الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ﴾ الآيَةَ.
أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ﴾ الآيَةَ، قالَ: هَذِهِ الآيَةُ جَمَعَتِ المُؤْمِنِينَ كُلَّهم سِوى الشُّهَداءِ، وقَلَّما ذَكَرَ اللَّهُ فَضْلًا ذَكَرَ بِهِ الأنْبِياءَ وثَوابًا أعْطاهم إلّا ذَكَرَ ما أعْطى المُؤْمِنِينَ مِن بَعْدِهِمْ.
وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جابِرٍ عَنْ أبِيهِ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إذا ذُكِرَ أصْحابُ أُحُدٍ: ««واللَّهِ لَوَدِدْتُ أنِّي غُودِرْتُ مَعَ أصْحابِي (p-١٢١)بِنُحْصِ الجَبَلِ»» نُحْصُ الجَبَلِ: أصْلُهُ.
وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنْ جابِرٍ قالَ: «فَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَمْزَةَ حِينَ فاءَ النّاسُ مِنَ القِتالِ، فَقالَ رَجُلٌ: رَأيْتُهُ عِنْدَ تِلْكَ الشَّجَراتِ وهو يَقُولُ: أنا أسَدُ اللَّهِ وأسَدُ رَسُولِهِ، اللَّهُمَّ أبْرَأُ مِمّا جاءَ بِهِ هَؤُلاءِ؛ أبُو سُفْيانَ وأصْحابُهُ، وأعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمّا صَنَعَ هَؤُلاءِ بِانْهِزامِهِمْ، فَجاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَحْوَهُ فَلَمّا رَأى جُثَّتَهُ بَكى، ولَمّا رَأى ما مُثِّلَ بِهِ شَهَقَ ثُمَّ قالَ: «ألا كُفِّنَ»؟ فَقامَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ فَرَمى بِثَوْبٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ قامَ آخَرُ فَرَمى بِثَوْبٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَقالَ: «يا جابِرُ، هَذا الثَّوْبُ لِأبِيكَ، وهَذا لِعَمِّي» ثُمَّ جِيءَ بِحَمْزَةَ فَصَلّى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُجاءُ بِالشُّهَداءِ فَتُوضَعُ إلى جانِبِ حَمْزَةَ فَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ، يُرْفَعُ ويُتْرَكُ حَمْزَةُ حَتّى صَلّى عَلى الشُّهَداءِ كُلِّهِمْ، قالَ: فَرَجَعْتُ وأنا مُثْقَلٌ قَدْ تَرَكَ أبِي عَلَيَّ دَيْنًا وعِيالًا، فَلَمّا كانَ عِنْدَ اللَّيْلِ أرْسَلَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: «يا جابِرُ، إنَّ اللَّهَ أحْيا أباكَ وكَلَّمَهُ» قُلْتُ: وكَلَّمَهُ كَلامًا؟ قالَ: «قالَ لَهُ: تَمَنَّ، فَقالَ: أتَمَنّى أنْ تَرُدَّ رُوحِي وتُنْشِئَ خَلْقِي كَما كانَ، وتَرْجِعَنِي إلى نَبِيِّكَ فَأُقاتِلَ في سَبِيلِكَ، فَأُقْتَلُ مَرَّةً أُخْرى، قالَ: إنِّي قَضَيْتُ أنَّهم لا يَرْجِعُونَ»» وقالَ: قالَ ﷺ: ««سَيِّدُ (p-١٢٢)الشُّهَداءِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ حَمْزَةُ»» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنْ أنَسٍ قالَ: كُفِّنَ حَمْزَةُ في نَمِرَةٍ، كانُوا إذا مَدُّوها عَلى رَأْسِهِ خَرَجَتْ رِجْلاهُ، فَأمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ أنْ يَمُدُّوها عَلى رَأْسِهِ ويَجْعَلُوا عَلى رِجْلَيْهِ مِنَ الإذْخِرِ، وقالَ: ««لَوْلا أنْ تَجْزَعَ صَفِيَّةُ لَتَرَكْنا حَمْزَةَ فَلَمْ نَدْفِنْهُ حَتّى يُحْشَرَ مِن بُطُونِ الطَّيْرِ والسِّباعِ»» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ يَوْمَ أُحُدٍ: «مَن رَأى مَقْتَلَ حَمْزَةَ»؟ فَقالَ رَجُلٌ: أنا، قالَ: «فانْطَلِقْ فَأرِناهُ» فَخَرَجَ حَتّى وقَفَ عَلى حَمْزَةَ فَرَآهُ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وقَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ، ووَقَفَ بَيْنَ ظَهْرانَيِ القَتْلى وقالَ: «أنا شَهِيدٌ عَلى هَؤُلاءِ القَوْمِ، لُفُّوهم في دِمائِهِمْ؛ فَإنَّهُ لَيْسَ جَرِيحٌ يُجْرَحُ إلّا جُرْحُهُ يَوْمَ القِيامَةِ يَدْمى، لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ ورِيحُهُ رِيحُ المِسْكِ، قَدِّمُوا أكْثَرَ القَوْمِ قُرْآنًا فاجْعَلُوهُ في اللَّحْدِ»» .
وأخْرَجَ النَّسائِيُّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقاصٍّ «أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى الصَّلاةِ والنَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي بِنا، فَقالَ حِينَ انْتَهى إلى الصَّفِّ: اللَّهُمَّ آتِنِي أفْضَلَ ما تُؤْتِي عِبادَكَ الصّالِحِينَ، فَلَمّا قَضى النَّبِيُّ ﷺ الصَّلاةَ قالَ: «مَنِ المُتَكَلِّمُ آنِفًا»؟ فَقالَ: أنا، فَقالَ: «إذَنْ يُعْقَرَ جَوادُكَ وتُسْتَشْهَدَ في سَبِيلِ اللَّهِ»» .
(p-١٢٣)وأخْرَجَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ، والنَّسائِيُّ، والحاكِمُ، عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««يُؤْتى بِالرَّجُلِ مِن أهْلِ الجَنَّةِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: يا ابْنَ آدَمَ، كَيْفَ وجَدْتَ مَنزِلَكَ؟ فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ، خَيْرُ مَنزِلٍ. فَيَقُولُ: سَلْ وتَمَنَّهْ. فَيَقُولُ: ما أسْألُكَ وأتَمَنّى؟ أسْألُكَ أنْ تَرُدَّنِي إلى الدُّنْيا، فَأُقْتَلَ في سَبِيلِكَ عَشْرَ مَرّاتٍ؛ لِما رَأى مِن فَضْلِ الشَّهادَةِ» قالَ: «ويُؤْتى بِالرَّجُلِ مِن أهْلِ النّارِ فَيَقُولُ اللَّهُ: يا ابْنَ آدَمَ، كَيْفَ وجَدْتَ مَنزِلَكَ؟ فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ، شَرُّ مَنزِلٍ. فَيَقُولُ: فَتَفْتَدِي مِنهُ بِطِلاعِ الأرْضِ ذَهَبًا. فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: كَذَبْتَ؛ قَدْ سَألْتُكَ دُونَ ذَلِكَ فَلَمْ تَفْعَلْ»» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ خُزَيْمَةَ، وابْنُ حِبّانَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««عُرِضَ عَلَيَّ أوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، وأوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ النّارَ، فَأمّا أوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ: فالشَّهِيدُ وعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أحْسَنَ عِبادَةَ رَبِّهِ ونَصَحَ لِسَيِّدِهِ، وعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيالٍ.
وأمّا أوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ النّارَ: فَأمِيرٌ مُسَلَّطٌ، وذُو ثَرْوَةٍ مِن مالٍ لا يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ في مالِهِ، وفَقِيرٌ فَخُورٌ»» .
وأخْرَجَ الحاكِمُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أبِي أُمامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««إنَّ أوَّلَ ما يُهْراقُ مِن دَمِ الشَّهِيدِ يُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ»» .
(p-١٢٤)وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ أبِي أيُّوبَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««مَن صَبَرَ حَتّى يُقْتَلَ أوْ يَغْلِبَ لَمْ يُفْتَنْ في قَبْرِهِ»» .
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، والبُخارِيُّ عَنْ أنَسٍ، «أنَّ حارِثَةَ بْنَ سُراقَةَ خَرَجَ نَظّارًا فَأتاهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، فَقالَتْ أُمُّهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْتَ مَوْضِعَ حارِثَةَ مِنِّي، فَإنْ كانَ في الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وإلّا رَأيْتَ ما أصْنَعُ. قالَ: «يا أُمَّ حارِثَةَ، إنَّها لَيْسَتْ بِجَنَّةٍ واحِدَةٍ، ولَكِنَّها جِنانٌ كَثِيرَةٌ، وإنَّ حارِثَةَ لَفي أفْضَلِها» أوْ قالَ: «فِي أعْلى الفِرْدَوْسِ»» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والنَّسائِيُّ عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««ما عَلى الأرْضِ مِن نَفْسٍ تَمُوتُ ولَها عِنْدُ اللَّهِ خَيْرٌ تُحِبُّ أنْ تَرْجِعَ إلَيْكم إلّا القَتِيلُ في سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَإنَّهُ يُحِبُّ أنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرى»» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، والبَيْهَقِيُّ في ”الشُّعَبِ“ عَنْ أنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: ««ما مِن أهْلِ الجَنَّةِ أحَدٌ يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيا ولَهُ عَشْرُ أمْثالِها إلّا الشَّهِيدُ؛ فَإنَّهُ ودَّ أنَّهُ لَوْ رُدَّ إلى الدُّنْيا عَشْرَ مَرّاتٍ فاسْتُشْهِدَ لِما يَرى مِن فَضْلِ الشَّهادَةِ»» .
(p-١٢٥)وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وأحْمَدُ، والبَيْهَقِيُّ عَنْ قَيْسٍ الجُذامِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««إنَّ لِلْقَتِيلِ عِنْدَ اللَّهِ سِتَّ خِصالٍ: تُغْفَرُ لَهُ خَطِيئَتُهُ في أوَّلِ دُفْعَةٍ مِن دَمِهِ، ويُجارُ مِن عَذابِ القَبْرِ، ويُحَلّى حُلَّةَ الكَرامَةِ، ويَرى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ويُؤَمَّنُ مِنَ الفَزَعِ الأكْبَرِ، ويُزَوَّجُ مِنَ الحُورِ العِينِ»» .
وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، وابْنُ ماجَهْ، والبَيْهَقِيُّ، عَنِ المِقْدامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««إنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ خِصالًا: يُغْفَرُ لَهُ في أوَّلِ دُفْعَةٍ مِن دَمِهِ، ويَرى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ويُحَلّى عَلَيْهِ حُلَّةَ الإيمانِ، ويُجارُ مِن عَذابِ القَبْرِ، ويَأْمَنُ يَوْمَ الفَزَعِ الأكْبَرِ، ويُوضَعُ عَلى رَأْسِهِ تاجُ الوَقارِ، الياقُوتَةُ مِنهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فِيها، ويُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، ويُشَفَّعُ في سَبْعِينَ إنْسانًا مِن أقارِبِهِ»» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والطَّبَرانِيُّ مِن حَدِيثِ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ، مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ البَزّارُ، والبَيْهَقِيُّ، والأصْبِهانِيُّ في ”تَرْغِيبِهِ“ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««الشُّهَداءُ ثَلاثَةٌ: رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ ومالِهِ مُحْتَسِبًا في سَبِيلِ اللَّهِ، يُرِيدُ ألّا يُقْتَلَ ولا يَقْتُلَ ولا يُقاتِلَ، يُكَثِّرُ سَوادَ المُسْلِمِينَ، فَإنْ ماتَ وقُتِلَ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ كُلُّها، وأُجِيرَ مِن عَذابِ القَبْرِ، وأُومِنَ مِنَ الفَزَعِ الأكْبَرِ، وزُوِّجَ مِنَ الحُورِ العِينِ، وحُلَّتْ عَلَيْهِ حُلَّةُ الكَرامَةِ، (p-١٢٦)ووُضِعَ عَلى رَأْسِهِ تاجُ الوَقارِ والخُلْدِ، والثّانِي: رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ ومالِهِ مُحْتَسِبًا يُرِيدُ أنْ يَقْتُلَ ولا يُقْتَلَ، فَإنْ ماتَ أوْ قُتِلَ كانَتْ رُكْبَتُهُ مَعَ رُكْبَةِ إبْراهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ، والثّالِثُ: رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ ومالِهِ مُحْتَسِبًا، يُرِيدُ أنْ يَقْتُلَ ويُقْتَلَ، فَإنْ ماتَ أوْ قُتِلَ جاءَ يَوْمَ القِيامَةِ شاهِرًا سَيْفَهُ واضِعَهُ عَلى عاتِقِهِ والنّاسُ جاثُونَ عَلى الرُّكَبِ، يَقُولُ: ألا أفْسِحُوا لَنا مَرَّتَيْنِ، فَإنّا قَدْ بَذَلْنا دِماءَنا وأمْوالَنا لِلَّهِ» قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قالُوا ذَلِكَ لِإبْراهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ أوْ لِنَبِيٍّ مِنَ الأنْبِياءِ لَتَنَحّى لَهم عَنِ الطَّرِيقِ؛ لِما يَرى مِن واجِبِ حَقِّهِمْ، حَتّى يَأْتُوا مَنابِرَ مِن نُورٍ عَنْ يَمِينِ العَرْشِ، فَيَجْلِسُونَ فَيَنْظُرُونَ كَيْفَ يُقْضى بَيْنَ النّاسِ، لا يَجِدُونَ غَمَّ المَوْتِ، ولا يَغْتَمُّونَ في البَرْزَخِ، ولا تُفْزِعُهُمُ الصَّيْحَةُ، ولا يُهِمُّهُمُ الحِسابُ ولا المِيزانُ ولا الصِّراطُ، يَنْظُرُونَ كَيْفَ يُقْضى بَيْنَ النّاسِ، ولا يَسْألُونَ شَيْئًا إلّا أُعْطُوا، ولا يَشْفَعُونَ في شَيْءٍ إلّا شُفِّعُوا فِيهِ، ويُعْطَوْنَ مِنَ الجَنَّةِ ما أحَبُّوا، ويَنْزِلُونَ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ أحَبُّوا»» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ حِبّانَ، والبَيْهَقِيُّ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السَّلَمِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««القَتْلى ثَلاثَةٌ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جاهَدَ بِنَفْسِهِ ومالِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ حَتّى إذا لَقِيَ العَدُوَّ قاتَلَهم حَتّى يُقْتُلَ، فَذاكَ الشَّهِيدُ (p-١٢٧)المُمْتَحَنُ في خَيْمَةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ، لا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إلّا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ، ورَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلى نَفْسِهِ مِنَ الذُّنُوبِ والخَطايا، جاهَدَ بِمالِهِ ونَفْسِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ حَتّى إذا لَقِيَ العَدُوَّ قاتَلَ حَتّى يُقْتَلَ فَتِلْكَ، مُمَصْمِصَةٌ تَحُطُّ ذُنُوبَهُ وخَطاياهُ، إنَّ السَّيْفَ مَحّاءُ لِلْخَطايا، وأُدْخِلَ مِن أيِّ أبْوابِ الجَنَّةِ شاءَ، فَإنَّ لَها ثَمانِيَةَ أبْوابٍ، ولِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أبْوابٍ، وبَعْضُها أفْضَلُ مِن بَعْضٍ، ورَجُلٌ مُنافِقٌ جاهَدَ بِنَفْسِهِ ومالِهِ، حَتّى إذا لَقِيَ العَدُوَّ قاتَلَ في سَبِيلِ اللَّهِ حَتّى يُقْتَلَ؛ فَإنَّ ذَلِكَ في النّارِ، إنَّ السَّيْفَ لا يَمْحُو النِّفاقَ»» .
وأخْرَجَ مُسْلِمٌ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إلّا الدَّيْنَ»» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ «أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما لِي إنْ قُتِلْتُ في سَبِيلِ اللَّهِ؟ قالَ: «الجَنَّةُ» فَلَمّا ولّى قالَ: «إلّا الدَّيْنَ سارَّنِي بِهِ (p-١٢٨)جِبْرِيلُ آنِفًا»» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والنَّسائِيُّ، عَنِ ابْنِ أبِي عَمِيرَةَ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««ما مِن نَفْسٍ مُسْلِمَةٍ يَقْبِضُها رَبُّها تُحِبُّ أنْ تَرْجِعَ إلَيْكم وأنَّ لَها الدُّنْيا وما فِيها غَيْرُ الشَّهِيدِ» وقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَأنْ أُقْتَلَ في سَبِيلِ اللَّهِ أحَبُّ إلَيَّ مِن أنْ يَكُونَ لِي أهْلُ الوَبَرِ والمَدَرِ»» .
وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ حِبّانَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««ما يَجِدُ الشَّهِيدُ مِن مَسِّ القَتْلِ إلّا كَما يَجِدُ أحَدُكم مِن مَسِّ القَرْصَةِ»» .
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنْ أنَسٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: ««إذا وقَفَ العِبادُ لِلْحِسابِ جاءَ قَوْمٌ واضِعِي سُيُوفِهِمْ عَلى رِقابِهِمْ تَقْطُرُ دَمًا، فازْدَحَمُوا عَلى بابِ الجَنَّةِ. فَقِيلَ: مَن هَؤُلاءِ؟ قِيلَ: الشُّهَداءُ كانُوا أحْياءً مَرْزُوقِينَ»» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وأبُو يَعْلى، والبَيْهَقِيُّ في ”الأسْماءِ والصِّفاتِ“، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمّارٍ، «أنَّ رَجُلًا سَألَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أيُّ الشُّهَداءِ أفْضَلُ؟ قالَ: «الَّذِينَ إنْ (p-١٢٩)يَلْقَوْا في الصَّفِّ لا يَلْفِتُوا وُجُوهَهم حَتّى يُقْتَلُوا، أُولَئِكَ يَنْطَلِقُونَ في الغُرَفِ العالِيَةِ مِنَ الجَنَّةِ، ويَضْحَكُ إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ، وإذا ضَحِكَ رَبُّكَ إلى عَبْدٍ في الدُّنْيا فَلا حِسابَ عَلَيْهِ»» .
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««أفْضَلُ الجِهادِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ الَّذِينَ يَلْتَقُونَ في الصَّفِّ الأوَّلِ فَلا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهم حَتّى يُقْتَلُوا، أُولَئِكَ يَتَلَبَّطُونَ في الغُرَفِ مِنَ الجَنَّةِ، يَضْحَكُ إلَيْهِمْ رَبُّكَ، وإذا ضَحِكَ رَبُّكَ إلى قَوْمٍ فَلا حِسابَ عَلَيْهِمْ»» .
وأخْرَجَ ابْنُ ماجَهْ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «ذُكِرَ الشَّهِيدُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: «لا تَجِفُّ الأرْضُ مِن دَمِ الشَّهِيدِ حَتّى تَبْتَدِرَهُ زَوْجَتاهُ كَأنَّهُما ظِئْرانِ أضَلَّتا فَصِيلَهُما في بَراحٍ مِنَ الأرْضِ، وفي يَدِ كُلِّ واحِدَةٍ مِنهُما حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فِيها»» .
وأخْرَجَ النَّسائِيُّ عَنْ راشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ «أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما بالُ المُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ في قُبُورِهِمْ إلّا الشَّهِيدَ؟ قالَ: «كَفى بِبارِقَةِ السُّيُوفِ عَلى رَأْسِهِ فِتْنَةً»» .
(p-١٣٠)وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ أنَسٍ «أنَّ رَجُلًا أسْوَدَ أتى النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي رَجُلٌ أسْوَدُ مُنْتِنُ الرِّيحِ، قَبِيحُ الوَجْهِ، لا مالَ لِي، فَإنْ أنا قاتَلْتُ هَؤُلاءِ حَتّى أُقْتَلَ فَأيْنَ أنا؟ قالَ: «فِي الجَنَّةِ» فَقاتَلَ حَتّى قُتِلَ، فَأتاهُ النَّبِيُّ ﷺ فَقالَ: «قَدْ بَيَّضَ اللَّهُ وجْهَكَ، وطَيَّبَ رِيحَكَ، وأكْثَرَ مالَكَ» وقالَ لِهَذا أوْ لِغَيْرِهِ: «لَقَدْ رَأيْتُ زَوْجَتَهُ مِنَ الحُورِ العِينِ نازَعَتْهُ جُبَّةً لَهُ صُوفًا، تَدْخُلُ بَيْنَهُ وبَيْنَ جُبَّتِهِ»» .
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِخِباءِ أعْرابِيٍّ وهو في أصْحابِهِ يُرِيدُونَ الغَزْوَ فَرَفَعَ الأعْرابِيُّ ناحِيَةً مِنَ الخِباءِ فَقالَ: مَنِ القَوْمُ؟ فَقِيلَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأصْحابُهُ يُرِيدُونَ الغَزْوَ، فَسارَ مَعَهُمْ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّهُ لَمِن مُلُوكِ الجَنَّةِ» فَلَقُوا العَدُوَّ فاسْتُشْهِدَ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأتاهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ مُسْتَبْشِرًا يَضْحَكُ، ثُمَّ أعْرَضَ عَنْهُ، فَقُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ، رَأيْناكَ مُسْتَبْشِرًا تَضْحَكُ ثُمَّ أعْرَضْتَ عَنْهُ؟ فَقالَ: «أمّا ما رَأيْتُمْ مِنَ اسْتِبْشارِي فَلِما رَأيْتُ مِن كَرامَةِ رُوحِهِ عَلى اللَّهِ، وأمّا إعْراضِي عَنْهُ فَإنَّ زَوْجَتَهُ مِنَ الحُورِ العِينِ الآنَ عِنْدَ رَأْسِهِ»» .
وأخْرَجَ هَنّادٌ في ”الزُّهْدِ“، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والطَّبَرانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: إنَّ أوَّلَ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِن دَمِ الشَّهِيدِ يُغْفَرُ لَهُ بِها ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ثُمَّ (p-١٣١)يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكَيْنِ بِرَيْحانٍ مِنَ الجَنَّةِ ورَيْطَةٍ مِنَ الجَنَّةِ، وعَلى أرْجاءِ السَّماءِ مَلائِكَةٌ يَقُولُونَ: سُبْحانَ اللَّهِ! قَدْ جاءَ مِنَ الأرْضِ اليَوْمَ رِيحٌ طَيِّبَةٌ ونَسَمَةُ طَيِّبَةٌ. فَلا يَمُرُّ بِبابٍ إلّا فُتِحَ لَهُ، ولا يَمُرُّ بِمَلَكٍ إلّا صَلّى عَلَيْهِ وشَيَّعَهُ حَتّى يُؤْتى بِهِ إلى الرَّحْمَنِ فَيَسْجُدُ لَهُ قَبْلَ المَلائِكَةِ، وتَسْجُدُ المَلائِكَةُ بَعْدَهُ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إلى الشُّهَداءِ، فَيَجِدُهم في رِياضٍ خُضْرٍ وقِبابٍ مِن حَرِيرٍ عِنْدَ ثَوْرٍ وحُوتٍ، يَلْعَبانِ لَهم كُلَّ يَوْمٍ لُعْبَةً لَمْ يَلْعَبا بِالأمْسِ مِثْلَها، فَيَظَلُّ الحُوتُ في أنْهارِ الجَنَّةِ، فَإذا أمْسى وكَزَهُ الثَّوْرُ بِقَرْنِهِ فَذَكّاهُ لَهُمْ، فَأكَلُوا مِن لَحْمِهِ فَوَجَدُوا مِن لَحْمِهِ طَعْمَ كُلِّ رائِحَةٍ مِن أنْهارِ الجَنَّةِ، ويَبِيتُ الثَّوْرُ نافِشًا في الجَنَّةِ، فَإذا أصْبَحَ غَدا عَلَيْهِ الحُوتُ فَوَكَزَهُ بِذَنَبِهِ فَأكَلُوا مِن لَحْمِهِ، فَوَجَدُوا في لَحْمِهِ طَعْمَ كُلِّ ثَمَرَةٍ مِن ثِمارِ الجَنَّةِ، يَنْظُرُونَ إلى مَنازِلِهِمْ بُكْرَةً وعَشِيَّةً، يَدْعُونَ اللَّهَ أنْ تَقُومَ السّاعَةُ، وإذا تُوُفَّيَ المُؤْمِنُ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكَيْنِ بِرَيْحانٍ مِن رَيْحانِ الجَنَّةِ، وخِرْقَةٍ مِنَ الجَنَّةِ تُقْبَضُ فِيها نَفْسُهُ ويُقالُ: اخْرُجِي أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ إلى رَوْحٍ ورَيْحانٍ، ورَبٍّ عَلَيْكِ غَيْرِ غَضْبانَ. فَتَخْرُجُ كَأطْيَبِ رائِحَةٍ وجَدَها أحَدٌ قَطُّ بِأنْفِهِ، وعَلى أرْجاءِ السَّماءِ مَلائِكَةٌ يَقُولُونَ: سُبْحانَ اللَّهِ! قَدْ جاءَ اليَوْمَ مِنَ الأرْضِ رِيحٌ طَيِّبَةٌ ونَسَمَةٌ طَيِّبَةٌ، فَلا يَمُرُّ بِبابٍ إلّا فُتِحَ لَهُ، ولا بِمَلَكٍ إلّا صَلّى عَلَيْهِ وشَيَّعَهُ، حَتّى يُؤْتى بِهِ إلى الرَّحْمَنِ، فَتَسْجُدُ المَلائِكَةُ قَبْلَهُ ويَسْجُدُ بَعْدَهم ثُمَّ يُدْعى بِمِيكائِيلَ فَيَقُولُ: اذْهَبْ بِهَذِهِ النَّفْسِ فاجْعَلْها مَعَ أنْفُسِ المُؤْمِنِينَ حَتّى أسْألَكَ عَنْهم يَوْمَ القِيامَةِ، ويُؤْمَرُ بِهِ إلى قَبْرٍ ويُوَسَّعُ سَبْعِينَ طُولُهُ وسَبْعِينَ عَرْضُهُ، وتُنْبَذُ لَهُ فِيهِ رَيْحانٌ، ويُشَيَّدُ بِالحَرِيرِ، فَإنْ كانَ مَعَهُ (p-١٣٢)شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ كُسِيَ نُورَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ جُعِلَ لَهُ نُورٌ مِثْلُ الشَّمْسِ، فَمَثَلُهُ كَمِثْلِ العَرُوسِ لا يُوقِظُهُ إلّا أحَبُّ أهْلِهِ إلَيْهِ، وإنَّ الكافِرَ إذا تُوُفِّيَ بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكَيْنِ بِخِرْقَةٍ مِن بِجادٍ أنْتَنَ مِن كُلِّ نَتِنٍ، وأخْشَنَ مِن كُلِّ خَشِنٍ، فَيُقالُ: اخْرُجِي أيَّتُها النَّفْسُ الخَبِيثَةُ، ولَبِئْسَ ما قَدَّمْتِ لِنَفْسِكِ، فَتَخْرُجُ كَأنْتَنِ رائِحَةٍ وجَدَها أحَدٌ قَطُّ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ في قَبْرِهِ فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ حَتّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أضْلاعُهُ، ويُرْسَلُ عَلَيْهِ حَيّاتٌ كَأنَّها أعْناقُ البُخْتِ، يَأْكُلْنَ لَحْمَهُ، وتُقَيَّضُ لَهُ مَلائِكَةٌ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، لا يَسْمَعُونَ لَهُ صَوْتًا، ولا يَرَوْنَهُ فَيَرْحَمُونَهُ، ولا يَمَلُّونَ إذا ضَرَبُوا، يَدْعُونَ اللَّهَ أنْ يُدِيمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتّى يَخْلُصَ إلى النّارِ.
وأخْرَجَ الطَّيالِسِيُّ، والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، والبَيْهَقِيُّ في ”الشُّعَبِ“، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ««الشُّهَداءُ أرْبَعَةٌ: فَمُؤْمِنٌ جَيِّدُ الإيمانِ، لَقِيَ العَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ، فَقاتَلَ حَتّى يُقْتَلَ، فَذَلِكَ الَّذِي يَرْفَعُ النّاسُ إلَيْهِ أعْيُنَهُمْ» ورَفَعَ رَأْسَهُ حَتّى وقَعَتْ قَلَنْسُوَةٌ كانَتْ عَلى رَأْسِهِ أوْ رَأْسِ عُمَرَ. «فَهَذا في الدَّرَجَةِ الأُولى، ورَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الإيمانِ إذا لَقِيَ العَدُوَّ فَكَأنَّما يُضْرَبُ جِلْدُهُ بِشَوْكِ الطَّلْحِ مِنَ الجُبْنِ، أتاهُ سَهْمُ غَرْبٍ فَقَتَلَهُ فَهَذا في (p-١٣٣)الدَّرَجَةِ الثّانِيَةِ، ورَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلًا صالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا لَقِيَ العَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ فَقُتِلَ فَهَذا في الدَّرَجَةِ الثّالِثَةِ، ورَجُلٌ أسْرَفَ عَلى نَفْسِهِ فَلَقِيَ العَدُوَّ فَقاتَلَ حَتّى قُتِلَ، فَهَذا في الدَّرَجَةِ الرّابِعَةِ»» .
وأخْرَجَ أبُو داوُدَ، وابْنُ حِبّانَ، عَنْ أبِي الدَّرْداءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ««الشَّهِيدُ يُشَفَّعُ في سَبْعِينَ مِن أهْلِ بَيْتِهِ»» .
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، والبَيْهَقِيُّ في ”البَعْثِ والنُّشُورِ“، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَجَرَةَ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: إذا صَفَّ النّاسُ لِلصَّلاةِ وصَفُّوا لِلْقِتالِ فُتِحَتْ أبْوابُ السَّماءِ وأبْوابُ الجَنَّةِ وأبْوابُ النّارِ، وزُيِّنَ الحُورُ العِينُ واطَّلَعْنَ، فَإذا أقْبَلَ الرَّجُلُ قُلْنَ: اللَّهُمَّ انْصُرْهُ، وإذا أدْبَرَ احْتَجَبْنَ عَنْهُ وقُلْنَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، فَأنْهِكُوا وُجُوهَ القَوْمِ ولا تُخْزُوا الحُورَ العِينَ، فَإنَّ أوَّلَ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِن دَمِ أحَدِكم يُكَفَّرُ عَنْهُ كُلُّ شَيْءٍ عَمِلَهُ، ويَنْزِلُ إلَيْهِ زَوْجَتانِ مِنَ الحُورِ العِينِ يَمْسَحانِ التُّرابَ عَنْ وجْهِهِ ويَقُولانِ: قَدْ أنى لَكَ. ويَقُولُ: قَدْ أنى لَكُما. ثُمَّ يُكْسى مِائَةَ حُلَّةٍ لَيْسَ مِن (p-١٣٤)نَسِيجِ بَنِي آدَمَ ولَكِنْ مِن نَبْتِ الجَنَّةِ، لَوْ وُضِعْنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ لَوَسِعْنَ، وكانَ يَقُولُ: إنَّ السُّيُوفَ مَفاتِيحُ الجَنَّةِ.
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في ”الشُّعَبِ“ عَنْ أبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أحْمَدَ التَّمِيمِيِّ قالَ: سَمِعْتُ قاسِمَ بْنَ عُثْمانَ الجُوعِيَّ يَقُولُ: رَأيْتُ في الطَّوافِ حَوْلَ البَيْتِ رَجُلًا لا يَزِيدُ عَلى قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ قَضَيْتَ حاجَةَ المُحْتاجِينَ وحاجَتِي لَمْ تُقْضَ. فَقُلْتُ لَهُ: ما لَكَ لا تَزِيدُ عَلى هَذا الكَلامِ؟ فَقالَ: أُحَدِّثُكَ. كُنّا سَبْعَةَ رُفَقاءَ مِن بُلْدانٍ شَتّى، غَزَوْنا أرْضَ العَدُوِّ فاسْتُؤْسِرْنا كُلُّنا، فاعْتُزِلَ بِنا لِتُضْرَبَ أعْناقُنا، فَنَظَرْتُ إلى السَّماءِ فَإذا سَبْعَةُ أبْوابٍ مُفَتَّحَةً عَلَيْها سَبْعُ جَوارٍ مِنَ الحُورِ العِينِ، عَلى كُلِّ بابٍ جارِيَةٌ، فَقُدِّمَ رَجُلٌ مِنّا فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ فَرَأيْتُ جارِيَةً في يَدِها مَندِيلٌ قَدْ هَبَطَتْ إلى الأرْضِ حَتّى ضُرِبَتْ أعْناقُ سِتَّةٍ وبَقِيتُ أنا وبَقِيَ بابٌ وجارِيَةٌ، فَلَمّا قُدِّمْتُ لِتُضْرَبَ عُنُقِي اسْتَوْهَبَنِي بَعْضُ رِجالِهِ فَوَهَبَنِي لَهُ، فَسَمِعْتُها تَقُولُ: أيُّ شَيْءٍ فاتَكَ يا مَحْرُومُ؟ وأغْلَقَتِ البابَ. وأنا يا أخِي مُتَحَسِّرٌ عَلى ما فاتَنِي، قالَ قاسِمُ بْنُ عُثْمانَ: أراهُ أفْضَلَهُمْ؛ لِأنَّهُ رَأى ما لَمْ يَرَوْا، وتُرِكَ يَعْمَلُ عَلى الشَّوْقِ.
وأخْرَجَ أبُو داوُدَ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في ”الأسْماءِ والصِّفاتِ“ واللَّفْظُ لَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««عَجِبَ رَبُّنا مِن رَجُلَيْنِ: رَجُلٌ ثارَ عَنْ وِطائِهِ ولِحافِهِ مِن بَيْنِ حِبِّهِ وأهْلِهِ إلى صِلاتِهِ رَغْبَةً فِيما عِنْدِي وشَفَقَةً (p-١٣٥)مِمّا عِنْدِي، ورَجُلٌ غَزا في سَبِيلِ اللَّهِ فانْهَزَمَ أصْحابُهُ، فَعَلِمَ ما عَلَيْهِ في الِانْهِزامِ وما لَهُ في الرُّجُوعِ، فَرَجَعَ حَتّى أُهْرِيقَ دَمُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: انْظُرُوا إلى عَبْدِي رَجَعَ رَغْبَةً فِيما عِنْدِي وشَفَقَةً مِمّا عِنْدِي حَتّى أُهْرِيقَ دَمُهُ»» .
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في ”الأسْماءِ والصِّفاتِ“ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: ««ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ، ويَضْحَكُ إلَيْهِمْ، ويَسْتَبْشِرُ بِهِمْ: الَّذِي إذا انْكَشَفَ فِئَةٌ قاتَلَ وراءَها بِنَفْسِهِ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَإمّا أنْ يُقْتَلَ وإمّا أنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ تَعالى ويَكْفِيَهُ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إلى عَبْدِي كَيْفَ صَبَّرَ لِي نَفْسَهُ، والَّذِي لَهُ امْرَأةٌ حَسْناءُ وفِراشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ فَيَذْكُرُنِي ويُناجِينِي، ولَوْ شاءَ رَقَدَ، والَّذِي إذا كانَ في سَفَرٍ وكانَ مَعَهُ رَكْبٌ فَسَهِرُوا ونَصِبُوا، ثُمَّ هَجَعُوا، فَقامَ في السَّحَرِ في سَرّاءَ أوْ ضَرّاءَ»» .
وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ أنَسٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: ««مَن سَألَ اللَّهَ القَتْلَ في سَبِيلِ اللَّهِ صادِقًا، ثُمَّ ماتَ، أعْطاهُ اللَّهُ أجْرَ شَهِيدٍ»» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، والحاكِمُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أبِي أُمامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أنَّ (p-١٣٦)رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««مَن سَألَ اللَّهَ الشَّهادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنازِلَ الشُّهَداءِ وإنْ ماتَ عَلى فِراشِهِ»» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««مَن طَلَبَ الشَّهادَةَ صادِقًا أُعْطِيَها ولَوْ لَمْ تُصِبْهُ»» .
{"ayah":"۞ یَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلࣲ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











