الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَّبَ أصْحابُ الأيْكَةِ المُرْسَلِينَ﴾ الآياتِ. أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجاهِدٍ: ﴿الأيْكَةِ﴾ قالَ: الأيْكَةُ. وأخْرَجَ إسْحاقُ بْنُ بِشْرٍ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿كَذَّبَ أصْحابُ الأيْكَةِ المُرْسَلِينَ﴾ قالَ: كانُوا أصْحابَ غَيْضَةٍ بَيْنَ ساحِلِ البَحْرِ إلى مَدْيَنَ، ﴿إذْ قالَ لَهم شُعَيْبٌ﴾ ولَمْ يَقُلْ: أخُوهم شُعَيْبٌ. لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِن جِنْسِهِمْ، ﴿ألا تَتَّقُونَ﴾: كَيْفَ لا تَتَّقُونَ وقَدْ عَلِمْتُمْ أنِّي رَسُولٌ أمِينٌ! لا تَعْتَبِرُونَ مِن هَلاكِ مَدْيَنَ وقَدْ أُهْلِكُوا فِيما يَأْتُونَ! وكانَ أصْحابُ الأيْكَةِ مَعَ (p-٢٩١)ما كانُوا فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ اسْتَنُّوا سُنَّةَ أصْحابِ مَدْيَنَ، فَقالَ لَهم شُعَيْبٌ: ﴿إنِّي لَكم رَسُولٌ أمِينٌ﴾ ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ وأطِيعُونِ﴾ وما أسْألُكم عَلى ما أدْعُوكم عَلَيْهِ أجْرًا في العاجِلِ في أمْوالِكُمْ، ﴿إنْ أجْرِيَ إلا عَلى رَبِّ العالَمِينَ﴾ . ﴿واتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكم والجِبِلَّةَ﴾ [الشعراء: ١٨٤] يَعْنِي: وخَلَقَ الجِبِلَّةَ ﴿الأوَّلِينَ﴾ [الشعراء: ١٨٤] يَعْنِي: القُرُونَ الأوَّلِينَ الَّذِينَ أُهْلِكُوا بِالمَعاصِي، ولا تَهْلِكُوا مِثْلَهم. ﴿قالُوا إنَّما أنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ﴾ يَعْنِي: مِنَ المَخْلُوقِينَ، ﴿وما أنْتَ إلا بَشَرٌ مِثْلُنا وإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ ﴿فَأسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفًا مِنَ السَّماءِ﴾ يَعْنِي: قِطَعًا مِنَ السَّماءِ، ﴿فَأخَذَهم عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ أرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَمُومًا مِن جَهَنَّمَ، فَأطافَ بِهِمْ سَبْعَةَ أيّامٍ حَتّى أنْضَجَهُمُ الحُرُّ، فَحَمِيَتْ بُيُوتُهُمْ، وغَلَتْ مِياهُهم في الآبارِ والعُيُونِ، فَخَرَجُوا مِن مَنازِلِهِمْ ومَحِلَّتِهِمْ هارِبِينَ والسَّمُومِ مَعَهُمْ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسَ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمْ، فَتَغَشَّتْهم حَتّى تَفَلَّقَتْ فِيها جَماجِمُهُمْ، وسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرَّمْضاءَ مِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ حَتّى تَساقَطَتْ لُحُومُ أرْجُلِهِمْ، ثُمَّ أُنْشِئَتْ لَهم ظُلَّةٌ كالسَّحابَةِ السَّوْداءِ، فَلَمّا رَأوْها ابْتَدَرُوها يَسْتَغِيثُونَ بِظِلِّها، حَتّى إذا كانُوا تَحْتَها جَمِيعًا، أطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَهَلَكُوا، ونَجّى اللَّهُ شُعَيْبًا والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿والجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ﴾ [الشعراء: ١٨٤] قالَ: الخَلْقَ الأوَّلِينَ. (p-٢٩٢)وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ: ﴿والجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ﴾ [الشعراء: ١٨٤] قالَ: الخَلِيقَةَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتادَةَ: ﴿فَأسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفًا مِنَ السَّماءِ﴾ قالَ: قِطَعًا مِنَ السَّماءِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قالَ: إنَّ أهْلَ مَدْيَنَ عُذِّبُوا بِثَلاثَةِ أصْنافٍ مِنَ العَذابِ؛ أخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ في دارِهِمْ حَتّى خَرَجُوا مِنها، فَلَمّا خَرَجُوا مِنها أصابَهم فَزَعٌ شَدِيدٌ، فَفَرِقُوا أنْ يَدْخُلُوا البُيُوتَ أنْ تَسْقُطَ عَلَيْهِمْ، فَأرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الظُّلَّةَ، فَدَخَلَ تَحْتَها رَجُلٌ قالَ: ما رَأيْتُ كاليَوْمِ ظِلًّا أطْيَبَ ولا أبْرَدَ، هَلُمُّوا أيُّها النّاسُ. فَدَخَلُوا جَمِيعًا تَحْتَ الظُّلَّةِ، فَصاحَ فِيهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَماتُوا جَمِيعًا. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ قالَ: أصْحابُ الأيْكَةِ أصْحابُ شَجَرٍ، وهم قَوْمُ شُعَيْبٍ، وأصْحابُ الرَّسِّ أصْحابُ آبارٍ، وهم قَوْمُ شُعَيْبٍ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: بَعَثَ شُعَيْبًا إلى أصْحابِ الأيْكَةِ، والأيْكَةُ غَيْضَةٌ، فَكَذَّبُوهُ، فَأخَذَهم عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ. قالَ: فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بابًا مِن أبْوابِ جَهَنَّمَ فَغَشِيَهم مِن حَرِّهِ ما لَمْ يُطِيقُوهُ، فَتَغَوَّثُوا بِالماءِ وبِما قَدَرُوا (p-٢٩٣)عَلَيْهِ، فَبَيْنَما هم كَذَلِكَ إذْ رُفِعَتْ لَهم سَحابَةٌ فِيها رِيحٌ بارِدَةٌ طَيِّبَةٌ، فَلَمّا وجَدُوا بَرْدَها تَنادَوْا: عَلَيْكُمُ الظُّلَّةَ. فَأتَوْها يَتَغَوَّثُونَ بِها، فَخَرَجُوا مِن كُلِّ شَيْءٍ كانُوا فِيهِ، فَلَمّا تَكامَلُوا تَحْتَها طَبَّقَتْ عَلَيْهِمْ بِالعَذابِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَأخَذَهم عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الحَسَنِ قالَ: سَلَّطَ اللَّهُ الحُرَّ عَلى قَوْمِ شُعَيْبٍ سَبْعَةَ أيّامٍ ولَيالِيهِنَّ، حَتّى كانُوا لا يَنْتَفِعُونَ بِظِلِّ بَيْتٍ ولا بِبَرْدِ ماءٍ، ثُمَّ رُفِعَتْ لَهم سَحابَةٌ في البَرِّيَّةِ، فَوَجَدُوا تَحْتَها الرُّوحَ، فَجَعَلَ يَدْعُو بَعْضُهم بَعْضًا، حَتّى إذا اجْتَمَعُوا تَحْتَها، أشْعَلَها اللَّهُ عَلَيْهِمْ نارًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَأخَذَهم عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَأخَذَهم عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ . فَقالَ: بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ومَدَةً وحَرًّا شَدِيدًا، فَأخَذَ بِأنْفاسِهِمْ فَدَخَلُوا أجْوافَ (p-٢٩٤)البُيُوتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أجْوافَ البُيُوتِ، فَأخَذَ بِأنْفاسِهِمْ، فَخَرَجُوا مِنَ البُيُوتِ هِرابًا إلى البَرِّيَّةِ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَحابَةً، فَأظَلَّتْهم مِنَ الشَّمْسِ، فَوَجَدُوا لَها بَرْدًا ولَذَّةً، فَنادى بَعْضُهم بَعْضًا، حَتّى إذا اجْتَمَعُوا تَحْتَها أسْقَطَها اللَّهُ عَلَيْهِمْ نارًا، فَذَلِكَ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ: ﴿فَأخَذَهم عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّهُ سُلِّطَ عَلَيْهِمُ الحَرُّ سَبْعَةَ أيّامٍ، لا يُظِلُّهم ظِلٌّ ولا يَنْفَعُهم مِنهُ شَيْءٌ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَحابَةً، فَلَجُّوا إلَيْها يَلْتَمِسُونَ الرَّوْحَ في ظِلِّها، فَجَعَلَها اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَذابًا فَأحْرَقَتْهُمْ، بَعَثَتْ عَلَيْهِمْ نارًا فاضْطَرَمَتْ فَأكَلَتْهُمْ، فَذَلِكَ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَلْقَمَةَ: ﴿فَأخَذَهم عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ . قالَ: أصابَهُمُ الحَرُّ حَتّى أقْلَعَهم مِن بُيُوتِهِمْ فَخَرَجُوا، ورُفِعَتْ لَهم سَحابَةٌ فانْطَلَقُوا (p-٢٩٥)إلَيْها، فَلَمّا اسْتَظَلُّوا بِها أُرْسِلَتْ إلَيْهِمْ فَلَمْ يَنْفَلِتْ مِنهم أحَدٌ. وأخْرَجَ الحاكِمُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ قالَ: كانَ يَنْهاهم عَنْ قَطْعِ الدَّراهِمِ، فَأخَذَهم عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ، حَتّى إذا اجْتَمَعُوا كُلُّهم كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الظُّلَّةَ وأحْمى عَلَيْهِمُ الشَّمْسَ، فاحْتَرَقُوا كَما يَحْتَرِقُ الجَرادُ في المَقْلى. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَأخَذَهم عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ قالَ: ظُلَلُ العَذابِ إيّاهم. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: مَن حَدَّثَكَ مِنَ العُلَماءِ ما عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ فَكَذِّبْهُ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ مُعاوِيَةَ في قَوْلِهِ: ﴿فَأخَذَهم عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ قالَ: أخَذَهم حَرٌّ أقْلَقَهم مِن بُيُوتِهِمْ، (p-٢٩٦)فَأُنْشِئَتْ لَهم سَحابَةٌ فَأتَوْها، فَصِيحَ بِهِمْ فِيها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب