الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ أيْ إذا كَلَّمْتُمُوهُ فَلا تُجاوِزُوا أصْواتَكم عَنْ صَوْتِهِ. ﴿وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكم لِبَعْضٍ﴾ ولا تَبْلُغُوا بِهِ الجَهْرَ الدّائِرَ بَيْنَكم بَلِ اجْعَلُوا أصْواتَكم أخْفَضَ مِن صَوْتِهِ مُحاماةً عَلى التَّرْحِيبِ ومُراعاةً لِلْأدَبِ. وقِيلَ: مَعْناهُ ولا تُخاطِبُوهُ بِاسْمِهِ وكُنْيَتِهِ كَما يُخاطِبُ بَعْضُكم بَعْضًا وخاطِبُوهُ بِالنَّبِيِّ والرَّسُولِ، وتَكْرِيرُ النِّداءِ لِاسْتِدْعاءِ مَزِيدِ الِاسْتِبْصارِ والمُبالَغَةِ في الِاتِّعاظِ والدَّلالَةِ عَلى اسْتِقْلالِ المُنادى لَهُ وزِيادَةِ الِاهْتِمامِ بِهِ. ﴿أنْ تَحْبَطَ أعْمالُكُمْ﴾ كَراهَةَ أنْ تَحْبَطَ فَيَكُونَ عِلَّةً لِلنَّهْيِ، أوْ لِأنْ تَحْبَطَ عَلى أنَّ النَّهْيَ عَنِ الفِعْلِ المُعَلَّلِ بِاعْتِبارِ التَّأْدِيَةِ لِأنَّ في الجَهْرِ والرَّفْعِ اسْتِخْفافًا قَدْ يُؤَدِّي إلى الكُفْرِ المُحْبِطِ، وذَلِكَ إذِ انْضَمَّ إلَيْهِ قَصْدُ الإهانَةِ وعَدَمُ المُبالاةِ. وَقَدْ رُوِيَ: «أنَّ ثابِتَ بْنَ قَيْسٍ كانَ في أُذُنِهِ وقْرٌ وكانَ جَهْوَرِيًّا، فَلَمّا نَزَلَتْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَفَقَّدَهُ ودَعاهُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أُنْزِلَتْ إلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ وإنِّي رَجُلٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ فَأخافُ أنْ يَكُونَ عَمَلِي قَدْ حَبِطَ، فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لَسْتَ هُناكَ إنَّكَ تَعِيشُ بِخَيْرٍ وتَمُوتُ بِخَيْرٍ وإنَّكَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ».وَأنْتُمْ» ﴿لا تَشْعُرُونَ﴾ أنَّها مُحْبَطَةٌ. ﴿إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصْواتَهُمْ﴾ يُخْفِضُونَها. عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مُراعاةً لِلْأدَبِ أوْ مَخافَةً عَنْ مُخالَفَةِ النَّهْيِ. قِيلَ: كانَ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ يُسِرّانِهِ حَتّى يَسْتَفْهِمَهُما. ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهم لِلتَّقْوى﴾ جَرَّبَها لِلتَّقْوى ومَرَّنَها عَلَيْها، أوْ عَرَّفَها كائِنَةً لِلتَّقْوى خالِصَةً لَها، فَإنَّ الِامْتِحانَ سَبَبُ المَعْرِفَةِ واللّامُ صِلَةُ مَحْذُوفٍ أوْ لِلْفِعْلِ بِاعْتِبارِ الأصْلِ، أوْ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَهم بِأنْواعِ المِحَنِ والتَّكالِيفِ الشّاقَّةِ لِأجْلِ التَّقْوى، فَإنَّها لا تَظْهَرُ إلّا بِالِاصْطِبارِ عَلَيْها، أوْ أخْلَصَها لِلتَّقْوى مِنِ امْتَحَنَ الذَّهَبَ إذا أذابَهُ ومَيَّزَ إبْرِيزَهُ مِن خَبَثِهِ. ﴿لَهم مَغْفِرَةٌ﴾ لِذُنُوبِهِمْ. ﴿وَأجْرٌ عَظِيمٌ﴾ لِغَضِّهِمْ وسائِرِ طاعاتِهِمْ، والتَّنْكِيرُ لِلتَّعْظِيمِ والجُمْلَةُ خَبَرٌ ثانٍ لِأنَّ، أوِ اسْتِئْنافٌ لِبَيانِ (p-134)ما هو جَزاءُ الغاضِبِينَ إحْمادًا لِحالِهِمْ كَما أخْبَرَ عَنْهم بِجُمْلَةٍ مُؤَلَّفَةٍ مِن مَعْرِفَتَيْنِ، والمُبْتَدَأُ اسْمُ الإشارَةِ المُتَضَمَّنِ لِما جُعِلَ عُنْوانًا لَهُمْ، والخَبَرُ المَوْصُولُ بِصِلَةٍ دَلَّتْ عَلى بُلُوغِهِمْ أقْصى الكَمالِ مُبالَغَةً في الِاعْتِدادِ بِغَضِّهِمْ والِارْتِضاءِ لَهُ، وتَعْرِيضًا بِشَناعَةِ الرَّفْعِ والجَهْرِ وأنَّ حالَ المُرْتَكِبِ لَهُما عَلى خِلافِ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب