الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ﴾ . أخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في ”الدَّلائِلِ“ عَنْ أبِي ذَرٍّ أنَّهُ كانَ يُقْسِمُ قَسَمًا أنَّ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ﴾ [الحج: ١٤] نَزَلَتْ في الثَّلاثَةِ والثَّلاثَةِ الَّذِينَ بارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وهم: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وعُبَيْدَةُ بْنُ الحارِثِ، وعَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ وعُتْبَةُ وشَيْبَةُ ابْنا رَبِيعَةَ، والوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: نَزَلَتْ: ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ﴾ في الَّذِينَ بارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، حَمْزَةَ وعَلِيٍّ وعُبَيْدَةَ بْنِ الحارِثِ، وعُتْبَةَ وشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، والوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، قالَ عَلِيٌّ: أنا أوَّلُ مَن يَجْثُو في الخُصُومَةِ عَلى رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ. (p-٤٣٧)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، والبُخارِيُّ والنَّسائِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، والبَيْهَقِيُّ مِن طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ عُبادٍ، عَنْ عَلِيٍّ قالَ: أنا أوَّلُ مَن يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ القِيامَةِ، قالَ قَيْسٌ: وفِيهِمْ نَزَلَتْ: ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ﴾ قالَ: هُمُ الَّذِينَ بارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: عَلِيٌّ وحَمْزَةُ وعُبَيْدَةُ وشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ والوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمّا بارَزَ عَلِيٌّ وحَمْزَةُ وعُبَيْدَةُ، وعُتْبَةُ وشَيْبَةُ والوَلِيدُ، قالُوا لَهم: تَكَلَّمُوا نَعْرِفْكم، قالَ: أنا عَلِيٌّ وهَذا حَمْزَةُ وهَذا عُبَيْدَةُ، فَقالُوا: أكْفاءٌ كِرامٌ! فَقالَ عَلِيٌّ: أدْعُوكم إلى اللَّهِ وإلى رَسُولِهِ، فَقالَ عُتْبَةُ: هَلُمَّ لِلْمُبارَزَةِ، فَبارَزَ عَلِيٌّ شَيْبَةَ فَلَمْ يَلْبَثْ أنْ قَتَلَهُ، وبارَزَ حَمْزَةُ عُتْبَةَ فَقَتَلَهُ، وبارَزَ عُبَيْدَةُ الوَلِيدَ فَضَعُفَ عَلَيْهِ، فَأتى عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿هَذانِ خَصْمانِ﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ قالَ: «لَمّا التَقَوْا يَوْمَ بَدْرٍ قالَ لَهم عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ: لا تَقْتُلُوا هَذا الرَّجُلَ؛ فانْهُ إنْ يَكُ صادِقًا فَأنْتُمْ أسْعَدُ النّاسِ بِصِدْقِهِ، وإنْ يَكُ كاذِبًا فَأنْتُمْ أحَقُّ مَن حَقَنَ دَمَهَ، فَقالَ أبُو جَهْلِ بْنُ هِشامٍ: لَقَدِ امْتَلَأْتَ (p-٤٣٨)رُعْبًا، فَقالَ عُتْبَةُ: سَتَعْلَمُ أيُّنا الجَبانُ المُفْسِدُ لِقَوْمِهِ، قالَ: فَبَرَزَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ والوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ فَنادَوُا النَّبِيَّ ﷺ وأصْحابَهُ فَقالُوا: ابْعَثْ إلَيْنا أكْفاءَنا نُقاتِلْهم. فَوَثَبَ غِلْمَةٌ مِنَ الأنْصارِ مِن بَنِي الخَزْرَجِ، فَقالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اجْلِسُوا، قُومُوا يا بَنِي هاشِمٍ. فَقامَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وعَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ وعُبَيْدَةُ بْنُ الحارِثِ، فَبَرَزُوا لَهُمْ، فَقالَ عُتْبَةُ: تَكَلَّمُوا نَعْرِفْكُمُ، إنَّكم إنْ تَكُونُوا أكْفاءَنا قاتَلْناكم. قالَ حَمْزَةُ: أنا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، أنا أسَدُ اللَّهِ وأسَدُ رَسُولِهِ، فَقالَ عُتْبَةُ: كُفُؤٌ كَرِيمٌ. فَقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ: أنا عَلِيٌّ، فَقالَ: كُفُؤٌ كَرِيمٌ، فَقالَ عُبَيْدَةُ، أنا عُبَيْدَةُ بْنُ الحارِثِ، فَقالَ عُتْبَةُ: كُفُؤٌ كَرِيمٌ. فَأخَذَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وأخَذَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وأخَذَ عُبَيْدَةُ بْنُ الحارِثِ الوَلِيدَ، فَأمّا حَمْزَةُ فَأجازَ عَلى شَيْبَةَ، وأمّا عَلِيٌّ فاخْتَلَفا ضَرْبَتَيْنِ فَقامَ فَأجازَ عَلى عُتْبَةَ، وأمّا عُبَيْدَةُ فَأُصِيبَتْ رِجْلُهُ، قالَ: فَرَجَعَ هَؤُلاءِ، وقُتِلَ هَؤُلاءِ، فَنادى أبُو جَهْلٍ وأصْحابُهُ: لَنا العُزّى ولا عُزّى لَكُمْ، فَنادى مُنادِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُ مَوْلانا ولا مَوْلى لَكم. ونادى مُنادِي النَّبِيِّ ﷺ: قَتْلانا في الجَنَّةِ وقَتْلاكم في النّارِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ﴾ الآيَةَ» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ لاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ يَوْمَ بَدْرٍ: ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ فالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهم ثِيابٌ مِن نارٍ﴾ في عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ والوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، ونَزَلَتْ: ﴿إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ [الحج: ٢٣] إلى قَوْلِهِ: ﴿وهُدُوا إلى صِراطِ الحَمِيدِ﴾ [الحج: ٢٤] (p-٤٣٩)فِي عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ وحَمْزَةَ وعُبَيْدَةَ بْنِ الحارِثِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ﴾ قالَ: مَثَلُ المُؤْمِنِ والكافِرِ اخْتِصامُهُما في البَعْثِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ وعَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ والحَسَنِ قالَ: هُمُ الكافِرُونَ والمُؤْمِنُونَ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ﴾ قالَ: هم أهْلُ الكِتابِ قالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ: نَحْنُ أوْلى بِاللَّهِ وأقْدَمُ مِنكم كِتابًا، ونَبِيُّنا قَبْلَ نَبِيِّكم. وقالَ المُؤْمِنُونَ: نَحْنُ أحَقُّ بِاللَّهِ آمَنّا بِمُحَمَّدٍ وآمَنّا بِنَبِيِّكُمْ، وبِما أنْزَلَ اللَّهُ مِن كِتابٍ، وأنْتُمْ تَعْرِفُونَ كِتابَنا ونَبِيَّنا، ثُمَّ تَرَكْتُمُوهُ وكَفَرْتُمْ بِهِ حَسَدًا. فَكانَ ذَلِكَ خُصُومَتَهم في رَبِّهِمْ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: اخْتَصَمَ المُسْلِمُونَ وأهْلُ الكِتابِ، فَقالَ أهْلُ الكِتابِ: نَبِيُّنا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وكِتابُنا قَبْلَ كِتابِكُمْ، ونَحْنُ أوْلى بِاللَّهِ مِنكم. وقالَ المُسْلِمُونَ: كِتابُنا يَقْضِي عَلى الكُتُبِ كُلِّها ونَبِيُّنا خاتَمُ الأنْبِياءِ، فَنَحْنُ أوْلى بِاللَّهِ مِنكم. فَأفْلَجَ اللَّهُ أهْلَ الإسْلامِ (p-٤٤٠)عَلى مَن ناوَأهُمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿عَذابَ الحَرِيقِ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ﴾ قالَ: هُما الجَنَّةُ والنّارُ اخْتَصَمَتا، فَقالَتِ النّارُ: خَلَقَنِي اللَّهُ لِعُقُوبَتِهِ، وقالَتِ الجَنَّةُ: خَلَقَنِي اللَّهُ لِرَحْمَتِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٌ: ﴿فالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهم ثِيابٌ مِن نارٍ﴾ قالَ: الكافِرُ قُطِّعَتْ لَهُ ثِيابٌ مِن نارٍ، والمُؤْمِنُ يُدْخِلُهُ اللَّهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: ﴿قُطِّعَتْ لَهم ثِيابٌ مِن نارٍ﴾ مِن نُحاسٍ ولَيْسَ مِنَ الآنِيَةِ شَيْءٌ إنْ أُحْمِيَ أشَدَّ حَرًّا مِنهُ، وفي قَوْلِهِ: ﴿يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ﴾ قالَ: النُّحاسُ يُذابُ عَلى رُؤُوسِهِمْ، وفي قَوْلِهِ: ﴿يُصْهَرُ بِهِ ما في بُطُونِهِمْ﴾ قالَ: تَسِيلُ أمْعاؤُهم ( ﴿والجُلُودُ﴾ ) قالَ: تَتَناثَرُ جُلُودُهم حَتّى يَقُومَ كُلُّ عُضْوٍ بِحِيالِهِ. (p-٤٤١)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ إبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ أنَّهُ قَرَأ قَوْلَهُ: ﴿قُطِّعَتْ لَهم ثِيابٌ مِن نارٍ﴾ قالَ: سُبْحانَ مَن قَطَّعَ مِنَ النّارِ ثِيابًا. وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ في ”الحِلْيَةِ“ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: كُسِيَ أهْلُ النّارِ والعُرْيُ كانَ خَيْرًا لَهُمْ، وأُعْطُوا الحَياةَ والمَوْتُ كانَ خَيْرًا لَهم. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ﴾ الآيَةَ. أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ ”الزُّهْدِ“، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وأبُو نُعَيْمٍ في ”الحِلْيَةِ“، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ تَلا هَذِهِ الآيَةَ فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ الحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلى رُؤُوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الجُمْجُمَةَ، حَتّى يَخْلُصَ إلى جَوْفِهِ فَيَسْلُتُ ما في جَوْفِهِ حَتّى يَمْرُقَ مِن قَدَمِهِ وهو الصَّهْرُ، ثُمَّ يُعادُ كَما كانَ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّرِيِّ قالَ: يَأْتِيهِ المَلَكُ يَحْمِلُ الإناءَ بِكُلْبَتَيْنِ مِن حَرارَتِهِ، فَإذا أدْناهُ مِن وجْهِهِ يَكْرَهُهُ، فَيَرْفَعُ مِقْمَعَةً مَعَهُ (p-٤٤٢)فَيَضْرِبُ بِها رَأْسَهُ فَيُفْرِغُ دِماغَهُ ثُمَّ يُفْرِغُ الإناءَ مِن دِماغِهِ، فَيَصِلُ إلى جَوْفِهِ مِن دِماغِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يُصْهَرُ بِهِ ما في بُطُونِهِمْ والجُلُودُ﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو نُعَيْمٍ في ”الحِلْيَةِ“ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: إذا جاعَ أهْلُ النّارِ في النّارِ اسْتَغاثُوا بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ، فَأكَلُوا مِنها فاخْتَنَسَتْ جُلُودَ وُجُوهِهِمْ، فَلَوْ أنَّ مارًّا يَمُرُّ بِهِمْ يَعْرِفُهم لَعَرَفَ جُلُودَ وُجُوهِهِمْ فِيها، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِمُ العَطَشُ فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغاثُونَ بِماءٍ كالمُهْلِ، وهو الَّذِي قَدِ انْتَهى حَرُّهُ، فَإذا أدْنَوْهُ مِن أفْواهِهِمُ انْشَوى مِن حَرِّهِ لُحُومُ وُجُوهِهِمُ الَّتِي قَدْ سَقَطَتْ عَنْها الجُلُودُ و: ﴿يُصْهَرُ بِهِ ما في بُطُونِهِمْ﴾ يَمْشُونَ وأمْعاؤُهم تَساقَطُ وجُلُودُهُمْ، ثُمَّ يُضْرَبُونَ، بِمَقامِعَ مِن حَدِيدٍ فَيَسْقُطُ كُلُّ عُضْوٍ عَلى حِيالِهِ، يَدْعُونَ بِالوَيْلِ والثُّبُورِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يُصْهَرُ بِهِ ما في بُطُونِهِمْ والجُلُودُ﴾ قالَ: يَمْشُونَ وأمْعاؤُهم تَسّاقَطُ وجُلُودُهم، وفي قَوْلِهِ: (p-٤٤٣)﴿ولَهم مَقامِعُ مِن حَدِيدٍ﴾ قالَ: يُضْرَبُونَ بِها فَيَقَعُ كُلُّ عُضْوٍ عَلى حِيالِهِ فَيَدْعُونَ بِالوَيْلِ والثُّبُورِ. وأخْرَجَ ابْنُ الأنْبارِيِّ والطَّسْتِيُّ في ”مَسائِلِهِ“، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقِ سَألَهُ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿يُصْهَرُ﴾ قالَ: يُذابُ بِهِ ما في بُطُونِهِمْ إذا شَرِبُوا الحَمِيمَ، قالَ: وهَلْ تَعْرِفُ العَرَبُ ذَلِكَ؟ قالَ: نَعَمْ، أما سَمِعْتَ قَوْلَ الشّاعِرِ: ؎سَخُنَتْ صَهارَتُهُ فَظَلَّ عُثانُهُ في سَيْطَلٍ كُفِئَتْ بِهِ تَتَرَدَّدُ وقالَ: ؎فَظَلَّ مُرْتَبِئًا لِلشَّمْسِ تَصْهَرُهُ ∗∗∗ حَتّى إذا الشَّمْسُ قامَتْ جانِبًا عَدَلا وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يُصْهَرُ بِهِ ما في بُطُونِهِمْ والجُلُودُ﴾ قالَ: يُسْقَوْنَ ماءً إذا دَخَلَ بُطُونَهم أذابَها، والجُلُودَ مَعَ البُطُونِ. (p-٤٤٤)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿يُصْهَرُ بِهِ﴾ قالَ: يُذابُ إذابَةً. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنِ الضَّحّاكِ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ: ﴿يُصْهَرُ بِهِ﴾ قالَ: يُذابُ بِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿يُصْهَرُ بِهِ﴾ قالَ: يُذابُ كَما يُذابُ الشَّحْمُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الضَّحّاكِ في قَوْلِهِ: ﴿ولَهم مَقامِعُ﴾ قالَ: مَطارِقُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: ( ﴿ولَهم مَقامِعُ مِن حَدِيدٍ﴾ ) قالَ: يُضْرَبُونَ بِها، فَيَسْقُطُ كُلُّ عُضْوٍ عَلى حِيالِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنِ الحَسَنِ قالَ: كانَ عُمَرُ يَقُولُ: أكْثِرُوا ذِكْرَ النّارِ، فَإنَّ حَرَّها شَدِيدٌ، وإنَّ قَعْرَها بَعِيدٌ، وإنَّ مَقامِعَها حَدِيدٌ. وأخْرَجَ أحْمَدُ،، وأبُو يَعْلى، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ (p-٤٤٥)مَرْدُوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في ”البَعْثِ“ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: «لَوْ أنَّ مِقْمَعًا مِن حَدِيدٍ وُضِعَ في الأرْضِ فاجْتَمَعَ الثَّقَلانِ ما أقَلُّوهُ مِنَ الأرْضِ، ولَوْ ضُرِبَ الجَبَلُ بِمِقْمَعٍ مِن حَدِيدٍ لَتَفَتَّتَ ثُمَّ عادَ كَما كانَ» . وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وهَنّادٌ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنْ سَلْمانَ قالَ: النّارُ سَوْداءُ مُظْلِمَةٌ لا يُضِيءُ لَهَبُها ولا جَمْرُها، ثُمَّ قَرَأ: ﴿كُلَّما أرادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنها مِن غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ القارِيِّ أنَّهُ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿كُلَّما أرادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنها مِن غَمٍّ﴾ فَبَكى وقالَ: أخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ في هَذِهِ الآيَةِ، أنَّ أهْلَ النّارِ في النّارِ لا يَتَنَفَّسُونَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الفُضَيْلِ بْنِ عِياضٍ في الآيَةِ قالَ: واللَّهِ ما طَمِعُوا في الخُرُوجِ؛ لِأنَّ الأرْجُلَ مُقَيَّدَةٌ، والأيْدِيَ مُوثَقَةٌ، ولَكِنْ يَرْفَعُهم لَهَبُها وتَرُدُّهم مَقامِعُها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب