الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهم كَسَرابٍ﴾ الآيَتَيْنِ. أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهم كَسَرابٍ﴾ الآيَةَ. قالَ: هو مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِرَجُلٍ عَطِشَ، فاشْتَدَّ عَطَشُهُ فَرَأى سَرابًا فَحَسِبَهُ ماءً فَطَلَبَهُ، فَظَنَّ أنَّهُ قَدَرَ عَلَيْهِ حَتّى أتاهُ، فَلَمّا أتاهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا، وقُبِضَ عِنْدَ ذَلِكَ. يَقُولُ: الكافِرُ كَذَلِكَ السَّرابِ، يَحْسَبُ أنَّ عَمَلَهُ يُغْنِي عَنْهُ أوْ نافِعُهُ شَيْئًا، ولا يَكُونُ عَلى شَيْءٍ حَتّى يَأْتِيَهُ المَوْتُ، فَأتاهُ المَوْتُ لَمْ يَجِدْ عَمَلَهُ أغْنى عَنْهُ شَيْئًا، ولَمْ يَنْفَعْهُ إلّا كَما يَقَعُ العَطْشانُ المُشْتَدُّ إلى السَّرابِ: ﴿أوْ كَظُلُماتٍ في بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ قالَ: يَعْنِي بِالظُّلُماتِ الأعْمالَ، وبِالبَحْرِ اللُّجِّيِّ: قَلْبَ الإنْسانِ، ﴿يَغْشاهُ مَوْجٌ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ الغِشاوَةَ الَّتِي عَلى القَلْبِ والسَّمْعِ والبَصَرِ. (p-٨٩)وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ﴾ يَقُولُ: أرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ﴾ قالَ: بِقاعٍ مِنَ الأرْضِ، والسَّرابُ عَمَلُ الكافِرِ، ﴿حَتّى إذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ وإتِيانُهُ إيّاهُ: مَوْتُهُ وفِراقُهُ الدُّنْيا، ﴿ووَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ﴾ ووَجَدَ اللَّهَ عِنْدَ فِراقِهِ الدُّنْيا، ﴿فَوَفّاهُ حِسابَهُ﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ: ﴿كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ﴾ قالَ: بِقِيعَةٍ مِنَ الأرْضِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، مِن طَرِيقِ السُّدِّيِّ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أصْحابِ مُحَمَّدٍ ﷺ قالَ: ««إنَّ الكُفّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ القِيامَةِ وِرْدًا عِطاشًا، فَيَقُولُونَ: أيْنَ الماءُ؟ فَيُمَثَّلُ لَهُمُ السَّرابُ، فَيَحْسَبُونَهُ ماءً فَيَنْطَلِقُونَ إلَيْهِ فَيَجِدُونَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَيُوَفِّيهِمْ حِسابَهُمْ، واللَّهُ سَرِيعُ الحِسابِ»» . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، (p-٩٠)وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ: ﴿أوْ كَظُلُماتٍ في بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ قالَ: اللُّجِّيُّ: العَمِيقُ القَعْرِ: ﴿يَغْشاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ﴾ الآيَةَ. قالَ: هَذا مَثَلُ عَمِلِ الكافِرِ، في ضَلالاتٍ، لَيْسَ لَهُ مَخْرَجٌ ولا مَنفَذٌ، أعْمى فِيها لا يُبْصِرُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ: ﴿إذا أخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها﴾ قالَ: أما رَأيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: واللَّهِ ما رَأيْتُها وما كِدْتُ أنْ أراها؟ وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ أبِي أُمامَةَ، أنَّهُ قالَ: أيُّها النّاسُ، إنَّكم قَدْ أصْبَحْتُمْ وأمْسَيْتُمْ في مَنزِلٍ تَقْتَسِمُونَ فِيهِ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ، وتُوشِكُونَ أنْ تَظْعَنُوا مِنهُ إلى مَنزِلٍ آخَرَ وهو القَبْرُ، بَيْتُ الوَحْدَةِ، وبَيْتُ الظُّلْمَةِ، وبَيْتُ الضَّيِّقِ، إلّا ما وسَّعَ اللَّهُ، ثُمَّ تَنْتَقِلُونَ إلى مُواطِنِ يَوْمِ القِيامَةِ، وإنَّكم لَفي بَعْضِ المَواطِنِ حِينَ يَغْشى النّاسَ أمْرٌ مِن أمْرِ اللَّهِ فَتَبْيَضُّ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، ثُمَّ تَنْتَقِلُونَ إلى مَنزِلٍ آخَرَ فَيَغْشى النّاسَ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ يُقْسَمُ النُّورُ، فَيُعْطى المُؤْمِنُ نُورًا ويُتْرَكُ الكافِرُ والمُنافِقُ فَلا يُعْطى شَيْئًا، وهو المَثَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ في كِتابِهِ: ﴿أوْ كَظُلُماتٍ في بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿فَما لَهُ مِن نُورٍ﴾ فَلا يَسْتَضِيءُ الكافِرُ والمُنافِقُ بِنُورِ المُؤْمِنِ، كَما لا يَسْتَضِيءُ الأعْمى بِبَصَرِ البَصِيرِ. (p-٩١)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب