الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُعَلِّمُهُ الكِتابَ والحِكْمَةَ﴾ .
أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ويُعَلِّمُهُ الكِتابَ﴾ . قالَ: الخَطَّ بِالقَلَمِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿ويُعَلِّمُهُ الكِتابَ﴾ . قالَ: بِيَدِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: لَمّا تَرَعْرَعَ عِيسى جاءَتْ بِهِ أُمُّهُ إلى الكُتّابِ فَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ، فَقالَ: قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ. فَقالَ عِيسى: بِاسْمِ اللَّهِ. فَقالَ المُعَلِّمُ: قُلِ: الرَّحْمَنِ. قالَ عِيسى: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقالَ (p-٥٥١)المُعَلِّمُ: قُلْ: أبُو جادَ. قالَ: هو في كِتابٍ. فَقالَ عِيسى: أتَدْرِي ما ألِفٌ؟ قالَ: لا. قالَ: آلاءُ اللَّهِ، أتَدْرِي ما باءٌ؟
قالَ: لا. قالَ: بَهاءُ اللَّهِ، أتَدْرِي ما جِيمٌ؟ قالَ: لا. قالَ: جَلالُ اللَّهِ، أتَدْرِي ما اللّامُ؟ قالَ: لا. قالَ: آلاءُ اللَّهِ. فَجَعَلَ يُفَسِّرُ عَلى هَذا النَّحْوِ، فَقالَ المُعَلِّمُ: كَيْفَ أُعَلِّمُ مَن هو أعْلَمُ مِنِّي؟ قالَتْ: فَدَعْهُ يَقْعُدْ مَعَ الصِّبْيانِ، فَكانَ يُخْبِرُ الصِّبْيانَ بِما يَأْكُلُونَ، وما تَدَّخِرُ لَهم أُمَّهاتُهم في بُيُوتِهِمْ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «”إنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ أسْلَمَتْهُ أُمُّهُ إلى الكُتّابِ لِيُعَلِّمَهُ، فَقالَ لَهُ المُعَلِّمُ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ. قالَ عِيسى: وما بِاسْمِ اللَّهِ؟ قالَ لَهُ المُعَلِّمُ: ما أدْرِي. قالَ لَهُ عِيسى: الباءُ بَهاءُ اللَّهِ، والسِّينُ سَناؤُهُ، والمِيمُ مَمْلَكَتُهُ، واللَّهُ إلَهُ الآلِهَةِ، والرَّحْمَنُ رَحْمَنُ الآخِرَةِ والدُّنْيا، والرَّحِيمُ رَحِيمُ الآخِرَةِ، أبُو جادَ: الألِفُ، آلاءُ اللَّهِ، والباءُ بَهاءُ اللَّهِ، جِيمٌ جَلالُ اللَّهِ، دالٌ اللَّهُ الدّائِمُ، هَوَّزْ؛ الهاءُ الهاوِيَةُ، واوٌ ويْلٌ لِأهْلِ النّارِ وادٍ في جَهَنَّمَ، زايٌ زَيْنُ أهْلِ الدُّنْيا، حُطِّي: حاءٌ اللَّهُ الحَلِيمُ، طاءٌ اللَّهُ الطّالِبُ لِكُلِّ حَقٍّ حَتّى يَرُدَّهُ، ياءٌ أيْ أصْلُ النَّهارِ وهو (p-٥٥٢)الرَّجْعُ، كَلَمُنْ؛ الكافُ اللَّهُ الكافِي، لامٌ اللَّهُ القائِمُ، مِيمٌ اللَّهُ المالِكُ، نُونٌ نُونُ البَحْرِ، صَعْفَصْ؛ صادٌ اللَّهُ الصّادِقُ، عَيْنٌ اللَّهُ العالِمُ، فاءٌ اللَّهُ - ذَكَرَ كَلِمَةً - صادٌ اللَّهُ الصَّمَدُ، قَرَشَتْ؛ قافٌ الجَبَلُ المُحِيطُ بِالدُّنْيا الَّذِي اخْضَرَّتْ مِنهُ السَّماءُ، راءٌ رِياءُ النّاسِ بِها، سِينٌ سِتْرُ اللَّهِ، تاءٌ تَمَّتْ أبَدًا“» . قالَ ابْنُ عَدِيٍّ هَذا الحَدِيثُ باطِلٌ بِهَذا الإسْنادِ، لا يَرْوِيهِ غَيْرُ إسْماعِيلَ بْنِ يَحْيى.
وأخْرَجَ إسْحاقُ بْنُ بِشْرٍ، وابْنُ عَساكِرَ، مِن طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ، ومُقاتِلٍ، عَنِ الضَّحّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ أمْسَكَ عَنِ الكَلامِ بَعْدَ إذْ كَلَّمَهم طِفْلًا حَتّى بَلَغَ ما يَبْلُغُ الغِلْمانُ، ثُمَّ أنْطَقَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالحِكْمَةِ والبَيانِ، فَأكْثَرَ اليَهُودُ فِيهِ وفي أُمِّهِ مِن قَوْلِ الزُّورِ، فَكانَ عِيسى يَشْرَبُ اللَّبَنَ مِن أُمِّهِ، فَلَمّا فُطِمَ أكَلَ الطَّعامَ وشَرِبَ الشَّرابِ، حَتّى بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، فَكانَتِ اليَهُودُ تُسَمِّيهِ ابْنَ البَغِيَّةِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتانًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٥٦] . فَلَمّا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ أسْلَمَتْهُ أُمُّهُ لِرَجُلٍ يُعَلِّمُهُ كَما يُعَلِّمُ الغِلْمانَ، فَلا يُعَلِّمُهُ شَيْئًا إلّا بَدَرَهُ عِيسى إلى عِلْمِهِ قَبْلَ أنْ يُعَلِّمَهُ إيّاهُ، فَعَلَّمَهُ أبا جادَ، فَقالَ عِيسى: ما أبُو جادَ؟ قالَ المُعَلِّمَ: لا أدْرِي. فَقالَ عِيسى: فَكَيْفَ تُعَلِّمُنِي ما لا تَدْرِي؟ فَقالَ المُعَلِّمُ: فَإذَنْ فَعَلِّمْنِي. قالَ لَهُ عِيسى: فَقُمْ مِن مَجْلِسِكَ. فَقامَ، فَجَلَسَ عِيسى مَجْلِسَهُ، فَقالَ: سَلْنِي. فَقالَ المُعَلِّمُ: فَما أبُو جادَ؟ فَقالَ عِيسى: الألِفُ آلاءُ اللَّهِ، باءٌ بَهاءُ اللَّهِ، جِيمٌ بَهْجَةُ اللَّهِ وجَمالُهُ. فَعَجِبَ المُعَلِّمُ مِن ذَلِكَ، فَكانَ أوَّلَ مَن فَسَّرَ (p-٥٥٣)أبْا جادَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ. قالَ: «وسَألَ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما تَفْسِيرُ أبِي جادَ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”تَعَلَّمُوا أبا جادَ؛ فَإنَّ فِيهِ الأعاجِيبَ كُلَّها، ويْلٌ لِعالِمٍ جَهِلَ تَفْسِيرَهُ“ . فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ وما أبُو جادَ؟ قالَ: ”الألِفُ آلاءُ اللَّهِ، والباءُ بَهْجَةُ اللَّهِ وجَلالُهُ، والجِيمُ مَجْدُ اللَّهِ، والدّالُ دِينُ اللَّهِ، هَوَّزْ؛ الهاءُ الهاوِيَةُ، ويْلٌ لِمَن هَوى فِيها، والواوُ ويْلٌ لِأهْلِ النّارِ، والزّايُ الزّاوِيَةُ - يَعْنِي زَوايا جَهَنَّمَ - حُطِّي؛ الحاءُ حُطُوطُ خَطايا المُسْتَغْفِرِينَ في لَيْلَةِ القَدْرِ، وما نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ مَعَ المَلائِكَةِ إلى مَطْلَعِ الفَجْرِ، والطّاءُ طُوبى لَهم وحُسْنُ مَآبٍ، وهي شَجَرَةٌ غَرَسَها اللَّهُ بِيَدِهِ، والياءُ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ خَلْقِهِ، كَلَمُنْ؛ الكافُ كَلامُ اللَّهِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِهِ، واللّامُ إلْمامُ أهْلِ الجَنَّةِ بَيْنَهم بِالزِّيارَةِ والتَّحِيَّةِ والسَّلامِ، وتَلاوُمُ أهْلِ النّارِ بَيْنَهُمْ، والمِيمُ مُلْكُ اللَّهِ الَّذِي لا يَزُولُ، ودَوامُ اللَّهِ الَّذِي لا يَفْنى، ونُونٌ نُونْ والقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ، صَعْفَصْ؛ الصّادُ صاعٌ بِصاعٍ وقِسْطٌ بِقِسْطٍ، وقَصٌّ بِقَصٍّ - يَعْنِي الجَزاءُ بِالجَزاءِ - وكَما تَدِينُ تُدانُ، واللَّهُ لا يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبادِ، قَرَشاتْ؛ يَعْنِي قَرَشَهَمْ فَجَمَعَهم يَوْمَ القِيامَةِ، يَقْضِي بَيْنَهم وهم لا يُظْلَمُونَ» .
ذِكْرُ نُبَذٍ مِن حِكَمِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ.
أخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ في“ الزُّهْدِ ”: أخْبَرَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحِوارِيِّينِ: كَما تَرَكَ لَكُمُ المُلُوكُ الحِكْمَةَ فَكَذَلِكَ اتْرُكُوا لَهُمُ الدُّنْيا.
(p-٥٥٤)وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قالَ: كانَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ يَقُولُ: لا يُصِيبُ أحَدٌ حَقِيقَةَ الإيمانِ حَتّى لا يُبالِيَ مِن أكْلِ الدُّنْيا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في“ المُصَنَّفِ ”، وأحْمَدُ في“ الزُّهْدِ ”، عَنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ قالَ: قِيلَ لِعِيسى: لَوِ اتَّخَذْتَ حِمارًا تَرْكَبُهُ لِحاجَتِكَ. فَقالَ: أنا أكْرَمُ عَلى اللَّهِ مِن أنْ يَجْعَلَ لِي شَيْئًا يَشْغَلُنِي بِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: قالَ عِيسى: مَعاشِرَ الحَوارِيِّينَ، إنَّ خَشْيَةَ اللَّهِ وحُبُّ الفِرْدَوْسَ يُورِثانِ الصَّبْرَ عَلى المَشَقَّةِ، ويُباعِدانِ مِن زَهْرَةِ الدُّنْيا.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ يَزِيدَ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ: يا ابْنَ آدَمَ الضَّعِيفَ، اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُما كُنْتَ، وكُلْ كِسْرَتَكَ مِن حَلالٍ، واتَّخِذِ المَسْجِدَ بَيْتًا، وكُنْ في الدُّنْيا ضَعِيفًا، وُعَوِّدْ نَفْسَكَ البُكاءَ، وقَلْبَكَ التَّفَكُّرَ، وجَسَدَكَ الصَّبْرَ، ولا تَهْتَمَّ بِرِزْقِكَ غَدًا، فَإنَّها خَطِيئَةٌ تُكْتَبُ عَلَيْكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، والأصْبَهانِيُّ في“ التَّرْغِيبِ ”، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ، أنَّ عِيسى قالَ. فَذَكَرَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا عَنْ وُهَيْبٍ المَكِّيِّ قالَ: بَلَغَنِي أنَّ عِيسى قالَ: أصْلُ كُلِّ خَطِيئَةٍ حُبُّ الدُّنْيا، ورُبَّ شَهْوَةٍ أوْرَثَتْ أهْلَها حُزْنًا طَوِيلًا.
(p-٥٥٥)وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ قالَ: كانَ عِيسى يَقُولُ: اعْبُرُوا الدُّنْيا ولا تَعْمُرُوها، وحُبُّ الدُّنْيا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ، والنَّظَرُ يَزْرَعُ في القَلْبِ الشَّهْوَةَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والبَيْهَقِيُّ في“ شُعَبِ الإيمانِ ”، عَنْ سُفْيانَ بْنِ سَعِيدٍ قالَ: كانَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُولُ: حُبُّ الدُّنْيا أصْلُ كُلِّ خَطِيئَةٍ، والمالُ فِيهِ داءٌ كَبِيرٌ، قالُوا: وما داؤُهُ؟ قالَ: لا يَسْلَمُ مِنَ الفَخْرِ والخُيَلاءِ. قالُوا: فَإنْ سَلِمَ. قالَ: يَشْغَلُهُ إصْلاحُهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ عَنْ عِمْرانَ الكُوفِيِّ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحِوارِيِّينَ: لا تَأْخُذُوا مِمَّنْ تَعْلَمُونَ الأجْرَ إلّا مِثْلَ الَّذِي أعْطَيْتُمُونِي، ويا مِلْحَ الأرْضِ لا تُفْسِدُوا، فَإنَّ كُلَّ شَيْءٍ إذا فَسَدَ فَإنَّما يُداوى بِالمِلْحِ، وإنَّ المِلْحَ إذا فَسَدَ فَلَيْسَ لَهُ دَواءٌ، واعْلَمُوا أنَّ فِيكم خَصْلَتَيْنِ مِنَ الجَهْلِ، الضَّحِكُ مِن غَيْرِ عَجَبٍ، والصَّبِيحَةُ مِن غَيْرِ سَهَرٍ.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ قالَ: قالَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: بِالقُلُوبِ الصّالِحَةِ يَعْمُرُ اللَّهُ الأرْضَ، وبِها تَخْرَبُ الأرْضُ إذا كانَتْ عَلى غَيْرِ ذَلِكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، والبَيْهَقِيُّ في“ شُعَبِ الإيمانِ ”، عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ (p-٥٥٦)قالَ: كانَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إذا مَرَّ بِدارٍ وقَدْ ماتَ أهْلُها، وقَفَ عَلَيْها فَقالَ: ويْحٌ لِأرْبابِكِ الَّذِينَ يَتَوارَثُونَكِ! كَيْفَ لَمْ يَعْتَبِرُوا فِعْلَكِ بِإخْوانِهِمُ الماضِينَ!
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ، عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: قالُوا لِعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: يا رُوحَ اللَّهِ، ألا نَبْنِي لَكَ بَيْتًا. قالَ: بَلى، ابْنُوهُ عَلى ساحِلِ البَحْرِ. قالُوا: إذَنْ يَجِيءُ الماءُ فَيَذْهَبُ بِهِ. قالَ: أيْنَ تُرِيدُونَ تَبْنُونَ لِي؟ عَلى القَنْطَرَةِ!
وأخْرَجَ أحْمَدُ في“ الزُّهْدِ ”عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: فَقَدَ الحَوارِيُّونَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ، فَوَجَدُوهُ يَمْشِي عَلى الماءِ، فَقالَ بَعْضُهم: يا نَبِيَّ اللَّهِ، أنَمْشِي إلَيْكَ؟ قالَ: نَعَمْ. فَوَضَعَ رِجْلَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يَضَعُ الأُخْرى فانْغَمَسَ، فَقالَ: هاتِ يَدَكَ يا قَصِيرَ الإيمانِ، لَوْ أنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْقالَ حَبَّةٍ أوْ ذَرَّةٍ مِنَ اليَقِينِ إذَنْ لَمَشى عَلى الماءِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قالَ: سَمِعْتُ أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: كانَتْ ولَمْ أكُنْ، وتَكُونُ ولا أكُونُ فِيها.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: لَمّا بُعِثَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ أكَبَّ الدُّنْيا عَلى وجْهِها، فَلَمّا رَفَعَ رَفَعَها النّاسُ بَعْدَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ في“ زَوائِدِهِ ”عَنِ الحَسَنِ قالَ: قالَ عِيسى عَلَيْهِ (p-٥٥٧)السَّلامُ: إنِّي أكْبَبْتُ الدُّنْيا عَلى وجْهِها، وقَعَدْتُ عَلى ظَهْرِها، فَلَيْسَ لِي ولَدٌ يَمُوتُ ولا بَيْتٌ يَخْرَبُ. قالُوا لَهُ: أفَلا تَتَّخِذُ بَيْتًا؟ قالَ: ابْنُوا لِي عَلى السَّيْلِ بَيْتًا. قالُوا: لا يَثْبُتُ. قالُوا: أفَلا تَتَّخِذُ لَكَ زَوْجَةً؟ قالَ: ما أصْنَعُ بِزَوْجَةٍ تَمُوتُ!
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ خَيْثَمَةَ قالَ: مَرَّتِ امْرَأةٌ عَلى عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَقالَتْ: طُوبى لِثَدْيٍ أرْضَعَكَ وحِجْرٍ حَمَلَكَ. فَقالَ عِيسى: طُوبى لِمَن قَرَأ كِتابَ اللَّهِ ثُمَّ عَمِلَ بِما فِيهِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: أوْحى اللَّهُ إلى عِيسى: إنِّي وهَبْتُ لَكَ حُبَّ المَساكِينِ ورَحْمَتَهُمْ، تُحِبُّهم ويُحِبُّونَكَ، ويَرْضُونَ بِكَ إمامًا وقائِدًا، وتَرْضى بِهِمْ صَحابَةً وتَبَعًا، وهُما خُلُقانِ، اعْلَمْ أنَّهُ مَن لَقِيَنِي بِهِما لَقِيَنِي بِأزْكى الأعْمالِ وأحَبِّها إلَيَّ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِياهٍ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ: يا مَعْشَرَ الحَوارِيِّينَ، اتَّخِذُوا المَساجِدَ مَساكِنَ، واجْعَلُوا بُيُوتَكم كَمَنازِلِ الأضْيافِ، فَما لَكَمَ في العالَمِ مِن مَنزِلٍ، إنْ أنْتُمْ إلّا عابِرِي سَبِيلٍ.
(p-٥٥٨)وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أنَّ عِيسى قالَ: بِحَقٍّ أنْ أقُولَ لَكم: إنَّ أكْنافَ السَّماءِ لَخالِيَةٌ مِنَ الأغْنِياءِ، ولَدُخُولُ جَمَلٍ في سَمِّ الخِياطِ أيْسَرُ مِن دُخُولِ غَنِيٍّ الجَنَّةَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ في“ زَوائِدِهِ ”عَنْ جَعْفَرِ بْنِ جِرْفاسٍ، أنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ قالَ: رَأْسُ الخَطِيئَةِ حُبُّ الدُّنْيا، والخَمْرُ مِفْتاحُ كُلِّ شَرٍّ، والنِّساءُ حِبالَةُ الشَّيْطانِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ سُفْيانَ قالَ: قالَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: إنَّ لِلْحِكْمَةِ أهْلًا، فَإنْ وضَعَتْها في غَيْرِ أهْلِها ضَيَّعَتْها، وإنْ مَنَعَتْها مِن أهْلِها ضَيَّعَتْها، كُنْ كالطَّبِيبِ يَضَعُ الدَّواءَ حَيْثُ يَنْبَغِي.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ واسِعٍ، أنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ قالَ: يا بَنِي إسْرائِيلَ، إنِّي أُعِيذُكم بِاللَّهِ أنْ تَكُونُوا عارًا عَلى أهْلِ الكِتابِ، يا بَنِي إسْرائِيلَ، قَوْلُكم شِفاءٌ يُذْهِبُ الدّاءَ، وأعْمالُكم داءٌ لا تَقْبَلُ الدَّواءَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبٍ قالَ: قالَ عِيسى لِأحْبارِ بَنِي إسْرائِيلَ: لا تَكُونُوا لِلنّاسِ كالذِّئْبِ السّارِقِ، وكالثَّعْلَبِ الخَدُوعِ، وكالحِدَأِ الخاطِفِ.
(p-٥٥٩)وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مَكْحُولٍ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ: يا مَعْشَرَ الحَوارِيِّينَ أيُّكم يَسْتَطِيعُ أنْ يَبْنِيَ عَلى مَوْجِ البَحْرِ دارًا؟ قالُوا: يا رُوحَ اللَّهِ، ومَن يَقْدِرُ عَلى ذَلِكَ؟ قالَ: إيّاكم والدُّنْيا فَلا تَتَّخِذُوها قَرارًا.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ زِيادٍ أبِي عَمْرٍو قالَ: بَلَغَنِي أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِنافِعِكَ أنْ تَعْلَمَ ما لَمْ تَعْلَمْ ولَمّا تَعْمَلْ بِما قَدْ عَلِمْتَ، إنَّ كَثْرَةَ العِلْمِ لا تَزِيدُ إلّا كِبْرًا إذا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ إبْراهِيمَ بْنِ الوَلِيدِ العَبْدِيِّ قالَ: بَلَغَنِي أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: الزُّهْدُ يَدُورُ في ثَلاثَةِ أيّامٍ؛ أمْسٍ خَلا وُعِظْتَ بِهِ، واليَوْمَ زادُكَ فِيهِ، وغَدًا لا تَدْرِي ما لَكَ فِيهِ. قالَ: والأمْرُ يَدُورُ عَلى ثَلاثَةٍ؛ أمْرٌ بانَ لَكَ رُشْدُهُ فاتَّبِعْهُ، وأمْرٌ بانَ لَكَ غَيُّهُ فاجْتَنِبْهُ، وأمْرٌ أُشْكِلَ عَلَيْكَ فَكِلْهُ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ قَتادَةَ قالَ: قالَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: سَلُونِي، فَإنَّ قَلْبِي لَيِّنٌ، وإنِّي صَغِيرٌ في نَفْسِي.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ بَشِيرٍ الدِّمَشْقِيِّ قالَ: مَرَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِقَوْمٍ فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا. ثَلاثًا، فَقالُوا: يا رُوحَ اللَّهِ، إنّا نُرِيدُ أنْ نَسْمَعَ مِنكَ اليَوْمَ مَوْعِظَةً ونَسْمَعَ مِنكَ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْهُ فِيما مَضى. فَأوْحى اللَّهُ إلى عِيسى أنْ قُلْ لَهم إنِّي مَن أغْفِرُ لَهُ مَغْفِرَةً واحِدَةً أُصْلِحُ لَهُ بِها دُنْياهُ وآخِرَتَهُ.
(p-٥٦٠)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، عَنْ خَثِيمَةَ قالَ: كانَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ إذا دَعا القُرّاءَ قامَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قالَ: هَكَذا اصْنَعُوا بِالقُرّاءِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ قالَ: قالَ المَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلامُ: إنْ أحْبَبْتُمْ أنْ تَكُونُوا أصْفِياءَ اللَّهِ ونُورَ بَنِي آدَمَ مِن خَلْقِهِ، فاعْفُوا عَمَّنْ ظَلَمَكُمْ، وعُودُوا مَن لا يَعُودُكُمْ، وأحْسِنُوا إلى مَن لا يُحْسِنُ إلَيْكُمْ، وأقْرِضُوا مَن لا يَجْزِيكم.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يَلْبَسُ الشَّعَرَ، ويَأْكُلُ مِن ورَقِ الشَّجَرِ، ويَبِيتُ حَيْثُ أمْسى، ولا يَرْفَعُ غَداءً لِعَشاءٍ، ولا عَشاءً لِغَداءٍ، ويَقُولُ: يَأْتِي كُلُّ يَوْمٍ بِرِزْقِهِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبٍ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ: يا دارُ تَخْرَبِينَ ويَفْنى سُكّانُكِ، ويا نَفْسُ اعْمَلِي تُرْزَقِي، ويا جَسَدُ انْصَبْ تَسْتَرِحْ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحِوارِيِّينَ: بِحَقٍّ أقُولُ لَكم - وكانَ عِيسى كَثِيرًا ما يَقُولُ: بِحَقٍّ أقُولُ لَكم -: إنَّ أشَدَّكم حُبًّا لِلدُّنْيا أشَدُّكم جَزَعًا عَلى المُصِيبَةِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ عَطاءٍ الأزْرَقِ قالَ: بَلَغَنا أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: (p-٥٦١)يا مَعْشَرَ الحَوارِيِّينَ، كُلُوا خُبْزَ الشَّعِيرِ ونَباتَ الأرْضِ والماءَ القَراحَ، وإيّاكم وخُبْزَ البُرِّ؛ فَإنَّكم لا تَقُومُونَ بِشُكْرِهِ، واعْلَمُوا أنَّ حَلاوَةَ الدُّنْيا مَرارَةُ الآخِرَةِ، وأنَّ مَرارَةَ الدُّنْيا حَلاوَةُ الآخِرَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُهُ في“ زَوائِدِهِ ”عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ: جَوْدَةُ الثِّيابِ مِن خُيَلاءَ القَلْبِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ سُفْيانَ قالَ: قالَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: إنِّي لَيْسَ أُحَدِّثُكم لِتَعْجَبُوا؛ إنَّما أُحَدِّثُكم لِتَعْمَلُوا.
وأخْرَجَ ابْنُهُ عَنْ أبِي حَسّانَ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ: كُنْ كالطَّبِيبِ العالِمِ، يَضَعُ دَواءَهُ حَيْثُ يَنْفَعُ.
وأخْرَجَ ابْنُهُ عَنْ عِمْرانَ بْنِ سُلَيْمانَ قالَ: بَلَغَنِي أنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ قالَ: يا بَنِي إسْرائِيلَ، تَهاوَنُوا بِالدُّنْيا تَهُنْ عَلَيْكُمْ، وأهِينُوا الدُّنْيا تَكْرُمُ الآخِرَةُ عَلَيْكُمْ، ولا تُكْرِمُوا الدُّنْيا فَتَهُونُ الآخِرَةُ عَلَيْكم؛ فَإنَّ الدُّنْيا لَيْسَتْ بِأهْلِ الكَرامَةِ، وكُلَّ يَوْمٍ تَدْعُو لِلْفِتْنَةِ والخَسارَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ، وأحْمَدُ، عَنْ أبِي غالِبٍ قالَ: في وصِيَّةِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: يا مَعْشَرَ الحَوارِيِّينَ، تَحَبَّبُوا إلى اللَّهِ بِبُغْضِ أهْلِ المَعاصِي، وتَقَرَّبُوا إلَيْهِ بِالمَقْتِ لَهُمْ، والتَمِسُوا رِضاهُ بِسُخْطِهِمْ. قالُوا: يا نَبِيَّ اللَّهِ، فَمَن نُجالِسُ؟ قالَ: (p-٥٦٢)جالِسُوا مَن يَزِيدُ في أعْمالِكم مَنطِقُهُ، ومَن يُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، ويُزَهِّدُكم في الدُّنْيا عَمَلُهُ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: أوْحى اللَّهُ إلى عِيسى: عِظْ نَفْسَكَ، فَإنِ اتَّعَظَتْ فَعِظِ النّاسَ، وإلّا فاسْتَحْيِ مِنِّي.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبٍ قالَ: قالَ عِيسى لِلْحِوارِيِّينِ: بِقَدْرِ ما تَنْصَبُونَ هاهُنا تَسْتَرِيحُونَ هاهُنا، وبِقَدْرِ ما تَسْتَرِيحُونَ هاهُنا تَنْصَبُونَ هاهُنا.
وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ، وأحْمَدُ، عَنْ سالِمِ بْنِ أبِي الجَعْدِ قالَ: قالَ عِيسى: طُوبى لِمَن خَزَّنَ لِسانَهُ، ووَسِعَهُ بَيْتُهُ، وبَكى مِن ذِكْرِ خَطِيئَتِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ قالَ: كانَ عِيسى يَقُولُ: إذا تَصَدَّقَ أحَدُكم بِيَمِينِهِ فَلْيُخْفِها عَنْ شِمالِهِ، وإذا صامَ فَلْيَدَّهِنْ ولْيَمْسَحْ شَفَتَيْهِ مِن دُهْنِهِ، حَتّى يَنْظُرَ إلَيْهِ النّاظِرُ فَلا يَرى أنَّهُ صائِمٌ، وإذا صَلّى فَلْيُدْلِ عَلَيْهِ سِتْرَ بابِهِ، فَإنَّ اللَّهَ يَقْسِمُ الثَّناءَ كَما يَقْسِمُ الرِّزْقَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا، عَنْ خالِدٍ الرَّبَعِيِّ قالَ: نُبِّئْتُ أنَّ عِيسى قالَ لِأصْحابِهِ: أرَأيْتُمْ لَوْ أنَّ أحَدَكم أتى عَلى أخِيهِ المُسْلِمِ وهو نائِمٌ وقَدْ كَشَفَتِ الرِّيحُ بَعْضَ ثَوْبِهِ؟ فَقالُوا: إذَنْ كُنّا نَرُدُّهُ عَلَيْهِ. قالَ: لا، بَلْ تَكْشِفُونَ ما بَقِيَ! مَثَلٌ (p-٥٦٣)ضَرَبَهُ لِلْقَوْمِ يَسْمَعُونَ الرَّجُلَ بِالسَّيِّئَةِ فَيَذْكُرُونَ أكْثَرَ مِن ذَلِكَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ أبِي الجَلْدِ قالَ: قالَ عِيسى: فَكَّرْتُ في الخَلْقِ فَإذا مَن لَمْ يُخْلَقْ كانَ أغْبَطَ عِنْدِي مِمَّنْ خُلِقَ. وقالَ: لا تَنْظُرُوا إلى ذُنُوبِ النّاسِ كَأنَّكم أرْبابٌ، ولَكِنِ انْظُرُوا في ذُنُوبِكم كَأنَّكم عَبِيدٌ، والنّاسُ رَجُلانِ؛ مُبْتَلًى ومُعافًى، فارْحَمُوا أهْلَ البَلاءِ، واحْمَدُوا اللَّهَ عَلى العافِيَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، عَنْ أبِي الهُذَيْلِ قالَ: لَقِيَ عِيسى يَحْيى فَقالَ: أوْصِنِي. قالَ: لا تَغْضَبْ. قالَ: لا أسْتَطِيعُ. قالَ: لا تَقْتَنِ مالًا قالَ: أمّا هَذا لَعَلَّهُ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا، عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: مَرَّ عِيسى والحَوارِيُّونَ عَلى جِيفَةِ كَلْبٍ، فَقالُوا: ما أنْتَنَ هَذا! فَقالَ: ما أشَدَّ بَياضِ أسْنانِهِ، يَعِظُهم ويَنْهاهم عَنِ الغِيبَةِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنِ الأوْزاعِيِّ قالَ: كانَ عِيسى يُحِبُّ العَبْدَ يَتَعَلَّمُ المِهْنَةَ يَسْتَغْنِي بِها عَنِ النّاسِ، ويَكْرَهُ العَبْدَ يَتَعَلَّمُ العِلْمَ يَتَّخِذُهُ مِهْنَةً.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا، عَنْ سالِمِ بْنِ أبِي الجَعْدِ (p-٥٦٤)قالَ: قالَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: اعْمَلُوا لِلَّهِ ولا تَعْمَلُوا لِبُطُونِكُمُ، انْظُرُوا إلى هَذا الطَّيْرِ، يَغْدُوا ويَرُوحَ لا يَحْرُثُ ولا يَحْصُدُ، اللَّهُ تَعالى يَرْزُقُها، فَإنْ قُلْتُمْ: نَحْنُ أعْظَمُ بُطُونًا مِنَ الطَّيْرِ، فانْظُرُوا إلى هَذِهِ الأباقِرِ مِنَ الوَحْشِ والحُمُرِ، تَغْدُو وتَرُوحُ لا تَحْرُثُ ولا تَحْصُدُ، اللَّهُ تَعالى يَرْزُقُها، اتَّقُوا فُضُولَ الدُّنْيا فَإنَّ فُضُولَ الدُّنْيا عِنْدَ اللَّهِ رِجْزٌ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبٍ قالَ: إنَّ إبْلِيسَ قالَ لِعِيسى: زَعَمْتَ أنَّكَ تُحْيِي المَوْتى، فَإنْ كُنْتَ كَذَلِكَ، فادْعُ اللَّهَ أنْ يَرُدَّ هَذا الجَبَلَ خُبْزًا. فَقالَ لَهُ عِيسى: أوَكُلُّ النّاسِ يَعِيشُونَ بِالخُبْزِ؟ قالَ: فَإنْ كُنْتَ كَما تَقُولُ فَثِبْ مِن هَذا المَكانِ فَإنَّ المَلائِكَةَ سَتَلْقاكَ. قالَ: إنَّ رَبِّي أمَرَنِي ألّا أُجَرِّبَ نَفْسِي، فَلا أدْرِي هَلْ يُسَلِّمُنِي أمْ لا؟
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ سالِمِ بْنِ أبِي الجَعْدِ، أنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ كانَ يَقُولُ: لِلسّائِلِ حَقٌّ وإنْ أتاكَ عَلى فَرَسٍ مُطَوَّقٍ بِالفِضَّةِ.
وأخْرَجَ عَنْ بَعْضِهِمْ قالَ: أوْحى اللَّهُ إلى عِيسى: إنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُكَ أنْ يَمْضُغَكَ النّاسُ بِأفْواهِهِمْ فِيَّ لَمْ أكْتُبْكَ عِنْدِي راهِبًا، فَما يَضُرُّكَ إذا أبْغَضَكَ النّاسُ وأنا عَنْكَ راضٍ، وما يَنْفَعُكَ حُبُّ النّاسِ وأنا عَلَيْكَ ساخِطٌ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنِ الحَضْرَمِيِّ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِياضٍ، قالا: قِيلَ لِعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ: بِأيِّ شَيْءٍ تَمْشِي عَلى الماءِ؟ قالَ: بِالإيمانِ (p-٥٦٥)واليَقِينِ. قالُوا: فَإنّا آمَنّا كَما آمَنتَ، وأيْقَنّا كَما أيْقَنْتَ. قالَ: فامْشُوا إذَنْ، فَمَشَوْا مَعَهُ، فَجاءَ المَوْجُ فَغَرِقُوا، فَقالَ لَهم عِيسى: ما لَكُمْ؟ قالُوا: خِفْنا المَوْجَ. قالَ: ألا خِفْتُمْ رَبَّ المَوْجِ! فَأخْرَجَهُمْ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إلى الأرْضِ، فَقَبَضَ بِها ثُمَّ بَسَطَها، فَإذا في إحْدى يَدَيْهِ ذَهَبٌ وفي الأُخْرى مَدَرٌ، فَقالَ: أيُّهُما أحْلى في قُلُوبِكُمْ؟ قالُوا: الذَّهَبُ. قالَ: فَإنَّهُما عِنْدِي سَواءٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: كانَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ إذا ذُكِرَ عِنْدَهُ السّاعَةُ صاحَ، ويَقُولُ: لا يَنْبَغِي لِابْنِ مَرْيَمَ أنْ تُذْكَرَ عِنْدَهُ السّاعَةُ فَيَسْكُتَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: كانَ عِيسى يَلْبَسُ الشَّعَرَ ويَأْكُلُ الشَّجَرَ، ولا يَخْبَأُ اليَوْمَ لِغَدٍ، ويَبِيتُ حَيْثُ أواهُ اللَّيْلُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ولَدٌ فَيَمُوتَ، ولا بَيْتٌ فَيَخْرَبَ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ الحَسَنِ: إنَّ عِيسى رَأْسُ الزّاهِدِينَ يَوْمَ القِيامَةِ، وإنَّ الفَرّارِينَ بِدِينِهِمْ يُحْشَرُونَ يَوْمَ القِيامَةِ مَعَ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ، وإنَّ عِيسى مَرَّ بِهِ إبْلِيسُ يَوْمًا وهو مُتَوَسِّدٌ حَجَرًا، وقَدْ وجَدَ لَذَّةَ النَّوْمِ، فَقالَ لَهُ إبْلِيسُ: يا عِيسى، ألَيْسَ تَزْعُمُ أنَّكَ لا تُرِيدُ شَيْئًا مِن عَرَضِ الدُّنْيا؟ فَهَذا الحَجَرُ مِن عَرَضِ الدُّنْيا، فَقامَ عِيسى فَأخَذَ الحَجَرَ فَرَمى بِهِ، وقالَ: هَذا لَكَ مَعَ الدُّنْيا.
(p-٥٦٦)وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ كَعْبٍ، أنَّ عِيسى كانَ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ، ويَمْشِي عَلى رِجْلَيْهِ، ولا يَرْكَبُ الدَّوابَّ، ولا يَسْكُنُ البُيُوتَ، ولا يَصْطَبِحُ بِالسِّراجِ، ولا يَلْبَسُ القُطْنَ، ولا يَمَسُّ النِّساءَ، ولَمْ يَمَسَّ الطِّيبَ، ولَمْ يَمْزُجْ شَرابَهُ بِشَيْءٍ قَطُّ، ولَمْ يُبَرِّدْهُ، ولَمْ يَدْهُنْ رَأْسَهُ قَطُّ، ولَمْ يَقْرَبْ رَأْسَهُ ولِحْيَتَهُ غَسُولٌ قَطُّ، ولَمْ يَجْعَلْ بَيْنَ الأرْضِ وبَيْنَ جِلْدِهِ شَيْئًا قَطُّ إلّا لِباسَهُ، ولَمْ يَهْتَمَّ لِغَداءٍ قَطُّ، ولا لِعَشاءٍ قَطُّ، ولا يَشْتَهِي شَيْئًا مِن شَهَواتِ الدُّنْيا، وكانَ يُجالِسُ الضُّعَفاءَ والزَّمْنى والمَساكِينَ، وكانَ إذا قُرِّبَ إلَيْهِ الطَّعامُ عَلى شَيْءٍ وضَعَهُ عَلى الأرْضِ، ولَمْ يَأْكُلْ مَعَ الطَّعامِ إدامًا قَطُّ، وكانَ يَجْتَزِئُ مِنَ الدُّنْيا بِالقُوتِ القَلِيلِ، ويَقُولُ: هَذا لِمَن يَمُوتُ ويُحاسَبُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ الحَسَنِ قالَ: بَلَغَنِي أنَّهُ قِيلَ لِعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ: تَزَوَّجْ. قالَ: وما أصْنَعُ بِالتَّزْوِيجِ؟ قالُوا: تَلِدُ لَكَ الأوْلادَ. قالَ: الأوْلادُ إنْ عاشُوا أفْتَنُوا، وإنْ ماتُوا أحْزَنُوا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، والبَيْهَقِيُّ في“ الشُّعَبِ ”، عَنْ أشْعَثَ بْنِ إسْحاقَ قالَ: قِيلَ لِعِيسى: لَوِ اتَّخَذْتَ بَيْتًا. قالَ: يَكْفِينا خَلَقانُ مَن كانَ قَبْلَنا.
(p-٥٦٧)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، والبَيْهَقِيُّ، عَنْ مَيْسَرَةَ قالَ: قِيلَ لِعِيسى: ألا تَبْنِي لَكَ بَيْتًا؟ قالَ: لا أتْرُكُ بَعْدِي شَيْئًا مِنَ الدُّنْيا أُذْكَرُ بِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ أبِي سُلَيْمانَ قالَ: بَيْنا عِيسى يَمْشِي في يَوْمٍ صائِفٍ وقَدْ مَسَّهُ الحَرُّ والشَّمْسُ والعَطَشُ، فَجَلَسَ في ظِلِّ خَيْمَةٍ، فَخَرَجَ إلَيْهِ صاحِبُ الخَيْمَةِ فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، قُمْ مِن ظِلِّنا. فَقامَ عِيسى فَجَلَسَ في الشَّمْسِ وقالَ: لَيْسَ أنْتَ الَّذِي أقَمْتَنِي، إنَّما أقامَنِي الَّذِي لَمْ يُرِدْ أنْ أُصِيبَ مِنَ الدُّنْيا شَيْئًا.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ سُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قالَ: كانَ عِيسى ويَحْيى عَلَيْهِما السَّلامُ يَأْتِيانِ القَرْيَةَ، فَيَسْألُ عِيسى عَنْ شِرارِ أهْلِها، ويَسْألُ يَحْيى عَنْ خِيارِ أهْلِها، فَقالَ لَهُ: لِمَ تَنْزِلُ عَلى شِرارِ النّاسِ؟ قالَ: إنَّما أنا طَبِيبٌ أُداوِي المَرْضى.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ هِشامٍ الدَّسْتُوائِيِّ قالَ: بَلَغَنِي أنَّ في حِكْمَةِ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ: تَعْمَلُونَ لِلدُّنْيا وأنْتُمْ تُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ عَمَلٍ، ولا تَعْمَلُونَ لِلْآخِرَةِ وأنْتُمْ لا تُرْزَقُونَ فِيها إلّا بِالعَمَلِ، ويْحَكُمُ عُلَماءَ السُّوءِ، الأجْرَ تَأْخُذُونَ والعَمَلَ تُضَيِّعُونَ! تُوشِكُونَ أنْ تَخْرُجُوا مِنَ الدُّنْيا إلى ظُلْمَةِ القَبْرِ وضِيقِهِ، واللَّهُ عَزَّ وجَلَّ يَنْهاكم عَنِ المَعاصِي كَما أمَرَكم بِالصَّوْمِ والصَّلاةِ، كَيْفَ يَكُونُ مِن أهْلِ العِلْمِ مَن دُنْياهُ آثَرُ عِنْدَهُ مِن آخِرَتِهِ، وهو في الدُّنْيا أفْضَلُ رَغْبَةً؟ كَيْفَ يَكُونُ مِن أهْلِ العِلْمِ مَن مَسِيرُهُ إلى آخِرَتِهِ وهو مُقْبِلٌ عَلى دُنْياهُ، وما يَضُرُّهُ أشْهى إلَيْهِ مِمّا يَنْفَعُهُ، (p-٥٦٨)كَيْفَ يَكُونُ مِن أهْلِ العِلْمِ مَن سَخِطَ واحْتَقَرَ مَنزِلَتَهُ، وهو يَعْلَمُ أنَّ ذَلِكَ مِن عِلْمِ اللَّهِ وقُدْرَتِهِ؟ كَيْفَ يَكُونُ مِن أهْلِ العِلْمِ مَنِ اتَّهَمَ اللَّهَ تَعالى في قَضائِهِ، فَلَيْسَ يَرْضى بِشَيْءٍ أصابَهُ؟ كَيْفَ يَكُونُ مِن أهْلِ العِلْمِ مَن طَلَبَ الكَلامَ لِيَتَحَدَّثَ، ولَمْ يَطْلُبْهُ لِيَعْمَلَ بِهِ؟
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أشْياخِهِ، أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ مَرَّ بِعَقَبَةِ أفِيقِ ومَعَهُ رَجُلٌ مِن حِوارِيِّيهِ، فاعْتَرَضَهم رَجُلٌ فَمَنَعَهُمُ الطَّرِيقَ وقالَ: لا أتْرُكُكُما تَجُوزانِ حَتّى ألْطِمَ كُلَّ واحِدٍ مِنكُما لَطْمَةً. فادّارَآهُ، فَأبى إلّا ذَلكَ، فَقالَ عِيسى: أمّا خَدِّي فالطِمْهُ. فَلَطَمَهُ، فَخَلّى سَبِيلَهُ، وقالَ لِلْحَوارِيِّ: لا أدَعُكَ تَجُوزُ حَتّى ألْطِمَكَ. فَتَمَنَّعُ عَلَيْهِ، فَلَمّا رَأى عِيسى ذاكَ أعْطاهُ خَدَّهُ الآخَرَ فَلَطَمَهُ، فَخَلّى سَبِيلَهُما، فَقالَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا لَكَ رِضًا فَبَلِّغْنِي رِضاكَ، وإنْ كانَ هَذا سَخَطًا فَإنَّكَ أوْلى بِالعَفْوِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ قالَ: بَيْنَما عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ جالِسٌ مَعَ أصْحابِهِ مَرَّتْ بِهِ امْرَأةٌ فَنَظَرَ إلَيْها بَعْضُهم. فَقالَ لَهُ بَعْضُ أصْحابِهِ: زَنَيْتَ. فَقالَ لَهُ عِيسى: أرَأيْتَ لَوْ كُنْتَ صائِمًا فَمَرَرْتَ بِشِواءٍ. فَشَمَمْتَهُ أكُنْتَ مُفْطِرًا؟ قالَ: لا.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ عَطاءٍ قالَ: قالَ عِيسى: ما أدْخُلُ قَرْيَةً يَشاءُ أهْلُها أنْ (p-٥٦٩)يُخْرِجُونِي مِنها إلّا أخْرَجُونِي. يَعْنِي: لَيْسَ لِي فِيها شَيْءٌ. قالَ: وكانَ عِيسى يَتَّخِذُ نَعْلَيْنِ مَن لِحاءِ الشَّجَرِ، ويَجْعَلُ شِراكَهُما مِن لِيفٍ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ قالَ: قالَ المَسِيحُ: لَيْسَ كَما أُرِيدُ ولَكِنْ كَما تُرِيدُ، ولَيْسَ كَما أشاءُ، ولَكِنْ كَما تَشاءُ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ قالَ: بَلَغَنِي أنَّهُ ما مِن كَلِمَةٍ كانَتْ تُقالُ لِعِيسى أحَبُّ إلَيْهِ مِن أنْ يُقالَ: كانَ هَذا المِسْكِينُ.
وأخْرَجَ ابْنُهُ عَنِ ابْنِ حَلْبَسٍ قالَ: قالَ عِيسى: إنَّ الشَّيْطانَ مَعَ الدُّنْيا ومَكْرَهُ مَعَ المالِ، وتَزْيِينَهُ عِنْدَ الهَوى، واسْتِكْمالَهُ عِنْدَ الشَّهَواتِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقانَ قالَ: كانَ عِيسى يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أصْبَحْتُ لا أسْتَطِيعُ دَفْعَ ما أكْرَهُ، ولا أمْلِكُ نَفْعَ ما أرْجُو، وأصْبَحَ الأمْرُ بِيَدِ غَيْرِي، وأصْبَحْتُ مُرْتَهَنًا بِعَمَلِي، فَلا فَقِيرَ أفْقَرُ مِنِّي، فَلا تُشْمِتْ بِي عَدُوِّي، ولا تَسُؤْ بِي صَدِيقِي، ولا تَجْعَلْ مُصِيبَتِي في دِينِي، ولا تُسَلِّطْ عَلَيَّ مَن لا يَرْحَمُنِي.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: في كُتُبِ الحَوارِيِّينَ: إذا سُلِكَ بِكَ سَبِيلُ البَلاءِ، فاعْلَمْ أنَّهُ سُلِكَ بِكَ سَبِيلُ الأنْبِياءِ والصّالِحِينَ، وإذا سُلِكَ بِكَ سَبِيلُ أهْلِ الرَّخاءِ، فاعْلَمْ أنَّهُ سُلِكَ بِكَ غَيْرُ سَبِيلِهِمْ، (p-٥٧٠)وخُولِفَ بِكَ عَنْ طَرِيقِهِمْ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: قالَ عِيسى: إنَّما أبْعَثُكم كالكِباشِ تَلْتَقِطُونَ خِرافَ بَنِي إسْرائِيلَ، فَلا تَكُونُوا كالذِّئابِ الضَّوارِي الَّتِي تَخْتَطِفُ النّاسَ وعَلَيْكم بِالخِرْفانِ، ما لَكم تَأْتُونَ عَلَيْكم ثِيابَ الشَّعَرِ وقُلُوبُكم قُلُوبُ الخَنازِيرِ؟ البَسُوا ثِيابَ المُلُوكِ ولَيِّنُوا قُلُوبَكم بِالخَشْيَةِ. وقالَ عِيسى: ابْنَ آدَمَ، اعْمَلْ بِأعْمالِ البِرِّ حَتّى يَبْلُغَ عَمَلُكَ عَنانَ السَّماءِ وحُبًّا في اللَّهِ، لَيْسَ ما عَمِلْتَهُ أغْنى ذَلِكَ عَنْهُ شَيْئًا. وقالَ عِيسى لِلْحِوارِيِّينَ: إنَّ إبْلِيسَ يُرِيدُ أنْ يُبَخِّلَكم فَلا تَقَعُوا في بُخْلِهِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّنْعانِيِّ قالَ: بَلَغَنا أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: يا مَعْشَرَ الحَوارِيِّينَ، ادْعُوا اللَّهَ أنَّ يُخَفِّفَ عَنِّي هَذِهِ السَّكْرَةَ - يَعْنِي المَوْتَ - ثُمَّ قالَ عِيسى: لَقَدْ خِفْتُ المَوْتَ خَوْفًا، وقَّفَنِي مَخافَتِي مِنَ المَوْتِ عَلى المَوْتِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ واقِفًا عَلى قَبْرٍ ومَعَهُ الحَوارِيُّونَ، وصاحِبُ القَبْرِ يُدَلّى فِيهِ، فَذَكَرُوا مِن ظُلْمَةِ القَبْرِ ووَحْشَتِهِ وضِيقِهِ، فَقالَ عِيسى: قَدْ كُنْتُمْ فِيما هو أضْيَقُ مِنهُ؛ في أرْحامِ أُمَّهاتِكُمْ، فَإذا أحَبَّ اللَّهُ أنْ يُوَسِّعَ وسَّعَ.
(p-٥٧١)وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبٍ قالَ: قالَ المَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلامُ: أكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ وحَمْدَهُ وتَقْدِيسَهُ وأطِيعُوهُ، فَإنَّما يَكْفِي أحَدَكم مِنَ الدُّعاءِ إذا كانَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى راضِيًا عَلَيْهِ أنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وأصْلِحْ لِي مَعِيشَتِي وعافِنِي مِنَ المَكارِهِ يا إلَهِي.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ أبِي الجَلْدِ، أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ لِلْحِوارِيِّينَ: بِحَقٍّ أقُولُ لَكم: ما الدُّنْيا تُرِيدُونَ ولا الآخِرَةَ. قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، فَسِّرْ لَنا هَذا فَقَدَ كُنّا نَرى أنّا نُرِيدُ إحْداهُما. قالَ: لَوْ أرَدْتُمُ الدُّنْيا لَأطَعْتُمْ رَبَّ الدُّنْيا الَّذِي مَفاتِيحُ خَزائِنِها بِيَدِهِ فَأعْطاكُمْ، ولَوْ أرَدْتُمُ الآخِرَةَ أطَعْتُمْ رَبَّ الآخِرَةِ الَّذِي يَمْلِكُها فَأعْطاكُمْ، ولَكِنْ لا هَذِهِ تُرِيدُونَ ولا تِلْكَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ، أنَّ الحَوارِيِّينَ قالُوا لِعِيسى: ماذا نَأْكُلُ؟ قالَ: تَأْكُلُونَ خُبْزَ الشَّعِيرِ وبَقْلَ البَرِيَّةِ. قالُوا: فَماذا نَشْرَبُ؟ قالَ: تَشْرَبُونَ ماءَ القَراحِ. قالُوا: فَماذا نَتَوَسَّدُ؟ قالَ: تَوَسَّدُوا الأرْضَ. قالُوا: ما نَراكَ تَأْمُرُنا مِنَ العَيْشِ إلّا بِكُلِّ شَدِيدٍ. قالَ: وبِهَذا تَنْجُونَ، لا تَحِلُّونَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ حَتّى يَفْعَلَهُ أحَدُكم وهو مِنهُ عَلى شَهْوَةٍ. قالُوا: وكَيْفَ يَكُونُ ذاكَ؟ قالَ: ألَمْ تَرَوْا أنَّ الرَّجُلَ إذا جاعَ فَما أحَبَّ إلَيْهِ الكِسْرَةَ وإنْ كانَتْ شَعِيرًا! وإنْ عَطِشَ فَما أحَبَّ إلَيْهِ الماءَ وإنْ كانَ قَراحًا! وإذا أطالَ القِيامَ فَما أحَبَّ إلَيْهِ أنْ يَتَوَسَّدَ الأرْضَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ عَطاءٍ، أنَّهُ بَلَغَهُ أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: تَرَجَّ البُلَغَةَ (p-٥٧٢)وتَيَقَّظَنَّ في ساعاتِ الغَفْلَةِ، واحْكم بِلُطْفِ الفِطْنَةِ، لا تَكُنْ حِلْسًا مَطْرُوحًا وأنْتَ حَيٌّ تَتَنَفَّسُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: كانَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُولُ: يا مَعْشَرَ الحَوارِيِّينَ، اتِّخِذُوا بُيُوتَكم مَنازِلَ، واتَّخِذُوا المَساجِدَ مَساكِنَ، وكُلُوا مِن بَقَلِ البَرِيَّةِ، واخْرُجُوا مِنَ الدُّنْيا بِسَلامٍ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ إبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ، أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: اجْعَلُوا كُنُوزَكم في السَّماءِ؛ فَإنَّ قَلْبَ المَرْءِ عِنْدَ كَنْزِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الجُعْفِيِّ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: بَيْتِي المَسْجِدُ، وطِيبِي الماءُ، وإدامِي الجُوعُ، وشِعارِي الخَوْفُ، ودابَّتِي رِجْلايَ، ومُصْطَلايَ في الشِّتاءِ مَشارِقُ الشَّمْسِ، وسِراجِي بِاللَّيْلِ القَمَرُ، وجُلَسائِيَ الزَّمْنى والمَساكِينُ، وأُمْسِي ولَيْسَ لِي شَيْءٌ، وأُصْبِحُ ولَيْسَ لِي شَيْءٌ، وأنا بِخَيْرٍ، فَمَن أغْنى مِنِّي؟
(p-٥٧٣)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا عَنِ الفُضَيْلِ بْنِ عِياضٍ قالَ: قالَ عِيسى: بَطَحَتْ لَكُمُ الدُّنْيا، وجَلَسْتُمْ عَلى ظَهْرِها، فَلا يُنازِعُكم فِيها إلّا المُلُوكُ والنِّساءُ؛ فَأمّا المُلُوكُ فَلا تُنازِعُوهُمُ الدُّنْيا، فَإنَّهم لَنْ يَعْرِضُوا لَكم ما تَرَكْتُمُوهم ودُنْياهُمْ، وأمّا النِّساءُ فاتَّقُوهُنَّ بِالصَّوْمِ والصَّلاةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ قالَ: قالَ المَسِيحُ: إنَّما تُطْلَبُ الدُّنْيا لِتَبَرَّ، فَتَرْكُها أبَرُّ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ صالِحٍ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ: واللَّهِ ما سَكَنَتِ الدُّنْيا في قَلْبِ عَبْدٍ إلّا التاطَ قَلْبُهُ مِنها بِثَلاثٍ؛ شُغُلٍ لا يَنْفَكُّ عَناهُ، وفَقْرٍ لا يُدْرَكُ غِناهُ، وأمَلٍ لا يُدْرَكُ مُنْتَهاهُ، الدُّنْيا طالِبَةٌ ومَطْلُوبَةٌ؛ فَطالِبُ الآخِرَةِ تَطْلُبُهُ الدُّنْيا حَتّى يَسْتَكْمِلَ فِيها رَزَقَهُ، وطالِبُ الدُّنْيا تَطْلُبُهُ الآخِرَةُ حَتّى يَجِيءَ المَوْتُ فَيَأْخُذَ بِعُنُقِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ: كَما تَواضَعُونَ كَذَلِكَ تُرْفَعُونَ، وكَما تَرْحَمُونَ كَذَلِكَ تُرْحَمُونَ، وكَما تَقْضُونَ مِن حَوائِجِ النّاسِ كَذَلِكَ يَقْضِي اللَّهُ مِن حَوائِجِكم.
(p-٥٧٤)وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ: لَيْسَ الإحْسانُ أنْ تُحْسِنَ إلى مَن أحْسَنَ إلَيْكَ؛ تِلْكَ مُكافَأةٌ، إنَّما الإحْسانُ أنْ تُحْسِنَ إلى مَن أساءَ إلَيْكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ المُبارَكِ قالَ: بَلَغَنِي أنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ مَرَّ بِقَوْمٍ فَشَتَمُوهُ، فَقالَ خَيْرًا، ومَرَّ بِآخَرِينَ فَشَتَمُوهُ وزادُوا، فَزادَهم خَيْرًا، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الحَوارِيِّينَ: كُلَّما زادُوكَ شَرًّا زِدْتَهم خَيْرًا، كَأنَّكَ تُغْرِيهِمْ بِنَفْسِكَ! فَقالَ عِيسى: كُلُّ إنْسانٍ يُعْطِي ما عِنْدَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا عَنْ مالِكِ بْنِ أنَسٍ قالَ: مَرَّ بِعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ خِنْزِيرٌ، فَقالَ: مُرَّ بِسَلامٍ. فَقِيلَ لَهُ: يا رُوحَ اللَّهِ، لِهَذا الخِنْزِيرِ تَقُولُ؟ قالَ: أكْرَهُ أنْ أُعَوِّدَ لِسانِيَ الشَّرَّ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا عَنْ سُفْيانَ قالَ: قالُوا لِعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ: دُلَّنا عَلى عَمَلٍ نَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ. قالَ: لا تَنْطِقُوا أبَدًا. قالُوا: لا نَسْتَطِيعُ ذَلِكَ. قالَ: فَلا تَنْطِقُوا إلّا بِخَيْرٍ.
وأخْرَجَ الخَرائِطِيُّ عَنْ إبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ: خُذُوا الحَقَّ مِن أهْلِ الباطِلِ، ولا تَأْخُذُوا الباطِلَ مِن أهْلِ الحَقِّ، كُونُوا مُنْتَقِدِينَ الكَلامَ؛ كَيْ لا يَجُوزَ عَلَيْكُمُ الزُّيُوفُ.
(p-٥٧٥)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، والبَيْهَقِيُّ في“ الزُّهْدِ ”، عَنْ زَكَرِيّا بْنِ عَدِيٍّ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ: يا مَعْشَرَ الحَوارِيِّينَ، ارْضُوا بِدَنِيءِ الدُّنْيا مَعَ سَلامَةِ الدِّينِ، كَما رَضِيَ أهْلُ الدُّنْيا بِدَنِيءِ الدِّينِ مَعَ سَلامَةِ الدُّنْيا.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: أكْلُ الشَّعِيرِ مَعَ الرَّمادِ، والنَّوْمُ عَلى المَزابِلِ مَعَ الكِلابِ، لَقَلِيلٌ في طَلَبِ الفِرْدَوْسِ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ يَقُولُ: لا يُطِيقُ عَبْدٌ أنْ يَكُونَ لَهُ رَبّانِ؛ إنْ أرْضى أحَدَهُما أسْخَطَ الآخَرَ، وإنْ أسْخَطْ أحَدَهَما أرْضى الآخَرَ، وكَذَلِكَ لا يُطِيقُ عَبْدٌ أنْ يَكُونَ لَهُ خادِمٌ لِلدُّنْيا يَعْمَلُ عَمَلَ الآخِرَةِ، لا تَهْتَمُّوا بِما تَأْكُلُونَ ولا ما تَشْرَبُونَ؛ فَإنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ نَفْسًا أعْظَمَ مِن رِزْقِها، ولا جَسَدًا أعْظَمَ مِن كُسْوَتِهِ فاعْتَبِرُوا.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ المَقْبُرِيِّ، أنَّهُ بَلَغَهُ أنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ كانَ يَقُولُ: يا ابْنَ آدَمَ، إذا عَمِلْتَ الحَسَنَةَ فالهُ عَنْها؛ فَإنَّها عِنْدَ مَن لا يُضَيِّعُها، وإذا عَمِلَتْ سَيِّئَةً، فاجْعَلْها نُصْبَ عَيْنِكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي هِلالٍ، أنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ كانَ يَقُولُ: مَن كانَ يَظُنُّ أنَّ حِرْصًا يَزِيدُ في رِزْقِهِ، فَلْيَزِدْ في طُولِهِ، أوْ في عَرْضِهِ، أوْ في عَدَدِ (p-٥٧٦)بِنائِهِ، أوْ لِيُغَيِّرْ لَوْنَهُ، ألا فَإنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، فَمَضى الخَلْقُ لِما خَلَقَ، ثُمَّ قَسَمَ الرِّزْقَ، فَمَضى الرِّزْقُ لِما قَسَمَ، فَلَيْسَتِ الدُّنْيا بِمُعْطِيَةٍ أحَدًا شَيْئًا لَيْسَ لَهُ، ولا بِمانِعَةٍ أحَدًا شَيْئًا هو لَهُ، فَعَلَيْكم بِعِبادَةِ رَبِّكُمْ، فَإنَّكم خُلِقْتُمْ لَها.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ عِمْرانَ بْنِ سُلَيْمانَ قالَ: بَلَغَنِي أنَّ عِيسى قالَ لِأصْحابِهِ: إنْ كُنْتُمْ إخْوانِي وأصْحابِي فَوَطِّنُوا أنْفُسَكم عَلى العَداوَةِ والبَغْضاءِ مِنَ النّاسِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والبَيْهَقِيُّ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ ظَبْيانَ قالَ: قالَ المَسِيحُ: مَن تَعَلَّمَ وعَمِلَ وعَلَّمَ، فَذاكَ يُدْعى عَظِيمًا في مَلَكُوتِ السَّماءِ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «“ إنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ قامَ في بَنِي إسْرائِيلَ فَقالَ: يا مَعْشَرَ الحَوارِيِّينَ، لا تُحَدِّثُوا بِالحِكْمَةِ غَيْرَ أهْلِها فَتَظْلِمُوها، ولا تَمْنَعُوها أهْلَها فَتَظْلِمُوهُمْ، والأُمُورُ ثَلاثَةٌ؛ أمْرٌ تَبَيَّنَ رُشْدُهُ فاتَّبِعُوهُ، وأمْرٌ تَبَيَّنَ لَكم غَيُّهُ فاجْتَنِبُوهُ، وأمْرٌ اخْتَلَفَ عَلَيْكم فِيهِ، فَرُدُّوا عِلْمَهُ إلى اللَّهِ تَعالى ”» .
(p-٥٧٧)وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ المُلائِيِّ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ: إنْ مَنَعَتِ الحِكْمَةَ أهْلَها جَهِلْتَ، وإنْ مَنَحْتَها غَيْرَ أهْلِها جَهِلْتَ، كُنْ كالطَّبِيبِ المُداوِي، إنْ رَأى مَوْضِعًا لِلدَّواءِ وإلّا أمْسَكَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في“ الزُّهْدِ "، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحِوارِيِّينَ: يا مَعْشَرَ الحَوارِيِّينَ، لا تَطْرَحُوا اللُّؤْلُؤَ إلى الخِنْزِيرِ، فَإنَّ الخِنْزِيرَ لا يَصْنَعُ بِاللُّؤْلُؤَةِ شَيْئًا، ولا تُعْطُوا الحِكْمَةَ مَن لا يُرِيدُها، فَإنَّ الحِكْمَةَ خَيْرٌ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، ومَن لا يُرِيدُها شَرٌّ مِنَ الخِنْزِيرِ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: قالَ عِيسى: يا عُلَماءَ السُّوءِ جَلَسْتُمْ عَلى أبْوابِ الجَنَّةِ، فَلا أنْتُمْ تَدْخُلُونَها ولا تَدَعُونَ المَساكِينَ يَدْخُلُونَها، إنَّ شَرَّ النّاسِ عِنْدَ اللَّهِ عالِمٌ يَطْلُبُ الدُّنْيا بِعِلْمِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ سالِمِ بْنِ أبِي الجَعْدِ قالَ: قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: إنَّ مَثَلَ حَدِيثِ النَّفْسِ بِالخَطِيئَةِ كَمَثَلِ الدُّخانِ في البَيْتِ؛ إنْ لا يَحْرِقْهُ فَإنَّهُ يُنْتِنُ رِيحَهُ ويُغَيِّرُ لَوْنَهُ.
* * *
(p-٥٧٨)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والتَّوْراةَ والإنْجِيلَ﴾ .
أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: كانَ عِيسى يَقْرَأُ التَّوْراةَ والإنْجِيلَ.
{"ayah":"وَیُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِیلَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق