الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامِ والحُرُماتُ قِصاصٌ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا سارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُعْتَمِرًا في سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الهِجْرَةِ، وحَبَسَهُ المُشْرِكُونَ عَنِ الدُّخُولِ والوُصُولِ إلى البَيْتِ، وصَدُّوهُ بِمَن مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ في ذِي القِعْدَةِ، وهو شَهْرٌ حَرامٌ، حَتّى قاضاهم عَلى الدُّخُولِ مِن قابِلٍ، فَدَخَلَها في السَّنَةِ الآتِيَةِ هو ومَن كانَ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأقَصَّهُ اللَّهُ مِنهُمْ، نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامِ والحُرُماتُ قِصاصٌ﴾ [البقرة»: ١٩٤] . وأخْرَجَ الواحِدِيُّ مِن طَرِيقِ الكَلْبِيِّ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ، وذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا صُدَّ عَنِ البَيْتِ ثُمَّ صالَحَهُ المُشْرِكُونَ عَلى أنْ يَرْجِعَ عامَهُ القابِلَ، فَلَمّا كانَ العامُ القابِلُ تَجَهَّزَ (p-٣١٨)وأصْحابُهُ لِعُمْرَةِ القَضاءِ، وخافُوا أنْ لا تَفِيَ قُرَيْشٌ بِذَلِكَ، وأنْ يَصُدُّوهم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ ويُقاتِلُوهُمْ، وكَرِهَ أصْحابُهُ قِتالَهم في الشَّهْرِ الحَرامِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي العالِيَةِ قالَ: «أقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأصْحابُهُ، فَأحْرَمُوا بِالعُمْرَةِ في ذِي القِعْدَةِ، ومَعَهُمُ الهَدْيُ، حَتّى إذا كانُوا بِالحُدَيْبِيَةِ صَدَّهُمُ المُشْرِكُونَ، فَصالَحَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يَرْجِعَ ثُمَّ يَقْدَمَ عامًا قابِلًا، فَيُقِيمَ بِمَكَّةَ ثَلاثَةَ أيّامٍ ولا يَخْرُجَ مَعَهُ بِأحَدٍ مِن أهْلِ مَكَّةَ، فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأصْحابُهُ بِالهَدْيِ بِالحُدَيْبِيَةِ، وحَلَقُوا أوْ قَصَّرُوا، فَلَمّا كانَ عامُ قابِلٍ أقْبَلُوا حَتّى دَخَلُوا مَكَّةَ في ذِي القِعْدَةِ، فاعْتَمَرُوا وأقامُوا بِها ثَلاثَةَ أيّامٍ، وكانَ المُشْرِكُونَ قَدْ فَخَرُوا عَلَيْهِ حِينَ صَدُّوهُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ، فَقَصَّ اللَّهُ لَهُ مِنهُمْ، فَأدْخَلَهُ مَكَّةَ في ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي رَدُّوهُ فِيهِ فَقالَ: ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامِ والحُرُماتُ قِصاصٌ﴾ [البقرة»: ١٩٤] . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُجاهِدٍ «فِي قَوْلِهِ: ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامِ والحُرُماتُ قِصاصٌ﴾ . قالَ: فَخَرَتْ قُرَيْشٌ بِرَدِّها رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ مُحْرِمًا في ذِي القِعْدَةِ عَنِ البَلَدِ الحَرامِ، فَأدْخَلَهُ اللَّهُ مَكَّةَ مِنَ العامِ المُقْبِلِ (p-٣١٩)وقَضى عُمْرَتَهُ، وأقَصَّهُ ما حِيلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ يَوْمِ الحُدَيْبِيَةِ» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: «أقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ وأصْحابُهُ مُعْتَمِرِينَ في ذِي القِعْدَةِ ومَعَهُمُ الهَدْيُ، حَتّى إذا كانُوا بِالحُدَيْبِيَةِ، فَصَدَّهُمُ المُشْرِكُونَ، فَصالَحَهم نَبِيُّ اللَّهِ أنْ يَرْجِعَ عامَهُ ذَلِكَ حَتّى يَرْجِعَ مِنَ العامِ المُقْبِلِ، فَيَكُونَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ لَيالٍ، ولا يَدْخُلُوها إلّا بِسِلاحِ الرّاكِبِ، ولا يَخْرُجُ بِأحَدٍ مِن أهْلِ مَكَّةَ، فَنَحَرُوا الهَدْيَ بِالحُدَيْبِيَةِ، وحَلَقُوا وقَصَّرُوا، حَتّى إذا كانَ مِنَ العامِ المُقْبِلِ، أقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ وأصْحابُهُ مُعْتَمِرِينَ في ذِي القِعْدَةِ حَتّى دَخَلُوا، فَأقامَ بِها ثَلاثَ لَيالٍ، وكانَ المُشْرِكُونَ قَدْ فَخَرُوا عَلَيْهِ حِينَ رَدُّوهُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ، فَأقَصَّهُ اللَّهُ مِنهم وأدْخَلَهُ مَكَّةَ في ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي كانُوا رَدُّوهُ فِيهِ في ذِي القِعْدَةِ، فَقالَ اللَّهُ: ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامِ والحُرُماتُ قِصاصٌ﴾ [البقرة»: ١٩٤] . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، والنَّحّاسُ في ”ناسِخِهِ“، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: قُلْتُ لِعَطاءٍ: «قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامِ والحُرُماتُ قِصاصٌ﴾ فَقالَ: هَذا يَوْمُ الحُدَيْبِيَةِ، صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ البَيْتِ الحَرامِ وكانَ مُعْتَمِرًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَها مُعْتَمِرًا مَكَّةَ، فَعُمْرَةٌ في الشَّهْرِ الحَرامِ بِعُمْرَةٍ في الشَّهْرِ الحَرامِ» . (p-٣٢٠)وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في «الدَّلائِلِ»، عَنْ عُرْوَةَ وابْنِ شِهابٍ قالا: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ العامِ القابِلِ مِن عامِ الحُدَيْبِيَةِ مُعْتَمِرًا في ذِي القِعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ، وهو الشَّهْرُ الَّذِي صَدَّهُ فِيهِ المُشْرِكُونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ، وأنْزَلَ اللَّهُ في تِلْكَ العُمْرَةِ: ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامِ والحُرُماتُ قِصاصٌ﴾ فاعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في الشَّهْرِ الحَرامِ الَّذِي صُدَّ فِيهِ» . * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ أبُو داوُدَ في ”ناسِخِهِ“، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في ”سُنَنِهِ“، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكم فاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ ما اعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾، وقَوْلِهِ: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ [الشورى: ٤٠]، وقَوْلِهِ: ﴿ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِن سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤١] وقَوْلِهِ: ﴿وإنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل: ١٢٦] قالَ: هَذا ونَحْوُهُ نَزَلَ بِمَكَّةَ والمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، فَلَيْسَ لَهم سُلْطانٌ يَقْهَرُ المُشْرِكِينَ، فَكانَ المُشْرِكُونَ يَتَعاطُونَهم بِالشَّتْمِ والأذى، فَأمَرَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ مَن يَتَجازى مِنهم أنْ يَتَجازى بِمِثْلِ ما أُوتِيَ إلَيْهِ أوْ يَصْبِرَ أوْ يَعْفُوَ، فَلَمّا هاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى المَدِينَةِ وأعَزَّ اللَّهُ سُلْطانَهُ، أمَرَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ أنْ يَنْتَهُوا في مَظالِمِهِمْ إلى سُلْطانِهِمْ، ولا يَعْدُوَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ كَأهْلِ الجاهِلِيَّةِ، فَقالَ: ﴿ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا﴾ [الإسراء: ٣٣] الآيَةَ، يَقُولُ: يَنْصُرُهُ السُّلْطانُ حَتّى يُنْصِفَهُ مِن ظالِمِهِ، ومَنِ انْتَصَرَ لِنَفْسِهِ دُونَ السُّلْطانِ (p-٣٢١)فَهُوَ عاصٍ مُسْرِفٌ، قَدْ عَمِلَ بِحَمِيَّةِ الجاهِلِيَّةِ، ولَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعالى. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكم فاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ قالَ: فَقاتِلُوهم فِيهِ كَما قاتَلُوكم. وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ جَرِيرٍ والنَّحّاسُ في ”ناسِخِهِ“، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَغْزُو في الشَّهْرِ الحَرامِ إلّا أنْ يُغْزى، أوْ يَغْزُوَ، فَإذا حَضَرَهُ أقامَ حَتّى يَنْسَلِخَ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب