الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأزْواجِكَ﴾ الآيَةَ. أخْرَجَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، مِن طَرِيقِ أبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: «أقْبَلَ أبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ والنّاسُ بِبابِهِ جُلُوسٌ، والنَّبِيُّ ﷺ جالِسٌ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، ثُمَّ أقْبَلَ عُمَرُ فاسْتَأْذَنَ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، ثُمَّ أُذِنَ لِأبِي بَكْرٍ وعُمَرَ فَدَخَلا، والنَّبِيُّ ﷺ جالِسٌ وحَوْلَهُ نِساؤُهُ وهو ساكِتٌ، فَقالَ عُمَرُ: لَأُكَلِّمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَعَلَّهُ يَضْحَكُ. فَقالَ عُمَرُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأيْتَ ابْنَةَ زَيْدٍ -امْرَأةَ عُمَرَ- سَألَتْنِي النَّفَقَةَ آنِفًا فَوَجَأْتُ عُنُقَها. فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتّى بَدا ناجِذُهُ وقالَ: ”هُنَّ حَوْلِي يَسْألْنَنِي النَّفَقَةَ“، فَقامَ أبُو بَكْرٍ إلى عائِشَةَ لِيَضْرِبَها، وقامَ عُمَرُ إلى حَفْصَةَ كِلاهُما يَقُولانِ: تَسْألانِ النَّبِيَّ ﷺ ما لَيْسَ عِنْدَهُ؟ فَنَهاهُما رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْنَ نِساؤُهُ: واللَّهِ لا نَسْألُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ هَذا المَجْلِسِ ما لَيْسَ عِنْدَهُ. وأنْزَلَ (p-٢٠)اللَّهُ الخِيارَ فَبَدَأ بِعائِشَةَ فَقالَ: ”إنِّي ذاكِرٌ لَكِ أمْرًا ما أُحِبُّ أنْ تَعْجَلِي فِيهِ حَتّى تَسْتَأْمِرِي أبَوَيْكِ، قالَتْ: ما هُوَ؟ فَتَلا عَلَيْها: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأزْواجِكَ﴾ الآيَةَ، قالَتْ عائِشَةُ: أفِيكَ أسْتَأْمِرُ أبَوَيَّ؟! بَلْ أخْتارُ اللَّهَ ورَسُولَهُ وأسْألُكَ ألّا تَذْكُرَ لِامْرَأةٍ مِن نِسائِكَ ما اخْتَرْتُ فَقالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُتَعَنِّتًا، وإنَّما بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا، لا تَسْألُنِي امْرَأةٌ مِنهُنَّ عَمّا اخْتَرْتِ إلّا أخْبَرْتُها» . وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أبِي سَلَمَةَ الحَضْرَمِيِّ قالَ: جَلَسْتُ مَعَ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وجابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وهُما يَتَحَدَّثانِ، وقَدْ ذَهَبَ بَصَرُ جابِرٍ، فَجاءَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقالَ: يا أبا عَبْدِ اللَّهِ، أرْسَلَنِي إلَيْكَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أسْألُكَ فِيمَ هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نِساءَهُ؟ فَقالَ جابِرٌ: «تَرَكَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا ولَيْلَةً لَمْ يَخْرُجْ إلى الصَّلاةِ، فَأخَذَنا ما تَقَدَّمَ وما تَأخَّرَ، فاجْتَمَعْنا بِبابِهِ، فَنَتَكَلَّمُ لِيَسْمَعَ كَلامَنا ويَعْلَمَ مَكانَنا، فَأطَلْنا الوُقُوفَ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَنا ولَمْ يَخْرُجْ إلَيْنا، فَقُلْنا: قَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكانَكُمْ، ولَوْ أرادَ أنْ يَأْذَنَ لَكم لِأذِنَ، فَتَفَرَّقُوا لا تُؤْذُوهُ. فَتَفَرَّقَ النّاسُ غَيْرَ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ يَتَنَحْنَحُ ويَتَكَلَّمُ ويَسْتَأْذِنُ، حَتّى أذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قالَ عُمَرُ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وهو واضِعٌ يَدَهُ عَلى خَدِّهِ أعْرِفُ بِهِ الكَآبَةَ فَقُلْتُ لَهُ: أيْ نَبِيَّ اللَّهِ، بِأبِي أنْتَ وأُمِّي، ما الَّذِي رابَكَ؟ وما لَقِيَ النّاسُ (p-٢١)بَعْدَكَ مِن فَقْدِهِمْ لِرُؤْيَتِكَ؟ فَقالَ:“يا عُمَرُ، سَألْنَنِي أُولاءِ ما لَيْسَ عِنْدِي - يَعْنِي نِساءَهُ - فَذاكَ الَّذِي بَلَغَ بِي ما تَرى”، فَقُلْتُ: يا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ صَكَكْتُ جَمِيلَةَ بِنْتَ ثابِتٍ صَكَّةً ألْصَقْتُ خَدَّها مِنها بِالأرْضِ؛ لِأنَّها سَألَتْنِي ما لَيْسَ عِنْدِي، وأنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ عَلى مَوْعِدٍ مِن رَبِّكَ، وهو جاعِلٌ بَعْدَ العُسْرِ يُسْرًا، قالَ: فَلَمْ أزَلْ أُكَلِّمُهُ حَتّى رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ تَحَلَّلَ عَنْهُ بَعْضُ ذَلِكَ، فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أبا بَكْرٍ الصَّدِيقَ فَحَدَّثْتُهُ الحَدِيثَ، فَدَخَلَ أبُو بَكْرٍ عَلى عائِشَةَ قَدْ عَلِمْتِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لا يَدَّخِرُ عَنْكُنَّ شَيْئًا، فَلا تَسْألِيهِ ما لا يَجِدُ، انْظُرِي حاجَتَكِ فاطْلُبِيها إلَيَّ، وانْطَلَقَ عُمَرُ إلى حَفْصَةَ، فَذَكَرَ لَها مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ اتَّبَعا أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ، فَجَعَلا يَذْكُرانِ لَهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى في ذَلِكَ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأزْواجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلا﴾ يَعْنِي مُتْعَةَ الطَّلاقِ، ويَعْنِي بِتَسْرِيحِهِنَّ تَطْلِيقَهُنَّ طَلاقًا جَمِيلًا، ﴿وإنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ ورَسُولَهُ والدّارَ الآخِرَةَ فَإنَّ اللَّهَ أعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنكُنَّ أجْرًا عَظِيمًا﴾، فانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَبَدَأ بِعائِشَةَ فَقالَ:“إنَّ اللَّهَ قَدْ أمَرَنِي أنْ أُخَيِّرَكُنَّ بَيْنَ أنْ تَخْتَرْنَ اللَّهَ ورَسُولَهُ والدّارَ الآخِرَةَ، وبَيْنَ أنْ تَخْتَرْنَ الدُّنْيا وزِينَتَها، وقَدْ بَدَأْتُ بِكِ وأنا أُخَيِّرُكِ”قالَتْ: وهَلْ بَدَأْتَ بِأحَدٍ مِنهُنَّ قَبْلِي؟ قالَ:“لا”، قالَتْ: فَإنِّي أخْتارُ اللَّهَ ورَسُولَهُ والدّارَ الآخِرَةَ، فاكْتُمْ عَلَيَّ ولا تُخْبِرْ بِذاكَ نِساءَكَ. قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:“بَلْ أُخْبِرُهُنَّ بِهِ”. فَأخْبَرَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَمِيعًا، فاخْتَرْنَ (p-٢٢)اللَّهَ ورَسُولَهُ والدّارَ الآخِرَةَ، فَكانَ خِيارُهُ بَيْنَ الدُّنْيا والآخِرَةِ، أتَخْتَرْنَ الآخِرَةَ أوِ الدُّنْيا؟ قالَ: ﴿وإنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ ورَسُولَهُ والدّارَ الآخِرَةَ فَإنَّ اللَّهَ أعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنكُنَّ أجْرًا عَظِيمًا﴾ فاخْتَرْنَ ألّا يَتَزَوَّجْنَ بَعْدَهُ، ثُمَّ قالَ: ﴿يا نِساءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾، يَعْنِي الزِّنا، ﴿يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ يَعْنِي في الآخِرَةِ، ﴿وكانَ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ ﴿ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ ورَسُولِهِ﴾ . يَعْنِي: تُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ، ﴿وتَعْمَلْ صالِحًا نُؤْتِها أجْرَها مَرَّتَيْنِ﴾ مُضاعَفًا لَها في الآخِرَةِ، ﴿وأعْتَدْنا لَها رِزْقًا كَرِيمًا﴾ ﴿يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّساءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: ٣٢] . يَقُولُ: فُجُورٌ، ﴿وقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: ٣٢] ﴿وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٣] يَقُولُ: لا تَخْرُجْنَ مِن بُيُوتِكُنَّ، ﴿ولا تَبَرَّجْنَ﴾ [الأحزاب: ٣٣] . يَعْنِي إلْقاءَ القِناعِ، فِعْلَ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ الأُولى» . ثُمَّ قالَ جابِرٌ لِأبِي سَعِيدٍ: ألَمْ يَكُنِ الحَدِيثُ هَكَذا؟ قالَ: بَلى. وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، والبَيْهَقِيُّ في“سُنَنِهِ”، عَنْ عائِشَةَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جاءَها حِينَ أمَرَهُ اللَّهُ أنْ يُخَيِّرَ أزْواجَهُ، قالَتْ: فَبَدَأ بِي فَقالَ:“إنِّي ذاكِرٌ لَكَ أمْرًا، فَلا عَلَيْكَ أنْ لا تَسْتَعْجِلِي حَتّى تَسْتَأْمِرِي (p-٢٣)أبَوَيْكِ”. وقَدْ عَلِمَ أنَّ أبَوَيَّ لَمْ يَكُونا يَأْمُرانِي بِفِراقِهِ، فَقالَ:“إنَّ اللَّهَ قالَ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأزْواجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها﴾ إلى تَمامِ الآيَتَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: فَفي أيِّ هَذا أسْتَأْمِرُ أبَوَيَّ؟ فَإنِّي أُرِيدُ اللَّهَ ورَسُولَهُ والدّارَ الآخِرَةَ. وفَعَلَ أزْواجُ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَ ما فَعَلْتُ» . وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: «لَمّا خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نِساءَهُ بَدَأ بِعائِشَةَ فَقالَ: ”إنَّ اللَّهَ خَيَّرَكِ“ فَقالَتِ: اخْتَرْتُ اللَّهَ ورَسُولَهُ. ثُمَّ خَيَّرَ حَفْصَةَ فَقَبِلْنَ جَمِيعًا، فاخْتَرْنَ اللَّهَ ورَسُولَهُ، غَيْرَ العامِرِيَّةِ اخْتارَتْ قَوْمَها، فَكانَتْ بَعْدُ تَقُولُ: أنا الشَّقِيَّةُ، وكانَتْ تَلْقُطُ البَعْرَ وتَبِيعُهُ، وتَسْتَأْذِنُ عَلى أزْواجِ النَّبِيِّ ﷺ وتَسْألُهُنَّ، وتَقُولُ: أنا الشَّقِيَّةُ» . وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ قالَ: «قالَ نِساءُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ما نِساءٌ أغْلى مُهُورًا مِنّا، فَغارَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ فَأمَرَهُ أنْ يَعْتَزِلَهُنَّ، فاعْتَزَلَهُنَّ تِسْعَةً وعِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يُخَيِّرَهُنَّ فَخَيَّرَهُنَّ» . (p-٢٤)وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ مَنّاحٍ قالَ: «اخْتَرْنَهُ ﷺ جَمِيعًا غَيْرَ العامِرِيَّةِ، كانَتْ ذاهِبَةَ العَقْلِ حَتّى ماتَتْ» . وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيَهْجُرُنا شَهْرًا، فَدَخَلَ عَلَيَّ صَبِيحَةَ تِسْعَةٍ وعِشْرِينَ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ألَمْ تَكُنْ حَلَفْتَ لَتَهْجُرُنا شَهْرًا قالَ: ”إنَّ الشَّهْرَ هَكَذا وهَكَذا وهَكَذا، وضَرَبَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، وقَبَضَ إصْبَعًا في الثّالِثَةِ، ثُمَّ قالَ:“يا عائِشَةُ، إنِّي ذاكِرٌ لَكِ أمْرًا، فَلا عَلَيْكِ أنْ لا تَعْجَلِي حَتّى تَسْتَشِيرِي أبَوَيْكِ”. وخَشِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَداثَةَ سِنِّي، قُلْتُ: وما ذاكَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ:“إنِّي أُمِرْتُ أنْ أُخَيِّرَكُنَّ”. ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأزْواجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها﴾ . إلى قَوْلِهِ: ﴿أجْرًا عَظِيمًا﴾ قالَتْ: قُلْتُ: فِيمَ أسْتَشِيرُ أبَوَيَّ يا رَسُولَ اللَّهِ؟! بَلْ أخْتارُ اللَّهَ ورَسُولَهُ، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ، وسَمِعَ نِساؤُهُ بِذَلِكَ فَتَواتَرْنَ عَلَيْهِ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «إنَّما خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أزْواجَهُ بَيْنَ الدُّنْيا والآخِرَةِ» . (p-٢٥)وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ والحَسَنِ قالا: «أمَرَهُ اللَّهُ أنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيا والآخِرَةِ، والجَنَّةِ والنّارِ» -قالَ الحَسَنُ: في شَيْءٍ كُنَّ أرَدْنَهُ مِنَ الدُّنْيا، وقالَ قَتادَةُ: في غَيْرَةٍ كانَتْ غارَتْها عائِشَةُ- وكانَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ خَمْسٌ مِن قُرَيْشٍ؛ عائِشَةُ، وحَفْصَةُ، وأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أبِي سُفْيانَ، وسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أبِي أُمَيَّةَ، وكانَتْ تَحْتَهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حَيَيٍّ الخَيْبَرِيَّةُ، ومَيْمُونَةُ بِنْتُ الحارِثِ الهِلالِيَّةُ، وزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الأسْدِيَّةُ، وجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الحارِثِ مِن بَنِي المُصْطَلِقِ، وبَدَأ بِعائِشَةَ فَلَمّا اخْتارَتِ اللَّهَ ورَسُولَهُ والدّارَ الآخِرَةَ رُئِيَ الفَرَحُ في وجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَتابَعْنَ كُلُّهُنَّ عَلى ذَلِكَ، فَلَمّا خَيَّرَهُنَّ واخْتَرْنَ اللَّهَ ورَسُولَهُ والدّارَ الآخِرَةَ شَكَرَهُنَّ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ أنْ قالَ: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِن بَعْدُ ولا أنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِن أزْواجٍ ولَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٢] [الأحْزابَ: ٥٢] فَقَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ، وهُنَّ التِّسْعُ اللّاتِي اخْتَرْنَ اللَّهَ ورَسُولَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأزْواجِكَ﴾ الآيَةَ، قالَ: «أمَرَ اللَّهُ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ أنْ يُخَيِّرَ نِساءَهُ في هَذِهِ الآيَةِ، فَلَمْ تَخْتَرْ واحِدَةٌ مِنهُنَّ نَفْسَها غَيْرَ الحِمْيَرِيَّةِ» . وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في“السُّنَنِ" عَنْ مُقاتِلِ بْنِ سُلَيْمانَ في قَوْلِهِ: ﴿يا نِساءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ يَعْنِي العِصْيانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، (p-٢٦)﴿يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ . في الآخِرَةِ، ﴿وكانَ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ يَقُولُ: وكانَ عَذابُها عِنْدَ اللَّهِ هَيِّنًا، ﴿ومَن يَقْنُتْ﴾ يَعْنِي: مَن يُطِعْ مِنكُنَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ، ﴿وتَعْمَلْ صالِحًا نُؤْتِها أجْرَها مَرَّتَيْنِ﴾ في الآخِرَةِ، بِكُلِّ صَلاةٍ أوْ صِيامٍ أوْ صَدَقَةٍ أوْ تَكْبِيرَةٍ أوْ تَسْبِيحَةٍ بِاللِّسانِ، مَكانَ كُلِّ حَسَنَةٍ يَكْتُبُ عِشْرِينَ حَسَنَةً. ﴿وأعْتَدْنا لَها رِزْقًا كَرِيمًا﴾ يَعْنِي: حَسَنًا، وهي الجَنَّةُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ . قالَ: عَذابُ الدُّنْيا وعَذابُ الآخِرَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: ﴿يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ قالَ: يُجْعَلُ عَذابُهُنَّ ضِعْفَيْنِ، ويُجْعَلُ عَلى مَن قَذَفَهُنَّ الحَدُّ ضِعْفَيْنِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يا نِساءَ النَّبِيِّ﴾ الآيَتَيْنِ. قالَ: إنَّ الحُجَّةَ عَلى الأنْبِياءِ أشَدُّ مِنها عَلى الأتْباعِ في الخَطِيئَةِ، وإنَّ الحُجَّةَ عَلى (p-٢٧)العُلَماءِ أشَدُّ مِنها عَلى غَيْرِهِمْ، وإنَّ الحُجَّةَ عَلى نِساءِ النَّبِيِّ ﷺ أشَدُّ مِنها عَلى غَيْرِهِنَّ، فَقالَ: إنَّهُ مَن عَصى مِنكُنَّ فَإنَّهُ يَكُونُ العَذابُ عَلَيْها الضَّعْفَ مِنهُ عَلى سائِرِ نِساءِ المُؤْمِنِينَ، ومَن عَمِلَ صالِحًا فَإنَّ الأجْرَ لَها الضِّعْفُ عَلى سائِرِ نِساءِ المُسْلِمِينَ. أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ ورَسُولِهِ وتَعْمَلْ صالِحًا﴾ . قالَ: يَقُولُ: مَن يُطِعِ اللَّهَ مِنكُنَّ وتَعْمَلْ مِنكُنَّ لِلَّهِ ورَسُولِهِ بِطاعَتِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ﴾ يَعْنِي: تُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ، ﴿وتَعْمَلْ صالِحًا﴾: تَصُومُ وتُصَلِّي. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنْ أبِي أُمامَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أرْبَعَةٌ يُؤْتُونَ أجْرَهم مَرَّتَيْنِ، أزْواجُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ومَن أسْلَمَ مِن أهْلِ الكِتابِ، ورَجُلٌ كانَتْ عِنْدَهُ أمَةٌ، فَأعْجَبَتْهُ فَأعْتَقَها ثُمَّ تَزَوَّجَها وعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أدّى حَقَّ اللَّهِ وحَقَّ سادَتِهِ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبائِهِ في قَوْلِهِ: ﴿يا نِساءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفاحِشَةٍ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿نُؤْتِها أجْرَها مَرَّتَيْنِ﴾ . وقَوْلِهِ: (p-٢٨)﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ﴾ [الأحزاب: ٣٣] . قالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: يَجْرِي أزْواجُهُ مَجْرانا في العِقابِ والثَّوابِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب