَتْ مِنَ القَصْعَةِ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ تُقَهْقِهُ السَّمَكَةُ وتَضْطَرِبُ حَتّى تَسْقُطَ مِنَ الخِوانِ، فَأتى عالِمَ بَنِي إسْرائِيلَ فَأخْبَرَهُ، فَقالَ: انْطَلِقْ فاذْكُرْ رَبَّكَ، وكُلْ طَعامَكَ واخْسَأِ الشَّيْطانَ عَنْكَ. فَقالَ لَهُ أخِفّاءُ النّاسِ: انْطَلِقْ إلى ابْنِهِ؛ فَإنَّهُ أعْلَمُ مِنهُ. فانْطَلَقَ فَأخْبَرَهُ، فَقالَ: ائْتِنِي بِكُلِّ مَن في دارِكَ مِمَّنْ لَمْ تَرَ عَوْرَتَهُ فَأتاهُ فَنَظَرَ في وُجُوهِهِمْ ثُمَّ قالَ: اكْشِفْ عَنْ هَذِهِ الحَبَشِيَّةِ، فَكَشَفَ عَنْها، فَإذا مِثْلُ ذِراعِ البِكْرِ، فَقالَ: مِن هَذا أُتِيتَ، فَماتَ أبُو الفَتى العالِمُ وهُتِكَ بِهَتْكِهِ ذَلِكَ السِّتْرَ، واحْتاجَ إلَيْهِ النّاسُ، فَأتاهُ بَنِي إسْرائِيلَ فَقالُوا ويْحَكَ، أنْتَ كُنْتَ أعْلَمَنا وأمْنَنا، فَلَمّا أنْ أكْثَرُوا عَلَيْهِ هَرَبَ مِنهم إلى أقْصى مَوْضِعِ بَنِي إسْرائِيلَ مِن أرْضِ البَلْقاءِ، فَأُتِيحَ لَهُ امْرَأةٌ جَمِيلَةٌ تَسْتَفْتِيهِ، فَقالَ لَها: هَلْ لَكِ أنْ تُمْكِّنِينِي مِن نَفْسِكِ وأهَبَ لَكِ مِائَتَيْ دِينارٍ؟ قالَتْ: أوَخَيْرٌ مِن ذَلِكَ؟ تَجِيءُ إلى أهْلِي فَتَتَزَوَّجُنِي وأكُونُ لَكَ حَلالًا أبَدًا، قالَ: فَأيْنَ مَنزِلُكِ؟ فَوَصَفَتْ لَهُ، فَطالَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ اللَّيْلَةُ، فَمَضى فَإذا هو بِكَلْبَةٍ تَنْبَحُ في بَطْنِها جِراؤُها، قالَ: ما أعْجَبَ هَذا! قِيلَ لَهُ: امْضِهِ، لا تَكُونَنَّ مُكَلِّفًا فَسَوْفَ يَأْتِيكَ خَبَرُ هَذا. فَمَضى فَإذا هو بِرَجُلٍ يَحْمِلُ حِجارَةً، كُلَّما ثَقُلَتْ عَلَيْهِ وسَقَطَتْ مِنهُ زادَ عَلَيْها، فَقالَ لَهُ: أنْتَ لا تَسْتَطِيعُ تَحْمِلُ هَذا، تَزِيدُ عَلَيْهِ؟ قالَ: (p-٢٤٧)امْضِ، لا تَكُونَنَّ مُكَلِّفًا، فَسَوْفَ يَأْتِيكَ خَبَرُ هَذا، فَمَضى، فَإذا هو بِرَجُلٍ يَسْتَقِي مِن بِئْرٍ، ويَصُبُّهُ في حَوْضٍ إلى جَنْبِ البِئْرِ، وفي الحَوْضِ نَقْبٌ، فالماءُ يَرْجِعُ إلى البِئْرِ، قالَ لَهُ: لَوْ سَدَدْتَ الجُحْرَ اسْتَمْسَكَ لَكَ الماءُ. قالَ: امْضِ، لا تَكُونَنَّ مُكَلِّفًا، فَسَوْفَ يَأْتِيكَ خَبَرُ هَذا. فَمَضى فَإذا هو بِظَبْيَةٍ، ورَجُلٌ راكِبٌ عَلَيْها، وآخَرُ يَحْلُبُها وآخَرُ يُمْسِكُ بِذَنَبِها، وآخَرُونَ يُمْسِكُونَ بِقَوائِمِها، قالَ: ما أعْجَبَ هَذا! قالَ لَهُ: امْضِ، لا تَكُونَنَّ مُكَلِّفًا، فَسَوْفَ يَأْتِيكَ خَبَرُ هَذا. فَمَضى فَإذا هو بِرَجُلٍ يَبْذُرُ بَذْرًا، فَلا يَقَعُ عَلى الأرْضِ حَتّى يَنْبُتَ، ثُمَّ مَضى فَإذا هو بِرَجُلٍ مَعَهُ مِنجَلٌ يَحْصُدُ ما بَلَغَ وما لَمْ يَبْلُغْ قالَ لَهْ: لَوْ حَصَدْتَ ما بَلَغَ وتَرَكْتُ ما لَمْ يَبْلُغْ. قالَ لَهُ: امْضِ، لا تَكُونَنَّ مُكَلِّفًا سَوْفَ يَأْتِيكَ خَبَرُ هَذا. فَمَضى فَإذا هو بِالقَصْرِ الَّذِي وعَدَتْهُ، وإذا دُونَهُ نَهَرٌ، وإذا رَجُلٌ جالِسٌ عَلى سَرِيرٍ، فَقالَ لَهُ: كَيْفَ الطَّرِيقُ إلى هَذا القَصْرِ؟ ولَقَدْ رَأيْتُ في لَيْلَتِي أعاجِيبَ. قالَ: ما هِيَ؟ فَذَكَرَ لَهُ الكَلْبَةَ، قالَ: يَأْتِي عَلى النّاسِ زَمانٌ يَثِبُ الصَّغِيرُ عَلى الكَبِيرِ، والوَضِيعُ عَلى الشَّرِيفِ، والسَّفِيهُ عَلى الحَلِيمِ، وذَكَرَ لَهُ الَّذِي يَحْمِلُ الحِجارَةَ، قالَ: يَأْتِي عَلى النّاسِ زَمانٌ يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ الأمانَةُ فَلا يَقْدِرُ يُؤَدِّيها ويَزِيدُ عَلَيْها، وذَكَرَ لَهُ الَّذِي يَسْتَقِي، قالَ: يَأْتِي عَلى النّاسِ زَمانٌ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ المَرْأةَ لا يَتَزَوَّجُها لِدِينٍ ولا حَسَبٍ، ولا جَمالٍ، إنَّما يُرِيدُ مالَها، وتَكُونُ لا تَلِدُ، فَيَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ مِنها يَرْجِعُ فِيها، وذَكَرَ لَهُ الظَّبْيَةَ، قالَ: هي الدُّنْيا، أمّا الرّاكِبُ عَلَيْها فالمَلِكُ، وأمّا الَّذِي يَحْلُبُها فَمِن (p-٢٤٨)أطْيَبِ النّاسِ عَيْشًا، وأمّا الَّذِي يُمْسِكُ بِقَرْنَيْها فَمِن أبْأسِ النّاسِ عَيْشًا، وأمّا الَّذِي يُمْسِكُ بِذَنَبِها فالَّذِي لا يَأْتِيهِ رِزْقُهُ إلّا قُوتًا، والَّذِينَ يُمْسِكُونَ بِقَوائِمِها، فَسِفْلَةُ النّاسِ، وذَكَرَ لَهُ البَذْرَ، قالَ: يَأْتِي عَلى النّاسِ زَمانٌ لا يُدْرى مَتى يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ، ومَتى يُولَدُ المَوْلُودُ، ومَتى قَدْ بَلَغَ، وذَكَرَ لَهُ الَّذِي يَحْصِدُ، قالَ: ذاكَ مَلَكُ المَوْتِ يَحْصِدُ الصَّغِيرَ والكَبِيرَ، وأنا هُوَ، بَعَثَنِي اللَّهُ إلَيْكَ لِأقْبِضَ رُوحَكَ عَلى أسْوَأِ أحْوالِكَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْراهِيمَ قالَ: ما قَرَأْتُ هَذِهِ الآيَةَ إلّا ذَكَرْتُ بَرْدَ الشَّرابِ: ﴿وحِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في ”شُعَبِ الإيمانِ“ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أنَّهُ شَرِبَ ماءً بارِدًا فَبَكى فَقِيلَ لَهُ: ما يُبْكِيكَ؟ قالَ: ذَكَرْتُ آيَةً في كِتابِ اللَّهِ: ﴿وحِيلَ بَيْنَهم وبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ فَعَرَفْتُ أنَّ أهْلَ النّارِ لا يَشْتَهُونَ إلّا الماءَ البارِدَ، وقَدْ قالَ اللَّهُ: ﴿أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الماءِ﴾ [الأعراف: ٥٠] [الأعْرافِ: ٥٠] . * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهم كانُوا في شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّهم كانُوا في شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ قالَ: إيّاكم والشَّكَّ والرَّيْبَةُ؛ فَإنَّهُ مَن ماتَ عَلى شَكٍّ بُعِثَ عَلَيْهِ، ومَن ماتَ عَلى يَقِينٍ بُعِثَ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب