الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكُلا آتَيْنا حُكْمًا وعِلْمًا﴾ وأخْرَجَ أحْمَدُ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، والنَّسائِيُّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بَيْنَما امْرَأتانِ مَعَهُما ابْنانِ لَهُما، جاءَ الذِّئْبُ فَأخَذَ أحَدَ الِابْنَيْنِ، فَتَحاكَما إلى داوُدَ، فَقَضى بِهِ لِلْكُبْرى، فَخَرَجَتا فَدَعاهُما سُلَيْمانُ، فَقالَ: هاتُوا السِّكِّينَ أشُقُّهُ بَيْنَهُما، فَقالَتِ الصُّغْرى: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هو ابْنُها لا تَشُقَّهُ، فَقَضى بِهِ لِلصُّغْرى» . وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إنَّ امْرَأةً حَسْناءَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ راوَدَها عَنْ نَفْسِها أرْبَعَةٌ مِن رُؤَسائِهِمْ فامْتَنَعَتْ عَلى كُلٍّ مِنهُمْ، فاتَّفَقُوا فِيما بَيْنَهم عَلَيْها، فَشَهِدُوا عَلَيْها عِنْدَ داوُدَ أنَّها مَكَّنَتْ مِن نَفْسِها كَلْبًا لَها قَدْ عَوَّدَتْهُ ذَلِكَ مِنها، فَأمَرَ بِرَجْمِها، فَلَمّا كانَ عَشِيَّةُ ذَلِكَ اليَوْمِ جَلَسَ سُلَيْمانُ، واجْتَمَعَ مَعَهُ وِلْدانٌ مِثْلُهُ فانْتَصَبَ حاكِمًا وتَزَيّا أرْبَعَةٌ مِنهم بِزِيِّ أُولَئِكَ، وآخَرُ بِزِيِّ المَرْأةِ، وشَهِدُوا عَلَيْها بِأنَّها مَكَّنَتْ مِن نَفْسِها كَلْبَها، فَقالَ سُلَيْمانُ: فَرِّقُوا بَيْنَهم، فَسَألَ أوَّلَهم: ما كانَ لَوْنُ الكَلْبِ؟ فَقالَ: أسْوَدُ، فَعَزَلَهُ، واسْتَدْعى الآخَرِ فَسَألَهُ عَنْ لَوْنِهِ فَقالَ: أحْمَرُ. وقالَ الآخَرُ أغْبَشُ. وقالَ الآخَرُ (p-٣٢٦)أبْيَضُ، فَأمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَتْلِهِمْ. فَحُكِيَ ذَلِكَ لِداوُدَ، فاسْتَدْعى مِن فَوْرِهِ بِأُولَئِكَ الأرْبَعَةِ، فَسَألَهم مُتَفَرِّقِينَ عَنْ لَوْنِ ذَلِكَ الكَلْبِ، فاخْتَلَفُوا فِيهِ فَأمَرَ بِقَتْلِهِمْ. وأخْرَجَ أحْمَدُ في ”الزُّهْدِ“، عَنِ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ قالَ: قالَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ: أُوتِينا ما أُوتِيَ النّاسُ وما لَمْ يُؤْتَوْا، وعُلِّمْنا ما عُلِّمَ النّاسُ وما لَمْ يُعَلَّمُوا، فَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا أفْضَلَ مِن ثَلاثَةٍ؛ كَلِمَةِ الحُكْمِ في الغَضَبِ والرِّضا، والقَصْدِ في الفَقْرِ والغِنى، وخَشْيَةِ اللَّهِ في السِّرِّ والعَلانِيَةِ. وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ يَحْيى بْنِ أبِي كَثِيرٍ قالَ: قالَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِابْنِهِ: يا بُنَيَّ إيّاكَ وغَضَبَ المَلِكِ الظَّلُومِ؛ فَإنَّ غَضَبَهُ كَغَضَبِ مَلَكِ المَوْتِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ عَنْ خَيْثَمَةَ قالَ: قالَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ: جَرَّبْنا العَيْشَ لَيِّنَهُ وشَدِيدَهُ فَوَجَدْناهُ يَكْفِي مِنهُ أدْناهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ عَنْ يَحْيى بْنِ أبِي كَثِيرٍ قالَ: قالَ سُلَيْمانُ لِابْنِهِ: يا بُنَيَّ لا تُكْثِرِ الغَيْرَةَ عَلى أهْلِكَ، فَتُرْمى بِالسُّوءِ مِن أجْلِكَ وإنْ كانَتْ بَرِيئَةً، يا بُنَيَّ إنَّ مِنَ الحَياءِ ضَعْفًا ومِنهُ وقارًا لِلَّهِ، يا بُنَيَّ إنْ (p-٣٢٧)أحْبَبْتَ أنْ تَغِيظَ عَدُوَّكَ فَلا تَرْفَعِ العَصا، عَنِ ابْنِكَ، يا بُنَيَّ كَما يَدْخُلُ الوَتِدُ بَيْنَ الحَجَرَيْنِ، وكَما تَدْخُلُ الحَيَّةُ بَيْنَ الحَجَرَيْنِ، كَذَلِكَ تَدْخُلُ الخَطِيئَةُ بَيْنَ البَيِّعَيْنِ. وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: بَلَغَنا أنَّ سُلَيْمانَ قالَ لِابْنِهِ: امْشِ وراءَ الأسَدِ، ولا تَمْشِ وراءَ امْرَأةٍ. وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ يَحْيى بْنِ أبِي كَثِيرٍ قالَ: قالَ سُلَيْمانُ لِابْنِهِ: يا بُنَيَّ إنَّ مِن سُوءِ العَيْشِ نَقْلًا مِن بَيْتٍ إلى بَيْتٍ، وقالَ لِابْنِهِ: عَلَيْكَ بِخَشْيَةِ اللَّهِ؛ فَإنَّها غَلَبَتْ كُلَّ شَيْءٍ. وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أنَّ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ لِابْنِهِ سُلَيْمانَ: أيُّ شَيْءٍ أبْرَدُ، وأيُّ شَيْءٍ أحْلى، وأيُّ شَيْءٍ أقْرَبُ، وأيُّ شَيْءٍ أقَلُّ، وأيُّ شَيْءٍ أكْثَرُ، وأيُّ شَيْءٍ آنَسُ، وأيُّ شَيْءٍ أوْحَشُ؟ قالَ: أحْلى شَيْءٍ رَوْحُ اللَّهِ بَيْنَ عِبادِهِ، وأبْرَدُ شَيْءٍ عَفْوُ اللَّهِ عَنْ عِبادِهِ وعَفْوُ العِبادِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وآنَسُ شَيْءٍ الرُّوحُ تَكُونُ في الجَسَدِ، وأوْحَشُ شَيْءٍ الجَسَدُ تُنْزَعُ مِنهُ الرُّوحُ، وأقَلُّ شَيْءٍ اليَقِينُ، وأكْثَرُ شَيْءٍ الشَّكُّ، وأقْرَبُ شَيْءٍ الآخِرَةُ مِنَ الدُّنْيا، وأبْعَدُ شَيْءٍ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ. (p-٣٢٨)وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ يَحْيى بْنِ أبِي كَثِيرٍ قالَ: قالَ سُلَيْمانُ لِابْنِهِ: لا تَقْطَعَنَّ أمْرًا حَتّى تُؤامِرَ مُرْشِدًا، فَإذا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِ، وقالَ: يا بُنَيَّ ما أقْبَحَ الخَطِيئَةَ مَعَ المَسْكَنَةِ، وأقْبَحَ الضَّلالَةَ بَعْدَ الهُدى، وأقْبَحُ مِن ذَلِكَ رَجُلٌ كانَ عابِدًا فَتَرَكَ عِبادَةَ رَبِّهِ. وأخْرَجَ أحْمَدُ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: قالَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ: عَجَبًا لِلتّاجِرِ: كَيْفَ يَخْلُصُ؟ يَحْلِفُ بِالنَّهارِ ويَنامُ بِاللَّيْلِ! وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ يَحْيى بْنِ أبِي كَثِيرٍ قالَ: قالَ سُلَيْمانُ لِابْنِهِ: يا بُنَيَّ إيّاكَ والنَّمِيمَةَ، فَإنَّها كَحَدِّ السَّيْفِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ جَرِيرٍ في ”تَهْذِيبِ الآثارِ“ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ عَساكِرَ مِن طَرِيقِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ: أنَّ إياسَ بْنَ مُعاوِيَةَ لَمّا اسْتَقْضى أتاهُ الحَسَنُ فَرَآهُ حَزِينًا وبَكى إياسٌ. فَقالَ: ما يُبْكِيكَ؟ فَقالَ: يا أبا سَعِيدٍ بَلَغَنِي أنَّ القُضاةَ ثَلاثَةٌ؛ رَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأخْطَأ فَهو في النّارِ ورَجُلٌ مالَ بِهِ الهَوى فَهو في النّارِ، ورَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأصابَ فَهو في الجَنَّةِ، فَقالَ الحَسَنُ: إنَّ فِيما قَصَّ اللَّهُ مِن نَبَأِ داوُدَ ما يَرُدُّ ذَلِكَ، ثُمَّ قَرَأ: ﴿وداوُدَ وسُلَيْمانَ إذْ يَحْكُمانِ في الحَرْثِ﴾ [الأنبياء: ٧٨] حَتّى بَلَغَ: ﴿وكُلا آتَيْنا حُكْمًا وعِلْمًا﴾ فَأثْنى عَلى سُلَيْمانَ ولَمْ يَذُمَّ داوُدَ، ثُمَّ قالَ: أخَذَ اللَّهُ عَلى (p-٣٢٩)الحُكّامِ ثَلاثَةً: ألّا يَشْتَرُوا ثَمَنًا قَلِيلًا، ولا يَتَّبِعُوا الهَوى، ولا يُخْشَوُا النّاسَ. ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿يا داوُدُ إنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً في الأرْضِ﴾ [ص: ٢٦] [ ص: ٢٦ ] الآيَةَ وقالَ: ﴿فَلا تَخْشَوُا النّاسَ واخْشَوْنِ﴾ [المائدة: ٤٤] [ المائِدَةِ: ٤٤ ] وقالَ: ﴿ولا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَنًا قَلِيلا﴾ [المائدة: ٤٤] [ المائِدَةِ: ٤٤ ] . * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الجِبالَ﴾ الآيَتَيْنِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ في ”العَظَمَةِ“، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الجِبالَ يُسَبِّحْنَ والطَّيْرَ﴾ قالَ: يُصَلِّينَ مَعَ داوُدَ إذا صَلّى: ﴿وعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ﴾ قالَ: كانَتْ صَفائِحَ، فَأوَّلَ مَن سَرَدَها وحَلَّقَها داوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿وعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ﴾ قالَ: هي دُرُوعُ الحَدِيدِ: ﴿لِتُحْصِنَكم مِن بَأْسِكُمْ﴾ قالَ: مِن وقْعِ السِّلاحِ فِيكم. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عاصِمٍ أنَّهُ قَرَأ: ( لِنُحْصِنَكم ) بِالنُّونِ. (p-٣٣٠)وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ حَيّانَ قالَ: كانَ داوُدُ إذا وجَدَ فَتْرَةً أمَرَ الجِبالَ فَسَبَّحَتْ حَتّى يَشْتاقَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في المُصَنَّفِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «كانَ عُمْرُ آدَمَ ألْفَ سَنَةٍ، وكانَ عُمْرُ داوُدَ سِتِّينَ سَنَةً، فَقالَ آدَمُ: أيْ رَبِّ زِدْهُ مِن عُمْرِي أرْبَعِينَ سَنَةً، فَأكْمَلَ لِآدَمَ ألْفَ سَنَةٍ، وأكْمَلَ لِداوُدَ مِائَةَ سَنَةٍ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في ”المُصَنَّفِ“، وابْنُ أبِي الدُّنْيا في ”ذِكْرِ المَوْتِ“، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: ماتَ داوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ السَّبْتِ فَجْأةً، فَعَكَفَتِ الطَّيْرُ عَلَيْهِ تُظِلُّهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب