الباحث القرآني

﴿إنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِن وراءِ الحُجُراتِ﴾ مِن خارِجِها خَلْفَها أوْ قُدّامَها، ومِنِ ابْتِدائِيَّةٌ فَإنَّ المُناداةَ نَشَأتْ مِن جِهَةِ الوَراءِ، وفائِدَتُها الدَّلالَةُ عَلى أنَّ المُنادِيَ داخِلَ الحُجْرَةِ إذْ لا بُدَّ وأنْ يَخْتَلِفَ المُبْتَدَأُ والمُنْتَهى بِالجِهَةِ، وقُرِئَ «الحُجَراتِ» بِفَتْحِ الجِيمِ، وسُكُونِها وثَلاثَتُها جَمْعُ حُجْرَةٍ وهي القِطْعَةُ مِنَ الأرْضِ المَحْجُورَةِ بِحائِطٍ، ولِذَلِكَ يُقالُ لِحَظِيرَةِ الإبِلِ: حُجْرَةٌ. وهي فُعْلَةٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ كالغُرْفَةِ والقُبْضَةِ، والمُرادُ حُجُراتُ نِساءِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وفِيها كِنايَةُ خَلْوَتِهِ بِالنِّساءِ ومُناداتِهِمْ مِن ورائِها إمّا بِأنَّهم أتَوْها حُجْرَةً حُجْرَةً فَنادَوْهُ مِن ورائِها، أوْ بِأنَّهم تَفَرَّقُوا عَلى الحُجُراتِ مُتَطَلِّبِينَ لَهُ، فَأسْنَدَ فِعْلَ الأبْعاضِ إلى الكُلِّ. وقِيلَ: إنَّ الَّذِي ناداهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ والأقْرَعُ بْنُ حابِسٍ، وفَدا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في سَبْعِينَ رَجُلًا مِن بَنِي تَمِيمٍ وقْتَ الظَّهِيرَةِ وهو راقِدٌ فَقالا: يا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إلَيْنا، وإنَّما أُسْنِدَ إلى جَمِيعِهِمْ لِأنَّهم رَضُوا بِذَلِكَ أوْ أُمِرُوا بِهِ، أوْ لِأنَّهُ وُجِدَ فِيما بَيْنَهم. ﴿أكْثَرُهم لا يَعْقِلُونَ﴾ إذِ العَقْلُ يَقْتَضِي حُسْنَ الأدَبِ ومُراعاةَ الحِشْمَةِ سِيَّما لِمَن كانَ بِهَذا المَنصِبِ. ﴿وَلَوْ أنَّهم صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ﴾ أيْ ولَوْ ثَبَتَ صَبْرُهم وانْتِظارُهم حَتّى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ، فَإنَّ أنْ وإنْ دَلَّتْ بِما في حَيِّزِها عَلى المَصْدَرِ دَلَّتْ بِنَفْسِها عَلى الثُّبُوتِ، ولِذَلِكَ وجَبَ إضْمارُ الفِعْلِ وحَتّى تُفِيدَ أنَّ الصَّبْرَ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ مُغَيًّا بِخُرُوجِهِ، فَإنَّ حَتّى مُخْتَصَّةٌ بِغايَةِ الشَّيْءِ في نَفْسِهِ ولِذَلِكَ تَقُولُ: أكَلْتُ السَّمَكَةَ حَتّى رَأْسِها، ولا تَقُولُ حَتّى نِصْفِها، بِخِلافِ إلى فَإنَّها عامَّةٌ، وفي إلَيْهِمْ إشْعارٌ بِأنَّهُ لَوْ خَرَجَ لا لِأجْلِهِمْ يَنْبَغِي أنْ يَصْبِرُوا حَتّى يُفاتِحَهم بِالكَلامِ أوْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِمْ. ﴿لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ لَكانَ الصَّبْرُ خَيْرًا لَهم مِنَ الِاسْتِعْجالِ لِما فِيهِ مِن حِفْظِ الأدَبِ وتَعْظِيمِ الرَّسُولِ المُوجِبَيْنِ لِلثَّناءِ والثَّوابِ، والإسْعافِ بِالمَسْؤُولِ إذْ رُوِيَ أنَّهم وفَدُوا شافِعِينَ في أُسارى بَنِي العَنْبَرِ فَأطْلَقَ النِّصْفَ وفادى النِّصْفَ. ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلى النُّصْحِ والتَّقْرِيعِ لِهَؤُلاءِ المُسِيئِينَ الأدَبَ التّارِكِينَ تَعْظِيمَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب