الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ﴾ الآيَةَ. أخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمّا أُصِيبَتِ السَّرِيَّةُ الَّتِي فِيها عاصِمٌ ومَرْثَدٌ قالَ رِجالٌ مِنَ المُنافِقِينَ: يا ويْحَ هَؤُلاءِ المَقْتُولِينَ الَّذِينَ هَلَكُوا هَكَذا لا هم قَعَدُوا في أهْلِهِمْ ولا هم أدَّوْا رِسالَةَ صاحِبِهِمْ فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ أيْ لِما يُظْهِرُ مِنَ الإسْلامِ بِلِسانِهِ ﴿ويُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما في قَلْبِهِ﴾ أنَّهُ مُخالِفٌ لِما يَقُولُهُ بِلِسانِهِ ﴿وهُوَ ألَدُّ الخِصامِ﴾ أيْ ذُو جِدالٍ إذا كَلَّمَكَ وراجَعَكَ ﴿وإذا تَوَلّى﴾ [البقرة: ٢٠٥] خَرَجَ مِن عِنْدِكَ ﴿سَعى في الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها ويُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] أيْ لا يُحِبُّ عَمَلَهُ ولا يَرْضى بِهِ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ﴾ [البقرة: ٢٠٧] الآيَةَ، الَّذِينَ شَرَوْا أنْفُسَهم مِنَ اللَّهِ بِالجِهادِ في سَبِيلِهِ والقِيامِ بِحَقِّهِ حَتّى هَلَكُوا عَلى ذَلِكَ يَعْنِي بِهَذِهِ السَّرِيَّةِ (p-٤٧٦)وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ أبِي إسْحاقَ قالَ: كانَ الَّذِينَ أجْلَبُوا عَلى خُبَيْبٍ في قَتْلِهِ نَفَرٌ مِن قُرَيْشٍ عِكْرِمَةُ بْنُ أبِي جَهْلٍ وسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدٍّ والأخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وعُبَيْدَةُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ أُمِّيَّةَ بْنِ حارِثَةَ بْنِ الأوْقَصِ السُّلَمِيُّ حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وأُمِّيَّةُ بْنُ أبِي عُتْبَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ «فِي قَوْلِهِ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُعْجِبُكَ﴾ الآيَةَ، قالَ نَزَلَتْ في الأخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثَّقَفِيِّ حَلِيفٍ لِبَنِي زُهْرَةَ أقْبَلَ إلى النَّبِيِّ ﷺ المَدِينَةَ وقالَ: جِئْتُ أُرِيدُ الإسْلامَ ويَعْلَمُ اللَّهُ إنِّي لَصادِقٌ، فَأعْجَبَ النَّبِيَّ ﷺ ذَلِكَ مِنهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿ويُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما في قَلْبِهِ﴾ ثُمَّ خَرَجَ مِن عِنْدِ النَّبِيِّ ﷺ فَمَرَّ بِزَرْعٍ لِقَوْمٍ مِنَ المُسْلِمِينَ وحُمُرٍ فَأحْرَقَ الزَّرْعَ وعَقَرَ الحُمُرَ فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿وإذا تَوَلّى سَعى في الأرْضِ﴾ [البقرة: ٢٠٥] الآيَةَ» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الكَلْبِيِّ قالَ: كُنْتُ جالِسًا بِمَكَّةَ فَسَألُونِي عَنْ هَذِهِ الآيَةِ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ﴾ الآَيَةَ، قُلْتُ: هو الأخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ ومَعَنا فَتًى مِن ولَدِهِ فَلَمّا قُمْتُ اتَّبَعَنِي فَقالَ: إنَّ القُرْآنَ إنَّما نَزَلَ في أهْلِمَكَّةَ فَإنْ رَأيْتَ أنْ لا تُسَمِّيَ أحَدًا حَتّى تَخْرُجَ مِنها فافْعَلْ (p-٤٧٧)وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ جَرِيرٍ والبَيْهَقِيُّ في «الشُّعَبِ» عَنْ أبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، أنَّهُ ذاكَرَ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ القُرَظِيَّ فَقالَ: إنَّ في بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ: إنَّ لِلَّهِ عِبادًا ألْسِنَتُهم أحْلى مِنَ العَسَلِ وقُلُوبُهم أمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ لَبِسُوا لِباسَ مُسُوكِ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ يَجْتَرُّونَ الدُّنْيا بِالدِّينِ، قالَ اللَّهُ تَعالى: أعَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ وبِي يَغْتَرُّونَ وعِزَّتِي لَأبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً تَتْرُكُ الحَلِيمَ مِنهم حَيْرانَ، فَقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هَذا في كِتابِ اللَّهِ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ الآيَةَ، فَقالَ سَعِيدٌ: قَدْ عَرَفْتُ فِيمَن أُنْزِلَتْ، فَقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: إنَّ الآيَةَ تَنْزِلُ في الرَّجُلِ ثُمَّ تَكُونُ عامَّةً بَعْدُ. وأخْرَجَ أحْمَدُ في «الزُّهْدِ» عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ قالَ: أوْحى اللَّهُ إلى نَبِيٍّ مِنَ الأنْبِياءِ: ما بالُ قَوْمِكَ يَلْبَسُونَ مُسُوكَ الضَّأْنِ ويَتَشَبَّهُونَ بِالرُّهْبانِ كَلامُهم أحْلى مِنَ العَسَلِ وقُلُوبُهم أمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ أبِي يَغْتَرُّونَ أمْ إيّايَ يُخادِعُونَ وعِزَّتِي لَأتْرُكَنَّ العالِمَ مِنهم حَيْرانَ لَيْسَ مِنِّي مَن تَكَهَّنَ أوْ تُكُهِّنَ لَهُ أوْ سَحَرَ أوْ سُحِرَ لَهُ مَن آمَنَ بِي فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَيَّ ومَن لَمْ يُؤْمِن فَلْيَتَّبِعْ غَيْرِي. وأخْرَجَ أحْمَدُ في «الزُّهْدِ» عَنْ وهْبٍ، أنَّ الرَّبَّ تَبارَكَ وتَعالى قالَ لِعُلَماءِ بُنِيَ إسْرِائِيلَ: تَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ الدِّينِ وتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ العَمَلِ وتَبْتَغُونَ الدُّنْيا بِعَمَلِ (p-٤٧٨)الآخِرَةِ تَلْبَسُونَ مُسُوكَ الضَّأْنِ وتُخْفُونَ أنْفُسَ الذِّئابِ وتَتَقُونَ القَذى مِن شَرابِكم وتَبْتَلِعُونَ أمْثالَ الجِبالِ مِنَ المَحارِمِ وتُثَقِّلُونَ الدِّينَ عَلى النّاسِ أمْثالَ الجِبالِ ولا تُعِينُونَهم بِرَفْعِ الخَناصِرِ تُبَيِّضُونَ الثِّيابَ وتُطِيلُونَ الصَّلاةَ تَنْتَقِصُونَ بِذَلِكَ مالَ اليَتِيمِ والأرْمَلَةِ فَبِعِزَّتِي حَلَفْتُ لَأضْرِبَنَّكم بِفِتْنَةٍ يَضِلُّ فِيها رَأْيُ ذِي الرَّأْيِ وحِكْمَةُ الحَكِيمِ. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهُوَ ألَدُّ الخِصامِ﴾ . أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ ﴿وهُوَ ألَدُّ الخِصامِ﴾ قالَ: شَدِيدُ الخُصُومَةِ. وأخْرَجَ الطَّسْتِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقِ سَألَهُ عَنْ قَوْلِهِ ﴿وهُوَ ألَدُّ الخِصامِ﴾ قالَ: الجَدِلُ المُخاصِمُ في الباطِلِ، قالَ: وهَلْ تَعْرِفُ العَرَبُ ذَلِكَ قالَ: نَعَمْ أما سَمِعْتَ قَوْلَ مُهَلْهَلٍ: ؎إنَّ تَحْتَ الأحْجارِ حَزْمًا وجُودًا وخَصِيمًا ألَدَّ ذا مِغْلاقٍ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجاهِدٍ ﴿وهُوَ ألَدُّ الخِصامِ﴾ قالَ: (p-٤٧٩)ظالِمٌ لا يَسْتَقِيمُ. وأخْرَجَ وكِيعٌ وأحْمَدُ والبُخارِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ومُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في «الشُّعَبِ» عَنْ عائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ «أبْغَضُ الرِّجالِ إلى اللَّهِ الألَدُّ الخَصِمُ» . وأخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: ««أرْبَعٌ مَن كُنَّ فِيهِ كانَ مُنافِقًا خالِصًا ومَن كانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنهُنَّ كانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حَتّى يَدَعَها إذا ائْتُمِنَ خانَ وإذا حَدَّثَ كَذَبَ وإذا عاهَدَ غَدَرَ وإذا خاصَمَ فَجَرَ»» . وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «كَفى بِكَ إثْمًا أنْ لا تَزالَ مُخاصِمًا» . وأخْرَجَ أحْمَدُ في «الزُّهْدِ» عَنْ أبِي الدَّرْداءِ قالَ: كَفى بِكَ إثْمًا أنْ لا تَزالَ مُمارِيًا وكَفى بِكَ ظالِمًا أنْ لا تَزالَ مُخاصِمًا وكَفى بِكَ كاذِبًا أنْ لا تَزالَ مُحَدِّثًا إلّا حَدِيثًا في ذاتِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ قالَ: مَن كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ كَذِبُهُ ومَن كَثُرَ (p-٤٨٠)حَلِفُهُ كَثُرَ إثْمُهُ ومَن كَثُرَتْ خُصُومَتُهُ لَمْ يَسْلَمْ دِينُهُ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في «الشُّعَبِ» عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ الجَزَرِيِّ قالَ: ما خاصَمَ ورِعٌ قَطُّ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ قالَ: مَن بالَغَ في الخُصُومَةِ أثِمَ ومَن قَصَّرَ فِيها خُصِمَ ولا يُطِيقُ الحَقَّ مَن بالى عَلى مَن بِهِ دارَ الأمْرُ ونَصْلُ الصَّبْرِ التَّصَبُّرُ ومَن لَزِمَ العَفافَ هانَتْ عَلَيْهِ المُلُوكَ والسُّوَقُ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنِ الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قالَ: ثَلاثَةٌ لا يَنْتَصِفُونَ مِن ثَلاثَةٍ، حَلِيمٌ مِن أحْمَقَ وبَرٌّ مِن فاجِرٍ وشَرِيفٌ مِن دَنِيءٍ وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ مُوسى قالَ ثَلاثَةٌ لا يَنْتَصِفُ بَعْضُهم مِن بَعْضٍ حَلِيمٌ مِن أحْمَقَ وشَرِيفٌ مِن دَنِيءٍ وبَرٌّ مِن فاجِرٍ. (p-٤٨١)وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنِ أبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ قالَ: ما تَشاتَمَ رَجُلانِ قَطُّ إلّا غَلَبَ ألْأمُهُما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب