الباحث القرآني

﴿ثُمَّ اسْتَوى إلى السَّماءِ﴾ قَصَدَ نَحْوَها مِن قَوْلِهِمُ اسْتَوى إلى مَكانٍ كَذا إذا تَوَجَّهَ إلَيْهِ تَوَجُّهًا لا يَلْوِي عَلى غَيْرِهِ، والظّاهِرُ أنَّ ثُمَّ لِتَفاوُتِ ما بَيْنَ الخِلْقَتَيْنِ لا لِلتَّراخِي في المُدَّةِ لِقَوْلِهِ: ﴿والأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحاها﴾ (p-68)وَدَحْوُها مُتَقَدِّمٌ عَلى خَلْقِ الجِبالِ مِن فَوْقِها. ﴿وَهِيَ دُخانٌ﴾ أمْرٌ ظَلَمانِيٌّ، ولَعَلَّهُ أرادَ بِهِ مادَّتَها أوِ الأجْزاءَ المُتَصَغِّرَةَ الَّتِي رُكِّبَتْ مِنها ﴿فَقالَ لَها ولِلأرْضِ ائْتِيا﴾ بِما خَلَقْتُ فِيكُما مِنَ التَّأْثِيرِ والتَّأثُّرِ وأبْرِزا ما أوْدَعَتْكُما مِنَ الأوْضاعِ المُخْتَلِفَةِ والكائِناتِ المُتَنَوِّعَةِ. أوِ ائْتِيا في الوُجُودِ عَلى أنَّ الخَلْقَ السّابِقَ بِمَعْنى التَّقْدِيرِ أوِ التَّرْتِيبِ لِلرُّتْبَةِ، أوِ الإخْبارِ أوْ إتْيانُ السَّماءِ حُدُوثُها وإتْيانُ الأرْضِ أنْ تَصِيرَ مَدْحُوَّةً، وقَدْ عَرَفْتَ ما فِيهِ أوْ لِتَأْتِ كُلٌّ مِنكُما الأُخْرى في حُدُوثِ ما أُرِيدَ تَوْلِيدُهُ مِنكُما ويُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ وآتِيا مِنَ المُؤاتاةِ أيْ لِتُوافِقْ كُلُّ واحِدَةٍ أُخْتَها فِيما أرَدْتُ مِنكُما. ﴿طَوْعًا أوْ كَرْهًا﴾ شِئْتُما ذَلِكَ أوْ أبَيْتُما والمُرادُ إظْهارُ كَمالِ قُدْرَتِهِ ووُجُوبُ وُقُوعِ مُرادِهِ لا إثْباتُ الطَّوْعِ والكَرْهِ لَهُما، وهُما مَصْدَرانِ وقَعا مَوْقِعَ الحالِ. ﴿قالَتا أتَيْنا طائِعِينَ﴾ مُنْقادِينَ بِالذّاتِ، والأظْهَرُ أنَّ المُرادَ تَصْوِيرُ تَأْثِيرِ قُدْرَتِهِ فِيهِما وتَأثُّرِهِما بِالذّاتِ عَنْها، وتَمْثِيلُهُما بِأمْرِ المُطاعِ وإجابَةِ المُطِيعِ الطّائِعَ كَقَوْلِهِ: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ وما قِيلَ مِن أنَّهُ تَعالى خاطَبَهُما وأقْدَرَهُما عَلى الجَوابِ إنَّما يُتَصَوَّرُ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ والأخِيرِ، وإنَّما قالَ طائِعِينَ عَلى المَعْنى بِاعْتِبارِ كَوْنِهِما مُخاطَبَتَيْنِ كَقَوْلِهِ: ساجِدِينَ. ﴿فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ﴾ فَخَلَقَهُنَّ خَلْقًا إبْداعِيًّا وأتْقَنَ أمْرَهُنَّ، والضَّمِيرُ لِ السَّماءَ عَلى المَعْنى أوْ مُبْهَمٌ، وسَبْعَ سَماواتٍ حالٌ عَلى الأوَّلِ وتَمْيِيزٌ عَلى الثّانِي. ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ قِيلَ: خَلَقَ السَّمَواتِ يَوْمَ الخَمِيسِ والشَّمْسَ والقَمَرَ والنُّجُومَ يَوْمَ الجُمُعَةِ. ﴿وَأوْحى في كُلِّ سَماءٍ أمْرَها﴾ شَأْنَها وما يَتَأتّى مِنها بِأنْ حَمَلَها عَلَيْهِ اخْتِيارًا أوْ طَبْعًا. وقِيلَ: أوْحى إلى أهْلِها بِأوامِرِهِ ونَواهِيهِ. ﴿وَزَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ﴾ فَإنَّ الكَواكِبَ كُلَّها تُرى كَأنَّها تَتَلَأْلَأُ عَلَيْها. ﴿وَحِفْظًا﴾ أيْ وحَفِظْناها مِنَ الآفاتِ، أوْ مِنَ المُسْتَرِقَةِ حِفْظًا. وقِيلَ مَفْعُولٌ لَهُ عَلى المَعْنى كَأنَّهُ قالَ: وخَصَّصْنا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ زِينَةً وحِفْظًا. ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ﴾ البالِغِ في القُدْرَةِ والعِلْمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب