الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ﴾ الآياتِ. (p-١٨٦)أخْرَجَ أحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والبُخارِيُّ في ”تارِيخِهِ“، والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، وابْنُ المُنْذِرِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ المُرادِيِّ قالَ: «أتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ألا أُقاتِلُ مَن أدْبَرَ مِن قَوْمِي بِمَن أقْبَلَ مِنهُمْ؟ فَأذِنَ لِي في قِتالِهِمْ وأمَّرَنِي، فَلَمّا خَرَجْتُ مِن عِنْدِهِ أرْسَلَ في أثَرِي، فَرَدَّنِي فَقالَ: ادْعُ القَوْمَ فَمَن أسْلَمَ مِنهم فاقْبَلْ مِنهُ، ومَن لَمْ يُسْلِمْ فَلا تَعْجَلْ حَتّى أُحْدِثَ إلَيْكَ، وأُنْزِلَ في سَبَأٍ ما أُنْزِلَ، فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ وما سَبَأٌ، أرْضٌ أمِ امْرَأةٌ؟ قالَ: لَيْسَ بِأرْضٍ ولا امْرَأةٍ، ولَكِنَّهُ رَجُلٌ ولَدَ عَشَرَةً مِنَ العَرَبِ، فَتَيامَنَ مِنهم سِتَّةٌ، وتَشاءَمَ مِنهم أرْبَعَةٌ، فَأمّا الَّذِينَ تَشاءَمُوا؛ فَلَخْمٌ وجُذامٌ وغَسّانُ وعامِلَةُ. وأمّا الَّذِينَ تَيامَنُوا فالأزْدُ والأشْعَرِيُّونَ، وحِمْيَرٌ وكِنْدَةُ، ومَذْحِجٌ، وأنْمارٌ، فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ، وما أنْمارٌ؟ قالَ: الَّذِينَ مِنهم خَثْعَمٌ وبَجِيلَةُ» . وأخْرَجَ أحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ عَدِيٍّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّ رَجُلًا سَألَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ سَبَأٍ أرْجُلٌ هو أمِ امْرَأةٌ أمْ أرْضٌ؟ فَقالَ: ”بَلْ هو رَجُلٌ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةٌ، فَسَكَنَ اليَمَنَ مِنهم سِتَّةٌ، وبِالشّامِ مِنهم أرْبَعَةٌ؛ فَأمّا اليَمانِيُّونَ فَمَذْحِجٌ، وكِنْدَةُ والأزْدُ والأشْعَرِيُّونَ وأنْمارٌ وحِمْيَرُ. وأمّا الشّامِيُّونَ: فَلَخْمٌ وجُذامٌ، وعامِلَةُ، (p-١٨٧)وغَسّانُ» . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ وأبُو القاسِمِ البَغَوِيُّ، وابْنُ مَرْدُويَهْ وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حُصَيْنٍ السُّلَمِيِّ، «أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما سَبَأٌ؟ قالَ: كانَ رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ ولَدَ عَشَرَةً؛ سَكَنَ اليَمَنَ سِتَّةٌ، والشّامَ أرْبَعَةٌ، فالَّذِينَ بِاليَمَنِ؛ كِنْدَةُ ومَذْحِجٌ والأزْدُ والأشْعَرِيُّونَ وأنْمارٌ وحِمْيَرُ، وبِالشّامِ؛ لَخْمٌ وجُذامٌ وعامِلَةُ وغَسّانُ» . وأخْرَجَ الحاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأ: (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ في مَساكِنِهِمْ») . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عاصِمٍ أنَّهُ قَرَأ: (لَقَدْ كانَ لِسَبَأٍ) بِالخَفْضِ مُنَوَّنَةً مَهْمُوزَةً، (فِي مَساكِنِهِمْ) . عَلى الجِماعِ بِالألِفِ. (p-١٨٨)وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ عَنْ يَحْيى بْنِ وثّابٍ، أنَّهُ كانَ يَقْرَأُها: (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ في مَسْكَنِهِمْ) . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ قالَ: كانَ لِسَبَأٍ جَنَّتانِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَكانَتِ المَرْأةُ تَمُرُّ ومِكْتَلُها عَلى رَأْسِها فَتَمْشِي بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَيَمْتَلِئُ فاكِهَةً وما مَسَّتْهُ بِيَدِها، فَلَمّا طَغَوْا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دابَّةً يُقالُ لَها: الجُرَذُ فَنَقَّبَ عَلَيْهِمْ فَغَرَّقَهُمْ، فَما بَقِيَ إلّا أثَلٌ وشَيْءٌ مِن سِدْرٍ قَلِيلٍ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ في مَساكِنِهِمْ) الآيَةَ، قالَ: لَمْ يَكُنْ يُرى في قَرْيَتِهِمْ بَعُوضَةٌ قَطُّ ولا ذُبابٌ ولا بُرْغُوثٌ ولا عَقْرَبٌ ولا حَيَّةٌ، وإنَّ الرَّكْبَ لَيَأْتُونَ وفي ثِيابِهِمُ القَمْلُ والدَّوابُّ، فَما هو إلّا أنْ يَنْظُرُوا إلى بُيُوتِها، فَتَمُوتَ تِلْكَ الدَّوابُّ، وإنْ كانَ الإنْسانُ لَيَدْخُلُ الجَنَّتَيْنِ، فَيُمْسِكُ القُفَّةَ عَلى رَأْسِهِ، ويَخْرُجُ حِينَ يَخْرُجُ وقَدِ امْتَلَأتْ تِلْكَ القُفَّةُ (p-١٨٩)مِن أنْواعِ الفاكِهَةِ ولَمْ يَتَناوَلْ مِنها شَيْئًا بِيَدِهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ﴾ . قالَ: هَذِهِ البَلْدَةُ طَيِّبَةٌ، ورَبُّكم غَفُورٌ لِذُنُوبِكُمْ، وفي قَوْلِهِ: ﴿فَأعْرَضُوا﴾ . قالَ: بَطِرَ القَوْمُ أمْرَ اللَّهِ وكَفَرُوا نِعْمَتَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: كانَ أهْلُ سَبَأٍ أُعْطُوا ما لَمْ يُعْطَهُ أحَدٌ مِن أهْلِ زَمانِهِمْ، فَكانَتِ المَرْأةُ تَخْرُجُ عَلى رَأْسِها المِكْتَلُ فَتُرِيدُ حاجَتَها فَلا تَبْلُغُ مَكانَها الَّذِي تُرِيدُ حَتّى يَمْتَلِئَ مِكْتَلُها مِن أنْواعِ الفاكِهَةِ فَأجَمُوا ذَلِكَ فَكَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، وقَدْ كانَ السَّيْلُ يَأْتِيهِمْ مِن مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أيّامٍ حَتّى يَسْتَقِرَّ في وادِيهِمْ، فَيَجْتَمِعُ الماءُ مِن تِلْكَ السُّيُولِ والجِبالِ في ذَلِكَ الوادِي، وكانُوا قَدْ حَصَرُوهُ بِمُسَنّاةٍ، وهم يُسَمُّونَ المُسَنّاةَ العَرِمَ، وكانُوا يَفْتَحُونَ إذا شاءُوا مِن ذَلِكَ الماءِ، فَيَسْقُونَ جِنانَهم إذا شاءُوا ويَسُدُّونَهُ إذا شاءُوا، فَلَمّا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وأذِنَ في هَلاكِهِمْ دَخَلَ رَجُلٌ إلى جَنَّتِهِ، وهُوَعَمْرُو بْنُ عامِرٍ، (p-١٩٠)فِيما بَلَغَنا، وكانَ كاهِنًا، فَنَظَرَ إلى جُرَذَةٍ تَنْقُلُ أوْلادَها مِن بَطْنِ الوادِي إلى أعْلى الجَبَلِ فَقالَ: ما نَقَلَتْ هَذِهِ أوْلادَها مِن هَهُنا إلّا وقَدْ حَضَرَ أهْلُ هَذِهِ البِلادِ عَذابٌ. ويُقَدَّرُ أنَّها خَرَقَتْ ذَلِكَ العَرِمَ فَنَقَبَتْ نَقْبًا، فَسالَ ذَلِكَ الماءُ مِن ذَلِكَ النَّقْبِ إلى جَنَّتِهِ، فَأمَرَ بِذَلِكَ النَّقْبِ فَسُدَّ فَأصْبَحَ وقَدِ انْفَجَرَ بِأعْظَمِ ما كانَ، فَأمَرَ بِهِ أيْضًا فَسُدَّ، ثُمَّ انْفَجَرَ بِأعْظَمِ ما كانَ، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ دَعا ابْنَ أخِيهِ فَقالَ: إذا أنا جَلَسْتُ العَشِيَّةَ في نادِي قَوْمِي فائْتِنِي فَقُلْ: عَلامَ تَحْبِسُ عَلَيَّ مالِي؟ فَإنِّي سَأقُولُ: لَيْسَ لَكَ عِنْدِي مالٌ، ولا تَرَكَ أبُوكَ شَيْئًا، وإنَّكَ لَكاذِبٌ، فَإذا أنا كَذَّبْتُكَ فَكَذِّبْنِي وارْدُدْ عَلَيَّ مِثْلَ ما قُلْتُ لَكَ، فَإذا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَإنِّي سَأشْتُمُكَ فاشْتُمْنِي، فَإذا أنْتَ شَتَمْتَنِي لَطَمْتُكَ، فَإذا أنا لَطَمْتُكَ فَقُمْ فالطِمْنِي، قالَ: ما كُنْتُ لِأسْتَقْبَلَكَ بِذَلِكَ يا عَمُّ، قالَ: بَلى، فافْعَلْ، فَإنِّي أُرِيدُ بِها صَلاحَكَ وصَلاحَ أهْلِ بَيْتِكَ. فَقالَ الفَتى: نَعَمْ؛ حَيْثُ عَرَفَ هَوى عَمِّهِ، فَجاءَ فَقالَ ما أُمِرَ بِهِ حَتّى لَطَمَهُ فَتَناوَلَهُ الفَتى فَلَطَمَهُ، فَقالَ الشَّيْخُ: يا مَعْشَرَ بَنِي فُلانٍ أُلْطَمُ فِيكُمْ! لا سَكَنْتُ في بَلَدٍ لَطَمَنِي فِيهِ فُلانٌ أبَدًا، مَن يَبْتاعُ مِنِّي؟ فَلَمّا عَرَفَ القَوْمُ مِنهُ الجِدَّ أعْطَوْهُ، فَنَظَرَ إلى أفْضَلِهِمْ عَطِيَّةً، فَوَجَبَ لَهُ البَيْعَ، (p-١٩١)فَدَعا بِالمالِ فَنَقَدَهُ وتَحَمَّلَ هو وبَنُوهُ مِن لَيْلَتِهِ فَتَفَرَّقُوا. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: كانَ في سَبَأٍ كَهَنَةٌ، وكانَتِ الشَّياطِينُ يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ، فَأخْبَرُوا الكَهَنَةَ بِشَيْءٍ مِن أخْبارِ السَّماءِ، وكانَ فِيهِمْ رَجُلٌ كاهِنٌ شَرِيفٌ كَثِيرُ المالِ، وأنَّهُ خُبِّرَ أنَّ زَوالَ أمْرِهِمْ قَدْ دَنا، وأنَّ العَذابَ قَدْ أظَلَّهُمْ، فَلَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَصْنَعُ؛ لِأنَّهُ كانَ لَهُ مالٌ كَثِيرٌ مِن عَقارٍ. فَقالَ لِرَجُلٍ مِن بَنِيهِ- وهو أعَزُّهم أخْوالًا-: إذا كانَ غَدًا وأمَرْتُكَ بِأمْرٍ فَلا تَفْعَلْهُ، فَإذا انْتَهَرْتُكَ فانْتَهِرْنِي، فَإذا تَناوَلْتُكَ فالطِمْنِي. قالَ: يا أبَتِ لا تَفْعَلْ إنَّ هَذا أمْرٌ عَظِيمٌ وأمْرٌ شَدِيدٌ. قالَ: يا بُنَيَّ قَدْ حَدَثَ أمْرٌ لا بُدَّ مِنهُ. فَلَمْ يَزَلْ حَتّى هايَأهُ عَلى ذَلِكَ، فَلَمّا أصْبَحُوا واجْتَمَعَ النّاسُ قالَ: يا بُنَيَّ افْعَلْ كَذا وكَذا، فَأبى فانْتَهَرَهُ أبُوهُ فَأجابَهُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ بَيْنَهُما حَتّى تَناوَلَهُ أبُوهُ، فَوَثَبَ عَلى أبِيهِ فَلَطَمَهُ. فَقالَ: ابْنِي يَلْطِمُنِي عَلَيَّ بِالشَّفْرَةِ. قالُوا: وما تَصْنَعُ بِالشَّفْرَةِ؟ قالَ: أذْبَحُهُ، قالُوا: تَذْبَحُ ابْنَكَ، الطِمْهُ أوِ اصْنَعْ ما بَدا لَكَ، فَأبى وقالَ: أرْسِلُوا إلى أخْوالِهِ فَأعْلِمُوهم بِذَلِكَ. فَجاءَ أخْوالُهُ فَقالُوا: خُذْ مِنّا ما بَدا لَكَ. فَأبى إلّا أنْ يَذْبَحَهُ قالُوا: فَلَتَمُوتَنَّ قَبْلَ أنْ تَذْبَحَهُ. قالَ: فَإذا كانَ الحَدِيثُ هَكَذا، فَإنِّي لا (p-١٩٢)أرى أنْ أُقِيمَ بِبَلَدٍ يُحالُ بَيْنِي وبَيْنَ ابْنِي فِيهِ، اشْتَرُوا مِنِّي دُورِي، اشْتَرُوا مِنِّي أرْضِي. فَلَمْ يَزَلْ حَتّى باعَ دُورَهُ وأراضِيَهِ وعَقارَهُ. فَلَمّا صارَ الثَّمَنُ في يَدِهِ وأحْرَزَهُ قالَ: أيْ قَوْمِ إنَّ العَذابَ قَدْ أظَلَّكم وزَوالَ أمْرِكم قَدْ دَنا، فَمَن أرادَ مِنكم دارًا جَدِيدًا، وجَمَلًا شَدِيدًا، وسَفَرًا بَعِيدًا، فَلْيَلْحَقْ بِعُمانَ، ومَن أرادَ مِنكُمُ الخَمْرَ والخَمِيرَ والعَصِيرَ فَلْيَلْحَقْ بِبُصْرى، ومَن أرادَ مِنكُمُ الرّاسِخاتِ في الوَحْلِ المُطْعِماتِ في المَحْلِ، المُقِيماتِ في الضَّحْلِ فَلْيَلْحَقْ بِيَثْرِبَ ذاتِ نَخْلٍ. فَأطاعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ أهْلُ عُمانَ إلى عُمانَ، وخَرَجَتْ غَسّانُ إلى بُصْرى، وخَرَجَتِ الأوْسُ والخَزْرَجُ وبَنُو كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو إلى يَثْرِبَ. فَلَمّا كانُوا بِبَطْنِ مَرٍّ قالَ بَنُو كَعْبٍ: هَذا مَكانٌ صالِحٌ لا نَبْغِي بِهِ بَدَلًا. فَأقامُوا، فَلِذَلِكَ سُمُّوا خُزاعَةَ لِأنَّهُمُ انْخَزَعُوا عَنْ أصْحابِهِمْ، وأقْبَلَتِ الأوْسُ والخَزْرَجُ حَتّى نَزَلُوا يَثْرِبَ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ﴾ الآياتِ. قالَ: كانَ لَهم مَجْلِسٌ مُشَيَّدٌ بِالمَرْمَرِ، فَأتاهم ناسٌ مِنَ النَّصارى فَقالُوا: اشُكِرُوا اللَّهَ الَّذِي أعْطاكم هَذا. قالُوا: ومَن أعْطاناهُ؟ إنَّما كانَ هَذا لِآبائِنا (p-١٩٣)فَوَرِثْناهُ. فَسَمِعَ ذَلِكَ ذُو يَزَنَ فَعَرَفَ أنَّهُ سَيَكُونُ لِكَلِمَتِهِمْ تِلْكَ غِيَرٌ، فَقالَ لِابْنِهِ: كَلامُكَ عَلَيَّ حَرامٌ إنْ لَمْ تَأْتِ غَدًا وأنا في مَجْلِسِ قَوْمِي فَتَصُكَّ وجْهِي. فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَقالَ: لا أُقِيمُ بِأرْضٍ فَعَلَ هَذا ابْنِي بِي فِيها، ألا مَن يَبْتاعُ مِنِّي مالِي. فابْتَدَرَهُ النّاسُ فابْتاعُوهُ. فَبَعَثَ اللَّهُ جُرَذًا أعْمى يُقالُ لَهُ: الخُلْدُ مِن جُرْذانٍ عُمْيٍ فَلَمْ يَزَلْ يَحْفِرُ السَّدَّ حَتّى خَرَقَهُ فانْهَدَمَ وذَهَبَ الماءُ بِالجَنَّتَيْنِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إلى سَبَأٍ ثَلاثَةَ عَشَرَ نَبِيًّا فَكَذَّبُوهُمْ، وكانَ لَهم سَدٌّ قَدْ كانُوا قَدْ بَنَوْهُ بُنْيانًا أُبِّدًا، وهو الَّذِي كانَ يَرُدُّ عَنْهُمُ السَّيْلَ إذا جاءَ أنْ يَغْشى أمْوالَهُمْ، وكانَ فِيما يَزْعُمُونَ في عِلْمِهِمْ مِن كَهانَتِهِمْ أنَّهُ إنَّما يُخَرِّبُ سَدَّهم ذَلِكَ فارَةٌ، فَلَمْ يَتْرُكُوا فُرْجَةً بَيْنَ حَجَرَيْنِ إلّا رَبَطُوا عِنْدَها هِرَّةً، فَلَمّا جاءَ زَمانُهُ، وما أرادَ اللَّهُ بِهِمْ مِنَ التَّفْرِيقِ أقْبَلَتْ -فِيما يَذْكُرُونَ- فَأْرَةٌ حَمْراءُ إلى هِرَّةٍ مِن تِلْكَ الهِرَرِ فَساوَرَتْها حَتّى اسْتَأْخَرَتْ عَنْها الهِرَّةُ، فَدَخَلَتْ في الفُرْجَةِ الَّتِي كانَتْ عِنْدَها، فَتَغَلْغَلَتْ في السَّدِّ فَحَفَرَتْ فِيهِ حَتّى وهَّنَتْهُ لِلسَّيْلِ وهم لا يَدْرُونَ، فَلَمّا جاءَ السَّيْلُ وجَدَ عِلَلًا، فَدَخَلَ فِيهِ حَتّى قَلَعَ السَّدَّ وفاضَ عَلى الأمْوالِ فاحْتَمَلَها، فَلَمْ يَبْقَ مِنها (p-١٩٤)إلّا ما ذُكِرَ عَنِ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الضَّحّاكِ في الآيَةِ قالَ: كانَتْ أوْدِيَةُ اليَمَنِ تَسِيلُ إلى وادِي سَبَأٍ وهو وادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَعَمَدَ أهْلُ سَبَأٍ فَسَدُّوا ما بَيْنَ الجَبَلَيْنِ بِالقِيرِ والحِجارَةِ وتَرَكُوا ما شاءُوا لِجَنّاتِهِمْ، فَعاشُوا بِذَلِكَ زَمانًا مِنَ الدَّهْرِ، ثُمَّ إنَّهم عَتَوْا وعَمِلُوا بِالمَعاصِي، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ السَّدِّ جُرَذًا فَنَقَبَهُ عَلَيْهِمْ، فَغَرَّقَ اللَّهُ مَساكِنَهم وجَنّاتِهِمْ وبَدَّلَهم بِمَكانِ جَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ، خَمْطٍ، والخَمْطُ: الأراكُ، وأثْلٍ، الأثْلُ: القَصِيرُ مِنَ الشَّجَرِ الَّذِي يَصْنَعُونَ مِنهُ الأقْداحَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿سَيْلَ العَرِمِ﴾ قالَ: الشَّدِيدُ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ ﴿سَيْلَ العَرِمِ﴾ . قالَ: المُسَنّاةِ بِلَحْنِ اليَمَنِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿سَيْلَ العَرِمِ﴾ قالَ: العَرِمُ (p-١٩٥)بِالحَبَشِيَّةِ؛ وهي المُسَنّاةُ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيها الماءُ ثُمَّ يَنْبَثِقُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَطاءٍ قالَ: العَرِمُ اسْمُ الوادِي. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿سَيْلَ العَرِمِ﴾ . قالَ: وادٍ كانَ بِاليَمَنِ كانَ يَسِيلُ إلى مَكَّةَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحّاكِ قالَ: وادِي سَبَأٍ يُدْعى العَرِمَ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿سَيْلَ العَرِمِ﴾ . قالَ: العَرِمُ السَّدُّ؛ ماءٌ أحْمَرُ أرْسَلَهُ اللَّهُ في السَّدِّ فَبَثَقَهُ وهَدَمَهُ، وحَفَرَ الوادِي عَنِ الجَنَّتَيْنِ، فارْتَفَعَتا وغارَ عَنْهُما الماءُ، فَيَبِسَتا ولَمْ يَكُنِ الماءُ الأحْمَرُ مِنَ السَّدِّ، كانَ شَيْئًا أرْسَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وفي قَوْلِهِ: ﴿أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ قالَ: الخَمْطُ الأراكُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ . قالَ: الخَمْطُ الأراكُ. ﴿وأثْلٍ﴾ . قالَ: الطَّرْفاءِ. (p-١٩٦)وأخْرَجَ الطَّسْتِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقِ قالَ لَهُ: أخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ . قالَ: الأراكُ. قالَ: وهَلْ تَعْرِفُ العَرَبُ ذَلِكَ؟ قالَ: نَعَمْ، أما سَمِعْتَ الشّاعِرَ وهو يَقُولُ: ؎وما مُغْزِلٌ فَرْدٌ تُراعِي بِعَيْنِها أغَنَّ غَضِيضَ الطَّرْفِ مِن خَلَلِ الخَمْطِ وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ في قَوْلِهِ: ﴿وأثْلٍ﴾ . قالَ: الأثْلُ شَجَرَةٌ لا يَأْكُلُها شَيْءٌ، وإنَّما هي حَطَبٌ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ في الآيَةِ قالَ: الخَمْطُ الأراكُ، والأثْلُ النُّضارُ والسِّدْرُ النَّبْقُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ في مَساكِنِهِمْ)، قالَ: قَوْمٌ أعْطاهُمُ اللَّهُ نِعْمَةً، وأمَرَهم بِطاعَتِهِ، ونَهاهم عَنْ مَعْصِيَتِهِ. قالَ اللَّهُ: ﴿فَأعْرَضُوا﴾ . قالَ: تَرَكَ القَوْمُ أمْرَ اللَّهِ، ﴿فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ﴾ . قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّ العَرِمَ وادِي سَبَأٍ كانَتْ تَجْتَمِعُ إلَيْهِ مَسايِلُ مِن أوْدِيَةٍ شَتّى، فَعَمَدُوا فَسَدُّوا ما بَيْنَ الجَبَلَيْنِ بِالقِيرِ والحِجارَةِ، وجَعَلُوا عَلَيْهِ أبْوابًا، وكانُوا يَأْخُذُونَ مِن مائِهِ ما احْتاجُوا إلَيْهِ، ويَسُدُّونَ عَنْهم ما لَمْ يَعْبَؤُوا بِهِ شَيْئًا مِن مائِهِ، فَلَمّا تَرَكَ القَوْمُ أمْرَ اللَّهِ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ جُرَذًا فَنَقَبَهُ مِن أسْفَلِهِ، فاتَّسَعَ حَتّى غَرَّقَ اللَّهُ بِهِ حُرُوثَهم وخَرَّبَ بِهِ أراضِيَهم عُقُوبَةً (p-١٩٧)بِأعْمالِهِمْ، قالَ اللَّهُ: ﴿وبَدَّلْناهم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ . والخَمْطُ الأراكُ، وأُكُلُهُ بَرِيرُهُ، ﴿وأثْلٍ وشَيْءٍ مِن سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ بَيْنَما شَجَرُ القَوْمِ مِن خَيْرِ الشَّجَرِ، إذْ صَيَّرَهُ اللَّهُ مِن شَرِّ الشَّجَرِ عُقُوبَةً بِأعْمالِهِمْ، قالَ اللَّهُ: ﴿ذَلِكَ جَزَيْناهم بِما كَفَرُوا وهَلْ نُجازِي إلا الكَفُورَ﴾ وإنَّ اللَّهَ إذا أرادَ بِعَبْدٍ كَرامَةً أوْ خَيْرًا تَقَبَّلَ حَسَناتِهِ، وإذا أرادَ بِعَبْدٍ هَوانا أمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: الخَمْطُ هو الأراكُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ وأبِي مالِكٍ، مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وهَلْ نُجازِي إلا الكَفُورَ﴾ قالَ: تِلْكَ المُناقَشَةُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ طاوُسٍ، ﴿وهَلْ نُجازِي إلا الكَفُورَ﴾ . قالَ: هو المُناقَشَةُ في الحِسابِ، ومَن نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ، وهو الكافِرُ لا يُغْفَرُ لَهُ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ (p-١٩٨)مُجاهِدٍ: (وهَلْ يُجازى) قالَ: هَلْ يُعاقَبُ إلّا الكَفُورُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي حِبَرَةَ وكانَ مِن أصْحابِ عَلِيٍّ قالَ: جَزاءُ المَعْصِيَةِ الوَهَنُ في العِبادَةِ، والضِّيقُ في المَعِيشَةِ، والمُنَغَّصُ في اللَّذَّةِ. قِيلَ: وما المُنَغِّصُ في اللَّذَّةِ؟ قالَ: لا يُصادِفُ لَذَّةَ حَلالٍ إلّا جاءَهُ مَن يُنَغِّصُهُ إيّاها. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ: ﴿القُرى الَّتِي بارَكْنا فِيها﴾ . قالَ: الشّامُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ: ﴿وجَعَلْنا بَيْنَهم وبَيْنَ القُرى الَّتِي بارَكْنا فِيها﴾ . قالَ: هي قُرى الشّامِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلْنا بَيْنَهم وبَيْنَ القُرى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرًى ظاهِرَةً﴾ . قالَ: كانَ فِيما بَيْنَ اليَمَنِ إلى الشّامِ قُرًى مُتَواصِلَةٌ، و﴿القُرى الَّتِي بارَكْنا فِيها﴾ (p-١٩٩)الشّامُ، كانَ الرَّجُلُ يَغْدُو فَيَقِيلُ في القَرْيَةِ، ثُمَّ يَرُوحُ فَيَبِيتُ في القَرْيَةِ الأُخْرى وكانَتِ المَرْأةُ تَخْرُجُ وزِنْبِيلُها عَلى رَأْسِها فَما تَبْلُغُ حَتّى يَمْتَلِئَ مِن كُلِّ الثِّمارِ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ أبِي مالِكٍ في قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلْنا بَيْنَهم وبَيْنَ القُرى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرًى ظاهِرَةً﴾ . قالَ: كانَتْ قُراهم مُتَّصِلَةٌ، يَنْظُرُ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ، وثَمَرُهم مُتَدَلٍّ فَبَطَرُوا. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الضَّحّاكِ في قَوْلِهِ: ﴿وقَدَّرْنا فِيها السَّيْرَ﴾ . قالَ: دانَيْنا فِيها السَّيْرَ. وأخْرَجَ إسْحاقُ بْنُ بِشْرٍ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلْنا بَيْنَهُمْ﴾ . يَعْنِي: بَيْنَ مَساكِنِهِمْ، ﴿وبَيْنَ القُرى الَّتِي بارَكْنا فِيها﴾ يَعْنِي: الأرْضَ المُقَدَّسَةَ، ﴿قُرًى﴾ فِيما بَيْنَ مَنازِلِهِمْ والأرْضِ المُقَدَّسَةِ، ﴿ظاهِرَةً﴾ يَعْنِي: عامِرَةً مُخْصِبَةً، ﴿وقَدَّرْنا فِيها السَّيْرَ﴾ يَعْنِي: فِيما بَيْنَ مَساكِنِهِمْ وبَيْنَ أرْضِ الشّامِ، ﴿سِيرُوا فِيها﴾ . يَعْنِي: إذا ظَعَنُوا مِن مَنازِلِهِمْ إلى أرْضِ الشّامِ (p-٢٠٠)مِنَ الأرْضِ المُقَدَّسَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ في قَوْلِهِ: ﴿قُرًى ظاهِرَةً﴾ قالَ: قُرًى بِالشّامِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وأيّامًا آمِنِينَ﴾ . قالَ: لا يَخافُونَ جُوعًا ولا ظَمَأً، إنَّما يَغْدُونَ فَيَقِيلُونَ في قَرْيَةٍ ويَرُوحُونَ فَيَبِيتُونَ في قَرْيَةٍ، أهْلُ جَنَّةٍ ونَهَرٍ، حَتّى لَقَدْ ذُكِرَ لَنا أنَّ المَرْأةَ كانَتْ تَضَعُ مِكْتَلَها عَلى رَأْسِها، فَيَمْتَلِئُ قَبْلَ أنْ تَرْجِعَ إلى أهْلِها، وكانَ الرَّجُلُ يُسافِرُ لا يَحْمِلُ مَعَهُ زادًا، فَبَطَرُوا النِّعْمَةَ، فَقالُوا: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أسْفارِنا، فَمُزِّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ وجُعِلُوا أحادِيثَ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الضَّحّاكِ في قَوْلِهِ: ﴿فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أسْفارِنا﴾ . قالَ: قالُوا: يا لَيْتَ هَذِهِ القُرى يَبْعُدُ بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ، فَنَسِيرَ عَلى نَجائِبِنا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ يَحْيى بْنِ يَعْمَرَ أنَّهُ قَرَأ: (قالُوا رَبَّنا بَعِّدْ بَيْنَ (p-٢٠١)أسْفارِنا) مُثَقَّلَةً. قالَ: لَمْ يَدْعُوا عَلى أنْفُسِهِمْ، ولَكِنْ شَكَوْا ما أصابَهم. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الكَلْبِيِّ، أنَّهُ قَرَأ: (قالُوا رَبَّنا بَعِّدْ) مُثَقَّلَةً عَلى مَعْنى فَعِّلْ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي الحَسَنِ، أنَّهُ قَرَأ: (بَعُدَ بَيْنَ أسْفارِنا) بِنَصْبِ الباءِ ورَفْعِ العَيْنِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عاصِمٍ، أنَّهُ قَرَأ:“رَبَّنا ”بِالنَّصْبِ ﴿باعِدْ﴾ بِنَصْبِ الباءِ وكَسْرِ العَيْنِ عَلى الدُّعاءِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿ومَزَّقْناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ قالَ: أمّا غَسّانُ فَلَحِقُوا بِالشّامِ، وأمّا الأنْصارُ فَلَحِقُوا بِيَثْرِبَ، وأمّا خُزاعَةُ فَلَحِقُوا بِتِهامَةَ، وأمّا الأزْدُ فَلَحِقُوا بِعُمانَ، فَمَزَّقَهُمُ اللَّهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ . قالَ: قالَ: مُطَرِّفٌ: نِعُمَ العَبْدُ الصَّبّارُ الشَّكُورُ الَّذِي إذا أُعْطِيَ شَكَرَ، وإذا ابْتُلِيَ صَبَرَ. (p-٢٠٢)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ . قالَ: صَبّارٌ في الكَرِيهَةِ، شَكُورٌ عِنْدَ الحَسَنَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، وابْنُ جَرِيرٍ، والبَيْهَقِيُّ في“شُعَبِ الإيمانِ”عَنْ عامِرٍ الشَّعْبِيِّ قالَ: الشُّكْرُ نِصْفُ الإيمانِ، والصَّبْرُ نِصْفُ الإيمانِ، واليَقِينُ الإيمانُ كُلُّهُ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ: سَمِعْتُ أبا القاسِمِ ﷺ يَقُولُ: «“إنَّ اللَّهَ قالَ: يا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ، إنِّي باعِثٌ بَعْدَكَ أُمَّةً إنْ أصابَهم ما يُحِبُّونَ حَمِدُوا وشَكَرُوا، وإنْ أصابَهم ما يَكْرَهُونَ احْتَسَبُوا وصَبَرُوا، ولا حِلْمَ ولا عِلْمَ، قالَ: يا رَبِّ، كَيْفَ يَكُونُ هَذا لَهُمْ، ولا حِلْمَ ولا عِلْمَ؟ قالَ: أُعْطِيهِمْ مِن حِلْمِي وعِلْمِي”» . وأخْرَجَ أحْمَدُ ومُسْلِمٌ، والبَيْهَقِيُّ في“شُعَبِ الإيمانِ”، والدّارِمِيُّ، وابْنُ حِبّانَ عَنْ صُهَيْبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «“عَجَبًا لِأمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَ المُؤْمِنِ كُلَّهُ خَيْرٌ، إنْ أصابَتْهُ سَرّاءُ فَشَكَرَ كانَ خَيْرًا، وإنْ أصابَتْهُ ضَرّاءُ فَصَبَرَ كانَ خَيْرًا» . وأخْرَجَ أحْمَدُ والبَيْهَقِيُّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ (p-٢٠٣)ﷺ: «”عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ إنْ أُعْطِيَ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ فَشَكَرَ، وإنِ ابْتُلِيَ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ فَصَبَرَ، فالمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ عَلى كُلِّ حالٍ، حَتّى اللُّقْمَةِ يَرْفَعُها إلى فِيهِ“» . وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في ”الشُّعَبِ“ وأبُو نُعَيْمٍ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «"مَن نَظَرَ في الدِّينِ إلى مَن فَوْقَهُ، وفي الدُّنْيا إلى مَن تَحْتَهُ، كَتَبَهُ اللَّهُ صابِرًا وشاكِرًا، ومَن نَظَرَ في الدِّينِ إلى مَن تَحْتَهُ، ونَظَرَ في الدُّنْيا إلى مَن فَوْقَهُ، لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ صابِرًا ولا شاكِرًا» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب