الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَتْ يا أيُّها المَلأُ﴾ الآياتِ. أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿قالَتْ يا أيُّها المَلأُ أفْتُونِي في أمْرِي﴾ قالَ: جَمَعَتْ رُؤُوسَ مَمْلَكَتِها، فَشاوَرَتْهم في أمْرِها، فاجْتَمَعَ رَأْيُهم ورَأْيُها عَلى أنْ يَغْزُوَهُ، فَسارَتْ حَتّى إذا كانَتْ قَرِيبَةً قالَتْ: أُرْسِلُ إلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ؛ فَإنْ قَبِلَها فَهو مَلِكٌ أُقاتِلُهُ، وإنْ رَدَّها تابَعْتُهُ فَهو نَبِيٌّ. فَلَمّا دَنَتْ رُسُلُها مِن سُلَيْمانَ عَلِمَ خَبَرَهُمْ، فَأمَرَ الشَّياطِينَ فَمَوَّهُوا لَهُ ألْفَ قَصْرٍ مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ، فَلَمّا رَأتْ رُسُلُها قُصُورَ ذَهَبٍ قالُوا: ما يَصْنَعُ هَذا بِهَدِيَّتِنا، وقُصُورُهُ ذَهَبٌ وفِضَّةٌ؟! فَلَمّا دَخَلُوا بِهَدِيَّتِها قالَ: ﴿أتُمِدُّونَنِ بِمالٍ﴾ ثُمَّ قالَ سُلَيْمانُ: ﴿أيُّكم يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ . فَقالَ كاتِبُ سُلَيْمانَ: ارْفَعْ بَصَرَكَ. فَرَفَعَ بَصَرَهُ، فَلَمّا رَجَعَ إلَيْهِ طَرْفُهُ، إذا هو بِسَرِيرِها، ﴿قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها﴾ فَنَزَعَ عَنْهُ فُصُوصَهُ ومَرافِقَهُ وما كانَ عَلَيْها مِن شَيْءٍ، فَقِيلَ لَها: ﴿أهَكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأنَّهُ هُوَ﴾ ؟ (p-٣٦٣)قالَتْ: ﴿كَأنَّهُ هُوَ﴾ . وأمَرَ الشَّياطِينَ فَجَعَلُوا لَها صَرْحًا مُمَرَّدًا مِن قَوارِيرَ، وجَعَلَ فِيها تَماثِيلَ السَّمَكِ، فَقِيلَ لَها: ﴿ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾ فَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها، فَإذا فِيها الشَّعَرُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أمَرَ بِصَنْعَةِ النُّورَةِ، فَقِيلَ لَها: ﴿إنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِن قَوارِيرَ﴾ . قالَتْ: ﴿رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ في قَوْلِهِ: ﴿أفْتُونِي في أمْرِي﴾ تَقُولُ: أشِيرُوا عَلَيَّ بِرَأْيِكُمْ، ﴿ما كُنْتُ قاطِعَةً أمْرًا حَتّى تَشْهَدُونِ﴾ تُرِيدُ: حَتّى تُشِيرُونِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: كانَ تَحْتَ يَدَيْ مَلِكَةِ سَبَأٍ اثْنا عَشَرَ ألْفَ قَيْوِلٍ، تَحْتَ يَدَيْ كُلِّ قَيْوِلٍ مِائَةُ ألْفِ مُقاتِلٍ، وهُمُ الَّذِينَ قالُوا: ﴿نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّهُ كانَ أُولُو مَشُورَتِها ثَلاثَمِائَةٍ وأثْنى عَشَرَ رَجُلًا، كُلُّ رَجُلٍ مِنهم عَلى عَشَرَةِ (p-٣٦٤)آلافٍ مِنَ الرِّجالِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ المُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَرْيَةً أفْسَدُوها﴾ قالَ: إذا أخَذُوها عَنْوَةً أخْرَبُوها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلُوا أعِزَّةَ أهْلِها أذِلَّةً﴾ قالَ: بِالسَّيْفِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَتْ بِلْقِيسُ: ﴿إنَّ المُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَرْيَةً أفْسَدُوها وجَعَلُوا أعِزَّةَ أهْلِها أذِلَّةً﴾ قالَ: يَقُولُ الرَّبُّ تَبارَكَ وتَعالى: ﴿وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في ”المُصَنَّفِ“، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنِّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ قالَ: أرْسَلَتْ بِلَبِنَةٍ مِن ذَهَبٍ، فَلَمّا قَدِمُوا إذا حِيطانُ المَدِينَةِ مِن ذَهَبٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أتُمِدُّونَنِ بِمالٍ﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: قالَتْ: إنِّي باعِثَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ، فَمُصانِعَتُهم بِها عَنْ مُلْكِي إنْ كانُوا أهْلَ دُنْيا. فَبَعَثَتْ إلَيْهِمْ بِلَبِنَةٍ مِن ذَهَبٍ في حَرِيرٍ ودِيباجٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ سُلَيْمانَ، فَأمَرَ بِلَبِنَةٍ مِن ذَهَبٍ (p-٣٦٥)فَصُنِعَتْ، ثُمَّ قُذِفَتْ تَحْتَ أرْجُلِ الدَّوابِّ عَلى طَرِيقِهِمْ تَبُولُ عَلَيْها وتَرُوثُ، فَلَمّا جاءَ رُسُلُها واللَّبِنَةُ تَحْتَ أرْجُلِ الدَّوابِّ صَغُرَ في أعْيُنِهِمُ الَّذِي جاءُوا بِهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ قالَ: أهَدَتْ لَهُ صَفائِحَ الذَّهَبِ في أوْعِيَةِ الدِّيباجِ، فَلَّما بَلَغَ ذَلِكَ سُلَيْمانَ أمَرَ الجِنَّ فَمَوَّهُوا لَهُ الآجُرَّ بِالذَّهَبِ، ثُمَّ أمَرَ بِهِ فَأُلْقِيَ في الطَّرِيقِ، فَلَمّا جاءُوا ورَأوْهُ مُلْقًى في الطَّرِيقِ وفي كُلِّ مَكانٍ، قالُوا: جِئْنا نَحْمِلُ شَيْئًا نَراهُ هَهُنا مُلْقًى في الطَّرِيقِ، ما يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. فَصَغُرَ في أعْيُنِهِمْ ما جاءُوا بِهِ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنِّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ قالَ: جِوارِي لِباسُهُنَّ لِباسُ الغِلْمانِ، وغِلْمانٌ لِباسُهُنَّ لِباسُ الجَوارِي. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: أرْسَلَتْ بِثَمانِينَ مِن وصَيْفٍ ووَصِيفَةٍ، وحَلَقَتْ رُؤُوسَهم كُلِّهِمْ، وقالَتْ: إنْ عَرَفَ الغِلْمانَ مِنَ الجَوارِي فَهو نَبِيٌّ، وإنْ لَمْ يَعْرِفِ الغِلْمانَ مِنَ الجَوارِي فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ. (p-٣٦٦)فَدَعا بِوُضُوءٍ فَقالَ: تَوَضَّئُوا. فَجَعَلَ الغُلامُ يَأْخُذُ مِن مِرْفِقَيْهِ إلى كَفِّهِ، وجَعَلَتِ الجارِيَةُ تَأْخُذُ مِن كَفِّها إلى مِرْفَقَيْها، فَقالَ: هَؤُلاءِ جِوارِي، وهَؤُلاءِ غِلْمانٌ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: كانَتْ هَدِيَّةُ بِلْقِيسَ لِسُلَيْمانَ مِائَتَيْ فَرَسٍ، عَلى كُلِّ فَرَسٍ غُلامٌ وجارِيَةٌ، الغِلْمانُ والجَوارِي عَلى هَيْئَةٍ واحِدَةٍ، لا تُعْرَفُ الجَوارِي مِنَ الغِلْمانِ، ولا الغِلْمانُ مِنَ الجَوارِي، عَلى كُلِّ فَرَسٍ لَوْنٌ لَيْسَ عَلى الآخَرِ، وكانَتْ أوَّلُ هَدِيَّتِهِمْ عِنْدَ سُلَيْمانَ وآخِرُها عِنْدَها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: الهَدِيَّةُ وُصْفانٌ ووَصائِفُ، ولَبِنَةٌ مِن ذَهَبٍ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: كانَتِ الهَدِيَّةُ جَوْهَرًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ قالَ: إنَّ الهَدِيَّةَ لَمّا جاءَتْ سُلَيْمانَ مَيَّزَ بَيْنَ الغِلْمانِ والجَوارِي؛ امْتَحَنَهم بِالوُضُوءِ، فَغَسَلَ الغِلْمانُ ظُهُورَ السَّواعِدِ قَبْلَ بُطُونِها، وغَسَلَتِ الجَوارِي بُطُونَ السَّواعِدِ قَبْلَ ظُهُورِها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: قالَتْ: إنْ هو قَبِلَ الهَدِيَّةَ فَهو مَلِكٌ فَقاتِلُوهُ دُونَ مُلْكِكُمْ، وإنْ لَمْ يَقْبَلِ الهَدِيَّةَ فَهو نَبِيٌّ لا طاقَةَ لَكم بِقِتالِهِ. فَبَعَثَتْ إلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ، غِلْمانٍ في هَيْئَةِ الجَوارِي وحِلْيَتِهِمْ، وجِوارِي في هَيْئَةِ الغِلْمانِ ولِباسِهِمْ، وبَعَثَتْ إلَيْهِ بِلَبِناتٍ مِن ذَهَبٍ، وبِخَرَزَةٍ مَثْقُوبَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، وبَعَثَتْ إلَيْهِ بِقَدَحٍ، (p-٣٦٧)وبَعَثَتْ إلَيْهِ بِكَلِمَةٍ، فَلَمّا جاءَ سُلَيْمانَ الهَدِيَّةُ أمَرَ الشَّياطِينَ، فَمَوَّهُوا لَبِنَ المَدِينَةِ وحِيطانَها ذَهَبًا وفِضَّةً، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ رُسُلُها قالُوا: أيْنَ نَذْهَبُ بِاللَّبِناتِ في أرْضٍ هَؤُلاءِ وحِيطانُهم ذَهَبٌ وفِضَّةٌ؟! فَحَسَبُوا اللَّبِناتِ، وأدْخَلُوا عَلَيْهِ ما سِوى ذَلِكَ، وقالُوا: أخْرِجْ لَنا الغِلْمانَ مِنَ الجَوارِي. فَأمَرَهم فَتَوَضَّئُوا، فَأخْرَجَ الغِلْمانَ مِنَ الجَوارِي؛ أمّا الجارِيَةُ فَأفْرَغَتْ عَلى يَدِها، وأمّا الغُلامُ فاغْتَرَفَ، وقالُوا: أدْخِلْ لَنا في هَذِهِ الخَرَزَةِ خَيْطًا. فَدَعا بِالدَّسّاسِ فَرَبَطَ فِيهِ خَيْطًا فَأدْخَلَهُ فِيها، فَجالَ فِيها واضْطَرَبَ حَتّى خَرَجَ مِنَ الجانِبِ الآخَرِ. وقالُوا: امْلَأْ لَنا هَذا القَدَحَ بِماءٍ لَيْسَ مِنَ الأرْضِ ولا مِنَ السَّماءِ. فَأمَرَ بِالخَيْلِ فَأُجْرِيَتْ حَتّى إذا أزْبَدَتْ مَسَحَ عَرَقَها فَجَعَلُوهُ فِيهِ حَتّى مَلَأهُ. فَلَمّا رَجَعَتْ رُسُلُها فَأخْبَرُوها أنَّ سُلَيْمانَ رَدَّ الهَدِيَّةَ، وفَدَتْ إلَيْهِ وأمَرَتْ بِعَرْشِها فَجُعِلَ في سَبْعَةِ أبْياتٍ وغَلَّقَتْ عَلَيْها، فَأخَذَتِ المَفاتِيحَ، فَلَّما بَلَغَ سُلَيْمانَ ما صَنَعَتْ بِعَرْشِها قالَ: ﴿قالَ يا أيُّها المَلأُ أيُّكم يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿ارْجِعْ إلَيْهِمْ﴾ قالَ: ما نَراهُ يَعْنِي إلّا الرُّسُلَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قالَ قالَ لِلْهُدْهُدِ: ﴿ارْجِعْ إلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهم بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهم بِها﴾ يَعْنِي مِن جُنُودِ الإنْسِ والجِنِّ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي صالِحٍ في قَوْلِهِ: ﴿لا قِبَلَ لَهم بِها﴾ . (p-٣٦٨)قالَ: لا طاقَةَ لَهم بِها. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: لَمّا بَلَغَ سُلَيْمانَ أنَّها جاءَتْهُ، وكانَ قَدْ ذُكِرَ لَهُ عَرْشُها فَأعْجَبَهُ، وكانَ عَرْشُها مِن ذَهَبٍ، وقَوائِمُهُ مِن لُؤْلُؤٍ وجَوْهَرٍ، وكانَ مُسْتَتِرًا بِالدِّيباجِ والحَرِيرِ، وكانَ عَلَيْهِ سَبْعَةُ مَغالِيقَ، فَكَرِهَ أنْ يَأْخُذَهُ بَعْدَ إسْلامِهِمْ، وقَدْ عَلِمَ نَبِيُّ اللَّهِ سُلَيْمانُ أنَّ القَوْمَ مَتى ما يُسْلِمُوا تَحْرُمْ أمْوالُهم مَعَ دِمائِهِمْ، فَأحَبَّ أنْ يُؤْتى بِهِ قَبْلَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِن أمْرِهِمْ، فَقالَ: ﴿أيُّكم يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ . وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿أيُّكم يَأْتِينِي بِعَرْشِها﴾ قالَ: سَرِيرٌ في أرِيكَةٍ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، مِن طَرِيقٍ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿قَبْلَ أنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ قالَ: طائِعِينَ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الجِنِّ﴾ قالَ: مارِدٌ، ﴿قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِن مَقامِكَ﴾ قالَ: مِن مَقْعَدِكَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي صالِحٍ، في (p-٣٦٩)قَوْلِهِ: ﴿قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الجِنِّ﴾ قالَ: عَظِيمٌ كَأنَّهُ جَبَلٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ شُعَيْبٍ الجَبائِيِّ قالَ: كانَ اسْمُ العِفْرِيتِ كَوْزَنَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومانَ قالَ: اسْمُهُ كُوزِي. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، مِن طَرِيقِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الجِنِّ﴾ قالَ: هو صَخْرٌ الجِنِّيُّ، ﴿وإنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ﴾ قالَ: عَلى حَمْلِهِ، ﴿أمِينٌ﴾ قالَ: عَلى ما اسْتُودِعَ فِيهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِن مَقامِكَ﴾ قالَ: مِن مَجْلِسِكَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ في قَوْلِهِ: ﴿قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِن مَقامِكَ﴾ قالَ: مِن مَجْلِسِكَ الَّذِي تَجْلِسُ فِيهِ لِلْقَضاءِ. وكانَ سُلَيْمانُ إذا جَلَسَ لِلْقَضاءِ لَمْ يَقُمْ حَتّى تَزُولَ الشَّمْسُ. (p-٣٧٠)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أمِينٌ﴾ قالَ: عَلى جَوْهَرِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: لَمّا قالَ: ﴿أنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِن مَقامِكَ﴾ قالَ: إنِّي أُرِيدُ أعْجَلَ مِن هَذا. ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ أنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ قالَ: فَخَرَجَ العَرْشُ مِن نَفَقٍ مِنَ الأرْضِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ قالَ: قَرَأْتُ مِن مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: (وإنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أمِينٌ. قالَ: أُرِيدُهُ أعْجَلَ مِن ذَلِكَ) . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ﴾ قالَ: آصَفُ كاتِبُ سُلَيْمانَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومانَ قالَ: هو آصَفُ بْنُ بَرْخِيا، وكانَ صِدِّيقًا يَعْلَمُ الِاسْمَ الأعْظَمَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: كانَ اسْمُهُ أسْطُومَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ قالَ: هو الخَضِرُ. (p-٣٧١)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قالَ: هو رَجُلٌ مِنَ الإنْسِ يُقالُ لَهُ: ذُو النُّورِ. وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ الحَسَنِ قالَ: هو آصِفُ بْنُ بَرْخِيا بْنِ مُشْمِعِيّا بْنِ مَنكِيلَ، واسْمُ أُمِّهِ باطُورا مِن بَنِي إسْرائِيلَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ: ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ﴾ قالَ: كانَ اسْمُهُ بَلْخِيا. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ﴾ قالَ: الاسْمُ الَّذِي إذا دُعِيَ بِهِ أجابَ، وهو يا ذا الجَلالِ والإكْرامِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ﴾ قالَ: كانَ رَجُلًا مِن بَنِي إسْرائِيلَ يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الأعْظَمَ (p-٣٧٢)إذا دُعِيَ بِهِ أجابَ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ قالَ: إدامَةُ النَّظَرِ حَتّى يَرْتَدَّ إلَيْكَ الطَّرْفُ خاسِئًا. وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: في قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ أنا أنْظُرُ في كِتابِ رَبِّي ثُمَّ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ) . قالَ: فَتَكَلَّمَ ذَلِكَ العالِمُ بِكَلامٍ دَخَلَ العَرْشُ في نَفَقٍ تَحْتَ الأرْضِ حَتّى خَرَجَ إلَيْهِمْ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: ﴿قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ قالَ: قالَ لِسُلَيْمانَ: انْظُرْ إلى السَّماءِ. قالَ: فَما أطْرَفَ حَتّى جاءَهُ بِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، مِثْلَهُ. (p-٣٧٣)وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: دُعاءُ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ: يا إلَهَنا وإلَهَ كُلِّ شَيْءٍ، إلَهًا واحِدًا، لا إلَهَ إلّا أنْتَ، ائْتِنِي بِعَرْشِها. قالَ: فَمَثَلَ لَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمْ يَجْرِ عَرْشُ صاحِبَةِ سَبَأٍ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، ولَكِنِ انْشَقَّتْ لَهُ الأرْضُ، فَجَرى تَحْتَ الأرْضِ حَتّى ظَهَرَ بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمانَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ سابِطٍ قالَ: دَعا بِاسْمِهِ الأعْظَمِ، فَدَخَلَ السَّرِيرُ فَصارَ لَهُ نَفَقٌ في الأرْضِ، حَتّى نَبَعَ بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمانَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قالَ: دَعا بِاسْمٍ مِن أسْماءِ اللَّهِ، فَإذا عَرْشُها يُحْمَلُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ولا يَدْرِي ذَلِكَ الِاسْمَ، قَدْ خَفِيَ ذَلِكَ الِاسْمُ عَلى سُلَيْمانَ، وقَدْ أُعْطِيَ ما أُعْطِيَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ أنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ قالَ: كانَ رَجُلًا مِن بَنِي إسْرائِيلَ، يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الأعْظَمَ، الَّذِي إذا دُعِيَ بِهِ أجابَ، وإذا سُئِلَ بِهِ أعْطى، وارْتِدادُ الطَّرْفِ (p-٣٧٤)أنْ يَرْمِيَ بِبَصَرِهِ حَيْثُ بَلَغَ ثُمَّ يَرُدُّ طَرْفَهُ، فَدَعاهُ، فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ جَزِعَ وقالَ: رَجُلٌ غَيْرِي أقْدَرُ عَلى ما عِنْدَ اللَّهِ مِنِّي! . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿هَذا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أأشْكُرُ﴾ إذا أُتِيتَ بِالعَرْشِ، ﴿أمْ أكْفُرُ﴾ إذا رَأيْتُ مَن هو أدْنى مِنِّي في الدُّنْيا أعْلَمَ مِنِّي. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها﴾ قالَ: زِيدَ فِيهِ ونُقِصَ، ﴿نَنْظُرْ أتَهْتَدِي﴾ قالَ: لِنَنْظُرَ إلى عَقْلِها، فَوُجِدَتْ ثابِتَةَ العَقْلِ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿نَكِّرُوا لَها عَرْشَها﴾ قالَ: غَيِّرُوهُ، ﴿نَنْظُرْ أتَهْتَدِي﴾ . قالَ: أتَعْرِفُهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها﴾ قالَ: تَنْكِيرُهُ أنْ يُجْعَلَ أسْفَلُهُ أعْلاهُ، ومُقَدَّمُهُ مُؤَخَّرَهُ، ويُزادُ فِيهِ أوْ يُنْقَصُ مِنهُ، فَلَمّا جاءَتْ قِيلَ: ﴿أهَكَذا عَرْشُكِ﴾ . (p-٣٧٥)قالَتْ ﴿كَأنَّهُ هُوَ﴾ شَبَّهَتْهُ بِهِ، وكانَتْ قَدْ تَرَكَتْهُ خَلْفَها، فَوَجَدَتْهُ أمامَها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: لَمّا دَخَلَتْ وقَدْ غُيِّرَ عَرْشُها، فَجُعِلَ كُلُّ شَيْءٍ مِن حِلْيَتِهِ أوْ فَرْشِهِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ لِيَلْبِسُوا عَلَيْها، قِيلَ: ﴿أهَكَذا عَرْشُكِ﴾ فَرَهِبَتْ أنْ تَقُولَ: نَعَمْ هو. فَيَقُولُونَ: ما هَكَذا كانَ حِلْيَتُهُ ولا كُسْوَتُهُ. ورَهِبَتْ أنْ تَقُولَ: لَيْسَ هو. فَيُقالُ لَها: بَلْ هو هُوَ، ولَكِنّا غَيَّرْناهُ. فَقالَتْ: ﴿كَأنَّهُ هُوَ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وأُوتِينا العِلْمَ مِن قَبْلِها﴾ قالَ: سُلَيْمانُ يَقُولُهُ؛ أُوتِينا مَعْرِفَةَ اللَّهِ وتَوْحِيدَهُ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وأُوتِينا العِلْمَ مِن قَبْلِها﴾ قالَ: سُلَيْمانُ يَقُولُهُ. وفي قَوْلِهِ: ﴿وصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ قالَ: كُفْرُها بِقَضاءِ اللَّهِ غَيْرَ الوَثَنِ، أنْ تَهْتَدِيَ لِلْحُقِّ. في قَوْلِهِ: ﴿قِيلَ لَها ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾ بِرْكَةُ ماءٍ، ضَرَبَ عَلَيْها سُلَيْمانُ قَوارِيرَ؛ ألْبَسَها، وكانَتْ بِلْقِيسُ هَلْباَءَ (p-٣٧٦)شَعْراءَ، قَدَماها حافِرٌ كَحافِرِ الحِمارِ، وكانَتْ أُمُّها جِنِّيَّةً. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا رَأتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً﴾ قالَ: بَحْرًا. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي صالِحٍ قالَ: كانَ الصَّرْحُ مِن زُجاجٍ، وجُعِلَ فِيهِ تَماثِيلُ السَّمَكِ، فَلَمّا رَأتْهُ وقِيلَ لَها: ادْخُلِي الصَّرْحَ. فَكَسَفَتْ عَنْ ساقَيْها، وظَنَّتْ أنَّهُ ماءٌ. قالَ: والمُمَرَّدُ: الطَّوِيلُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: كانَ قَدْ نُعِتَ لَهُ خَلْقُها، فَأحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إلى ساقَيْها، فَقِيلَ لَها ﴿ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾ فَلَمّا دَخَلَتْهُ ظَنَّتْ أنَّهُ ماءٌ، فَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها، فَنَظَرَ إلى ساقَيْها أنَّهُ عَلَيْها شَعَرٌ كَثِيرٌ، فَوَقَعَتْ مِن عَيْنِهِ وكَرِهَها، فَقالَتْ لَهُ الشَّياطِينُ: نَحْنُ نَصْنَعُ لَكَ شَيْئًا يَذْهَبُ بِهِ، فَصَنَعُوا لَهُ نَوْرَةً مِن أصْدافٍ، فَطَلَوْها فَذَهَبَ الشَّعَرُ، ونَكَحَها سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿قالَتْ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ قالَ: ظَنَّتْ أنَّهُ ماءٌ، وأنَّ سُلَيْمانَ أرادَ قَتْلَها، فَقالَتْ: أرادَ قَتْلِي، واللَّهِ (p-٣٧٧)عَلى ذَلِكَ لَأقْتَحِمَنَّ فِيهِ. فَلَمّا رَأتْهُ أنَّهُ قَوارِيرُ، عَرَفَتْ أنَّها ظَلَمَتْ سُلَيْمانَ لَما ظَنَّتْ، فَذَلِكَ قَوْلُها: ﴿ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ وإنَّما كانَتْ هَذِهِ المَكِيدَةُ مِن سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَها، أنَّ الجِنَّ تَراجَعُوا فِيما بَيْنَهم فَقالُوا: قَدْ كُنْتُمْ تُصِيبُونَ مِن سُلَيْمانَ غِرَّةً، فَإنْ نَكَحَ هَذِهِ المَرْأةَ اجْتَمَعَتْ فِطْنَةُ الجِنِّ والوَحْيِ، فَلَنْ تُصِيبُوا لَهُ غِرَّةً. فَقَدِمُوا إلَيْهِ فَقالُوا: إنَّ النَّصِيحَةَ لَكَ عَلَيْنا حَقٌّ، إنَّما قَدَماها حافِرُ حِمارٍ. فَذَلِكَ حِينَ ألْبَسَ البِرْكَةَ قَوارِيرَ، وأرْسَلَ نِساءً مِن نِساءِ بَنِي إسْرائِيلَ تَنْظُرُ إذا كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها، ما قَدَماها؟ فَإذا هي أحْسَنُ النّاسِ ساقًا مِن ساقٍ شَعْراءَ، وإذا قَدَماها قَدَما إنْسانٍ، فَبَشَّرْنَ سُلَيْمانَ، وكَرِهَ الشَّعَرَ، فَأمَرَ الجِنَّ فَجَعَلَتِ النُّورَةَ، فَذَلِكَ أوَّلُ ما كانَتِ النُّورَةُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَ سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ عَلَيْهِما السَّلامُ إذا أرادَ سَفَرًا قَعَدَ عَلى سَرِيرِهِ، ووُضِعَتِ الكَراسِيُّ يَمِينًا وشِمالًا، فَيُؤْذَنُ لِلْإنْسِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُذِنَ لِلْجِنِّ عَلَيْهِ بَعْدَ الإنْسِ، ثُمَّ أُذِنَ لِلشَّياطِينِ بَعْدَ الجِنِّ، ثُمَّ أرْسَلَ إلى الطَّيْرِ فَتُظِلُّهُمْ، ثُمَّ أمَرَ الرِّيحَ فَحَمَلَتْهم وهو عَلى سَرِيرِهِ، والنّاسُ عَلى الكَراسِيِّ، والطَّيْرِ تُظِلُّهُمْ، والرِّيحُ تَسِيرُ بِهِمْ، غُدُوُّها شَهْرٌ ورَواحُها شَهْرٌ، رُخاءً حَيْثُ أرادَ، لَيْسَ بِالعاصِفِ ولا بِاللَّيِّنِ، وسَطًا بَيْنَ ذَلِكَ. وكانَ سُلَيْمانُ يَخْتارُ مِن كُلِّ طَيْرٍ طَيْرًا، فَيَجْعَلُهُ رَأْسَ تِلْكَ الطَّيْرِ، فَإذا أرادَ أنْ يُسائِلَ تِلْكَ الطَّيْرَ عَنْ شَيْءٍ سَألَ رَأْسَها. (p-٣٧٨)فَبَيْنَما سُلَيْمانُ يَسِيرُ إذْ نَزَلَ مَفازَةً، فَسَألَ: كَمْ بُعْدُ الماءِ هَهُنا؟ فَسَألَ الإنْسَ، فَقالُوا: لا نَدْرِي. فَسَألَ الشَّياطِينَ، فَقالُوا: لا نَدْرِي. فَغَضِبَ سُلَيْمانُ وقالَ: لا أبْرَحُ حَتّى أعْلَمَ كَمْ بُعْدُ مَسافَةِ الماءِ هَهُنا. فَقالَتْ لَهُ الشَّياطِينُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لا تَغْضَبْ، فَإنْ يَكُ شَيْءٌ يَعْلَمُهُ فالهُدْهُدُ يَعْلَمُهُ. فَقالَ سُلَيْمانُ: عَلَيَّ بِالهُدْهُدِ. فَلَمْ يُوجَدْ، فَغَضِبَ سُلَيْمانُ وقالَ: ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا أوْ لأذْبَحَنَّهُ أوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] يَقُولُ: بِعُذْرٍ مُبِينٍ، غابَ عَنْ مَسِيرِي هَذا! قالَ: ومَرَّ الهُدْهُدُ عَلى قَصْرِ بِلْقِيسَ، فَرَأى لَها بُسْتانًا خَلْفَ قَصْرِها، فَمالَ إلى الخُضْرَةِ فَوَقَعَ فِيهِ، فَإذا هو بِهُدْهُدٍ في البُسْتانِ، فَقالَ لَهُ هُدْهُدُ سُلَيْمانَ: أيْنَ أنْتَ عَنْ سُلَيْمانَ، وما تَصْنَعُ هَهُنا؟ فَقالَ لَهُ هُدْهُدُ بِلْقِيسَ: ومَن سُلَيْمانُ؟! فَقالَ: بَعَثَ اللَّهُ رَجُلًا يُقالُ لَهُ: سُلَيْمانُ. رَسُولًا، وسَخَّرَ لَهُ الجِنَّ والإنْسَ والرِّيحَ والطَّيْرَ. فَقالَ لَهُ هُدْهُدُ بِلْقِيسَ: أيُّ شَيْءٍ تَقُولُ؟! قالَ: أقُولُ لَكَ ما تَسْمَعُ. قالَ: إنَّ هَذا لَعَجَبٌ! وأعْجَبُ مِن ذَلِكَ أنَّ كَثْرَةَ هَؤُلاءِ القَوْمِ تَمْلِكُهُمُ امْرَأةٌ، وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَها عَرْشٌ عَظِيمٌ، جَعَلُوا الشُّكْرَ لِلَّهِ أنْ يَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ. قالَ: وذَكَرَ الهُدْهُدُ سُلَيْمانَ، فَنَهَضَ عَنْهُ، فَلَمّا انْتَهى إلى العَسْكَرِ تَلَقَّتْهُ الطَّيْرُ، فَقالُوا: تَواعَدَكَ رَسُولُ اللَّهِ، وأخْبَرُوهُ بِما قالَ، وكانَ عَذابُسُلَيْمانَ لِلطَّيْرِ، أنْ يَنْتِفَهُ ثُمَّ يُشَمِّسَهُ فَلا يَطِيرُ أبَدًا، ويَصِيرُ مَعَ هَوامِّ الأرْضِ، أوْ يَذْبَحَهُ فَلا يَكُونُ لَهُ نَسْلٌ أبَدًا، قالَ الهُدْهُدُ: وما اسْتَثْنى نَبِيُّ اللَّهِ؟ (p-٣٧٩)قالُوا: بَلى. قالَ: أوْ لَيَأْتِيَنِّي بِعُذْرٍ مُبِينٍ. فَلَمّا أتى سُلَيْمانَ قالَ: وما غَيَّبَكَ عَنْ مَسِيرِي هَذا؟ قالَ: فاعْتَلَّ لَهُ بِشَيْءٍ وأخْبَرَهُ عَنْ بِلْقِيسَ وقَوْمِها ما أخْبَرَهُ الهُدْهُدُ، فَقالَ لَهُ سُلَيْمانُ: بَلِ اعْتَلَلْتَ، ﴿سَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِينَ﴾ [النمل: ٢٧] ﴿اذْهَبْ بِكِتابِي هَذا فَألْقِهْ إلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٢٨] وكَتَبَ: ﷽، إلى بِلْقِيسَ، ألّا تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ، فَلَمّا ألْقى الهُدْهُدُ الكِتابَ إلَيْها أُلْقِيَ في رُوعِها أنَّهُ كِتابٌ كَرِيمٌ وأنَّهُ مِن سُلَيْمانَ، وألّا تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ، قالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ. قالَتْ: إنَّ المُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَرْيَةً أفْسَدُوها، وإنِّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ. فَلَمّا جاءَتِ الهَدِيَّةُ سُلَيْمانَ قالَ: أتُمِدُّونَنِي بِمالٍ؟ ارْجِعْ إلَيْهِمْ. فَلَمّا رَجَعَ إلَيْها رُسُلُها خَرَجَتْ فَزِعَةً، فَأقْبَلَ مَعَها ألْفُ قَيْلٍ مَعَ كُلِّ قَيْلٍ مِائَةُ ألْفٍ. قالَ: وكانَ سُلَيْمانُ رَجُلًا مَهِيبًا لا يُبْتَدَأُ بِشَيْءٍ حَتّى يَكُونَ هو الَّذِي يَسْألُ عَنْهُ، فَخَرَجَ يَوْمَئِذٍ فَجَلَسَ عَلى سَرِيرِهِ فَرَأى رَهْجًا قَرِيبًا مِنهُ، قالَ: ما هَذا؟ قالُوا: بِلْقِيسُ يا رَسُولَ اللَّهِ. قالَ: وقَدْ نَزَلَتْ مِنّا بِهَذا المَكانِ؟ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وكانَ بَيْنَ سُلَيْمانَ وبَيْنَ مَلِكَةِ سَبَأٍ ومَن مَعَها حِينَ نَظَرَ إلى الغُبارِ، كَما بَيْنَ الكُوفَةِ والحِيرَةِ. قالَ: فَأقْبَلَ عَلى جُنُودِهِ، فَقالَ: ﴿أيُّكم يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ ؟ قالَ: وبَيْنَ سُلَيْمانَ وبَيْنَ عَرْشِها حِينَ نَظَرَ إلى الغُبارِ مَسِيرَةُ شَهْرَيْنِ - قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الجِنِّ: ﴿أنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِن مَقامِكَ﴾ قالَ: وكانَ لِسُلَيْمانَ مَجْلِسٌ يَجْلِسُ فِيهِ لِلنّاسِ كَما تَجْلِسُ الأُمَراءُ ثُمَّ (p-٣٨٠)يَقُومُ، قالَ سُلَيْمانُ: أُرِيدُ أعْجَلَ مِن ذَلِكَ. قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ: أنا أنْظُرُ في كِتابِ رَبِّي، ثُمَّ آتِيكَ بِهِ ﴿قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ . فَنَظَرَ إلَيْهِ سُلَيْمانُ، فَلَمّا قَطَعَ كَلامُهُ رَدَّ سُلَيْمانُ بَصَرَهُ، فَنَبَعَ عَرْشُها مِن تَحْتِ قَدَمِ سُلَيْمانَ مِن تَحْتِ كُرْسِيٍّ كانَ يَضَعُ عَلَيْهِ رِجْلَهُ ثُمَّ يَصْعَدُ إلى السَّرِيرِ، فَلَمّا رَأى سُلَيْمانُ عَرْشَها مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ: ﴿هَذا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أأشْكُرُ﴾ إذْ أتانِي بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيَّ طَرْفِي، ﴿أمْ أكْفُرُ﴾ إذْ جَعَلَ مَن هو تَحْتَ يَدِي أقْدَرَ عَلى المَجِيءِ بِهِ مِنِّي. قالَ: ﴿نَكِّرُوا لَها عَرْشَها﴾ . ﴿فَلَمّا جاءَتْ﴾ تَقَدَّمَتْ إلى سُلَيْمانَ، قِيلَ لَها: ﴿أهَكَذا عَرْشُكِ﴾ ؟ قالَتْ: ﴿كَأنَّهُ هُوَ﴾ . ثُمَّ قالَتْ: لَقَدْ تَرَكْتُهُ في حُصُونِي، وتَرَكْتُ الجُنُودَ مُحِيطِينَ بِهِ، فَكَيْفَ جِيءَ بِهَذا؟! ثُمَّ قالَتْ: يا سُلَيْمانُ، إنِّي أُرِيدُ أنْ أسْألَكَ عَنْ شَيْءٍ فَأخْبِرْنِي بِهِ. قالَ: سَلِي. قالَتْ: أخْبِرْنِي عَنْ ماءٍ رَواءٍ لا مِن أرْضٍ ولا مِن سَماءٍ. قالَ: وكانَ إذا جاءَ سُلَيْمانَ شَيْءٌ لا يَعْلَمُهُ يَسْألُ الإنْسَ عَنْهُ، فَإنْ كانَ عِنْدَ الإنْسَ مِنهُ عِلْمٌ وإلّا سَألَ الجِنَّ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الجِنِّ عِلْمٌ سَألَ الشَّياطِينَ، فَقالَتْ لَهُ الشَّياطِينُ: ما أهْوَنَ هَذا يا رَسُولَ اللَّهِ. مُرْ بِالخَيْلِ فَتَجْرِي، ثُمَّ لْتَمْلَأِ الآنِيَةَ مِن عَرَقِها. فَقالَ لَها سُلَيْمانُ: عَرَقُ الخَيْلِ. قالَتْ: صَدَقْتَ. قالَتْ: فَأخْبِرْنِي عَنْ لَوْنِ الرَّبِّ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَوَثَبَ سُلَيْمانُ عَنْ سَرِيرِهِ، فَخَرَّ ساجِدًا، فَقامَتْ عَنْهُ، وتَفَرَّقَتْ عَنْهُ (p-٣٨١)جُنُودُهُ، وجاءَهُ الرَّسُولُ فَقالَ: يا سُلَيْمانُ، يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ: ما شَأْنُكَ؟ قالَ: يا رَبِّ أنْتَ أعْلَمُ بِما قالَتْ. قالَ: فَإنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أنْ تَعُودَ إلى سَرِيرِكَ فَتَقْعُدَ عَلَيْهِ، وتُرْسِلَ إلَيْها وإلى مَن حَضَرَها مِن جُنُودِها، وتُرْسِلَ إلى جَمِيعِ جُنُودِكَ الَّذِينَ حَضَرُوكَ فَيَدْخُلُوا عَلَيْكَ، فَتَسْألُها وتَسْألُهم عَمّا سَألَتْكَ عَنْهُ. قالَ: فَفَعَلَ سُلَيْمانُ ذَلِكَ، فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ جَمِيعًا قالَ لَها: عَمَّ سَألْتِنِي؟ قالَتْ: سَألَتْكَ عَنْ ماءٍ رَواءٍ لا مِنَ الأرْضِ ولا مِنَ السَّماءِ. قالَ: قُلْتُ لَكِ: عَرَقُ الخَيْلِ. قالَتْ: صَدَقْتَ. قالَ: وعَنْ أيِّ شَيْءٍ سَألْتِنِي؟ قالَتْ: ما سَألَتْكَ عَنْ شَيْءٍ إلّا عَنْ هَذا. قالَ لَها سُلَيْمانُ: فَلِأيِّ شَيْءٍ خَرَرْتُ عَنْ سَرِيرِي؟! قالَتْ: كانَ ذاكَ لِشَيْءٍ لا أدْرِي ما هو. فَسَألَ جُنُودَها، فَقالُوا مِثْلَ قَوْلِها، فَسَألَ جُنُودَهُ مِنَ الإنْسِ والجِنِّ، والطَّيْرِ، وكُلِّ شَيْءٍ كانَ حَضَرَهُ مِن جُنُودِهِ، فَقالُوا: ما سَألَتْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ شَيْءٍ إلّا عَنْ ماءٍ رَواءٍ. قالَ: وقَدْ كانَ قالَ لَهُ الرَّسُولُ: يَقُولُ اللَّهُ لَكَ: ارْجِعْ، عُدْ إلى مَكانِكَ، فَإنِّي قَدْ كَفَيْتُكم. فَقالَ سُلَيْمانُ لِلشَّياطِينِ: ابْنُوا لِي صَرْحًا تَدْخُلُ عَلَيَّ فِيهِ بِلْقِيسُ. فَرَجَعَ الشَّياطِينُ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ، فَقالُوا: سُلَيْمانُ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ ما سَخَّرَ، وبِلْقِيسُ مَلِكَةُ سَبَأٍ يَنْكِحُها فَتَلِدُ لَهُ غُلامًا، فَلا نَنْفَكُّ لَهُ مِنَ العُبُودِيَّةِ أبَدًا. قالَ: وكانَتِ امْرَأةً شَعْراءَ السّاقَيْنِ، فَقالَتِ الشَّياطِينُ: ابْنُوا لَهُ بُنْيانًا يَرى ذَلِكَ مِنها (p-٣٨٢)فَلا يَتَزَوَّجُها. فَبَنَوْا لَهُ صَرْحًا مِن قَوارِيرَ، فَجَعَلُوا لَهُ طَوابِيقَ مِن قَوارِيرَ كَأنَّهُ الماءُ، وجَعَلُوا مِن باطِنِ الطَّوابِيقِ كُلَّ شَيْءٍ يَكُونُ مِنَ الدَّوابِّ في البَحْرِ، مِنَ السَّمَكِ وغَيْرِهِ، ثُمَّ أطْبَقُوهُ، ثُمَّ قالُوا: لِسُلَيْمانَ: ادْخُلِ الصَّرْحَ. فَأُلْقِيَ كُرْسِيٌّ في أقْصى الصَّرْحِ، فَلَمّا دَخَلَهُ أتى الكُرْسِيَّ فَصَعِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قالَ: أدْخِلُوا عَلِيَّ بِلْقِيسَ. فَقِيلَ لَها: ﴿ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾ فَلَمّا ذَهَبَتْ تَدْخُلُهُ، فَرَأتْ صُورَةَ السَّمَكِ، وما يَكُونُ في الماءِ مِنَ الدَّوابِّ، ﴿حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها﴾ لِتَدْخُلَ، وكانَ شَعَرُ ساقِها مُلْتَوِيًا عَلى ساقَيْها، فَلَمّا رَآهُ سُلَيْمانُ ناداها وصَرَفَ بَصَرَهُ عَنْها: ﴿إنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِن قَوارِيرَ﴾ فَألْقَتْ ثَوْبَها وقالَتْ: ﴿رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾، فَدَعا سُلَيْمانُ الإنْسَ فَقالَ: ما أقْبَحَ هَذا! ما يُذْهِبُ هَذا؟ قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، المَواسِي. فَقالَ: المَواسِي تَقْطَعُ ساقَيِ المَرْأةِ. ثُمَّ دَعا الشَّياطِينَ فَقالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، فَتَلَكَّئُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلُوا لَهُ النُّورَةَ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَإنَّهُ لَأوَّلُ يَوْمٍ رُئِيَتْ فِيهِ النُّورَةُ. قالَ: واسْتَنْكَحَها سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ. قالَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ: قالَ أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ: ما أحْسَنَهُ مِن حَدِيثٍ! (p-٣٨٣)وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ في ”المُصَنَّفِ“، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدّادٍ قالَ: كانَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ إذا أرادَ أنْ يَسِيرَ وضَعَ كُرْسِيَّهُ، ويَأْتِي مَن أرادَ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ، ثُمَّ يَأْمُرُ الرِّيحَ فَتَحْمِلُهُمْ، ثُمَّ يَأْمُرُ الطَّيْرَ فَتُظِلُّهُمْ، فَبَيْنا هو يَسِيرُ إذْ عَطِشُوا، فَقالَ: ما تَرَوْنَ بَعْدَ الماءِ؟ قالُوا: لا نَدْرِي، فَتَفَقَّدَ الهُدْهُدَ، وكانَ لَهُ مِنهُ مَنزِلَةٌ لَيْسَ بِها طَيْرٌ غَيْرَهُ، فَقالَ ﴿ما لِيَ لا أرى الهُدْهُدَ أمْ كانَ مِنَ الغائِبِينَ﴾ [النمل: ٢٠] ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١] وكانَ عَذابُهُ إذا عَذَّبَ الطَّيْرَ يَنْتِفُهُ، ثُمَّ يُلْقِيهِ في الشَّمْسِ ﴿أوْ لأذْبَحَنَّهُ أوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] يَعْنِي بِعُذْرٍ بَيِّنٍ. فَلَمّا جاءَ الهُدْهُدُ اسْتَقْبَلَتْهُ الطَّيْرُ، فَقالَتْ لَهُ: قَدْ أوْعَدَكَ سُلَيْمانُ. فَقالَ لَهُمُ الهُدْهُدُ: هَلِ اسْتَثْنى؟ فَقالُوا لَهُ: نَعَمْ. قَدْ قالَ: إلّا أنْ يَجِيءَ بِعُذْرٍ بَيِّنٍ. فَجاءَ بِخَبَرِ صاحِبَةِ سَبَأٍ، فَكَتَبَ مَعَهُ إلَيْها: ﴿﷽﴾ [النمل: ٣٠] ﴿ألا تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣١] فَأقْبَلَتْ بِلْقِيسُ، فَلَمّا كانَتْ عَلى قَدْرِ فَرْسَخٍ قالَ سُلَيْمانُ: ﴿أيُّكم يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ ؟ قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الجِنِّ: ﴿أنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِن مَقامِكَ﴾ . فَقالَ سُلَيْمانُ: أُرِيدُ أعْجَلَ مِن ذَلِكَ. فَقالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ: ﴿أنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ فَأُتِيَ بِالعَرْشِ في نَفَقٍ في الأرْضِ، يَعْنِي: سَرَبٍ في الأرْضِ، قالَ سُلَيْمانُ: غَيِّرُوهُ، فَلَمّا جاءَتْ قِيلَ: ﴿أهَكَذا عَرْشُكِ﴾ ؟ فاسْتَنْكَرَتِ السُّرْعَةَ، ورَأتِ العَرْشَ، فَقالَتْ: ﴿كَأنَّهُ هُوَ﴾، قِيلَ لَها: ﴿ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾ فَلَمّا رَأتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةَ ماءٍ، ﴿وكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها﴾، (p-٣٨٤)فَإذا هي امْرَأةٌ شَعْراءُ، فَقالَ سُلَيْمانُ: ما يُذْهِبُ هَذا؟ فَقالَ بَعْضُ الجِنِّ: أنا أذْهَبُ بِهِ. فَصُنِعَتْ لَهُ النُّورَةُ، وكانَ أوَّلَ ما صُنِعَتِ النُّورَةُ، وكانَ اسْمُها بِلْقِيسَ. وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: لَمّا تَزَوَّجَ سُلَيْمانُ بِلْقِيسَ قالَتْ: ما مَسَّتْنِي حَدِيدَةٌ قَطُّ. فَقالَ لِلشَّياطِينِ: انْظُرُوا أيَّ شَيْءٍ يَذْهَبُ بِالشَّعَرِ غَيْرَ الحَدِيدِ؟ فَوَضَعُوا لَهُ النُّورَةَ، فَكانَ أوَّلَ مَن وضَعَها شَياطِينُ سُلَيْمانَ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ في ”تارِيخِهِ“، والعُقَيْلِيُّ، عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««أوَّلُ مَن صُنِعَتْ لَهُ الحَمّاماتُ سُلَيْمانُ»» . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ عَدِيٍّ في ”الكامِلِ“، والبَيْهَقِيُّ في ”الشُّعَبِ“، عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««أوَّلُ مَن دَخَلَ الحَمّامَ سُلَيْمانُ، فَلَمّا وجَدَ حَرَّهُ قالَ: أوْهِ مِن عَذابِ اللَّهِ»» . (p-٣٨٥)وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ في ”الحِلْيَةِ“، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: لَمّا قَدِمَتْ مَلِكَةُ سَبَأٍ عَلى سُلَيْمانَ رَأتْ حَطَبًا جَزْلًا، فَقالَتْ لِغُلامِ سُلَيْمانَ: هَلْ يَعْرِفُ مَوْلاكَ كَمْ وزْنُ هَذا الدُّخّانِ؟ فَقالَ: أنا أعْلَمُ فَكَيْفَ مَوْلايَ؟! قالَتْ: فَكَمْ وزْنُهُ؟ فَقالَ الغُلامُ: يُوزَنُ الحَطَبُ ثُمَّ يُحْرَقُ، ثُمَّ يُوزَنُ الرَّمادُ فَما نَقَصَ فَهو دُخانُهُ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في ”الزُّهْدِ“ عَنِ الأوْزاعِيِّ قالَ: كُسِرَ بُرْجٌ مِن أبْراجِ تَدْمُرَ، فَأصابُوا فِيهِ امْرَأةً حَسْناءَ دَعْجاءَ مُدْمَجَةً، كَأنَّ أعْطافَها طَيُّ الطَّوامِيرِ، عَلَيْها عِمامَةٌ طُولُها ثَمانُونَ ذِراعًا، مَكْتُوبٌ عَلى طَرَفِ العِمامَةِ بِالذَّهَبِ: ﷽، أنا بِلْقِيسُ مَلِكَةُ سَبَأٍ، زَوْجَةُ سُلَيْمانَ بْنِ داوُدَ، مَلَكْتُ الدُّنْيا كافِرَةً ومُؤْمِنَةً، ما لَمْ يَمْلِكْهُ أحَدٌ قَبْلِي ولا يَمْلِكْهُ أحَدٌ بَعْدِي، صارَ مَصِيرِي إلى المَوْتِ، فَأقْصِرُوا يا طُلّابَ الدُّنْيا. وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِبْعِيٍّ قالَ: لَمّا أسْلَمَتْ بِلْقِيسُ تَزَوَّجَها سُلَيْمانُ وأمْهَرَها بَعْلْبَكَّ. (p-٣٨٦)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب