الباحث القرآني

﴿وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ أيْ أخْرَجَ مِن أصْلابِهِمْ نَسَلَهم عَلى ما يَتَوالَدُونَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، ومِن ظُهُورِهِمْ بَدَلٌ مِن بَنِي آدَمَ بَدَلَ البَعْضِ. وقَرَأ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ عامِرٍ ويَعْقُوبُ « ذُرِّيّاتِهِمْ» . ﴿وَأشْهَدَهم عَلى أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكم قالُوا بَلى شَهِدْنا﴾ أيْ ونَصَبَ لَهم دَلائِلَ رُبُوبِيَّتِهِ ورَكَّبَ في عُقُولِهِمْ ما يَدْعُوهم إلى الإقْرارِ بِها حَتّى صارُوا بِمَنزِلَةِ مَن قِيلَ لَهم:﴿ألَسْتُ بِرَبِّكم قالُوا بَلى﴾ فَنَزَلَ تَمْكِينُهم مِنَ العِلْمِ بِها وتَمَكُّنُهم مِنهُ بِمَنزِلَةِ الإشْهادِ والِاعْتِرافِ عَلى طَرِيقَةِ التَّمْثِيلِ ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿أنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيامَةِ﴾ أيْ كَراهَةَ أنْ تَقُولُوا. ﴿إنّا كُنّا عَنْ هَذا غافِلِينَ﴾ لَمْ نُنَبَّهْ عَلَيْهِ بِدَلِيلٍ. ﴿أوْ تَقُولُوا﴾ عُطِفَ عَلى ﴿أنْ تَقُولُوا﴾، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو كِلَيْهِما بِالياءِ لِأنَّ أوَّلَ الكَلامِ عَلى الغَيْبَةِ. ﴿إنَّما أشْرَكَ آباؤُنا مِن قَبْلُ وكُنّا ذُرِّيَّةً مِن بَعْدِهِمْ﴾ فاقْتَدَيْنا بِهِمْ لِأنَّ التَّقْلِيدَ عِنْدَ قِيامِ الدَّلِيلِ والتَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ بِهِ لا يَصْلُحُ عُذْرًا. ﴿أفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ المُبْطِلُونَ﴾ يَعْنِي آباءَهُمُ المُبْطِلِينَ بِتَأْسِيسِ الشِّرْكِ. وقِيلَ لَمّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ أخْرَجَ مِن ظَهْرِهِ ذَرِّيَّةً كالذَّرِّ وأحْياهم وجَعَلَ لَهُمُ العَقْلَ والنُّطْقَ وألْهَمَهم ذَلِكَ لِحَدِيثٍ رَواهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وقَدْ حَقَّقْتُ الكَلامَ فِيهِ في شَرْحِي لِكِتابِ « المَصابِيحِ»، والمَقْصُودُ مِن إيرادِ هَذا الكَلامِ ها هُنا إلْزامُ (p-42)اليَهُودِ بِمُقْتَضى المِيثاقِ العامِّ بَعْدَ ما ألْزَمَهم بِالمِيثاقِ المَخْصُوصِ بِهِمْ، والِاحْتِجاجُ عَلَيْهِمْ بِالحُجَجِ السَّمْعِيَّةِ والعَقْلِيَّةِ ومَنعَهم عَنِ التَّقْلِيدِ وحَمْلَهم عَلى النَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ كَما قالَ: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ ولَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ أيْ عَنِ التَّقْلِيدِ واتِّباعِ الباطِلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب