الباحث القرآني

﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ والرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ مَزِيدُ تَرْغِيبٍ في الطّاعَةِ بِالوَعْدِ عَلَيْها مُرافَقَةَ أكْرَمِ الخَلائِقِ وأعْظَمِهِمْ قَدْرًا. ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصّالِحِينَ﴾ بَيانٌ لِلَّذِينَ أوْ حالٌ مِنهُ، أوْ مِن ضَمِيرِهِ قَسَّمَهم أرْبَعَةً بِحَسَبِ مَنازِلِهِمْ في العِلْمِ والعَمَلِ، وحَثَّ كافَّةَ النّاسِ عَلى أنْ لا يَتَأخَّرُوا عَنْهُمْ، وهُمُ: الأنْبِياءُ الفائِزُونَ بِكَمالِ العِلْمِ والعَمَلِ المُتَجاوِزُونَ حَدَّ الكَمالِ إلى دَرَجَةِ التَّكْمِيلِ. ثُمَّ الصِّدِّيقُونَ الَّذِينَ صَعِدَتْ نُفُوسُهم تارَةً بِمَراقِي النَّظَرِ في الحُجَجِ والآياتِ وأُخْرى بِمَعارِجِ التَّصْفِيَةِ والرِّياضاتِ إلى أوْجِ العِرْفانِ، حَتّى اطَّلَعُوا عَلى الأشْياءِ وأخْبَرُوا عَنْها عَلى ما هي عَلَيْها. ثُمَّ الشُّهَداءُ الَّذِينَ أدّى بِهِمُ الحِرْصُ عَلى الطّاعَةِ والجِدِّ (p-83)فِي إظْهارِ الحَقِّ حَتّى بَذَلُوا مُهَجَهم في إعْلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعالى. ثُمَّ الصّالِحُونَ الَّذِينَ صَرَفُوا أعْمارَهم في طاعَتِهِ وأمْوالَهم في مَرْضاتِهِ. ولَكَ أنْ تَقُولَ المُنْعِمُ عَلَيْهِمْ هُمُ العارِفُونَ بِاللَّهِ وهَؤُلاءِ إمّا أنْ يَكُونُوا بالِغِينَ دَرَجَةَ العَيانِ أوْ واقِفِينَ في مَقامِ الِاسْتِدْلالِ والبُرْهانِ. والأوَّلُونَ إمّا أنْ يَنالُوا مَعَ العَيانِ القُرْبَ بِحَيْثُ يَكُونُونَ كَمَن يَرى الشَّيْءَ قَرِيبًا وهُمُ الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ أوْ لا فَيَكُونُونَ كَمَن يَرى الشَّيْءَ بَعِيدًا وهُمُ الصِّدِّيقُونَ، والآخَرُونَ إمّا أنْ يَكُونَ عِرْفانُهم بِالبَراهِينِ القاطِعَةِ وهُمُ العُلَماءُ الرّاسِخُونَ في العِلْمِ الَّذِينَ هم شُهَداءُ اللَّهِ في أرْضِهِ، وإمّا أنْ يَكُونَ بِأماراتٍ وإقْناعاتٍ تَطْمَئِنُّ إلَيْها نُفُوسُهم وهُمُ الصّالِحُونَ. ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ في مَعْنى التَّعَجُّبِ، ورَفِيقًا نُصِبَ عَلى التَّمْيِيزِ أوِ الحالِ ولَمْ يُجْمَعْ لِأنَّهُ يُقالُ لِلْواحِدِ والجَمْعِ كالصَّدِيقِ، أوْ لِأنَّهُ أُرِيدَ وحَسُنَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم رَفِيقًا. رُوِيَ «أنَّ ثَوْبانَ مَوْلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أتاهُ يَوْمًا وقَدْ تَغَيَّرَ وجْهُهُ ونَحُلَ جِسْمُهُ، فَسَألَهُ عَنْ حالِهِ فَقالَ: ما بِي مِن وجَعٍ غَيْرَ أنِّي إذا لَمْ أرَكَ اشْتَقْتُ إلَيْكَ واسْتَوْحَشْتُ وحْشَةً شَدِيدَةً حَتّى ألْقاكَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ الآخِرَةَ فَخِفْتُ أنْ لا أراكَ هُناكَ لِأنِّي عَرَفْتُ أنَّكَ تَرْتَفِعُ مَعَ النَّبِيِّينَ وإنْ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ كُنْتُ في مَنزِلٍ دُونَ مَنزِلِكَ، وإنْ لَمْ أدْخُلْ فَذاكَ حِينَ لا أراكَ أبَدًا فَنَزَلَتْ.» ﴿ذَلِكَ﴾ مُبْتَدَأٌ إشارَةً إلى ما لِلْمُطِيعِينَ مِنَ الأجْرِ ومَزِيدِ الهِدايَةِ ومُرافَقَةِ المُنْعَمِ عَلَيْهِمْ، أوْ إلى فَضْلِ هَؤُلاءِ المُنْعَمِ عَلَيْهِمْ ومَزِيَّتِهِمْ. ﴿الفَضْلُ﴾ صِفَتُهُ. ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ خَبَرُهُ أوِ الفَضْلُ خَبَرُهُ ومِنَ اللَّهِ حالٌ والعامِلُ فِيهِ مَعْنى الإشارَةِ. ﴿وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾ بِجَزاءِ مَن أطاعَهُ، أوْ بِمَقادِيرِ الفَضْلِ واسْتِحْقاقِ أهْلِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب