الباحث القرآني

﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أيْمانِكُمْ﴾ هو ما يَبْدُو مِنَ المَرْءِ بِلا قَصْدٍ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: لا واللَّهِ وبَلى واللَّهِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ الشّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وقِيلَ الحَلِفُ عَلى ما يَظُنُّ أنَّهُ كَذَلِكَ ولَمْ يَكُنْ، وإلَيْهِ ذَهَبَ أبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى وفي أيْمانِكم صِلَةُ يُؤاخِذُكم أوِ اللَّغْوِ لِأنَّهُ مَصْدَرٌ أوْ حالٌ مِنهُ. ﴿وَلَكِنْ يُؤاخِذُكم بِما عَقَّدْتُمُ الأيْمانَ﴾ بِما وثَّقْتُمُ الأيْمانَ عَلَيْهِ بِالقَصْدِ والنِّيَّةِ، والمَعْنى ولَكِنْ يُؤاخِذُكم بِما عَقَّدْتُمْ إذا حَنِثْتُمْ أوْ بِنَكْثِ ما عَقَدْتُمْ فَحُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وابْنُ عَيّاشٍ عَنْ عاصِمٍ عَقَدْتُمُ بِالتَّخْفِيفِ، وابْنُ عامِرٍ بِرِوايَةِ ابْنِ ذَكْوانَ «عاقَدْتُمُ» وهو مِن فاعَلَ بِمَعْنى فَعَلَ. ﴿فَكَفّارَتُهُ﴾ فَكَفّارَةُ نَكْثِهِ أيِ الفِعْلَةِ الَّتِي تُذْهِبُ إثْمَهُ وتَسْتُرُهُ، واسْتُدِلَّ بِظاهِرِهِ عَلى جَوازِ التَّكْفِيرِ بِالمالِ قَبْلَ الحِنْثِ وهو عِنْدَنا خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «مَن حَلَفَ عَلى يَمِينٍ ورَأى غَيْرَها خَيْرًا مِنها فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ولْيَأْتِ الَّذِي هو خَيْرٌ» . ﴿إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِن أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِيكُمْ﴾ مِن أقْصَدِهِ في النَّوْعِ أوِ القَدْرِ، وهو مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ عِنْدَنا ونِصْفُ صاعٍ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، وما مَحَلُّهُ النَّصْبُ لِأنَّهُ صِفَةُ مَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: أنْ تُطْعِمُوا عَشَرَةَ مَساكِينَ طَعامًا مِن أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ، أوِ الرَّفْعُ عَلى البَدَلِ مِن إطْعامِ، وأهْلُونَ كَأرْضُونَ. وقُرِئَ «أهالِيكُمْ» بِسُكُونِ الياءِ عَلى لُغَةِ مَن يُسَكِّنُها في الأحْوالِ الثَّلاثِ كالألِفِ، وهو جَمْعُ أهْلٍ كاللَّيالِي في جَمْعِ لَيْلٍ والأراضِي في جَمْعِ أرْضٍ. (p-142)وَقِيلَ هو جَمْعُ أهْلاةٍ. ﴿أوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ عُطِفَ عَلى إطْعامٍ أوْ مِن أوْسَطِ إنْ جُعِلَ بَدَلًا وهو ثَوْبٌ يُغَطِّي العَوْرَةَ. وَقِيلَ ثَوْبٌ جامِعٌ قَمِيصٌ أوْ رِداءٌ أوْ إزارٌ. وقُرِئَ بِضَمِّ الكافِ وهو لُغَةٌ كَقُدْوَةٍ في قُدْوَةٍ وكَأُسْوَتِهِمْ بِمَعْنى أوْ كَمِثْلِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِيكم إسْرافًا كانَ أوْ تَقْتِيرًا تُواسُونَ بَيْنَهم وبَيْنَهم إنْ لَمْ تُطْعِمُوهُمُ الأوْسَطَ، والكافُ في مَحَلِّ الرَّفْعِ وتَقْدِيرُهُ: أوْ إطْعامُهم كَأُسْوَتِهِمْ. ﴿أوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أوْ إعْتاقُ إنْسانٍ، وشَرْطُ الشّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ في الأيْمانِ قِياسًا عَلى كَفّارَةِ القَتْلِ، ومَعْنى أوْ إيجابُ إحْدى الخِصالِ الثَّلاثِ مُطْلَقًا وتَخْيِيرُ المُكَلَّفِ في التَّعْيِينِ. ﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ﴾ أيْ واحِدًا مِنها. ﴿فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ﴾ فَكَفّارَتُهُ صِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ، وشَرَطَ فِيهِ أبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ التَّتابُعَ لِأنَّهُ قُرِئَ «ثَلاثَةُ أيّامٍ مُتَتابِعاتٍ»، والشَّواذُّ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عِنْدَنا إذا لَمْ تَثْبُتْ كِتابًا ولَمْ تُرْوَ سُنَّةً. ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ المَذْكُورُ. ﴿كَفّارَةُ أيْمانِكم إذا حَلَفْتُمْ﴾ وحَنِثْتُمْ. ﴿واحْفَظُوا أيْمانَكُمْ﴾ بِأنْ تَضُنُّوا بِها ولا تَبْذُلُوها لِكُلِّ أمْرٍ، أوْ بِأنْ تَبَرُّوا فِيها ما اسْتَطَعْتُمْ ولَمْ يَفُتْ بِها خَيْرٌ، أوْ بِأنْ تُكَفِّرُوها إذا حَنِثْتُمْ. ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ مِثْلُ ذَلِكَ البَيانِ. ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكم آياتِهِ﴾ أعْلامَ شَرائِعِهِ. ﴿لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ نِعْمَةَ التَّعْلِيمِ أوْ نِعْمَةَ الواجِبِ شُكْرَها فَإنَّ مِثْلَ هَذا التَّبْيِينِ يُسَهِّلُ لَكُمُ المَخْرَجَ مِنهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب