قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ﴾ الآيَةَ.
أخْرَجَ اِبْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ﴾ . قالَ: اِتَّخَذَ اللَّهُ إبْراهِيمَ خَلِيلًا، وكَلَّمَ مُوسى تَكْلِيمًا، وجَعْلَ عِيسى كَمَثَلِ آدَمَ، خَلَقَهُ مِن تُرابٍ، ثُمَّ قالَ لَهُ: كُنْ. فَيَكُونَ، وهو عَبْدُ اللَّهِ ورَسُولُهُ مِن كَلِمَةِ اللَّهِ ورُوحِهِ، وآتى سُلَيْمانَ مُلْكًا عَظِيمًا لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ مِن بَعْدِهِ، وآتى داوُدَ زَبُورًا، وغَفَرَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأخَّرَ.
وأخْرَجَ اِبْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ﴾ . قالَ: كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى، وأرْسَلَ مُحَمَّدًا ﷺ إلى النّاسِ (p-٣٧٩)كافَّةً.
وأخْرَجَ اِبْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾ . قالَ: كُنّا نُحَدَّثُ أنَّهُ دُعاءٌ عُلِّمَهُ داوُدُ، وتَحْمِيدٌ، وتَمْجِيدٌ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ، لَيْسَ فِيهِ حَلالٌ ولا حَرامٌ، ولا فَرائِضُ ولا حُدُودٌ.
وأخْرَجَ اِبْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ قالَ: الزَّبُورُ ثَناءٌ عَلى اللَّهِ، ودُعاءٌ، وتَسْبِيحٌ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ في ”الزُّهْدِ“ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُوذُوَيْهِ قالَ: في زَبُورِ آلِ داوُدَ ثَلاثَةُ أحْرُفٍ: طُوبى لِمَن لَمْ يَسْلُكْ سَبِيلَ الخاطِئِينَ، وطُوبى لِمَن لَمْ يَأْتَمِرْ بِأمْرِ الظّالِمِينَ، وطُوبى لِمَن لَمْ يُجالِسِ البَطّالِينَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: في أوَّلِ شَيْءٍ مِن مَزامِيرِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ: طُوبى لِرَجُلٍ لا يَسْلُكُ طَرِيقَ الخَطّائِينَ، ولا يُجالِسُ البَطّالِينَ، ويَسْتَقِيمُ عَلى عِبادَةِ رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ نابِتَةٍ عَلى ساقِيَةٍ، لا يَزالُ (p-٣٨٠)فِيها الماءُ، يَفْضُلُ ثَمَرُها في زَمانِ الثِّمارِ، ولا تَزالُ خَضْراءَ في غَيْرِ زَمانِ الثِّمارِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: قَرَأْتُ في بَعْضِ زَبُورِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ: تَساقَطَتِ القُرى وأُبْطِلَ ذِكْرُهُمْ، وأنا دائِمُ الدَّهْرِ، مُسْتَعِدٌّ كُرْسِيَّ لِلْقَضاءِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبٍ قالَ: وجَدْتُ في كِتابِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى يَقُولُ: بِعِزَّتِي وجَلالِي إنَّهُ مَن أهانَ لِي ولِيًّا، فَقَدْ بارَزَنِي بِالمُحارَبَةِ، وما تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أُرِيدُ، تَرَدُّدِي عَنْ مَوْتِ المُؤْمِنِ، قَدْ عَلِمْتُ أنَّهُ يَكْرَهُ المَوْتَ ولا بُدَّ لَهُ مِنهُ، وأنا أكْرَهُ أنْ أسُوءَهُ. قالَ: وقَرَأْتُ في كِتابٍ آخَرَ أنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى يَقُولُ: كَفانِي لِعَبْدِي مالًا، إذا كانَ عَبْدِي في طاعَتِي أعْطَيْتُهُ قَبْلَ أنْ يَسْألَنِي، وأسْتَجِيبُ لَهُ مِن قَبْلِ أنْ يَدْعُوَنِي، فَإنِّي أعْلَمُ بِحاجَتِهِ الَّتِي تَرْفُقُ بِهِ مِن نَفْسِهِ. قالَ: وقَرَأْتُ في كِتابٍ آخَرَ أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ: بِعِزَّتِي، إنَّهُ مَنِ اِعْتَصَمَ بِي وإنْ كادَتْهُ السَّماواتُ بِمَن فِيهِنَّ، والأرَضُونَ بِمَن فِيهِنَّ، فَإنِّي أجْعَلُ لَهُ مِن بَيْنِ ذَلِكَ مَخْرَجًا، ومَن لَمْ يَعْتَصِمْ بِي، فَإنِّي أقْطَعُ يَدَيْهِ مِن أسْبابِ السَّماءِ، (p-٣٨١)وأخْسِفُ بِهِ مِن تَحْتِ قَدَمَيْهِ الأرْضَ، فَأجْعَلُهُ في الهَواءِ، ثُمَّ أكِلُهُ إلى نَفْسِهِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبٍ قالَ: في حِكْمَةِ آلِ داوُدَ: حَقٌّ عَلى العاقِلِ ألّا يَشْتَغِلُ عَنْ أرْبَعِ ساعاتٍ؛ ساعَةٍ يُناجِي رَبَّهُ، وساعَةٍ يُحاسِبُ فِيها نَفْسَهُ، وساعَةٍ يُفْضِي فِيها إلى إخْوانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ [٢٦١ظ] ويَصْدُقُونَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وساعَةٍ يُخَلِّي بَيْنَ نَفْسِهِ وبَيْنَ لَذّاتِها فِيما يَحِلُّ ويَجْمُلُ، فَإنَّهُ هَذِهِ السّاعاتِ عَوْنٌ عَلى هَذِهِ السّاعاتِ وإجْماعٌ لِلْقُلُوبِ، وحَقٌّ عَلى العاقِلِ أنْ يَكُونَ عارِفًا بِزَمانِهِ، حافِظًا لِلِسانِهِ، مُقْبِلًا عَلى شَأْنِهِ، وحَقٌّ عَلى العاقِلِ ألّا يَظْعَنَ إلّا في إحْدى ثَلاثٍ؛ زادٍ لِمَعادٍ، أوْ مَرَمَّةٍ لِمَعاشٍ، أوْ لَذَّةٍ في غَيْرِ مُحَرَّمٍ.
وأخْرَجَ اِبْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، عَنْ خالِدٍ الرَّبَعِيِّ قالَ: وجَدْتُ فاتِحَةَ الزَّبُورِ الَّذِي يُقالُ لَهُ: زَبُورُ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ. أنَّ رَأْسَ الحِكْمَةِ خَشْيَةُ الرَّبِّ تَعالى.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ أيُّوبَ الفِلَسْطِينِيِّ قالَ: مَكْتُوبٌ في مَزامِيرِ داوُدَ، يا داوُدُ: تَدْرِي لِمَن أغْفِرُ لَهُ مِن عِبادِي؟ قالَ: لِمَن يا رَبِّ؟ قالَ: لِلَّذِي إذا أذْنَبَ ذَنْبًا اِرْتَعَدَتْ لِذَلِكَ مَفاصِلُهُ، فَذَلِكَ الَّذِي آمُرُ مَلائِكَتِي ألّا تَكْتُبَ عَلَيْهِ (p-٣٨٢)ذَلِكَ الذَّنْبَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: مَكْتُوبٌ في الزَّبُورِ: بَطَلَتِ الأمانَةُ والرَّجُلُ مَعَ صاحِبِهِ بِشَفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، يُهْلِكُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ كُلَّ ذِي شَفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ. قالَ: ومَكْتُوبٌ في الزَّبُورِ: بِنارِ المُنافِقِ تَحْتَرِقُ المَدِينَةُ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: في الزَّبُورِ مَكْتُوبٌ، وهو أوَّلُ الزَّبُورِ: طُوبى لِمَن لَمْ يَسْلُكْ سَبِيلَ الآثِمِينَ، ولَمْ يُجالِسِ الخَطّائِينَ، ولِمَ يَقُمْ في هَمِّ المُسْتَهْزِئِينَ، ولَكِنَّ هَمَّهُ سُنَّةُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وإيّاها يَتَعَلَّمُ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ، مَثَلُهُ مَثَلُ شَجَرَةٍ تَنْبُتُ عَلى شَطٍّ، تُؤْتِي ثَمَرَتَها في حِينِها، ولا يَتَناثَرُ مِن ورَقِها شَيْءٌ، وكُلُّ عَمَلِهِ بِأمْرٍ، لَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ عَمَلِ المُنافِقِينَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: قَرَأْتُ في الزَّبُورِ: بِكِبْرِ المُنافِقِ يَحْتَرِقُ المِسْكِينُ.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في ”نَوادِرِ الأُصُولِ“ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: قَرَأْتُ في آخِرِ زَبُورِ داوُدَ ثَلاثِينَ سَطْرًا: يا داوُدُ، هَلْ تَدْرِي أيَّ المُؤْمِنِينَ أحَبُّ إلَيَّ أنْ (p-٣٨٣)أُطِيلَ حَياتَهُ؟ الَّذِي قالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ. اِقْشَعَرَّ جِلْدُهُ، فَإنِّي أكْرَهُ لِذَلِكَ المَوْتَ، كَما تَكْرَهُ الوالِدَةُ لِوَلَدِها، ولا بُدَّ لَهُ مِنهُ، إنِّي أُرِيدُ أنْ أسُرَّهُ في دارٍ سِوى هَذِهِ الدّارِ، فَإنَّ نَعِيمَها بَلاءٌ، ورَخاءَها شِدَّةٌ، فِيها عَدُوٌّ لا يَأْلُوهم خَبالًا، يَجْرِي مِنهم مَجْرى الدَّمِ، مِن أجْلِ ذَلِكَ عَجَّلْتُ أوْلِيائِي إلى الجَنَّةِ.
وأخْرَجَ اِبْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ مالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ قالَ: في زَبُورِ داوُدَ مَكْتُوبٌ: إنِّي أنا اللَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا، مَلِكُ المُلُوكِ، قُلُوبُ المُلُوكِ بِيَدِي، فَأيُّما قَوْمٍ كانُوا عَلى طاعَةٍ جَعَلْتُ المُلُوكَ عَلَيْهِمْ رَحْمَةً، وأيُّما قَوْمٍ كانُوا عَلى مَعْصِيَةٍ جَعَلْتُ المُلُوكَ عَلَيْهِمْ نِقْمَةً، لا تَشْغَلُوا أنْفُسَكم بِسَبِّ المُلُوكِ، ولا تَتُوبُوا إلَيْهِمْ، تُوبُوا إلَيَّ أعْطِفْ قُلُوبَهم عَلَيْكم.
{"ayah":"وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِمَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ فَضَّلۡنَا بَعۡضَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ عَلَىٰ بَعۡضࣲۖ وَءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورࣰا"}