الباحث القرآني

﴿قالَ فَبِما أغْوَيْتَنِي﴾ أيْ بَعْدَ أنْ أمْهَلْتَنِي لَأجْتَهِدَنَّ في إغْوائِهِمْ بِأيِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُنِي بِسَبَبِ إغْوائِكَ إيّايَ بِواسِطَتِهِمْ تَسْمِيَةً، أوْ حَمْلًا عَلى الغَيِّ، أوْ تَكْلِيفًا بِما غَوَيْتُ لِأجْلِهِ والباءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلِ القَسَمِ المَحْذُوفِ لا بِأقْعُدَنَّ فَإنَّ اللّامَ تَصُدُّ عَنْهُ وقِيلَ الباءُ لِلْقَسَمِ: ﴿لأقْعُدَنَّ لَهُمْ﴾ تَرَصُّدًا بِهِمْ كَما يَقْعُدُ القُطّاعُ لِلسّابِلَةِ ﴿صِراطَكَ المُسْتَقِيمَ﴾ طَرِيقَ الإسْلامِ ونَصَبَهُ عَلى الظَّرْفِ كَقَوْلِهِ: ؎ لَدْنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ. . . فِيهِ كَما عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ وَقِيلَ تَقْدِيرُهُ عَلى صِراطِكَ كَقَوْلِهِمْ: ضَرَبَ زَيْدٌ الظَّهْرَ والبَطْنَ. ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهم مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ ومِن خَلْفِهِمْ وعَنْ أيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ﴾ أيْ مِن جَمِيعِ الجِهاتِ الأرْبَعِ. مَثَّلَ قَصْدَهُ إيّاهم بِالتَّسْوِيلِ والإضْلالِ مِن أيِّ وجْهٍ يُمَكِّنُهُ بِإتْيانِ العَدُوِّ مِنَ الجِهاتِ الأرْبَعِ، ولِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ مِن فَوْقِهِمْ ومِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ. وقِيلَ لَمْ يَقُلْ مِن فَوْقِهِمْ لِأنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ مِنهُ ولَمْ يَقُلْ مِن تَحْتِهِمْ لِأنَّ الإتْيانَ مِنهُ يُوحِشُ النّاسَ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ مِن قِبَلِ الآخِرَةِ، ومِن خَلْفِهِمْ مِن قِبَلِ (p-8)الدُّنْيا، وعَنْ أيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ مِن جِهَةِ حَسَناتِهِمْ وسَيِّئاتِهِمْ. ويَحْتَمِلُ أنْ يُقالَ مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ مِن حَيْثُ يَعْلَمُونَ ويَقْدِرُونَ عَلى التَّحَرُّزِ عَنْهُ، ومِن خَلْفِهِمْ مِن حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ولا يَقْدِرُونَ، وعَنْ أيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ مِن حَيْثُ يَتَيَسَّرُ لَهم أنْ يَعْلَمُوا ويَتَحَرَّزُوا ولَكِنْ لَمْ يَفْعَلُوا لِعَدَمِ تَيَقُّظِهِمْ واحْتِياطِهِمْ. وإنَّما عَدّى الفِعْلَ إلى الأوَّلَيْنِ بِحَرْفِ الِابْتِداءِ لِأنَّهُ مِنهُما مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِمْ وإلى الأخِيرَيْنِ بِحَرْفِ المُجاوَزَةِ فَإنَّ الآتِيَ مِنهُما كالمُنْحَرِفِ عَنْهُمُ المارِّ عَلى عِرْضِهِمْ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهم جَلَسْتُ عَنْ يَمِينِهِ. ﴿وَلا تَجِدُ أكْثَرَهم شاكِرِينَ﴾ مُطِيعِينَ، وإنَّما قالَهُ ظَنًّا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ لَمّا رَأى فِيهِمْ مَبْدَأ الشَّرِّ مُتَعَدِّدًا ومَبْدَأ الخَيْرِ واحِدًا، وقِيلَ سَمِعَهُ مِنَ المَلائِكَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب